أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - العائد














المزيد.....

العائد


عبد الستار البلشي

الحوار المتمدن-العدد: 4195 - 2013 / 8 / 25 - 19:45
المحور: الادب والفن
    


. . وأخيرا عاد. . عاد بعد غياب طويل استغرق عمرنا كله ـ نحن صغار العائلة ـ غياب شرق فيه وغرب فى طول البلاد وعرضها، وكان حظه منا الأسمـاء مجردة والدفء المستحيل، وحظنا منه سيرة غير عطرة ـ كما أرادها الآباء ـ وإن كان لا ينقصها الإبهار، كما شاء خيالنا المفتون.

كانت أخباره تأتينا نتفا وعلى فترات متباعدة، لا تروى لنا غليلا ولا تكشف عن مكان بعينه يمكننا أن نقصده فيه، إن كان هناك أساسا من يشغل باله به أو بغيابه، خصوصا بعد وفاة أمه.

ومع كل خبر يأتى عنه، يفتح الكبار صناديق الذكرى. يحكون الكثير عن صولاته التـى كنا نرى بعضـها ـ نحن الصغار ـ من قبيـل الخـوارق، والبعض الآخر ينحل بين أيدينا إلى مجرد عمليات سرقة وبلطجة ونهب عينى عينك.
ودائما ما كان الكبار يردون ما يتردى فيه من ضياع وتشرد إلى مبالغة أمـه فــــــى تدليله صغيرا؛ حيث كانت لا تــرد له طلبــا مهمــا كان شــططه، وعندما كبر كبرت معه طلباته على نحو كثيرا ما أعجز أمه عن تلبيتها. وكثيرا ما نشب بينهما الشجار لا سيما إذا طلب نقودا لشراء السجائر، عندها لم يكن يتورع عن أخذ النقود عنوة، وبالضرب إذا لزم الأمر.

****** **

وسرعان ما تسامع الناس به كابن ليل، سكير فى فجور ، حيث لم يكن يتورع عن شـرب الخمر عيانا، أما سرقاته فقد كانت فى أغلبها أقـرب إلـى




النـهب، تتم نهارا إذا عن له ذلك أو دعت إليه ضرورة، وغالبا ما كانت تستهدف الأراذل من الناس، وأحيانا لم تكن سرقات بالمعنى الدقيق، مثلما حدث عندما مر على إبراهيم المرسى فسمعه ينال منه وسط ثلة من الرجال، فعمد مباشرة إلى زريبة الأخير واقتلع بابها الضخم الذى ينوء به مجموعة من الرجال، وحمله على ظهره، ثم ألقاه فى الترعة، حيث عثروا عليه فى موسم الجفاف عندما انحسر عنه الماء.

********

عندما رأيته لأول مرة، كان يقف فى كشك الخضار الذى جهزته له العائلة بعد عودته ليعتاش منه، وكان طويلا رشيقا فى قوة ـ رغم تجاوزه للأربعين ـ تعلو وجهه وسامة واضحة، وكان فى أغلب أحواله أقرب إلى الملاينة والظرف، وفى ساعات روقانه كان يعابث النسوة اللائى يشترين منه، لكن فى غير فحش، بل إنه لم يتورع مرة عن دعوتى، أنا الصبى الصغير الذى لم ينته من دراسته الإعدادية، إلى كوب من البيرة.
ولم يكن مثله بالذى ترد دعوته، وما كان لمثلى أنا الذى يعيش سن الحلم والتشوف أن يتردد فى قبول دعوة كهذه.
وعندما بدأت الشرب، أخذ يتندر على ويتساءل: أين الشيخ محمود ـ أبى ـ ليرى ما آل إليه ابنه. لكنه والحق يقال لم يكرر هذه الدعوة ثانية، بل كان على العكس لا يمل نصيحتنا بتجنب إتيان الخمور حتى وهو فى غاية السكر .

بعد مدة اتضح لنا أن هذا الهدوء ينطوى على براكين من الغضب والعنف، مهيأة للانفجار لأوهي سبب فى سورات عنيفة لا يراعى فيها رجلا ولا امرأة. كبيرا أو صغيرا. عندها كان الجميع يتحاشونه ويلعنون اليوم الأسود الذى رجع فيه ثانية إلى البلد. والعجيب أن البعض من أبناء البلدة كان يقول للواحد منا بكل يقين: رجع من سيرد إليكم اعتباركم ويجعل لكم قيمة بين الناس.

********

وبحكم العادة والسن انشغلت عنه بعوالمى، حتى أفقت مع الجميع على زواجه من أرملة تقاربه فى العمر، لها ولد من سنى تقريبا، فاستبشر الجميع خيرا على أمل أن تحتويه وتستوعب شراسته وتوفر له استقرارا سينعكس على الجميع. وهذا ما كان لفترة جد قصيرة، عاد بعدها لسابق عهده أو على نحو أشد، وكان لزوجته النصيب الأوفى من سورات غضبه، فكثيرا ما استيقظ الجيران على صراخها فى عز الليل وهو يوسعها ضربا، فيحكمون حول أنفسهم الأغطية وهم يلعنون الاثنين، دون أن يفكر أحد فى التدخل لوقف الضرب فالمسألة لا تستأهل مواجهته حال سكره وغضبه.
ولم يمض الكثير حتى نبتت للزوجة مخالب وكشفت عن مراس صعب وأخذت ترد لزوجها الضرب بضرب ليس أقل قوة، وتواجهه بعنف مكافئ لعنفه، تمزق فيه طوق جلبابه أو تخمش وجهه بأظافرها.
لكن حياتهما لم تكن محض شــجار ونقـار فقط، فكثيـرا ما انقلب الرجل، فى أوقات سكره بل وفى غيرها، إلى مثال للرفق والحنان والزوج المحب حتى تنسى زوجته كل لحظات الكرب معه.
انشغلا بنفسيهما إلى حد بعيد، ومضت بهما الحياة مزيجا من الحب والعنف والرضى والغضب، حتى حق لزوجته أن تختصره ـ عندما يسكر ـ فى أحد رجلين: محب صاحب حيل وألاعيب فى فنون الحب مع مشاعر جياشة صادقه، أو غضب أعمى لا يوفر أى شىء. وتضيف: أما فى حال صحوه فأنتم تعرفونه مثلى تماما.

********

فى صباح شتائى بارد، وعقب ليلة ماطرة، نعى ميكرفون المسجد الزوجة، ومع النعى بدأ البعض يهمس بوجود شبهه جنائية حول الوفاة مؤكدين شكوكهم بطبعه العنيف، وكثرة شجاره مع المتوفاة، التى كانت كفاء له صحة وقوة وشبابا.
وبالفعل اتصلت الجهات الرسمية بالشائعات، وتم إخضاع المتوفاة للفحص الطبى الذى خلص إلى أن الوفاة طبيعية ولا تلا بسها أية شبهة جنائية.

بعدها كان يبدو أقل تنمرا ونظافة، وأشد حزنا، وزادت معاقرته للخمر، كما ظل غير مأمون الغضب. حتى فاجأنى فى ليلة شديدة الظلمة معترضا طريقى إلى البيت، وهو فى أكثر حالاته سكرا، وطلب منى فى صوت لم تغب عنى رقته وحنانه أن أصطحبه إلى المقابر لنقرأ الفاتحة على روح زوجة عمك ـ يعنى زوجته ـ ومرة ثانية ما كان لى أن أرفض، بل وما كان يجب. يممنا شطر المقابر. وقرأنا الفاتحة على روح المرحومة، وانتظرت منه أن نبدأ طريق العودة، لكنه كان فى ملكوت آخر، فقبضت على ذراعه وأردت سحبه فالتفت برأسه، ونظر إلى مليا وما لبث أن انفجر فى بكاء مر، كما لم أر رجلا يبكى من قبل.



#عبد_الستار_البلشي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الموت فى الظهيرة
- وقت أن صاح الديك
- سالم
- العرس
- مطاردة
- حكاية الرجل و النمر الذى تحول كلبا
- صباح باللبن


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الستار البلشي - العائد