أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟















المزيد.....

لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟


ميشيل حنا الحاج

الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 22:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
السؤال الخامس الثلاثون:
لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟

أسئلة كثيرة تلوح في ذهني حول الواقع العربي، وبعضها حول الربيع العربي . ولا أعرف من أين أبدأ. ولكني سوف أبدأ، فهي أسئلة محيرة ولا بد من طرحها بحثا عن إجابات لها. فإذا كنت أنا أجهل تلك الإجابات ، قد تكونون أنتم من العارفين ومن المزادين علما، فتزودوننا بتلك الإجابات التي نتطلع بشوق إلى الإطلاع عليها :

أولا ) لماذا رفض العرب قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين الصادر في عام 1948، والذي أعطى العرب أكثر قليلا من أربعين بالمائة من أراضي فلسطين، ولكن ها هم الآن يتفاوضون مع الإسرائيليين، للحصول على دولة مستقلة تضم 22 بالمائة فقط من أراضي فلسطين، علما أن جزءا منها هو أراضي قطاع غزة التي تخلى عنها شارون، وانسحب منها تلقائيا عام 2005 لعدم قدرته على السيطرة عليها، نظرا للأعمال الفدائية التي قام بها شباب الجبهة الشعبية في الستينات، ومقاتلو الجهاد الإسلامي وعزالدين القسام في التسعينات والسنوات التي تلت . أي أن النسبة الحقيقية من الأراضي الفلسطينية التي يتفاوض عليها الفلسطينيون الآن، ربما لا تتجوز 17 بالمائة من أراضي فلسطين ؟ لماذا ؟ ألا يحق لنا أن نتساءل: لماذا ؟

ثانيا ) لماذا تحقق الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، ولم يتحقق في أي من دول الخليج العربي؟ هل تلك الدول مصانة من كل تغيير، ومحظور عليها أن تتوصل للربيع، مفضلة أن تبقي في حر الصيف وخريفه ؟ أنا لا أعلم الإجابة على هذا السؤال، فإذا كنتم أنتم تعرفون جوابا لمثل هذا الغموض، رجاء أبلغونا .

ثالثا ) لماذا تلعب دولة عربية صغيرة مثل قطر، هي من أصغر الدول العربية إن لم تكن أصغرها قاطبة ، دور الدولة الكبرى، فتسعى لتغيير الأنظمة كما يحدث في سوريا التي تبلغ مساحتها ثلاثين ضعف مساحة قطر، وعدد سكانها البالغ عشرين مليونا أو
أكثر،أربعين ضعف سكان قطر؟ هل تسعى قطر لأن تلعب دور بريطانيا العظمى التي كانت صغيرة الحجم ، لكنها باتت تسيطر على أراض لا تغيب عنها الشمس كالهند وباكستان، وغيرها من الدول التي كانت ضمن الكومنولث البريطاني وبعضها ما زال ؟ ومن أين تستمد قطر قوتها تلك، هل تستمدها من الثروة الهائلة التي تزودها بها حقول الغاز الطبيعي ، أم من وجود تلك القاعدة الأميركية الكبرى والشهيرة التي تغطي جزءا كبيرا من مساحة قطر الصغيرة حجما في الأصل ؟ ولماذا باتت قطر معصومة من نسيم الربيع العربي الذي كاد يهب عليها مع عملية التغيير في قيادتها، عندما تنازل الشيخ حمد بن خليفة عن الإمارة لابنه الشيخ تميم بن حمد، الذي استبدل بدوره رئيس الوزراء السابق حمد بن جاسم ، المتشدد في مواقفه تجاه سوريا ، برئيس وزراء جديد كخطوة ، كما اعتقد البعض، نحو تبدل في سياسة قطر تجاه سوريا. لكنها كما تبين تدريجيا، لم تكن كذلك. فما هو سبب هذا العداء بين قطر وسوريا ؟ هل هو عداء بين مفاهيم سياسية، أم عداء ناجم عن التبعية لدولة أخرى ؟

رابعا) لماذا قام الدكتور محمد مرسي، بعد توليه مقاليد الرئاسة بأسابيع قليلة، إن لم يكن بأيام قليلة، بعزل المشير طنطاوي الذي بدأ يطعن في السن، وعزل معه الفريق سامي عنان، مما أدى إلى صعود الفريق عبد الفتاح السيسي إلى سدة القيادة ؟ ألم تجني على نفسها "براقش" عندما قامت بهذا العمل المتسرع والطائش، لا لسبب إلا لغاية الاستئثار بالسلطة التي كان يفترض بالمجلس العسكري أن يشارك فيها مرسي، بموجب مرسوم دستوري كان ساري المفعول قبل انتخاب مرسي، وكان يفترض به أن يظل قائما لفترة انتقالية قصيرة. لكن مرسي المتلهف على استلام زمام كامل السلطة دون شراكة من أحد، استخدم حادثة مقتل الخمسة عشر ضابطا في سيناء، ليعلن عن غضبه، وكأنه لم يكن يعلم بحيثيات اغتيالهم ، فأصدر مرسوما دستوريا ألغى بموجبه المرسوم الدستوري الذي سبق وأصدره المجلس العسكري وكان ساريا لبعض الوقت، ونتيجة لذاك المرسوم الدستوري "المرسي" الجديد، قرر إحالة المشير طنطاوي ومعه الفريق عنان على التقاعد، علما أن المشير طنطاوي، الذي كان قد بدأ يشيخ ويطعن قي السن، لم يكن متعطشا أو لديه طموح للقيادة. وهكذا بات من الطبيعي أن يحل محلهما في القيادة الفريق السيسي، الأصغر سنا والأكثر نشاطا ، وأكثر تطلعا لرؤية مصر قوية ومستقرة .

خامسا) لماذا تخلت حماس عن وضع فلسطين على رأس قائمة أولوياتها، وتحولت إلى جعل قضية الإخوان، وبالذات إخوان مصر، على رأس تلك القائمة ؟ فساهمت في عام 2011 بالعملية العسكرية التي أدت إلى إخراج مرسي من سجن وادي النطرون، متسببة بمقتل أربعة عشر حارسا وسجينا ،مع فرار أحد عشر ألف سجين "مسجل خطر" . كما ساهمت أيضا، بموجب المعلومات التي بدأت تترى مؤخرا والتي يجري التحقيق بشأنها الآن، بمقتل أولئك الضباط الخمسة عشر في سيناء ،( إن صح ذلك ) وهو الحادث الذي مهد "لمرسي" عملية إقالة المشير طنطاوي وتسلم السيسي للقيادة. فجنت بالتالي على نفسها "براقش" كما سبق وذكرنا، كما جنت حماس على قاطني قطاع غزة اللذين باتوا الآن، نتيجة التطورات الكثيرة اللاحقة، في عزلة عن العالم نتيجة لتدمير الأنفاق، وإغلاق معبر رفح الذي لن يفتح طالما ظلت حماس تقدم الدعم للإخوان في مصر وللجهاديين التكفيريين في سيناء . فكيف يتوقع من مصر أن تسمح بوصول العون والإمداد لغزة التي تتآمر ضدها، وتغذي التمرد في سيناء ضد جارتها التي طالما سعت لتحقيق المصلحة الفلسطينية عبر مساعيها المتلاحقة لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتصارعة .

سادسا ) لماذا أرسل جورج بوش الابن في شهر آذار عام 2003 ، طائراته ودباباته لتحتل بغداد . هل جاء ليقلب النظام ، أم جاء ليعتقل صدام حسين ويقدمه لمحاكمة هزلية ثم لينفذ حكم الإعدام فيه ؟ أم ترى جاء لتسليم البلاد إلى جماعة نوري المالكي المتعاطفة مع إيران، إذ أنه لم ينسحب من بغداد إلا بعد أن اطمأن إلى جلوس المالكي على كرسي الحكم ؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل يعني هذا الأمر أنه لم يطلع على حيثيات مجريات الأمور التي واجهها والده عندما جاء إلى المنطقة في عامي 1990 و 1991 بحجة تحرير الكويت (وهذا أمر ربما كان معه حق فيه )، لكنه لم يتوقف عند تحرير الكويت، إذ سارعت قواته إلى الدخول إلى الأراضي العراقية في طريقها إلى بغداد. لكن تدخل حرس الثورة الإيرانية في أواخر شباط 1991، وتغلغلها في داخل الأراضي العراقية، مع تجميعها لمقاتلين من الشيعة اللذين قامت بتسليحهم، وتوجه أولئك نحو بغداد مع نوايا بإعلان جمهورية العراق الإسلامية ، هو الذي دفع الأب بوش إلى إعلان وقف مفاجىء لإطلاق النار، مع وعد بالانسحاب فورا من الأراضي العراقية، وتقديم تسهيلات عدة للقوات العراقية التي كانت مهزومة ومفككة. وكان الهدف من ذلك كله، هو الحيلولة دون وصول القوات الموالية لإيران إلى بغداد، وقلب نظام الحكم فيه، والحلول محله في إدارة البلاد . فقوات بوش الأب، قد دخلت العراق في شباط 1991 بغية قلب نظام الحكم فيه، لكنها لم تشأ أن يحل الإيرانيون محل صدام في ادارة البلاد لما كان من عداء بين إيران والولايات المتحدة . فإذا كانت تلك أهداف بوش الأب من وقف إطلاق النار في عام 1991، وهو الوقف الذي أطال في عمر نظام صدام حسين وأدى لبقائه في السلطة حتى عام 2003، فلماذا جاء إذن جورج بوش الابن إلى العراق في ذلك العام،عام 2003 ؟ هل جاء لتمكين أنصار إيران من تثبيت أقدامهم في العراق، بعد أن سعى جورج بوش الأب إلى قطعها من خلال مساعدة صدام حسين على طردهم من العراق ؟ هل جاء الابن لتحقيق ما رفض الأب أن يسمح بوقوعه في عام 1991 ؟ وإذا كان الابن راغبا حقا في وصول التيار الشيعي متمثلا بنور المالكي إلى الحكم، وذلك تنفيذا لاستراتيجية مدروسة، فلماذا لا تساعد الإدارة الأميركية الحالية في القضاء على نشاط رجال القاعدة الذين باتوا منتشرين في أنحاء الجمهورية العراقية، واستطاعوا أن يقتلوا في الأشهر السبعة الأولى من عام 2013 عبر تفجير السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية، أكثر من أربعة آلاف مواطن عراقي بريء ؟ أليس بوسع إدارة الولايات المتحدة التي حلت محل بوش الإبن في إدارة البلاد، أن ترسل طائرات "الدرون" بدون طيار إلى العراق أسوة بما تفعله في اليمن وباكستان وأفغانستان، أو على الأقل أن تقوم طائرات الأواكس وأقمار أميركا الصناعية، برصد تحرك رجال القاعدة وإبلاغ الحكومة العراقية بالمعلومات التي تحصل عليها، تجنبا للحيلولة دون وقوع مزيد من الضحايا ؟ من يستطيع أن يفسر حقيقة ما يحدث في العراق ولماذا يحدث ما يحدث فيه ؟
سابعا ) لماذا وقعت تفجيرات الأسلحة الكيماوية في سوريا ، في غوطتي دمشق ، وفي هذا الوقت بالذات، بعد يوم واحد من وصول فريق الأمم المتحدة القادم للتحقيق في قضية استخدام السلاح الكيماوي في الحرب الأهلية الجارية الآن في سوريا ؟ لماذا هذا التوقيت بالذات؟ هل يمكن أن تكون الحكومة السورية بمثل هذا الغباء لتفعل شيئا كهذا في وقت كهذا ؟ وإذا كانت هناك بعض المخالفات السابقة في استخدام السلاح الكيماوي، وجاء الفريق الدولي للتحقيق بشأنها ، فإن الخسائر التي حققتها تلك المخالفات بغض النظر عمن ارتكبها، كانت تلحق أضرارا محدودة جدا وتسبب عددا ليس كبيرا من الضحايا. وهكذا لا بد أن نتساءل عن السبب الذي استدعى أن يكون استخدام السلاح الكيماوي في هذه المرة ، ملحقا هذا القدرالكبير من الضحايا.

فالأرقام قد بدأت بذكر خمسين قتيلا ، ارتفعت بعد ذلك ليصبح الرقم مائتين، ومن ثم عدة مئات إلى أن وصل الرقم أخيرا إلى ألف وثلاثمائة ضحية مع احتمال تصاعد رقم الضحايا . فهذا العدد الوفير من القتلى، إن صحت الأرقام ولم يكن فيها مبالغات، إنما يستوجب، على ضوء عمق الرؤيا والتحليل مع الاستعانة بمنطق الأمور، ملاحظة أمر هام وهو أنه أريد بضخامة عدد الضحايا، فرض قضية السلاح الكيماوي كأمر جدي لا يمكن بعد الآن تجنب مناقشته واتخاذ خطوات دولية عقابية بشانه، وهذا أمر لا يمكن أن تسعى الحكومة السورية إلى تحقيقه .

قد يكون المنفذون لهذا العمل الطائش والشرس، طرف ثالث ، مع استبعاد قيام المعارضة المعتدلة، أي الجيش السوري الحر، بتنفيذ جريمة كهذه. فإما أن يكون هذا العمل، قد نفذته إسرائيل بقصد الوقيعة بين الأطراف المتصارعة، مما قد يؤدي إلى ازدياد حدة القتال، أو نفذته الأطراف المتطرفة في المعارضة السورية كحزب النصرة وحزب دولة العراق والشام الإسلامية وغيرهما من الجهات المتطرفة. ولا يمكن لأحد حسم هذا الأمر بدون تحقيق دولي شامل ومتأن. وقد يستطيع المرء استبعاد إسرائيل لكونها دولة ستخسر احترام الدول الغربية التي تناصرها، لو ثبت بشكل قاطع ضلوعها في هذا الأمر، بل وقد تستدرج على نفسها عقوبات شتى. ومن هنا قد يستدعي الأمر ترجيح احتمال أن تكون المنظمات التكفيرية والجهادية التابعة لمنظمة القاعدة ، هي المسئولة عنه. وقد يرجح ذلك الاحتمال، أن المنفذين لم يكونوا على خبرة كافية ودراية تامة بكيفية استخدام السلاح الكيماوي الذي من المرجح أن يقوم الهواء بدفعه إلى مناطق لم يفكر مطلق السلاح بأنها ستصل إليه . ولو كانت الدولة هي من أطلقته، فلا بد أن تكون قد استعانت بالخبراء المتواجدين لديها، ليؤدي الأمر إلى عدد أقل من الضحايا، نتيجة انتشار المادة الكيماوية في مواقع محددة ومدروسة ، على ضوء دراسة تيارات الهواء في المنطقة التي أطلق السلاح عليها . فهذه الدراسة العلمية على يد خبراء، هي التي تمنع انتشاره على مساحات أوسع من تلك المحددة كهدف لتلك العملية .

وأنا لست عالما بكيفية استخدام السلاح الكيماوي ، ولكن لي تجربة خاصة خضتها في عام 1992 أثناء وجودي في العراق ، لتغطية كيفية قيام خبراء الأمم المتحدة بتدمير ما سمي بأسلحة الدمار الشامل، ومنها السلاح الكيماوي. فقد اصطحبني معه الفريق الدولي في إحدى جولاته لتدمير كمية من الأسلحة الكيماوية المجمعة في قاعدة المثنى. ولدى نزولنا من طائرة الهليكوبتر التي أقلت خبراء الأمم المتحدة، كما أقلتني وبرفقتي مصور معي هو خضير مجيد، وقبل الدخول إلى القاعدة التي جمعت فيها الأسلحة الكيماوية العراقية ، سلمنا ملابس خاصة مصنوعة من مواد شبه بلاستيكية، وبدونا فيها حين إرتديناها كرجال الفضاء . وهنا نبهنا رئيس الفريق وهو يلوح بحقنة كبيرة كتلك التي ربما تستخدم في حقن الخيل، محذرا بأننا قد نشعر بالدوار والغثيان أثناء تواجدنا في الحقل . فإذا شعر أي منا بهذه الأعراض، "فإن عليه أن يبلغني فورا"، أي يبلغ رئيس الفريق، كي أحقنه بهذه المادة الضرورية في حالة كهذه .

ودخلنا بعد ذلك إلى حقل المواد الكيماوية، وبدأنا نتجول فيه. وأخذ رئيس الفريق مع مساعديه ، ينشرون بعض المواد الكيماوية في خط مستطيل تمهيدا لتفجيرها وإتلافها. وكان رئيس الفريق بين الفينة والأخرى يفحص اتجاه الهواء، فطلبت منه أن يفسر لي ما يفعله، فقال بأنه مضطر لأن يفحص الهواء مرة تلو الأخرى، كي يتأكد من اتجاه تيار الريح إن كان ملائما للتفجير أم لا . فالتفجير في الظرف الخاطىء، مع وجود تيار هوائي غير مستحب ، قد يحمل المادة الكيماوية إلى منطقة آهلة بالسكان فيتسبب بمقتلهم. ومن هنا كان يتوجب عليه أن يتأكد بأن تيار الهواء ملائم للتفجير، ولن يحمل هذه المادة الكيماوية إلى منطقة غير مرغوب بوصول تلك المادة إليها، إذ يجب أن يتأكد بأنها سوف تتوجه إلى منطقة خالية من السكان .

وتذكرت عندئذ دراسة نشرتها إحدى الصحف البريطانية حول السلاح الكيماوي الذي أطلقه العراق في الثمانينات أثناء حربه مع إيران، ولكنه استقر في حلبجة متسببا بمقتل العديد من المواطنين الأكراد. وقد خرجت الدراسة باستنتاج أن السلاح الكيماوي قد أطلق فعلا باتجاه إيران ، لكن الريح حملته نحو حلبجة فقضى أولئك الأكراد الأبرياء نحبهم .

وهكذا نلاحظ أن اتجاه الريح هو عامل فاعل وهام في تحقيق النتائج التي يسعى المفجر إلى تحقيقها . لكن عامل الريح لم يكن هو الدرس الوحيد الذي تعلمته من تلك التجربة، إذ تعلمت أيضا ألا أقترب كثيرا من الأسلحة الكيميائية ، وهو أمر حذرنا منه رئيس الفريق، لكنني لم أعمل به. ففي لحظات الشعور بتحقيق شيء هام من تواجدي مع المصور في هذا الموقع، كنا ننسى أنفسنا ونقترب كثيرا، بل وكثيرا جدا من بعض تلك الأسلحة. وكانت هناك عدة قذائف من صواريخ سكود معروفة باسم "الحسين" و "العباس". وكانت المواد الكيماوية فيها قد بدأت تتلف نتيجة إبقائها تحت حرارة الشمس لفترة طويلة، ولذا بدأت بعض صواريخ "العباس" يرشح من غلافها مواد على شكل زبد أو رغوة صابونة. ونظرا لرغبتنا في التقاط أكبر عدد ممكن من الصور، فقد اقتربنا كثيرا من تلك الصواريخ، ووقفنا في بعض الأحوال على مسافة لا تزيد عن المتر، بل والنصف متر أحيانا. ولم ألحظ عندئذ الخطأ الذي إرتكبته، إلا أنني شعرت بعد قليل بالدوار والغثيان الذي أشار إليهما رئيس الفريق. وحاولت أن أقاوم وأن أنكر بأن ذلك يحدث لي فعلا، ولكني وصلت مرحلة لم يعد يجدي معها الإنكار. إلا أنني لم أجرؤ على إبلاغ رئيس الفريق بما حدث لي خوفا من أن يحقنني بتلك الحقنة الماردية. لكني أبلغت زميلي بما أشعر به، وطلبت منه أن يتركني أتوكأ على كتفه كي لا أقع، وذلك حتى أصل إلى خارج حقل الكيماويات، وبدون أن نشعر رئيس الفريق بما كان يحدث لي . ولدى خروجنا من بوابة الموقع، كانت هناك أوعية كبيرة تحتوي موادا كاشفة للمواد الكيماوية، وكان يطلب منا أن نضع أقدامنا المغطاة بحذاء كبير من المواد الخاصة الشبيهة بأحذية رواد الفضاء، في تلك الأحواض. وعندما فعلت ذلك، كانت هناك فقاقيع كبرى كفقاقيع الصابون حول قدمي أكدت، كما قال الخبير المشرف على عملية الفحص، أننا قد حملنا كمية كبرى من آثار المواد الكيماوية بسبب اقترابنا كثيرا من تلك الأسلحة الخطرة. والواقع أنني قد عانيت الكثير من المخاوف، خشية أن تكون تلك المواد الكيماوية قادرة على التسبب بإصابتي بأورام سرطانية. وقد لاحقتني المخاوف من إصابة كهذه على مدى عشر سنوات . ولحسن الحظ فقد نجوت من هذه الآثار المرعبة .

وإذا كان التحقيق المتوقع حدوثه عاجلا أو آجلا ، سوف يكشف حقيقة ما حدث في غوطتي دمشق، ولن يبقى بالتالي هناك دواع للتساؤل: "لماذا" حول هذا الموضوع، فإن "لماذات" أخرى كثيرة ستظل قائمة بدون إجابات، منها الأسئلة سابقة الذكر، إضافة إلى عدد آخر من التساؤلات التي لا مجال لإطلاقها جميعا في مقال تساؤلي واحد.

Michel Haj



#ميشيل_حنا_الحاج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متى يتعلم الأميركيون من أخطائهم ؟ متى ؟
- هل أطل علينا أخيرا ربيع عربي حقيقي، أم علينا أن ننتظر؟
- لماذا تقصف طائرات -درونز- الأميركية مواقع -القاعدة- في اليمن ...
- من ينقذ الأردن من بركان ربيعي مدمر ؟
- متى يزهر الربيع العربي في السودان، أم أنه قد تحقق قبل كل فصو ...
- متى يدرك القادة العرب أن -المغول- قادمون؟
- ألا يدرك الإخوان المسلمون في مصر، أن محاولتهم لاستدراج الحكو ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- Arab Spring Question 25 أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حل الواقع العربي والربيع العربي – الس ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابةحول الواقع العربي والربيع العربي- السؤا ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي – ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي - ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي ‏ ال ...
- أسئلة تحتاج إلى إجابات حول الواقع العربي والربيع العربي السؤ ...


المزيد.....




- أطلقوا 41 رصاصة.. كاميرا ترصد سيدة تنجو من الموت في غرفتها أ ...
- إسرائيل.. اعتراض -هدف مشبوه- أطلق من جنوب لبنان (صور + فيدي ...
- ستوكهولم تعترف بتجنيد سفارة كييف المرتزقة في السويد
- إسرائيل -تتخذ خطوات فعلية- لشن عملية عسكرية برية في رفح رغم ...
- الثقب الأسود الهائل في درب التبانة مزنّر بمجالات مغناطيسية ق ...
- فرنسا ـ تبني قرار يندد بـ -القمع الدامي والقاتل- لجزائريين ب ...
- الجمعية الوطنية الفرنسية تتبنى قرارا يندد بـ -القمع الدامي و ...
- -نيويورك تايمز-: واشنطن أخفت عن روسيا معلومات عن هجوم -كروكو ...
- الجيش الإسرائيلي: القضاء على 200 مسلح في منطقة مستشفى الشفاء ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 680 عسكريا أوكرانيا وإسقاط 11 ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميشيل حنا الحاج - لماذا ...لماذا ...لماذا ؟؟؟