أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فهد المضحكي - امرأة من جورجيا














المزيد.....

امرأة من جورجيا


فهد المضحكي

الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 17:37
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


كان المطر في الخارج ينهمر بقوة، وقفت عند اسفل الدرج الخشبي تتأمل لفيفاً من نزلاء الفندق، عيناها الصغيرتان تنظران الى احذيتهم الرطبة، يأتي صوتها الخافت: حسناً سأعمل بجهد لإزالة بقع المياه التي خلّفتها تلك الاحذية، ورغم التعب الذي كان يسكن مفاصلها مسكت المجففة وراحت تمسح الارض بشده.
وفجأة تمتمت بصوت مسموع قالت وهي متجهة نحو المطبخ: لعلني أجد مجففة افضل منها!
هكذا ترجم لي موظف الاستقبال الجورجي «ديفيد» ما قالته تلك العاملة التي تجاوزت الخمسين عاماً بقليل أو كادت. وهكذا كل صباح تدبّ الحيوية في عروقها وهي تصافح النزلاء ببسمه عذبة.. وهكذا كلما تذكرت احزان هذه المدينة المتهالكة التي تئن تحت وطأة الفقر وأطماع المافيا اعداء الكادحين والانسانية تقول في نفسها: اللعنة على أولئك الذين قتلوا الحب وسلبوا الحياة وخانوا الوطن بعد ان كان كل يوم يصحوا على أشعة الشمس يتلمس اجمل سنواته وأجمل حكايات الحب وكلمات النشيد الاممي.. اللعنة على اولئك الخونة الذين باعوا الأوطان في زمن ضج بالمتاجرين والانتهازيين وبالطارئين السياسيين الذي لم ينحازوا قط الى الوطن بل الى الامريكان الذين دمروا جورجيا وغيرها من الأوطان!
كانت منهكة عندما دخل الى البهو نزلاء جدد، كانت خطوط غائرة تملأ جبينها، عيناها غائرتان تخفيان حسرات وحلماً بحياة افضل، وفي اعماق ذاتها كانت تتساءل: كم مرّ من الزمن الذي يفصلنا؟ زمن راهن فيه السماسرة الذين يتربّصون بالوطن مقابل حفنة من الدولارات.. زمن تقاسم فيه اللصوص وعشاق السحر والخرافة وتجار الأفيون والنساء ثرواته.. زمن أصر فيه الممثلون الفاشلون القيام بدور القديسين في مسرحية ضعيفة فاشلة.. زمن ضجت فيه الطرقات والأرصفة بالمشردين والمتسولين والعاطلين عن العمل!
في تلك اللحظة نزل مطر غزير، هبت رياح شديدة، انتفض البرق في ايقاعات مليئة بالاضواء وكلما سقط المطر بقوة قالت المرأة في صوت فرح: لم أكن مخطئة عندما قلت: اليوم قد تشتد العاصفة وتغتسل المدينة من جرم القتلة والعابثين الذين حوّلوا «جورجيا» من أرض الزهور والسلام الى أرض يتوه فيها الفقراء، الى ارض تحاك فيها المؤامرات ضد الشيوعيين! كم كان ملاحقة الشرفاء قاسياً؟
في حينها تساءلت لماذا كلما اشتدت العاصفة في الخارج اتسعت حدقتا عينيها؟ لماذا هي فرحه؟
لماذا يلمع صدى ابتسامتها في عينيها اللتين كانتا بلون السماء الزرقاء؟ هل لأنها تذكرت الرائعة الأدبية «نذير العاصفة» للمبدع مسكيم جوركي التي تُعد صرخة من الاعماق وهو يقول فيها: السحب تتجمع وتتكاثف فوق صفحة البحر العريضة القائمة والأمواح الغاضبة.
إنه يطير وبجناحيه يشق الأمواج، وبالجناح الآخر يمزق وجه السحب. إنه يصيح والسحب تصغي فرحة الى صيحات نذير العاصفة، لأن في دعائه الشجاعة والإيمان السامي بالنصر. ولكن طيور البحر تصرخ وتحاول الخلاص من اسر الأمواج وطيور «الغطاس» التي لا تعرف افراح الجهاد تجأر مثلها تصرخ وطيور السنجاب الحمقاء تخفي أجسامها السمينة خلف الصخور. ها هو نذير العاصفة يحوم وحده الآن بين الأمواج شجاعاً حراً غاضباً. والامواج تطغى وتثور وتكاد تحجب سطح البحر. الأمواج تغني، وترقص رقصها الوحشي، وتصعد هادرة نحو الرعد فيلتحمان في صراع رهيب وينفجر الرعد شذراً.
الامواج تثور وتجأر غضباً وتصارع العاصفة في عنفوان مخيف. فيلاقيها الاعصار ويحتويها بين أحضانه ويرطمها بالصخور في ثورة ووحشية. وترتفع الصخور شامخة متألقة بحبات الزمرد واللؤلؤ. ونذير العاصفة يسري خفية وقد علق بجناحيه الزبد، يضحك ويبكي يضحك من العاصفة ويبكي فرحاً فقد عرف ان الرعد ستنطفئ حممه وأن الظلمات لن تحجب الشمس طويلاً. ولكن العاصفة تشتد والصاعقة تنقض والامواج تحترق لهباً زرقاء، فوق هاوية المحيط، والمحيط يمسك بالبروق ويغيبها في أعماقه فتندلع سهامها النارية كالثعابين تخترق كبد الامواج، وهي تتلاشى رويداً. وصاح نذير العاصفة والمحيط في عنفوان الغضب:
ــ العاصفة! العاصفة!
فجاوبه نذير النصر:
ــ آه، لو تشتد العاصفة وتعنف.
هكذا تساءلت وأنا أراقب عن كثب تلك المرأة التي انتابها الضعف من شدة وطأت الحياة عليها ولكنها تبتسم بلا انقطاع فرحة بالعاصفة.
نظرت الى «ديفيد» مندهشاً من فرحها للعاصفة ولزمت الصمت وقلت في داخلي:
فلتشتد العاصفة حتى يلمع وجه الفجر وتلمع خيوط الصباح وترفرف الرايات الحمراء من جديد فوق ارض الزهور والسلام التي أنجبت الرجل الفولاذي جوزيف ستالين.



#فهد_المضحكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحل العفيف الأخضر ولم يرحل!
- إدانة الإرهاب مسؤولية وطنية
- الاسلام السياسي والديمقراطية!
- الطائفية واحدة من أخطر الآفات!
- المدينة العربية «صورة لانتكاسة الحداثة»
- احتجاجات تركيا من منظور ماركسي
- حول الأزمة السياسية
- مفهوم الدولة والدولة الحديثة
- مصالح مشتركة
- مستقبل النظام السياسي في إيران.. إلى أين؟
- شهر العسل بين الأمريكان والأخوان لماذا؟ وإلى متى؟
- محمد جابر الصباح قامة وطنية كبيرة
- قانون الجمعيات الأهلية الجديد والقيود الإدارية!
- حول الأزمة الاقتصادية الإيرانية
- يوم المرأة العالمي 2013
- شكري بلعيد.. ضحية قدر المتأسلمين
- أوسكار نيماير
- تسييس الدين وتديين السياسة!
- رسالة من امرأة إلى رجل متأسلم
- الربيع العربي: الاتجاه نحو ردة فعل رجعية


المزيد.....




- ” قدمي حالًا “.. خطوات التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الب ...
- دراسة: الوحدة قد تسبب زيادة الوزن عند النساء!
- تدريب 2 “سياسات الحماية من أجل بيئة عمل آمنة للنساء في المجت ...
- الطفلة جانيت.. اغتصاب وقتل رضيعة سودانية يهز الشارع المصري
- -اغتصاب الرجال والنساء-.. ناشطون يكشفون ما يحدث بسجون إيران ...
- ?حركة طالبان تمنع التعليم للفتيات فوق الصف السادس
- -حرب شاملة- على النساء.. ماذا يحدث في إيران؟
- الشرطة الإيرانية متورطة في تعذيب واغتصاب محتجزات/ين من الأقل ...
- “بدون تشويش أو انقطاع” تردد قنوات الاطفال الجديدة 2024 القمر ...
- ناشطة إيرانية تدعو النساء إلى استخدام -سلاح الإنستغرام-


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - فهد المضحكي - امرأة من جورجيا