أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بودريس درهمان - متى كان للإخوان تصور للدولة؟















المزيد.....

متى كان للإخوان تصور للدولة؟


بودريس درهمان

الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 14:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مفهوم الدولة العميقة الذي يتبناه تيار الإخوان المتأسلمين هو مفهوم مستمد من التحليل النفسي الفرودي الذي يعتقد بشكل افتراضي في وجود شيء يسمى العقل الباطن. مفهوم الدولة العميقة الإخواني هو نوع من الاسقاط لمفهوم العقل الباطن الذاتي للفرد المطلق على العقل المجتمعي الدولتي المتعدد، المقيد و المنظم وفق معطيات العلوم الحديثة سواء كانت هذه العلوم قانونية، سياسية اجتماعية أو علوم عصبية.
الاعتقاد في وجود العقل الباطن للدولة، أي ما يسمى الدولة العميقة يلغي كل القوى الفاعلة و يلغي كل القوانين و المساطر و تعدد السلطات المعمول بها بداخل الدول الديمقراطية الحديثة. بالنسبة للإخوان المتأسلمين علاقة العقل الباطن للدولة مع باقي القوى الفاعلة الاخرى كعلاقة العبد و السيد او علاقة الخالق بالمخلوق و هذا لا يمكن ان يتقبله عاقل.
مفهوم الدولة العميقة هو تصور خاطئ لكيفية اشتغال الدول الحديثة و هو مفهوم تخيلي يتم الاستناد اليه من اجل تبرير العجز و تبرير عدم القدرة على مواجهة قوى الكساد الاقتصادي و حركات الفساد السياسي التي تتكاثر كالفطر بسبب الموارد المتعددة للاقتصاد الاسود، كما يتم الاستناد الى هذا المفهوم الخاطئ كذلك لتبرير عدم الدخول في التحالفات الضرورية لمواجهة القوى التي يعمل المجتمع الدولي عبر تشريعاته المختلفة على محاربتها و تجريمها.
هذا التمثل الخاطئ لكيفية اشتغال مؤسسات و اجهزة الدولة الحديثة هو الذي خلق للإخوان المتأسلمين انتكاسة سياسية في مسارهم السياسي خصوصا لما مارسوا انتهازية غير مشهود لها في التاريخ السياسي الحديث حينما قاموا بالاستفراد بالسلطة التنفيذية لجهاز الدولة و حاولوا في ما بعد الاستحواذ على جهاز الدولة بل و عزموا على تحقيق جهاز الدولة الدينية الشمولية الذي يشرع و يقاضي و ينفذ في نفس الوقت، بدون اي مراعات لمبدأ فصل السلط.
هذا التمثل الخاطئ من طرف الإخوان المتأسلمين لكيفية اشتغال الدولة المدنية الحديثة جعلت بعض القوى الدولية الذكية تقوم بتوظيفهم من أجل تحريك التاريخ في الاتجاه الخطأ أي في اتجاه خلق حمام دم كما حدث في الجمهورية المصرية و في اتجاه خلق العجز الاقتصادي كما حدث في المملكة المغربية و لربما حتى في اتجاه خلق الانتكاسة الحضارية كما بدا يتجلى في الجمهورية التركية اللائكية.
الاعتقاد في وجود شيء اسمه الدولة العميقة المتماثل مع العقل الباطن الذي استند اليه التحليل النفسي الفرويدي لثلاثينيات القرن الماضي لا يمكن بتاتا ملامسته و معاينته في كيفية اشتغال الدول الديمقراطية الحديثة، لأن أي واقعة سياسية إلا و يمكن استخلاص بأنها خلاصة لتفاعلات قوى سياسية متعددة و حتى لو افترضنا بوجود حقيقي للدولة العميقة فهذه الدولة العميقة ستجد نفسها في مواجهة مع قوى سياسية و اجتماعية أخرى و ستتحول هي الاخرى الى قوة سياسية من بين القوى السياسية المتنافسة على نسبة التمثيلية الديمقراطية في الجهاز التنفيذي. الاعتقاد في وجود الدولة العميقة هو اعتقاد مناور فقط و يتوخى المساهمة في تعجيز القوى السياسية و الاجتماعية من اجل عدم بناء نموذج حقيقي للدولة الديمقراطية المبنية على التعدد السياسي و احترام القوانين.
مفهوم الدولة العميقة مفهوم مثالي متحايل و بدون اي قوة مادية ملموسة و هو مفهوم مناور يتوخى تحييد القوى السياسية المادية الفاعلة في التاريخ عن طريق التنويم كما تقوم بذلك تقنيات التنويم المعمول بها في نظريات التنويم الفرودية. معاينة معطيات الواقع لا تسمح بالاعتقاد في وجود شيء اسمه الدولة العميقة في حين معاينة هذه المعطيات و في جميع الدول الديمقراطية الحديثة تسمح بالتسليم بوجود شيء اسمه المؤسسات و القوى السياسية و النقابية بالإضافة الى المفكرين و المثقفين و الاعلاميين و القوى العاملة المنتجة. وهذه المؤسسات و القوى المنتجة تتكتل بداخل النسيج الاقتصادي و المجتمعي على شكل اعمدة متينة تستند اليها اجهزة الدولة من اجل حماية الوطن و المواطنين.
اذا كان مفهوم الدولة العميقة مفهوما مثاليا شبحيا و متحايلا على مجريات الأحداث فان مفهوم أعمدة الدولة، هو مفهوم علمي يساعد على معاينة تكتلات سياسية و نقابية متحالفة مع قوى منتجة و فاعلة و هذه الاعمدة هي التي تضمن التحولات الديمقراطية المستمرة و الدائمة و هذه الاعمدة هي التي تضمن استمرارية النموذج الديمقراطي المتعدد.
أعمدة الدولة لا علاقة لها بشيء اسمه الدولة العميقة لأن هذه الاعمدة هي قوة مادية ملموسة في الحقل الاجتماعي و السياسي و على أحد هذه الأعمدة ينبني الجهاز التنفيذي الذي تفرزه صناديق الاقتراع.
كلمة أعمدة الدولة هي جمع لكلمة عمود او عماد و مفهوم العمود او العماد هي ترجمة حرفية لكلمة COLONNE باللغة الفرنسية، و هي مفهوم علمي مشتق من العلوم العصبية الحديثة التي أثبتت حقائقها العلمية أن الخلايا العصبية للدماغ البشري تترابط في ما بينها على شكل أعمدة عصبية COLONNE CEREBRALE، و نفس الشيء بالنسبة للخلايا الاجتماعية و الاقتصادية التي تشتغل على شكل مترابطات تعبر عن نفسها بواسطة تمثلات و تصورات فكرية سياسية و أمنية متراصة. مفهوم العماد هو مفهوم مادي صلب في حين مفهوم الدولة العميقة هو مفهوم اجرائي مخابراتي مناور اقرب في دلالته الى المفهوم الانكلوساكسوني المعمول به في مجال المخابرات و المعروف بتقنية stay behind، بمعنى الوقوف وراء الاحداث و مراقبتها و توجيهها حسب الحالات و التحولات الدولية، هذه التقنية التي يستند اليها مفهوم الدولة العميقة تتوخى الغاء كل القوى السياسية الفاعلة و جعلها رهينة لقوة شبح أشبه بالقوى الشبح التي تتحكم في مفاصل الدول الدينية القائمة على سلطة الفقهاء.
العالم العصبي الفرنسي جان بيير شانجو الذي يعود اليه الفضل في اكتشاف الموصلات العصبية يؤكد في كتابه الانسان العصبوني بان الدماغ البشري يتكون من ثلاث انواع من الخلايا هذه الخلايا هي: الخلايا الهرمية، الخلايا على شكل نجوم و الخلايا المغذية. الخلايا الهرمية تخترق الدماغ البشري من النخاع الشوكي على مستوى الجذع الى الجبهة الامامية على مستوى الفص الأمامي و هذه الخلايا يؤكد معظم علماء الاعصاب بأنها تترابط في ما بينها على شكل أعمدة في حين الخلايا على شكل نجوم فهي موضعية و تقتصر على ترابطات محلية محدودة.
مفهوم اعمدة الدولة هو اشبه بتلك الخلايا الهرمية التي تخترق كل مفاصل المجتمع و ثنايا الاقتصاد و البنيات الذهنية و التصورات المتعددة و هذه الخلايا الهرمية تنتظم على شكل أعمدة تساهم الاحزاب السياسية و النقابات و المثقفيين و الاعلاميين في الانصهار معها وفق التحولات الدولية و الضرورات الاقتصادية.
مفهوم الاعمدة العصبية هو اكثر اداء و اكثر نجاعة من كل التنظيمات الاخرى بما فيها تنظيم حزب الطبقة الاجتماعية أو تجمع الاخوانية الدينية المتعالي على المجتمع بالإضافة الى شيوخ العشيرة و القبيلة.
مفهوم الاعمدة العصبية هو مفهوم تتداخل فيه كل الانشطة السياسية الاقتصادية الفكرية و الثقافية و كل عمود من هذه الاعمدة إلا و يتميز بالانسجام على مستوى الرؤيا بين كل مكوناته و القاسم المشترك بين كل الاعمدة العصبية للدولة هي الهوية الوطنية المكونة من الثقافات الوطنية المتعددة بالإضافة الى العقائد الدينية التي تكون في بعض الاحيان عقائد دولة و في احيان أخرى عقائد مجتمع.
مفهوم الدولة العميقة مفهوم تنويمي مثله مثل العقل الباطن الذي يعمل التنويميون على تنويمه من اجل العلاجات النفسية و هو نفسه العقل الذي يعتمد عليه المتأسلمون من اجل التقاط اشارات و فلتات لسان السلطة و زلاتها من اجل تبرير الافعال المرتكبة و اعتبارها من تخطيط العقل الباطن للدولة.




#بودريس_درهمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موسم الفرار من السجون
- لماذا يصلح رئيس الحكومة ؟
- حكومة بنكيران هي حكومة دستورانية فقط
- هذا ما جناه دستور الاخوان
- مطلب الانفصال عن الوطن الام غير متضمن في تشريعات الدول الديم ...
- نظام سياسي مندمج أفضل من نظام سياسي لا هو بالفدرالية، ولا هو ...
- أزواض الثانية النائمة في الصحراء من اجل صياغة وثيقة اطار لحم ...
- النصوص التشريعية الغير ممعيرة دوليا و دخول العقل المعرفي للم ...
- الحكم الذاتي خيار اوروبي بالقانون مرة أخرى
- الرهانات الحقيقية هي الرهانات العلمية
- المملكة المغربية و مسلسلات الاستنبات السياسي
- زحزحة القارات في العلاقات الدولية الجديدة
- آليات الخطاب في المجتمعات الغير ديمقراطية و كيفية تحويل اليس ...
- التعليم العمومي بين الورثة و الممنوحين
- المجتمع التاريخي و السوسيولوجيا الأمريكية
- زيارة ثغر تلمسان و الحدود المغاربية مغلقة!
- المغاربيون و الدولة المارقة
- فشل كريستوفر روس هو فشل العقيدة الصلبة للأمم المتحدة.
- لماذا سحب الثقة من كرستوفر روس؟
- دستور الوعد و الوعيد


المزيد.....




- مطاردة بسرعات عالية ورضيع بالسيارة.. شاهد مصير المشتبه به وك ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة اختارت الحرب ووضع ...
- الشرطة الأسترالية تعتقل 7 مراهقين متطرفين على صلة بطعن أسقف ...
- انتقادات لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بسبب تصريحات -مع ...
- انهيار سقف مدرسة جزائرية يخلف 6 ضحايا وتساؤلات حول الأسباب
- محملا بـ 60 كغ من الشاورما.. الرئيس الألماني يزور تركيا
- هل أججت نعمت شفيق رئيسة جامعة كولومبيا مظاهرات الجامعات في أ ...
- مصدر في حماس: السنوار ليس معزولًا في الأنفاق ويمارس عمله كقا ...
- الكشف عن تطوير سلاح جديد.. تعاون ألماني بريطاني في مجالي الأ ...
- ماذا وراء الاحتجاجات الطلابية ضد حرب غزة في جامعات أمريكية؟ ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بودريس درهمان - متى كان للإخوان تصور للدولة؟