أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - على من سأبكي أولاً؟ قصة قصيرة














المزيد.....

على من سأبكي أولاً؟ قصة قصيرة


خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 4193 - 2013 / 8 / 23 - 10:17
المحور: الادب والفن
    


على مَن سأبكي أولاً؟
هكذا فاجأًتْ فاطمة أمّها الغارقة في دمعها السخيّ...
الأمُّ التي ربّت تسعةَ أولادٍ وخمسَ بناتٍ من قبل، تعرفُ أن الحزنَ والتعبير عنه لدى الأطفال لا يكونُ ممنهجاً مثلَما هو عند الكبار، هناكَ خارطة للحزن يتبعها الناضجون، بكاء، مجاملات، تذكُّر حسنات الميت، أو سيئاته في أحيان نادرة، أما لدى الأطفال، فالحزن يخرج مثل ماء المطر، عشوائياً ونقياً، لا يهمُّه أين يسقط وبأية كميةٍ ولا في أي وقت.

هكذا كانت فاطمة، حين تفرح، يخرج الفرح كطيورٍ ملوّنة غادرت شجرة صفصافٍ دفعةً واحدة في كل اتجاه، وحين تحزن، ينهمرُ الحزنُ من عينيها اللتين بلون العسل، من يديها، من شعرها، من شفتيها المزمومتين كفتحة كيس نقودِ جدّتها، من كل جزءٍ في جسدها، كاسرةً مقولةَ أبيها: الحزن دائماً في الوجه...

على مَن سأبكي أولاً؟
أجلسَتها أمُّها على ركبتها، وأخذت تجدّلُ شعرها العسليّ في خصلٍ صغيرة، هكذا كانت تحبّه فاطمة، وهكذا كانت تحبه أمها، وأخذت تغني لها:
يمة ويا يمة وحبيبي وينو
سكر البحر ما بيني وبينو
كنو مداين لاوفيلو دينو
عشرة عصملي ما بيهمونا
وتسأل فاطمة: شو يعني عُصملّي؟

على مَن سأبكي أولاً؟
لماذا تريد هذه البنت أن ترتب أولويات الحزن في روحها وتبكي أولاً ثم ثانياً ثم ثالثاً؟ فبالضرورة حين نقول: أولاً، أن تكون متبوعة على الأقل بثانياً وربما ثالثاً ورابعاً، وهي تعرف أن أخبار هذا الصباح كانت كثيفةً ولزجة، الموتُ على شاشات الفضائيات مختلف ومركّز، البنتُ تبكي على الأطفال بالذات حين تشاهدهم خائفين مرتجفين يبحثون عن أهاليهم، لم يحدث أن بكت فاطمة على ميّتٍ في سنواتها التسع كلها، دائماً تبكي بغرابةٍ وحزن عميقين كلما شاهدت غزالاً مجروحاً، أو أولاداً تائهين، وحتى في الحروب الأكثر دموية، تبكي من بقي على قيد الحياة أكثر مما تبكي الميتين، في إحدى الحروب التي مرت بها فاطمة، بكت ليومين متتاليين ولداً يحملُ قطته الميتة ويحاول أن يوقظها، لم تعد تذكر أين حدث هذا المشهد بالضبط، في غزة أو في لبنان أو في العراق أو في سوريا أو في مصر أو في تونس أو في اليمن، تداخلت الأحداث في رأس الأم، أما فاطمة فكانت تضع كلّ لقطةٍ في أرشيف ذاكرتها الصغير، مختومة كعلامةٍ رسمية، بيومها وتاريخها ولونها ورائحتها.

على مَن سأبكي أولاً؟
ـ وما الفرق يا فاطمة إن بكيتِ هذا أولاً أو ثانياً؟
كانت الأم تؤمن أن البكاء يغسل الروح وينقي القلب، لكنها لم تكن تفهم لماذا تهتم ابنتها بالأولويات في البكاء، لماذا أولاً وثانيا؟
ـ لأنني لا أعرف أيهما يستحق دمعاً أكثر، وكل واحد منهم يستحق دمعاً، أنا لا أحب البكاء من غير دمع، إنه كذب، أعرف أنكِ ستقولين لي: الحزن في القلب، ولكن القلب لا يحتمل أن يمتلئ بالدموع مرة بعد مرة، فإما ينفجر أو يبكي، لذلك فالناس الذين لا يبكون ولا ينفجرون يكذبون...

لم يُدهش منطقها أمَّها، فهي تعرف أن ابنتها تجاوزت عمرها بكثير، فأين ستجد طفلة في العالم عمرها تسع سنوات وعاصرت حروباً وثورات وانتفاضات؟ لم تكن تحب نضج ابنتها، لكنها نضجت على أية حال...

على مَن سأبكي أولاً؟
انتهت من آخر خصلةٍ في شعر ابنتها، ثم قالت وهي تلملم بضع شعراتٍ سقطت من أسنان المشط الصغير: قومي وأحضري قلماً وورقة، سنكتب ما يدعو للبكاء، ونرتبه في قائمة، ثم سنبكي عليها معاً واحدة تلو الأخرى...

الثالث والعشرون من آب 2013



#خالد_جمعة (هاشتاغ)       Khaled_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وجاء في كتابِ البلاد
- محمد عساف: أذهب بعيداً حيث يحلق البلبل
- خالد يطلق العصافير قصة للأطفال
- مثل كركزانٍ حزين
- غْزِيْزْلِة وخْنِيْنِص قصة للأطفال
- أنا من سرقتُ الخيلَ
- سامر العيساوي، لم أرَ من قبلُ جيشاً في نظرةِ عين...
- استشهد ميسرة أبو حمدية، ماذا عن الآخرين؟
- أنا مَنْ قالوا لكِ عنْهُ
- أجل، ستناغيك الوردة
- فيما كنتُ بذرة موسيقى
- تدمر دمشق تدمر
- يا صاحب المقام
- وليد يريد أن يكون قائد سفينة قصة للأطفال
- كيف حالُكَ؟
- الرصاص المكتوب
- لم يأتِ أحد
- هذا الفراغ، هذا الامتلاء
- أريد أن أكون حراً وجائعاً...
- ذاكرة رجل آخر قصة قصيرة


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد جمعة - على من سأبكي أولاً؟ قصة قصيرة