أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - نحو عقد ثقافى جديد















المزيد.....


نحو عقد ثقافى جديد


أماني فؤاد

الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 12:24
المحور: الادب والفن
    


نحو عقد ثقافى جديد
"معوقات التحول فى الأدب"

بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م أخذتنا الآمال العراض، فبتنا نحلم بالتحولات والانطلاقات، وتتضخم أحلامنا وتأخذنا الأهداف النبيلة وبراءة الإنسانية الصادقة دون أطماع،ونتطلع لقيمها الحرة لنصحوا تدريجياً على كابوس مروع، الثورة قد سرقت، تنازعتها فاشية عسكرية وفاشية دينية، ثم ما لبثت وأن استقرت السلطات التى تنظم مقدرات الوطن ونظم حكمه فى يد القوى الدينية: جماعة الإخوان المسلمين وجماعات السلفية المتشددة مشكلين أغلبية تصويتيه ومن ثم سياسية وتشريعية.
فصار من الحتمى أن نتحدث عن المعوقات، المعوقات التى تحول دون انطلاقة حقيقية للأدب ليواكب حياة ديمقراطية حرة، ودولة مدنية السيادة فيها للقانون الذى يتساوى أمامه جميع المواطنين وتنطلق طاقاتهم الإبداعية فى شتى المجالات.
فى البداية هناك أسئلة ينبغى أن نجيب عليها، واحترازات يجب توضيحها قبل الشروع فى مناقشة معوقات التحول لأدب متجدد حر، متميز من حيث قيمه الفنية والفكرية.
ما الأدب الذى نستهدفه وما دوره فى حياتنا؟ ما طبيعة التحولات التى نأملها؟ أين كان الأدب وإلى أى سماء نريده أن يتحول؟ أى ما هى القيود التى وسمت الأدب فى السابق، وما السمات التى ننتظرها فى القادم؟.
وهنا بالتحديد يجب أن نتريث قليلاً، فالحدث الثورى الذى مرت به مصر وكان محفزاً لأن تتجدد الآمال فى التحولات والتغيير، يتنافى مع الميكانيكية المباشرة والسريعة للربط بينهما "الحدث الثورى"، و"التحولات الأدبية".
فالتعبير عن المستجدات الثورية وانعكاساتها على الأدب عادة ما تأخذ سنوات ممتدة ليتبين لها معالم، وتتكون تجاهها رؤى واستشرافات. يخبرنا تاريخ الأدب أن "عودة الروح" لتوفيق الحكيم صدرت عام 1928م، وهى النص المجسد لروح ثورة 1919م، كما أن ثلاثية محفوظ التى تسجل لتغيرات مصر قبل وخلال وبعد ثورة 1919م صدرت عام 1959م، أى أن هناك سنوات تمر بعد الثورات وهى حبلى بطقس المخاض، ووضع رؤى وتكهنات. فالأدب الذى له سمة الخلود عادة ما يتجاوز اللحظات الزمنية المحددة ولا ينساق وراء غواية التسجيل والرصد اللحظى، ليدخل فى حيز الزمن الإنسانى الواسع وبمفهومه الممتد.
لقد كان التكريس للكائن السياسى وتأويله وتبريره، أو تجنب طرحه ومحاولة الهروب منه إلى كهوف الذات الفردية، من السمات الغالبة على الأدب فى الفترات السابقة، لكننى يجب أن أسجل أنه ليس من الجائز إطلاق أحكام عامة جامعة، تضع المنتج الأدبى كله تحت هذه السمة الغالبة، لقد وجدت الأعمال الأدبية التى حركت الساكن السياسى والاجتماعى والثقافى فى العقود الماضية،نصوص مارست نقد المجتمع، وعرت المسكوت عنه، لكنها تظل حالات فردية فى تقييمها المنصف، عدت ضمن الدوامات الخفية التى حركت السطح الراكد اجتماعياً وسياسياًو فنيا.
ويظل الإبداع الحقيقى الذى ينشده الإنسان هو الاستجابة المغايرة للأحداث أو لما نتوقع، الإنسان الذى يتطلع إلى الفن بوصفه الوسيلة إلى إطلاق الخيال وتزكية الضمير، الأداة التى تساعده على الانعتاق من أسر اليومى والعادى والضرورى، وتسمو بذاته، الأدب الذى ينمى إنسانية الكيان البشرى وينأى به عن منطقة الحيوانية والغرائزية، الإبداع الذى يدفع الذات البشرية إلى اعتراك حقيقى بالحياة، بمنظوماتها المعرفية العقلية والروحانية.
إن الفصل بين الإبداع وقضايا الواقع الذى شكل سمة فى الأعمال الأدبية فى العقود الأخيرة كان من أسبابه منهجية النظم الاستبدادية والرجعية، وهو تعتيم مباشر على العقل والوجدان يؤسس لإعادة إنتاج القهر والعنف، وهو تضييق على الوعى وتقسيمه. استطاع الأدب بما يتضمن من تقنيات وأساليب فنية فى أنواع أدبية مختلفة أن يتمكن من المراوغة والترميز والإشارة، وخلق عوالم موازية تعبيراً عن عوالم مأمولة يصبح الفن فيها زلزلة وكشفاً وإمكانات تغيير، ومارست هذه النصوص نقد الظواهر المجتمعية، والإلقاء ببذور الرفض لأوضاع جائرة متعددة.
وانطلاقاً من أن الفن وفى قلبه الأدب أحد أشكال تعبير الروح المطلق عن ذاته،تتمثل فيه قيم الإنسان ومشاعره وأفكاره، حقيقتنا الإنسانية التى تضعنا الفنون أمامها بشكل كثيف، علاقة تتميز بالمواجهة العميقة والبللورية فى سياق جمالى غير وعظى، اللوحة التشكيلية والمقطوعة الموسيقية، والكتلة النحتية، القصيدة، والقصة والرواية، الفيلم السينمائى، كلها ألوان إبداعية تطلق أعمق تخيلاتنا، تصوغ إنساناً قادراً على الانفكاك من وعاء الجسد بكل غرائزه، والتسامى فى فضاء الروح بكل فيوضاتها وإمكاناتها حيث يتعانق الجميل والقيم، حين تنصهر المتعة مع الفكر، انطلاقاً من هذه الأهمية نناقش اليوم المعوقات التى تحول دون تحوّل الأدب إلى القيام بهذه الأدوار عظيمة القيمة.
وأرى أن هذه المعوقات تنقسم إلى معقوات خارجية أو ما حول الأدب، ومعوقات داخلية أى داخل الكيان الأدبى ذاته.
أولاً معوقات ما حول الأدب:
1- أرصد أولاً تعثر وتخبط التحول فى الواقع، هذا التعثر الرؤيوى الذى يشمل التوجه السياسى والاقتصادى والثقافى الاجتماعى،أن تعثر سياسات ورؤى الواقع سينعكس بدوره على التحولات الموجودة للأدب والفن والإعلام والثقافة بمفهومها الشامل.
تستطيع الأحداث والوقائع التى تتوالى على المجتمع المصرى أن تدلل على أن المسار الطبيعى والدستورى المنظم للثورة وتنظيم السلطات للنهوض بمقدرات وشئون الدولة قد عبثت به قوى منظمة ذات صبغة دينية لا تختلف كثيراً عن القوى السابقة عليها، ولا تحمل استراتيجية فكرية تمكنها من تغيير مسارات الدولة المصرية، وحتى لحظتنا الحاضرة وبعد مرور ما يقرب من العامين لم تغير هذه السلطة من سياسات النظام السابق، فهم يكملون مسيرة لايمتلكون أدواتها، وإن تساءلنا عن كيفية استمرار الحياة فى مفاصل الدولة ومحاورها لاكتشفنا أنها تسير بقوة الدفع الذاتى، على نفس النهج القديم، كما ثبت كذب ادعاءاتهم بوجود مشروع متكامل للنهضة، واستبان للجميع محاولة استحواذهم وسيطرتهم على جميع مؤسسات الدولة المصرية، وإزاحتهم لكل القوى الأخرى فى المجتمع،وساعدهم علي ذلك تشرذم تلك القوي وفقدان التوافق بين أطيافها المختلفة: الليبرالية والديمقراطية واليسارية ، وهو ما لا يدعو إلى الأمل فى قيام دولة مدنية ينظم الحياة بها دستور عادل، يمثل كل أطياف المجتمع المصرى.
حتى هذه اللحظة لم تترجم شعاراتهم إلى واقع عملى استراتيجى ملموس يمتلك خططا محددة وقيد التنفيذ، استناداً حتى على واقع ثورى، وهو ما يدل على خواء فكرى فيما يختص بإدارة شئون البلاد فى جوانبها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
2- ثانى المعوقات فيما أرى - تتمثل فى تعدد أنواع الرقابة علي الفن والأدب: فى السابق كانت هناك رقابة مقننة من الدولة، كان هناك قانون يحكم العلاقة بين سلطة الدولة ومناحى الإبداع. وبرغم رفض المبدعين والفنانين لهذه السلطة وهذه القوانين إلا أنها كانت أكثر وضوحاً عما آل إليه الأمر الآن، اليوم هناك صور من الإرهاب الأسود الكفيف الذى باستطاعته أن يفعل أى شئ دون رادع واستنادا علي فتاوي تنم عن جهل تام بفلسفة الدين.
تعددت محرمات الجماعات الدينية بكل أشكالها المعتدل منها والمتطرف، وانتشرت الفتاوى من خلال قنوات دينية لها القدرة على دغدغة مشاعر المتلقين والهيمنة على عقول البسطاء من الشعب المصرى، وهم كثر.
لقد أصبح الهدف الأكثر إلحاحاً فى وقتنا هذا تأطير الإبداع فى مقاييس أخلاقية تحددها فئة من البشر أغلقت عقولها بحسب فهم بعض السلف لنصوص يحكمها تاريخيتها ولم يطلها التطور، كما أنها لا تدرك الفلسفة العميقة للمكونات البشرية وكيفية تنمية كل جوانبها.
وأود هنا أن أطرح تساؤلاً رئيسياً لماذا يعتقد رجال الدين المعتدل منهم والمتطرف أن الجماهير أو المتلقين للرسائل الفكرية والإبداعية بحاجة إلى الوصاية، إلى وضعهم فى غرف معقمة ضد إعمال الفكر والعقل والفن؟ أتصور أنه حفاظاً على الكهنوت المقنع الذى استمروا يشكلونه، بل وأصبحوا يحتلون عرشه توافقاً مع السلطة السياسية باختلاف أشكالها، وحفاظاً على مكاسب ومصالح كانوا ولا زالوا المستفيدين منها مناصفة مع من بيدهم السلطة.
3- ثالث المعوقات تتمثل فى رؤية قاصرة ورجعية لمن استحوذوا على السلطة بعد حدوث الثورة، وهم فى حقيقة الأمر جماعات وأفراد لا تدرك قيمة الفن والأدب.
سمعت أحدهم يتساءل فى أحد الحوارات التليفزيونية، ماذا تنتج وزارة الثقافة؟ ما المشروعات التى تنفذها هذه الوزارة؟! كأننا بصدد إنتاج سلعة وتقديمها لأولى الأمر والنهى؟ أو أن يقترح أحدهم تعليق عمل وزارة الثقافة و الهيئة العامة لقصور الثقافة للحد من النفقات في الموازنة العامة للدولة.
في ثقافتنا المتقنعة بالدين الذى هو غطاء لمآرب أخرى سياسية واقتصادية، يصم رجال الكهنوت الدينى والموالين لهم أسماعنا فى لهجات تهديد ووعيد يقولون: "الحرية لا بد لها من حدود"، "الحرية مسئولية"، "انفلات القيود فوضى عارمة وانسلاخ عن الأخلاق"، "طبيعة ثقافة منطقتنا وثوابت المجتمع"وغيرها من عبارات لاتحمل في ظاهرها مغالاة، لكن يسفر تطبيقها في الواقع عن ممارسات قمعية سافرة، هناك جريمة تتم فى تؤده على مر عقود وقرون باسم الأخلاق، جريمة تعتيم على العقل والذات البشرية القادرة على مساءلة العالم والوجود بكل ما يحتويه من معانى وقيم وثوابت ومتغيرات. فالمفكر والمثقف والفنان والأديب فائض على الدولة فى ظل الفاشية الدينية أو العسكرية.
هؤلاء القابضون على مفاصل الدولة القادرون على اتخاذ القرارات، ويتمتعون بالشرعية نتيجة الديمقراطية الصورية، تحركهم مجموعة من الآليات والمرجعيات التى يتأسس عليها خطابهم الذى اختلط فيه الجانب الدينى بالسياسى، هذه المرجعيات أستطيع أن أجملها فى ما ذكره د. "نصر حامد أبو زيد" فى كتابه "نقد الخطاب الدينى".
- التوحيد بين الفكر والدين.
- رد الظواهر إلى مبدأ واحد.
- الاعتماد على سلطة التراث والسلف.
- اليقين الذهنى والحسم الفكرى.
- إهدار البعد التاريخى.
لا بد وأنكم تشعرون معى بتهاوى هذه الآليات وضعفها وهشاشتها فكرياً، كما أنها لا تهب مساحة من الحريات الحقيقية ليزدهر فى ظل معتنقيها الإبداع الفنى بكل أنواعه.
وتفترض هذه السلطة السياسية الدينية أن مستقبل الرسالة الإبداعية أو الفكرية الخارجة عن مقاييسهم المحدودة للإبداع كائن هش يمكن السيطرة عليه مباشرة دون أدنى مراجعة أو مناقشة تتم بداخله، كما تفترض أن إيماناته ومعتقداته يمكن تقويضها بسهولة بمجرد عرض معتقدات أخرى، ولذا يضعون المتلقى أو الشعوب تحت الحجر المباشر، يتولون هم التقييم ولا يكلفون الجماهير بإرهاق عقولهم أو ممارسة التفكير. يعتبرونهم من ملوثات الإبداع والفكر بدعوات متعددة. فتارة المحافظة على الثوابت الفكرية للأمة العربية، وتارة النقل عن العصور الذهبية للإسلام وعلمائه، وتارة الحرص على هوية لا يمتلكون أدوات فهمها العميق وتعدد عناصرها وتراكمها، يحول بين هذا الفهم وعقولهم تعصب أعمى يتنافى مع الموضوعية، وإحساس بالنقص والدونية، لكنهم يغلفونه بالغطرسة والشعارات ودغدغة مشاعر سطحية لا تصمد أمام أدوات الفهم والمنطق والعقل، أمام البراح الذى يمكن أن يقدمه الفن للإنسان والمجتمع.
4- غموض المواد الخاصة بالحريات حتى الآن فى الدستور الذى وضعته اللجنة التأسيسية للدستور،وأخذ أغلبية تصويتية أيضا من الجماهير المصرية.
لم يزل هناك بعض العبارات التى تذيل المواد الخاصة بحرية الاعتقاد، وحرية الإبداع والتفكير، وإجراء التجارب العلمية، وحرية الإعلام، هذه العبارات من قبيل "بما لا يضر بالمصلحة العامة"، "بما لا يهدد أمن الوطن" أو أن تقيد مادة الدستور التى هى الأصل بالفرع كأن تذكر فى نهاية المادة و"ينظم ذلك قانون كذا..
هذه العبارات المقيدة تفتح البوابات المتسعة لمن انغلقت أذهانهم وتكلست على ما تدعيه من ثوابت لا يمكن أن يعاد النظر النقدى والفكرى والإبداعى فيها، من يعانون من أمراض التطرف، والوقوف ضد التطور وأوهام العودة بالزمان إلى الوراء، من يتصورون أن الفردوس المفقود كان فى العصور الإسلامية الأولى وفى الخلافة، وفى الأممية الإسلامية.
تتضمن بعض مواد الدساتير المنظمة للحكم فى البلاد المتقدمة نصوصا تنظم الحريات وتضمن عدم حدوث فوضى عامة، لكن تشكيلنا المجتمعى بعناصره السلفية المتشددة والمتطرفة قد يتسبب فى تقييد وتحريم الكثير من الحريات بما يؤثر فى الإبداع وطرق التفكير وهو ما لا يتسق مع تحولات نأملها فى أدب حر يواكب فكرا متطورا ومجتمع نريد له التقدم.
علينا أن نذكِّر الجميع مراراً أن الممارسة والحرية، الإبداع ونشره علي نطاق واسع، وعى المجتمع وتعليمه وثقافته، إعلامه الحر،أدوات هي الأكثر جدوى من وضع كل هذه القيود التى تهبط بمظلة من مجموعة من البشر كثر أو قل عددهم، التجربة والممارسة والانتخاب المجتمعى هم الضمان الوحيد لاستمرار المنتج الإبداعى أوتهميشه و رفضه، فى حين أن القمع والمنع والمصادرة تزيد من رغبة البشر لمعرفة هذا المجهول، بل ويسعون خلفه.
ثانياً المعوقات الداخلية:
تبرز هناك بعض المعوقات الداخلية التى تختص بداخل العملية الإبداعية.
1- سلطة النموذج الأدبى المستقر: يمثل الإبداع فى حقيقة الأمر التجاوز، الخروج على الكائن والمستقر، فهو برق ورعد واستشراف، خلق عوالم موازية تستعين بالخيال والرمز والإشارة وغيرها من تقنيات فنية، ومنذ أن استقر الأدب وتحددت له ملامح على مر التاريخ البشرى، ظهر ما سمى بالأنواع الأدبية:- ظهرت القصيدة و ما سمى بعمود الشعر العربى، المقامة، الخطبة والرسائل وغيرها من فنون أدبية، وفى العصر الحديث استقرت القصة والرواية والمسرحية والمقال وغيرها من الأنواع التى أخذناها عن الغرب.
مارست هذه الأنواع الأدبية سلطة النوع وسماته الفنية، المحددات النقدية التى نشأت فى بداية الأمر لتصف وتقنن الشكل الأدبى، ثم تحولت مع الوقت لأقانيم وأطر لا ينبغى للإبداع أن يخرج عنها، وهو ما يند عن فلسفة الإبداع ذاته وينبو على منطق الفن الذى هو بالأساس خروج وانطلاق لخلق جديد مبتكر.
2- سلطة النقد، استكمالاً للمعوق السابق يمارس النقد والقائمون عليه أحياناً نوعاً من السلطة على الإبداع، فكثيراً ما نجد الناقد الذى يتحدد أفقه المعرفى والفنى فى أطر معينة أو يتبنى الخصائص والسمات لأحد التيارات الأدبية ويمارس رفضه وتقويضه لنصوص أخرى ليست بالضرورة تتبنى نفس النهج الفكرى أو الفنى لهذا التيار أو ذاك.
كما أن الواقع النقدى كثيراً ما نجد به نماذج من النقاد الذين يحملون "عدة" جاهزة تتوافق مع أحد الأيدولوجيات، وهو ما يجعله يتعامل مع النص الإبداعى ليس من داخله ولا بذائقة وأفق معرفي مفتوح بل يلوى عنق النص ويتعامل معه بافتعال مما يفقد النص جماله وخصوصيته، ويفقد الناقد مصداقيته واتساع أفقه الثقافي، وحميمية التواصل مع كل نص على حده لإبراز تفرده.
وأستطيع أن أدعى أن معظم الممارسات والاشتبكات النقدية مع نتاج الإبداع ممارسات احتفائية واحتفالية، أكثر من كونها اشتباكا حقيقيا علميا ووجدانيا وتذوقيا مع الإبداع، هناك منطقة تقية آمنة تخير النقاد الإقامة بها لها مواصفتها: عدم توجيه نقد موضوعى يبرز مناطق الضعف بالعمل، أو افتقاد العمل للروح العميقة للفن، الفن الذى يقدم متعة الروح والعقل معاً، وإلا شكل هذا إزعاجاً شديداً للمبدع وفسر على أنه تصفية حسابات، كما يتحاشى بعض النقاد أيضاً التعرض لتابوهات المجتمع المصرى والعربى إلا نادراً: الدين، السياسة، الجنس، وبهذا الترتيب الذى ذكرته.
3- الفجوة الشاسعة بين الأدب والجماهير العريضة من المجتمع المصرى، يعانى الإبداع بكل صوره من الهامشية والإقصاء فى الوجود الحياتى لعامة الشعب المصرى والعربى ويطال ذلك الطبقة المتعلمة والجامعية منه.
هناك حالة من الانفصال مع الأدب وهو ما يرجع إلى أسباب متعددة أهمها: أن أكثر من خمسين فى المائة من المصريين أميين، وأن أربعين فى المائة منهم يعيشون تحت خط الفقر.
كما أن المناهج التعليمية والبرامج الإعلامية لا تضفر الأدب فى نسيج حياة المصرى البسيط، وتكرس المقررات لانفصال بين النماذج الأدبية التى تدرس والواقع الحياتى المعاصر للطلبة، لقدم هذه النماذج الأدبية والاغتراب اللغوى والمجتمعى الذى يشعر به الطالب معها، أو لعدم ديناميكية موضوعاتها ودفعها لخلق حالة من الاستفزاز العقلى للطالب أو التقدير الجمالى لها.
وبرغم من كل الزخم الإبداعى والإصدارات التى تتوالى لكثير من الأنواع الأدبية وخاصة فن الرواية، وما يتحلق حولها من ممارسات واشتباكات نقدية إلا أن الوجود الإبداعى والنقدى أقرب إلى الجزر المنعزلة التى لا يشعر بها الجمهور العريض.
4- التكريس لبعض الأسماء اللامعة لبعض الأدباء: الشيوخ منهم ،أو الأكثر انتشاراً ومبيعاً"البيست سيلر" والتعتيم أو التهميش على بعض المبدعين الحقيقيين الذين يعدون بمستقبل حقيقى فى الإبداع.
ويترتب على ذلك الاستحواذ على جوائز الدولة، وبعض الجوائز الخاصة لصالح مجموعة محددة تستأثر بكل شئ منذ عقود، مثل تخصيص إقامة الندوات الأدبية والثقافية للترويج لأعمالهم، تدبيج المقالات النقدية والصحفية فى الصحف والمجلات، اقتصار المنابر الصحفية والإعلامية على هذه الوجوه الشهيرة حتى وإن لم تعد تمتلك إضافة حقيقية.
5- محدودية وندرة المنابر الإعلامية والصحفية المتخصصة لنشر الإبداع والدراسات النقدية الجادة، واقتصار معظم الممارسات النقدية المنشورة على الطابع الصحفى المختزل، المقيد بمساحة محددة فى الجريدة أو المجلة وهو ما يضطر الناقد إلى التعريف بالعمل فقط دون اتاحة الفرصة له لسبر أغواره الفنية والفكرية.
6- وأريد أن أضيف هنا أهمية وجود صفحات خاصة بالأدب فى الجرائد اليومية وذلك لأنها أكثر انتشاراً ويقتنيها الجميع وليس المتخصصون فقط، وهو ما سيجعل المادة الأدبية والنقدية جاهزة وسهلة فى يد المتلقى مما سيضطره فى بداية الأمر إلى القراءة، ثم ما يلبث الأمر ويتحول إلى عادة وتذوق ومتعة ومتابعة.
أعود مرة ثانية وثالثة وألح على أن الفن منذ بدايته وحتى لحظتنا الحاضرة يدفع بالروح الإنسانية إلى فهم مكوناتها والتعالى على ضعفها، إلى تجاوز الممكن والتطلع إلى ما يمكن أن يكون، ينمى الأدب العوالم الداخلية للإنسان، يجعله يدرك الحب ومن خلاله ينفتح على الآخرين، يتفهمهم ويتعاطف معهم، ويتقبل اختلافهم، كما يكثف الفن المعانى التى توصل إليها الإنسان فى تاريخه البشرى، تجاربه الخاصة والمشتركة، تجاربه مع الطبيعة، وتصوراته عن عالم الغيب وعوالم الميتافزيقا، أتصور أن هذا هو الفن وفي القلب منه الأدب الذى نصبوا إليه وننشده، ولن يتحقق للمجتمع المصرى ومبدعيه ذلك إلا من خلال التحول الديمقراطى الحقيقى، والحصول على أعلى سقف من الحرية، وتحقيق التنمية الاقتصادية العادلة، والانفتاح على العالم وكل معطيات عصر المعرفة بأفقه المفتوح، الكف عن محاولة العيش فى مقولات تديين الدولة، والعصور الذهبية للحضارة الإسلامية، ومحاولة الرجوع إلى نهجها، وكلها أدعاءات تشكل أحكاما ساذجة تضخم مما كان ،وتعوقنا عن صنع طريق المستقبل الذى لا بد فيه من التعامل مع العالم من حولنا،وفي اللحظة التاريخية التي نحياها بكل معطياتها،وسياقاتها المعاصرة.



#أماني_فؤاد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وكلاء الله..والمراهقة السياسية
- التنازلات تبدأ تباعا..
- البوابة الذهبية للأنوثة..
- المفاهيم الخاصة بالمرأة فى وسائط الإعلام
- المرأة ثورة لم تنجز فى أدب -نجيب محفوظ-
- العيد.. ودموع في المآقي
- فلتكن رؤية بحجم اللحظة الثورية التي نعيشها
- رسائل إلى الفريق السيسي


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أماني فؤاد - نحو عقد ثقافى جديد