أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أوسم وصفي - الحق والرحمة














المزيد.....

الحق والرحمة


أوسم وصفي

الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 11:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كعادة الأزمات الطاحنة، التي تُدمي القلب، فهي أيضاً تَكشِف وتُعَلِّم. وأتصوَّر أن أهم ما أتعلَّمه الآن وأريد أن أُشارِك به، هو ذلك الاتزان والتوتّر الجدلي القائم دائماً بين العدل والرحمة.
(وبالمناسبة التوتر الجدلي بين شبه نقيضين يجتمعان؛Paradox هو مصدر الحياة فتيار الكهرباء ينشئ من السالب والموجب، والحياة تنشئ من الذكورة والأنوثة)

أما بالنسبة للحياة الروحية التي قد بثّها الله في الإنسان ويدعوه إليه دائماً فهي تنشأ من توترٍ جدليٍ دائمٍ بين الحق والعدل من ناحية والرحمة والغفران من ناحية أخرى.
فإن كنا نقول أن العلامة المائية للإيمان الحقيقي بالإله الحقيقي هي المحبة وليست التوحيد، فالشيطان يعرف ويؤمن أن الله واحد، بل ويقشعِّر من ذلك الإيمان، إلا أن ليس لديه محبة.
وما هي المحبة التي نقصدها؟
المحبة التي أعلن الله أنها صميم طبيعته: "الله محبة" ،تحوي داخلها اتزاناً دقيقاً وتوتراً جدلياً دائماً dialectic بين العدل والرحمة.

العدل محبة... والرحمة محبة....

الله يبدأ بالرحمة في التعامُل معنا، لأننا نحتاجها، فنحن خُطاة. لذلك فإن الرحمة والأمانة (النعمة، أو القبول غير المشروط) تتقدمانه، وبهما يصبر ويتأنى ويعطي فرصةً تلو الأخرى. لكن هذا لا ينفي أبداً أن العدل والحق قاعدتيّ كرسيه.

أما نحن البشر الفاسدون، فيظهر اضطرابنا بوضوح عندما نُغلب الرحمة على العدل أو العدل على الرحمة. وإذا فتحنا الصورة قليلاً سوف نجد أن:

* العدل بدون رحمة ينتقص من المحبة، لأن المحبة دائماً تصبر وترجو وتعطي فرص (وهذه هي الرحمة)

* والرحمة بدون عدل تنتقص من المحبة أيضاً، لأن غياب العدل، وإن كان يبدو حُباً لمن لا تمارس العدل معه، فهو كراهية لمن سوف يتأثر بغياب العدل وإن كنت لا تراه الآن أمامك.

العدل رحمة والرحمة عدل، والاثنان معاً في توازن جدلي دقيق هما المحبة الحقيقية.

ولعل الأحداث التي تمر بها مصر تكشفنا أمام أنفسنا وتكشف ميلنا للعدل على حساب الرحمة أو الرحمة على حساب العدل، وهذا يعني أن محبتنا ناقصة، وهذه هي الحقيقة البشرية الأكثر مأساوية. لكننا نكتشف أيضاً أننا كلما اقتربنا من الله وزاد انطباع صورته فينا، كنا أقرب شيئاً فشيئاً للاتزان بين العدل والرحمة.

وبالنسبة لي شخصياً، توجد قضية لا تتوقف عن أن تُعَلِّمني دائماً توازن العدل والرحمة، وهي قضية المثلية (الشذوذ الجنسي)، وهي من القضايا الكاشفة بشدة لأزمتنا مع المحبة، وأزمتنا مع غياب الاتزان الدقيق بين العدل والرحمة داخلها.

* أوربا في العصور الوسطى، والشرق العربي الآن يمارس "غياب الرحمة" مع المثليين ويتّهم من يرى أنهم "مرضى" أنه يُدَلَّلهم ويرى أنهم ينبغي أن يعاقبوا، إلى درجة القتل، ويرى أن هذا هو "العدل" وهذا غياب صارِخ للمحبة. وعدم فهم لحقيقة الأمر وهو أنه ليس تماماً باختيارهم، فهناك عوامل وراثية وعوامل تنشئة حدثت في سنوات العمر الأولى، أدّت إلى هذه الميول، وإن كانت الممارسات خاضعة (نسبياً) للإرادة.

* أوربا الحالية، وبعض من تأثروا بالفكر السائد فيها حالياً، يمارسون غياب الحق، فتحت شعار قبول المثليين وحقوق الإنسان تم التصالح مع "المثلية" نفسها كمرض وهذا في ظاهره "رحمة" لكن في باطنه عذاب، وكلام حق يراد به باطل. فعندما يغيب الحق (العلمي) تتحول الرحمة إلى كراهية وليس إلى حُب.
فتحت هذا الشعار، يتم دفع المراهقين (الذين ربما يعانون من بعض الاضطراب في الهوية الجنسية في فترة المراهقة) نحو المثلية، التي ثبت بالدليل القاطع (الذين يحاولون التغطية عليه من جانب نفس الإعلام الذي يدافع الآن عن الإرهابيين بدعوى حقوق الإنسان)، ثبت بالدليل القاطع أن المثلية تؤدي إلى أغلب الاضطرابات النفسية وبالتحديد الاكتئاب الذي يؤدي للانتحار، هذا فضلاً عن الإيدز بالطبع. فهذه الرحمة (الظاهرية تجاه إنسان بعينه، هي عنفاً وقسوة ضد أجيال أخرى.

* قبول المثليين غير المشروط والرحمة معهم ومراعاة حقوقهم وعدم حبسهم بسبب ميلهم (أو حتى ممارستهم المثلية) رحمة ومحبة، لكنها لا ينبغي أبداً أن تتحول إلى موافقة على المثلية لأن مثل هذه الموافقة تُعَدُّ "كراهيةً" لأجيال قادمة.

* الشفقة والترحُّم على الذين ماتوا بسبب أفكارهم المشوشة، وحتى بسبب أفعالهم الإرهابية، وعدم الشماتة فيهم، رحمة ومحبة، لكن لا ينبغي أن تتحول أبداً إلى التصالح مع الإرهاب والتهاون معه، أو مع هيبة الدولة وسيادة القانون، فهذا التهاون هو ظلمٌ وكراهية وعدم رحمة لآخرين تسيل وسوف تسيل دماءهم بسبب الإرهاب والإجرام وغياب هيبة الدولة.


أستطيع أن أرى كثيراً في قلبي أنا شخصياً ميلاً للرحمة على حساب الحق، وميلاً للانتقام على حساب الرحمة والمحبة. لكن هذا هو "فسادي" الإنساني الذي عليّ أن أقاومه وأميته كل يوم،
هي ذاتي المزيفة الميتة التي ينبغي أن أميتها كل يوم لكي أحيا. وأنمو. أنمو نحو صورة الله المطبوعة في أعماق كل إنسان والتي يدعوه الله إليها كل يوم. صورة المحبة التي تحوي بداخلها اتزاناً عجيباً ورائعاً وصانعاً للحياة ،بين الحق والرحمة. البر والسلام.



#أوسم_وصفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أزمة الهوية الدينية
- الأصولية ليست أصيلة
- حكماء اللحظة التافهة
- أيُّ الإسلامَينِ هو -الإٍسلام-؟
- المشي على الصراط
- الله محبة... وكذلك الإنسان!!
- طوبى لكل إنسان
- لا نَعبُدُ إلهاً يبول!!!
- حقوق الفرد والجماعة في الثقافة العربية
- رجم الزانية..
- انتهاك النساء والأطفال
- أمريكا وثلاث نماذج للدول العربية
- الشريعة في المسيحية
- مصر الإنسان
- ادفنوها قبل أن تموت مصر
- ما الذي يُضعِفنا؟
- أشكرك .. لكن (كنت) اتمنى
- مصر المُباعة -من فوق الهدوم- وهل هناك ثمّة أمل؟!
- يسقط التمييز. يحيا التمايز
- الثقافة القبلية والثقافة المدنية


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أوسم وصفي - الحق والرحمة