أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فاهان كيراكوسيان - حرائق الشرق














المزيد.....

حرائق الشرق


فاهان كيراكوسيان

الحوار المتمدن-العدد: 4190 - 2013 / 8 / 20 - 02:11
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


" حرائق الشرق – و سترة قيافا "
إني أدعوكم لِ الصعود إلى مكوك ( مسبار ) آينشتاين، لِ يسير بنا عكس عقارب الساعة، إلى الزمن السالب بِ أكثر من ثلاثة آلاف سنة من هذا التاريخ، و هذه اللحظة، لِ نقف على حقيقة المجتمعات التي كانت على قيد الحياة. في الزمن السالب ذاك، كان هذا الشرق قلب العالم، كانت الأطراف تنمو و تنتعش لِ ارتباطها بِ سرّة الكون، بِ هذا الشرق الساحر، حتى أنها اندمجت فيه، و أصبح الكل كيانا واحدا عصيّا على التفكك. كان هذا الشرق جرن الله، حيث كان منهمكا معظم أوقاته في صناعة عجينته الكونية، كان يضع مقادير محدّدة بِ وزنات كفّه في هذا الجرن الذهبي؛ حفنة من بلاد فارس يضعها فوق كومة من الآراميين الذين نثرهم فوق البابليين و الآشوريين القابعين مع الأكاديين و السومريين في قاع الجرن، ثم يأتي بِ الماء الممزوج بِ الأمبروز و الاستبرق، و يسكب قليلا منه فوق هذا الخليط و يعجنه، و بعد الفحص، تراه يمدّ قبضته إلى جبل الأولمب و يأخذ حفنة من الإغريق – أحفاد هوميروس و سوفوكليس -، و حفنة أخرى من سفوح الأهرامات – أحفاد خوفو و أوزيس -، و يضيفها إلى الخليط الهامد في الجرن، و يبدأ بِ عَجْنه ثانية، يتأمل قوام العجينة و يتذوّقها، إلاّ أن طعمها لم يعجبه، فَ يأخذ كمشة من بلاد الفينيقيين و رشّة من المسحوق الدمشقي المركّز، و بضع قطرات من السائل السماوي، ينثر هذه المكونات فوق عجينته، و يعجنها من جديد، يقلّبها يمينا، يسارا، أعلى و أسفل، يمطّها يضغطها لِ إخراج أصغر الفقاعات المجهرية منها، و بعد هذا العمل المجهد، تفحّص عجينته مليّا و ركَنها في الجرن الذهبي. غطّى الجرن بِ سترة قيافا لِ تدفئة العجينة تمهيدا لِ تخمّرها، و ذهب العجّان الماهر لِ يستريح؛ و في الزمن الموجب – حين أراد التأكد من نجاح عمله، و إنْ كانت العجينة صالحة – رفع سترة قيافا من على الجرن، يا لِ هول ما رأى من فساد العجنة، و الديدان المحتشدة و رائحة النتن المنبعثة منها. أُصيب بِ صدمة، و راح في تفكير عميق باحثا عن سبب فساد عجينته، و فجأة تسمَّر في مكانه و في يده سترة قيافا، تذكَّر بِ أنه لم يضفْ حفنة من العبرانيين إلى عجينته، و لم ينثرهم في هذا الجرن الذهبي، و أيضا لم يكن حذرا في حراسته لِ الجرن و ما بِ داخله، إذْ أن هناك عناصر من خارج هذه الفيافي و البساتين و المدائن المزدهرة، عناصر من صحارى الموت و الجدب و السراب الخادع قد تسلّلت إلى الجرن في غفلة منه. إنه ينظر إلى العجينة حزينا مندهشا من حجم الفساد الذي دبّ فيها. ألقى سترة قيافا على الجراثيم و الميكروبات المنطلقة من لعاب الأفاعي و الذئاب، من أنفاس و ثقوب الكائنات الصحراوية ( ذكورا و إناثا )، سرى الدفء في المكونات المغطاة بِ السترة المقدسة، و راحت تلِد كائنات خارجة على الشرائع الإنسانية، كائنات مجرّدة من الإحساس و الضمير و الرحمة، كائنات لا تعترف إلاّ بِ قطيعها. في الزمن الموجب هذا، راح الحطّاب - الذي كان يحتطب منذ الزمن السالب – يشعل مكانا بعد آخر، لا بل، يشعل حضارة بعد أخرى، كانت البداية في إشعال الحرائق في بابل حتى أُمحي هذا الاسم من جغرافيا الزمن الموجب، و استحالت بابل إلى ركام يتصارع عليها الأغراب روحا و قوما و ثقافة؛ إنّ المارد الذي ولدَتْه السترة المقدسة قد حفظ درسه جيدا، و التزم بِ التمام و الكمال بِ البرنامج الذي وضِعَ منذ الزمن السالب، ذاك الزمن الذي نسي الله فيه أن يضيف حفنة العبرانيين إلى العجينة المقدسة ( عجينة الشرق المقدّس )، فَ كان الحريق في بلاد فارس، حيث أحرقت روحها و ثقافتها و اسمها و ميثولوجيتها، كما حصل تماما في بلاد بابل و آشور و آرام و سومر، فَ الحريق لم ينطفىء بعد في هاتين الحضارتين، تابع المارد عمله، و أشعل الحريق في بلاد الإغريق، حيث تمّ تفتيتها و إخضاعها لِ قطيعه و إلقاء آلهة الأولمب و كبيرهم ( زوس ) في أقرب جرف بحريّ. لم ينس الحطاب وهجَ المنارتين اللتين كانتا تضيئان أزقّة أورشليم في الزمن السالب، و لم ينس أسماء الملوك و الأباطرة و القياصرة و الفراعنة، لِذلك لم يستثن من الحواضر المدرجة في قائمة الحريق حاضرة بلاد النوبة، و حاضرة بلاد الشام، فَ المارد الخارج من تحت سترة قيافا، أسرع في تنفيذ المهمة، إذْ قام بِ إشعال الحريق في القاهرة، و أعطى القسط الأكبر من الحطب و الوقود لِ محرقة الشام.
إنّ هذا الشرق سوف يبقى يحترق، إنه يحترق منذ الزمن السالب، كان الحريق الأول، أو بِ الأحرى، كانت بداية الحريق في سقوط تلك الامبراطوريات العظيمة- بِ كلّ المقاييس-. إنّ كلمة السقوط لا تعبِّر عن هول الكارثة التي حلّت بها، فَ الامبراطوريات المعنية( الفرس، البيزنطيين، السومريين، الآشوريين، البابليين، الآراميين، الفراعنة، الفينيقيين، الأنباط...) سقطت و اندثرت، لم يبق منها سوى أشباح الهمج الغزاة و بشاعتهم، فَ هناك امبراطوريات سقطت في الزمن الموجب، لكنها استمرت بِ كيانها الثقافي المجتمعي( الامبراطورية الروسية، الفرنسية، اليابانية...). إنّ الله قد يئس من تشكيل هذا الشرق، لذا أوكل أمر تشكيله إلى أحفاد سلالة ذاك الحطاب الذي كانه في الزمن السالب من عمر هذا الشرق،و لِ هذا فَ أيّ مقترح لِ إضافة العبرانيين إلى تلك العجينة التي كان الله قد نسي إضافتهم إليها، لن يجدي نفعا، لأن تلك العجينة التي كان الله منهمكا في صناعتها قد فسدت و تجرثمت، و ما علينا سوى الانتظار و الترقّب لِ نرى ما سَ ينتجه المعلم الجديد، ترى كيف سَ يكون الشرق الجديد الذي يعجنه مَن غاب من مكونات الطبخة الأولى( سهوا أو عمدا)؟
و إنْ أراد هذا الشرق إطفاء الحرائق فعلا، فَ ما عليه سوى اعتقال المارد الذي خرج من تحت سترة قيافا و تقديمه لِ محكمة عالمية بِ تهمة إبادة الجنس و الروح و الأخلاق، تهمة القضاء على ثقافة المحبة و السلام.
فهان كيراكوس
سوريا- 19/8/2013
[email protected]



#فاهان_كيراكوسيان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خلاص دمشق في أل - مو معقول


المزيد.....




- -بعد فضيحة الصورة المعدلة-.. أمير وأميرة ويلز يصدران صورة لل ...
- -هل نفذ المصريون نصيحة السيسي منذ 5 سنوات؟-.. حملة مقاطعة تض ...
- ولادة طفلة من رحم إمرأة قتلت في القصف الإسرائيلي في غزة
- بريطانيا تتعهد بتقديم 620 مليون دولار إضافية من المساعدات ال ...
- مصر.. الإعلان عن بدء موعد التوقيت الصيفي بقرار من السيسي
- بوغدانوف يبحث مع مدير الاستخبارات السودانية الوضع العسكري وا ...
- ضابط الاستخبارات الأوكراني السابق يكشف عمن يقف وراء محاولة ا ...
- بعد 200 يوم.. هل تملك إسرائيل إستراتيجية لتحقيق أهداف حربها ...
- حسن البنا مفتيًا
- وسط جدل بشأن معاييرها.. الخارجية الأميركية تصدر تقريرها الحق ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - فاهان كيراكوسيان - حرائق الشرق