أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - حزب العمال التونسي - الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الحزء الاول- النّقـــــاش العلني















المزيد.....



الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الحزء الاول- النّقـــــاش العلني


حزب العمال التونسي

الحوار المتمدن-العدد: 369 - 2003 / 1 / 15 - 03:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا
 
(في الردّ على بيان مواعدة/ الغنّوشي)

أثار البيان المشترك الذي أصدره السّيد محمد مواعدة رئيس "حركة الدّيمقراطيّين الإشتراكيّين" و الشّيخ راشد الغنّوشي رئيس "حركة النّهضة" بمناسبة الذّكرى الخامسة والأربعين لـ"استقلال" تونس والذي ناديا فيه بتكوين "جبهة وطنيّة ديمقراطيّة" جدلا واسعا في أوساط المعارضة والمثقّفين التّونسيّين بالدّاخل والخارج. وقد انقسمت الآراء حول هذه المبادرة إلى قسمين. فالبعض أيّدها بدافع "الرّغبة في تجاوز تشتّت المعارضة" حتى تواجه الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة بـ"نجاعة" و"توحّد حولها الشّعب". ويعتبر أصحاب هذا الرّأي أنّ "التّطوّر" الحاصل في مواقف "حركة النّهضة" من قضايا الحرّيات وحقوق الإنسان، من العوامل التي تشجّع على توحيد المعارضة بمختلف فصائلها وتجعل رفض العمل المشترك موقفا "فئويّا" لا مبرّر له.

أمّا البعض الآخر فقد رفضها أو احترز عليها. وتختلف أسباب هذا الرّفض أو الإحتراز من طرف إلى آخر. فالبعض يرفضها لسبب عقائدي في الأساس إذ يعتبر أنّه "يستحيل" قيام عمل مشترك بين "العلمانيّين" و"الإسلاميّين" لاختلاف منطلقاتهم وأهدافهم. والبعض الآخر يرفضها لسبب سياسي في الأساس. فهو يرى أنّ "حركة النّهضة" ذات الفكر أو المرجعيّة "الإخوانيّة" (نسبة إلى "الإخوان المسلمين") معتادة على الخطاب المزدوج. فقد تعلن الشّيء وهي في موقع ضعف وتنقلب عليه حين يتحسّن موقعها. وقد تقول الشّيء وتمارس ضدّه في الواقع. لذلك فلا طائل من العمل مع حركة "لا تحكم سلوكها ضوابط مبدئيّة". ويوجد طرف ثالث في جبهة الرّافضين، متردّد. لا يريد الانضمام إلى جبهة مواعدة -الغنّوشي، بدافع الحسابات أو بدافع الخوف من ردود فعل بن علي لا بدافع الاختلاف المبدئي أو السّياسي.

ولا نذيع سرّا إذا قلنا إنّ حزب العمّال وُجّهت إليه الدّعوة من قبل "حركة الدّيمقراطيّين الإشتراكيّين" و"حركة النّهضة" لمناقشة البيان المشترك وتوقيعه في صورة حصول اتّفاق عليه. وقد أبدى الطّرفان استعدادا للتفاعل مع التّعديلات التي يمكن أن يقترحها حزب العمّال. ولكنّ الظّروف الأمنيّة الصّعبة التي يعيش فيها الحزب لم تمكّنه من مناقشة المبادرة والردّ عليها قبل تاريخ 20 مارس. وبما أنّ المسألة لا تزال مطروحة إلى حدّ الآن، إذ هي لا تتعلّق بموقف ظرفي من مسألة ظرفيّة، بل بتكوين جبهة سياسيّة ذات أهداف مرحليّة. فإنّنا نرى أنّه من واجبنا أن نبدي فيها رأينا، خاصّة أنّ الدّعوات إلى توحيد "المعارضة" أو "الحركة الدّيمقراطيّة" تعددت في الآونة الأخيرة. وهي تعبّر، بقطع النّظر عن المنطلقات التي تحرّك أصحاب هذه الدّعوات، عن حاجة ملحّة تقتضيها ضرورة التّقدّم بالنّضال السّياسي والاجتماعي في بلادنا. لذلك فإنّ مناقشة مبادرة مواعدة -الغنّوشي، تمثّل في حدّ ذاتها فرصة للخوض في مسألة وحدة المعارضة التّونسيّة وشروطها. وهي مسألة تؤرّقنا نحن، كما تؤرّق كلّ الذين يهمّهم بشكل جدّي التّخلّص من الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة ووضع حدّ للّيل الطّويل الذي ينوء بكلكله وظلمته على صدر تونس وشعبها.

 

النّقـــــاش العلني
 

وقد خيّر حزب العمّال الردّ على مبادرة "حركة الدّيمقراطيّين الاشتراكيّين" و"حركة النّهضة" ردّا علنيّا، مفتوحا. والسّبب في ذلك أنّنا نعتبر أنّ إقامة "جبهة وطنيّة ديمقراطيّة" بشكل خاصّ وتوحيد المعارضة التّونسيّة بشكل عامّ ليست مسألة تهمّ طرفا دون آخر من أطراف المعارضة بل تهمّ جميع الأطراف مع العلم أنّنا لا ندمج صلب المعارضة أحزاب الدّيكور الرّسميّة (عدا التّجمّع الإشتراكي الذي انشقّ منذ سنوات عن هذه الأحزاب وتبنّى مواقف ديمقراطيّة). كما أنّها لا تهمّ أحزاب المعارضة فحسب بل الشّعب الذي يتطلّع إلى التّغيير أيضا. وهو ما يجعل من النّقاش العلني، المفتوح فرصة لكلّ مواطن/ أو مواطنة يهتمّ/ أو تهتمّ بالشأن العامّ لمتابعة ما يجري في السّاحة السّياسيّة والمشاركة فيه إن أمكن. فالغرض من أيّ شكل من أشكال العمل المشترك ليس جمع شتات المعارضة فحسب، بل توحيد الشّعب التّونسي حول أهداف مشتركة أيضا.

ولكن قد يعترض البعض عن هذا الأسلوب أي أسلوب النّقاش العلني المفتوح، بدعوى أنّ نظام بن علي قد يستفيد منه باطّلاعه على خلافات المعارضة ولم لا توظيفها لمزيد تشتيتها وبالتّالي فقد يكون من الأفضل إجراء نقاش مباشر بين الأطراف المعنية فإن أفضى إلى نتيجة إيجابيّة فيا حبّذا وإن لم يفض إلى أيّ شيء فعلى الأقلّ لا تتعمّق الهوّة القائمة بين تلك الأطراف. ونحن لا نتّفق في الحقيقة مع هذا الرّأي، لا لأنّ الخلافات بين فصائل المعارضة التونسية وخاصّة بين حزب العمّال و"حركة النهضة" معروفة فحسب، بل لاقتناعنا أيضا بأنّ السلطة لا يمكنها التّلاعب بمصائر المعارضة إلاّ إذا وجدت أمامها أطرافا هشّة. أمّا إذا وجدت أطرافا جادّة، تحدّد مواقفها وفق المبادىء والقناعات التي يتبنّاها مناضلوها، فإنّها لن تجني سوى الفشل الذّريع. ونحن نعتمد في هذا المجال على تجربتنا الخاصّة التي يعرفها الرّأي العامّ وتحديدا في علاقة بحركة النهضة وحركة الدّيمقراطيين الإشتراكيّين.

لقد كان حزب العمّال منذ نشأته في خلاف جوهري مع حركة النهضة. وقد شمل هذا الخلاف الميادين الفكريّة والسّياسيّة والعمليّة. وكان مسرحه الصّحافة واتّحاد الشّغل والجامعة والمعاهد الثّانويّة والرّابطة التونسيّة للدّفاع عن حقوق الإنسان والنّوادي الثّقافيّة في مختلف أنحاء البلاد. وقد ذهب في ظنّ بعض النّاس أنّ ذلك الخلاف سيجعل حزب العمّال يصفّق لقمع السلطة حركة النهضة بداية من مطلع التّسعينات بدعوى أنّ هذا القمع "سيخلّصه من غريمه الإيديولوجي الأساسي". ولكن ما الذي حصُل؟ إنّ ما حصُل هو انّ حزب العمّال كان القوّة السياسيّة المنظّمة الوحيدة التي شهّرت منذ اليوم الأول بالقمع الذي سُلّط على تلك الحركة، في حين انّ القوى والأحزاب التي كانت تغازلها انقلبت ضدّها واصطفّت وراء بن علي باسم "المصلحة العليا للوطن" و"مقاومة التّطرّف والإرهاب الدّيني". وقد نبّه حزب العمّال إلى أنّ مايحرّك بن علي في حملته على "النّهضة" ليس الدّفاع عن الحرية والدّيمقراطيّة والتّقدّم بل طبيعته الفاشستيّة المعادية للدّيمقراطية التي تجعله يرفض وجود أيّة معارضة، في أيّ مجال كان، خارجة عن مراقبته. ومن هذا المنطلق حذّر من عواقب التّواطؤ معه مهما كانت الذّرائع ("لا ترد فاس على هراوة"، "في الهم عندك ما تختار وهم بن علي خير من هم الخوانجيّة"، "لو كان يوصلو للسّلطة إلاّ ما يعملو أكثر من النّظام"، "نظام بن علي خصم بينما الإخوانجيّة عدوّ"...) مشيرا إلى أنّ من يذهب في ظنّه أنّه سيستفيد من قمع "الإسلاميّين" واهم، وأنّه سيأتي اليوم الذي يدفع فيه ثمن وهمه وهو ما أكّدته الأحداث لاحقا. وعلى أساس هذا الموقف المبدئي ندّد حزب العمّال بكل ماتعرّض له "الإسلاميّون" من اختطافات وتعذيب ومحاكمات جائرة وتنكيل وتشريد عائلات باعتباره يرفض هذه الممارسات الفاشستيّة رفضا مبدئيّا بقطع النظر عن انتماء ضحاياها الفكري والسّياسي والتّنظيمي(2). كما كان من أوّل المطالبين بإطلاق سراح جميع المساجين السّياسيين وسنّ عفو تشريعي عام(3). وقد كان هذا الموقف سببا من الأسباب التي جعلت نظام بن علي يكثّف قمع مناضلي حزب العمّال بدعوى أنّه متواطىء مع "الإرهاب الإخوانجي".

ومن جهة أخرى فقد كان حزب العمّال في خلاف مع حركة الدّيمقراطيين الإشتراكيين منذ مطلع التّسعينات بوجه خاصّ. ويرجع سبب هذا الخلاف إلى مساندة الحركة سياسة بن علي المعادية للحرّيات والدّيمقراطيّة والتي كان الحزب، إلى جانب "الإسلاميّين" ومناضلي الحركة الطلاّبية والحركة النقابيّة وعديد الشّخصيات الدّيمقراطية العاملة في مجال حقوق الإنسان والصّحفيّين المستقلّين والنّساء الدّيمقراطيات والمحامين، من أهمّ ضحاياها. وقد توقّع بعض النّاس أنّ حزب العمّال لن يندّد باعتقال السّيد محمد مواعدة في سنة 1995 على إثر الرّسالة المفتوحة التي وجهها إلى بن علي ملفتا انتباهه إلى تدهور أوضاع الحريات العامّة بالبـــلاد وأنّه سيتعامل معه بمنطق "جنى على نفسه ولم يجن عليه أحد" وهو الموقف الذي سقطت فيه بعض الأطراف. ولكن حزب العمّال لم يتردّد، إنطلاقا من مبادئه الثّابتة في الدّفاع عن حرية التّعبير وفي رفض افتعال القضايا للخصوم، في التّشهير باعتقال رئيس حركة الدّيمقراطيّين الإشتراكيّين السيد محمد مواعدة، ثم عضو مكتبها السّياسي السيد خميس الشّماري الذي لفّقت له أيضا قضية باطلة. كما ندّد بالتّدخّل في شؤون الحركة وفي تنظيم انقلاب على قيادتها الشّرعية تورّط فيه بوليس بن علي وإدارته وجهاز قضائه الفاسد وبعض عناصر الحركة ممّن لا ولاء لهم إلاّ لمصالحهم الخاصّة.

وخلاصة القول إنّه لا ضرر من مناقشة المسائل التي تهمّ مستقبل البلاد بصورة علنيّة ومفتوحة إذا توفّرت الجدّية اللاّزمة، بل إنّنا نعتبر أنّ الضّرر قد يتأتّى أحيانا من التّحالفات المتسرّعة واللاّمبدئيّة أكثر من أيّ شيء آخر، لأنّ مثل هذه التّحالفات التي شهدت السّاحة السّياسيّة التّونسيّة نماذج منها في العقدين الماضيّين، يعمّق التّشتّت وينال من المصداقيّة. فالتّحالفات اللاّمبدئيّة سرعان ما تنحلّ، وقد يتولّد عنها، إذا ما انتهت على وقع الخصومات والاتّهامات المتبادلة، وضع أكثر تعقيدا من الوضع الأوّل.

 

لا نحكّم الاعتبارات الإيديولوجيّة للقيام بأعمال مشتركة
 

بعد هذا التوضيح نمرّ مباشرة إلى الحديث في صلب الموضوع أي عن التّحالفات. وفي هذا الصّدد نقول إنّ حزب العمّال لا يحكّم في تعامله مع الأحزاب والتّنظيمات السّياسيّة الأخرى الاعتبارات الإيديولوجيّة لأنّه يدرك أنّ التّحالفات، مهما كانت الصّبغة التي تتخذها تنبني على اتّفاقات سياسيّة تعكس مصالح مشتركة، يهمّ كلّ طرف من الأطراف المتحالفة تحقيقها في الظّرف المعيّن لأنّه يعتقد أنّ ذلك يقرّبه من الهدف العامّ الذي يناضل من أجله ويسعى إلى لفّ أوسع النّاس حوله. ومن النّافل أنّ مجال المصالح المشتركة في بلادنا التي يحكمها منذ عام 1956 نظام دكتاتوري، هو مجال واسع، لا يمكن لأحد نكرانه. والمتمعّن في مسيرة حزب العمّال منذ تأسيسه في مطلع جانفي 1986 يلاحظ أنّه عقد في أكثر من مناسبة اتّفاقات وتحالفات مع قوى يختلف معها إيديولوجيّا، منها القومي ومنها اللّيبرالي ومنها الاصلاحي. ولم يحصل أن مثّل هذا الاختلاف عائقا أمام عقد تلك الاتّفاقات والتّحالفات سواء تمّت في المجال السياسي أو النّقابي أو الشّبابي أو في مجال الدّفاع عن حقوق الإنسان. فما يهمّ حـزب العمّال في المقام الأوّل ليست الخلفيّة أو المرجعيّة الفكريّة لكلّ طرف بل موقفه من القضايا المطروحة، وما إذا كان ذلك الموقف يندرج أم لا في تيّار التّقدّم بالمجتمع التّونسي.

إنّنا نقول هذا الكلام لتاكيد أنّ حزب العمّال يؤمن إيمانا قاطعا بضرورة التّحالفات والأعمال المشتركة باعتبارها استجابة لمتطلّبات واقعيّة تفرض نفسها على كلّ حركة سياسيّة جادّة مهمومة بخدمة الجماهير الشّعبيّة. كما نقول ذلك لتأكيد أنّ حزب العمّال إن لم يقم بأعمال مشتركة أو بتحالفات مع "حركة النّهضة" ليس ذلك بسبب اعتبارات إيديولوجيّة مجرّدة أي بسبب تبنّي حزب العمّال النّظريّة الشّيوعيّة ذات المرجعيّة الفلسفيّة المادّية، بينما تتبنّى حركة النّهضة إيديولوجيّة إسلاميّة (L islamisme) ذات مرجعيّة فلسفيّة مثاليّة، بل بسبب الخلافات السّياسيّة التي تشمل القضايا التي يمكن أن تشكّل قاعدة تفاهم دنيا لإقامة عمل مشترك، وفي مقدّمتها القضايا ذات الصّلة بالحرّية والدّيمقراطيّة وحقوق الإنسان. وليس أدلّ على أنّ الأمر لا يتعلّق باعتبارات إيديولوجيّة، من أنّ حزب العمّال، الشّيوعيّ الفكر، يدافع عن الطّاهر الحدّاد ذي النّزعة الاسلاميّة الاصلاحيّة بينما تعاديه حركة النّهضة وتعادي دعواته الاصلاحيّة الإيجابيّة، في مجال تحرير المرأة المسلمة. كما أنّ حزب العمّال كان يدافع دائما في كتاباته عن مناطق الضّوء في النّزعة الاسلاميّة الاصلاحيّة للشّيخين جمال الدّين الأفغاني ومحمّد عبده بينما ظلّت حركة النّهضة تعتبرهما إلى عهد غير بعيد خارج مرجعيّتها الفكريّة وتقوّم مناطق الضّوء التي سمحت لهما باتّخاذ مواقف إيجابيّة من بعض قضايا عصرها تقويما سلبيّا.

 

هل تغيّر طرح المسألة اليوم؟
 

تلك هي إذن الأسباب الكامنة وراء عدم قيام أيّ تحالف سياسي في الماضي بين حزب العمّال وحركة النّهضة. ومن المعلوم أنّ الصّراعات الفكريّة والسّياسيّة بين الطّرفين قد خفّت حدّتها خلال العشريّة الأخيرة بسبب القمع الذي سُلط عليهما وعلى مختلف فصائل المعارضة التي رفضت الاصطفاف وراء الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة. كما أنّ الطّرفين لم يتردّدا، كلّ من جهته، في التّنديد بالقمع المسلّط على الطّرف الآخر. وفي داخل السّجون وجد مناضلوهما أنفسهم في خندق واحد ضدّ عسف سجّاني بن علي، خاصّة أنّ النّصيب الأكبر من القمع سُلّط عليهما هما وإن كان المعتقلون من حركة النّهضة أكثر عددا. وقد صدرت عرائض أحيانا وهي تضمّ إمضاءات مناضلين من الحركتين أو من أنصارهما إلى جانب إمضاءات أخرى عديدة لأشخاص من نزعات فكريّة وسياسيّة مختلفة. ولكنّ العلاقات لم تتحوّل إلى تحالف بين الطّرفين إلى أن جاءت المبادرة الأخيرة بين حركة الدّيمقراطيّين الاشتراكيّين وحركة النّهضة والتي دُعي حزب العمّال إلى المشاركة فيها. فكيف تطرح المسألة اليوم؟ وهل تغيّرت معطيات هذا الطّرح مقارنة بالأمس؟

إنّ الزّاوية التي طرحت منها المسألة بالأمس هي نفسها التي تطرح منها اليوم في نظرنا. فنحن لم نغيّر معاييرنا، أي أنّنا لا نزال نتعامل مع مسألة الأعمال المشتركة والتّحالفات تعاملا سياسيّا ولا نحكّم فيها الاعتبارات الإيديولوجيّة. كما أنّنا نتحلّى في هذا التّعامل بمرونة كبيرة مراعاة للوضع ولدرجة تطوّر الحركة السّياسيّة العامّ في المجتمع. فنحن لا نشترط الاتّفاق حول كافّة القضايا التّكتيكيّة والاستراتيجيّة لأنّ ذلك يعني عمليّا رفض العمل المشترك والتّحالفات التي لا يمكن أن تقام في مثل هذه المرحلة على قاعدة المطالب القصوى، بل نشترط الاتّفاق على الحدّ الأدنى اللاّزم، وهذا الحدّ الأدنى مستعدّون لحصره في الميدان السّياسي الذي يعني الجميع بنفس الإلحاحيّة، دون توسيعه إلى مختلف الميادين الأخرى الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والخارجيّة لئلاّ تثير خلافات وتفسد العمل المشترك، رغم أنّ بعض المسائل، مثل مقاومة الفساد المستشري في الدّولة من أسفلها إلى أعلاها ليست محلّ اختلاف. وبطبيعة الحال فإنّ السّؤال الذي يواجهنا الآن هو التّالي: ماهو مضمون الحدّ الأدنى السّياسي الذي جئنا على ذكره؟

إنّ الجواب في رأينا واضح وبسيط ومعقول. وهو نفس جواب الأمس، وإن اتّخذ اليوم أكثر أهمّية بحكم ارتقاء الوعي به إلى درجة حادّة. فما دمنا نواجه دكتاتوريّة بوليسيّة غاشمة تمثّل أقلّية ضئيلة أو بالأحرى حفنة من النّهابين واللّصوص ومصّاصي الدّماء والمرتشين، حفنة لا مصلحة لها في نموّ المجتمع التّونسي، فإنّ الحدّ الأدنى الذي يمكن أن يجمّع، إنّ أضعف الإيمان كما يقال هو النّضال ضدّ هذه الدّكتاتوريّة. فالتّعذيب قاس بالنّسبة إلى الجميع. وكذلك مداهمات المنازل ليلا وترويع سكّانها واعتداءات البوليس في الشّارع وجور محاكم بن علي وظروف سجون نظامه الوحشيّة، وقطع أرزاق كلّ معارض أو ناقد وتشريد العائلات والمنع من التّنقّل والسّفر وانحياز الإدارة إلى المقرّبين من السّلطة، وتكميم الأفواه وتكبيل العقول وتلجيم الصّحافة والحرمان من الاجتماع والتّنظّم ومن اختيار الحكّام ومراقبتهم ومحاسبتهم، وانفراد شخص بالسّلطة دون أن يكون عليه رقيب أو يكون له رادع والحرمان من مساندة الشّعب الفلسطيني الشّهيد والعراق المحاصر والمجوّع والمدمّر، كلّ هذه الأشياء قاسية بالنّسبة إلى الجميع ومهينة لأنّها تكرّس معاملتهم كرعيّة وتستهين بكرامتهم وتاريخهم وتضرب عرض الحائط بكلّ التّضحيات التي بذلوها من أجل حياة أفضل، تتوفّر لهم فيها شروط المواطنة الحقّة. وهو ما يجعل من تغيير هذه الحال ومن مقاومة الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة الفاسدة مسألة فيه مصلحة مشتركة لكافّة الأطراف المتضرّرة من هذه الدّكتاتوريّة، فضلا عن الشّعب التّونسي بكافّة طبقاته وفئاته طبعا.

 

إنّ كلامنا إلى هذا الحدّ قد لا يلاقي اعتراضا من أيّ طرف من أطراف المعارضة التّونسيّة الخارجة عن الدّيكور الدّيمقراطي الذي أقامه الجنرال بن علي خلال العشر سنوات الأخيرة، وهو ديكور لا مصلحة له في تغيّر الأوضاع باعتباره يستمدّ أسباب بقائه من بقاء الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة ذاتها. ولكن هل أنّ معارضة هذه الدّكتاتوريّة يكفي وحده للمبادرة بإقامة "جبهة ديمقراطيّة"؟وهل هو يوفّر شروط نجاح هذه الجبهة؟ لا نعتقد ذلك، لأنّ الاتّفاق حول التّخلّص من الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة بوصفها العائق الرّئيسي اليوم أمام نهضة تونس وشعبها ينبغي أن يقترن باتّفاق ثان وهو أنّ التّخلّص من هذه الدّكتاتوريّة لا ينبغي أن يؤدّي إلى إقامة دكتاتوريّة من نمط جديد، سواء تغلّفت برداء أرضي أو سماوي، بل إلى إقامة نظام ديمقراطي. فتونس التي تعاني اليوم من انعدام الحرّية والدّيمقراطيّة من باب أولى وأحرى أن يكون علاجها بتوفير الحرّية والدّيمقراطيّة. وهذا ما ينبغي الاتّفاق عليه من الآن.

إنّنا إذ نؤكّد هذا الموقف فلأنّه توجد بعض الأفكار الخاطئة المتداولة هنا وهناك. وهي أفكار تستخفّ بالعمل الجبهوي وبطموحات الشّعب التّونسي في نهاية الأمر. ومن هذه الأفكار دعوة البعض، من أوساط متعاطفة مع "الاسلاميّين" إلى الاستئناس بما يجري في السّاحة الفلسطينيّة حيث تتحالف قوى الحركة الوطنيّة التي تضمّ فصائل يساريّة عدّة والقوى الاسلاميّة وفي مقدّمتها حركة حماس والجهاد الإسلامي، ضدّ العدوّ الصّهيوني متجاوزة الخلافات التي تشقّها حول المشروع المجتمعي تاركة الحسم فيها لما بعد التّحرير والاستقلال. ونحن نعتبر أن الاستناد إلى هذا المثال لا يراعي الفوارق بين الوضع في فلسطين والوضع في تونس. ففي الأولى يمثّل الاستعمار الاستيطاني الصّهيوني العائق المباشر لنهضة فلسطين وتقدّمها ولا بدّ من التّخلّص منه، أي لا بدّ من حسم المسألة الوطنيّة للدّخول مباشرة في تغيير المجتمع، لذلك لا غرابة في أن تلتقي مختلف القوى الوطنيّة حول نفس الهدف اليوم مؤجّلة صراعها حول نوعيّة التّغيير الاجتماعي والسّياسي والثّقافي إلى ما بعد تحقيق الاستقلال رغم أنّ هذا الصّراع ليس غائبا تماما اليوم، إنّما هو جار في صلب الشّعب الفلسطيني ولكنّه يحتلّ موقعا ثانويّا حتى لا يعيق الوحدة الوطنيّة التي تتعرّض في الواقع لمصاعب كبيرة بسبب ممارسات قيادات بعض التّنظيمات والسّلطة الفلسطينيّة. أمّا في تونس فإنّ الوضع يختلف إذ أنّ العقبة المباشرة ليس الاحتلال الاستعماري بل دكتاتوريّة بوليسية محلّية، الأمر الذي يجعل المسألة الدّيمقراطيّة المدخل لمعالجة مختلف القضايا الأخرى ذات الطّابع الاجتماعي والوطني والثّقافي. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تقوم جبهة في المرحلة الحاليّة على الأقلّ من تطوّر الحركة السّياسيّة العامّ على غير الحرّيات السّياسيّة كأرضيّة دنيا.

 

وتوجد فكرة ثانية لا تقلّ خطأ عن الأولى يقول أصحابها: "مادام بن علي يمثّل اليوم عدوّ الجميع فلنتخلّص منه ثمّ ليتصرّف بعد ذلك كلّ طرف كما يشاء..."ذراعك ياعلاّف" وهم يتّهمون كلّ من يضع شروطا دنيا لإقامة تحالف بأنّه يريد "الإطالة في عمر الدّكتاتوريّة البنعلينيّة". صحيح أنّ نظام بن علي يمثّل عبءًا ثقيلا على الشّعب التّونسي وعلى كافّة أطراف المعارضة. وفي هذا الصّدد نودّ أن نقول إنّنا من جهتنا، لا نريد بأيّ شكل من الأشكال الإطالة في عمره بل يهمّنا رحيل بن علي في أقرب وقت وحتى دون انتظار انتخابات 2004.

صحيح أيضا أنّ التّحالف ضدّ بن علي لا يقتضي الاتّفاق على كلّ شيء، وأنّه من حقّ كلّ طرف أن يعمل وفق مبدأ "ذراعك يا علاّف" لكسب الشّعب إلى مشروعه المجتمعي حين يقع التّخلّص من الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة. ولكن ما ينساه دعاة هذا الموقف هو أنّه لا يمكن لكلّ طرف أن يشمّر غدا على ذراعيه ويدعو إلى برنامجه إلاّ إذا توفّرت له الأرضيّة المناسبة لذلك وهذه الأرضيّة هي الحرّية السّياسيّة إذ من دونها لن يقدر على ترويج آرائه وبرامجه والدّفاع عنها. وبتعبير آخر إذا كان المقصود من عبارة "ذراعك يا علاّف" أنّ كلّ طرف حرّ، بعد التّخلّص من الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة، في أن يلتزم أو لا يلتزم بتلك الأرضيّة، فهذا يعني أنّ التّحالف ضدّ الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة، تحالف انتهازي، ملغوم، ليس الدّافع إليه الإيمان بالحريّة والديمقراطية والمساواة بل الوصول إلى السلطة بأيّ طريقة كانت لإقامة نظام لا شيء يفيد مسبّقا أنّه سيكون مختلفا عن نظام بن علي. وهكذا فحتى يكون التحالف جدّيا ومسؤولا وذا مصداقيّة ينبغي أن يقام على أساس تبنّي مختلف الأطراف المشاركة فيه الحدّ الأدنى الذي فيه مصلحة لها وللشّعب والوطن وتتنافس عمّا هو خارج ذلك الحدّ الأدنى أي خارج مطلب الحرّية السّياسيّة. إنّ هذا الحدّ الأدنى بقدر ما يمثّل ضمانة لكلّ الأطراف المتحالفة لكي يتعايش بعضها مع بعض، يمثّل أيضا حماية للشّعب التّونسي كي لا تستغلّ تضحياته لإقامة دكتاتوريّة قمعيّة من نمط آخر، معادية لحرّيته وحقوقه وسلاحا بيده للدّفاع عن هذه الحقوق ومقاومة البؤس الذي هو فيه. وفي هذا السياق ومن أجل تقريب الصّورة، يمكننا أن نعتمد على مثال أي بلد من البلدان التي تتوفر فيها الحرّيات السّياسيّة. ففي هذه البلدان يوجد حدّ أدنى مضمون قانونيّا وهو يلخّص في عبارة "القيم الجمهوريّة" التي تعني احترام الحرّيات الفردية والعامّة واحترام مبدأ السّيادة الشّعبيّة والمساواة أمام القانون واستقلاليّة القضاء. ويعتبر الإخلال بأيّ بند من هذه البنود، خروجا عن الحدّ الأدنى أي عن "القيم الجمهورّية"، دون أن يعني ذلك سدّ باب الصّراع من أجل ماهو أرقى وأفضل. ومن النّافل أنّ الأطراف التي تحاول دائما النّيل من ذلك الحدّ الأدنى أو عرقلة تطويره، هي الأطــراف التي ليست لها مصلحة حقيقيّة في الحرّية والدّيمقراطيّة. أمّــا الشّعـــوب والقــوى التّقدّميّة فتراها متمسّكة به، راغبة في توسيعه وتعميقه وتوفير الشّروط المادّية لتكريسه.

 

عن أيّ مضمون للحرّية السّياسيّة نتحدّث؟
 

قلنا إذن إنّ الحدّ الأدنى لأيّ تحالف ينبغي أن يكون الالتزام بالدفاع عن الحرّية السّياسيّة بديلا للحكم الفردي المطلق والدّكتاتوريّة البوليسيّة النّوفمبريّة.

وعلينا الآن أن نوضّح مضمون الحرّية السّياسيّة حتى لا يبقى فيه مجال للالتباس خصوصا أن لا أحد اليوم في تونس، عدا الطّغمة النّوفمبريّة، لا يلهج بالحرّية والدّيمقراطيّة ولا ينشدهما. إنّ الحرّية السّياسيّة تعني بالنّسبة إلينا:

أوّلا: احترام الحرّيات الفرديّة: وهي حرّية التّفكير والرّأي والضّمير (المعتقد) وحرّية الإبداع وحرّية الاستعلام (تلقّي الأخبار...) وحرّية التّنقّل والسّفر، والحقّ في حماية الحرمة الجسديّة (إلغاء التّعذيب وجميع العقوبات القاسية) وحرمة المسكن والمراسلات والاتّصالات (الهاتف، الفاكس، الأنترنيت...) والحقّ في الحماية القانونيّة للحياة الخاصّة والحقّ في الحماية من الاعتقال التعسّفي وحقّ المساهمة في الحياة العامّة عن طريق الانتخاب والتّرشّح والحقّ في تقلّد الوظائف العامّة دون تمييز والحقّ في محاكمة عادلة في حالة الاتّهام أو الإحالة على القضاء، والحقّ في اختيار شريك الحياة بكلّ حرّية إلخ...

ثانيا: احترام الحرّيات العامّة: وهي حرّية التّعبير والصّحافة والنّشر وحرّية الاجتماع والتّظاهر، وحرّية التّنظّم بما في ذلك حرّية التّنظم النّقابي.

كما تشمل الحرّيات العامّة مبدأ احترام السّيادة الشّعبيّة أي حقّ الشّعب في تقرير مصيره بنفسه. وهذا يعني حقّ الشّعب في اختيارمن يحكمه على أساس انتخابات حرّة وديمقراطيّة، دوريّة ونزيهة وحقّه في مراقبة حكّامه ومحاسبتهم وعزلهم عند الاقتضاء وفي وضع التّشريعات سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو عن طريق نوّابه.

ثالثا: المساواة وهي تشمل:

-المساواة في التّمتّع بكافّة الحرّيات والحقوق المذكورة بدون تمييز بسبب الجنس أو المعتقد أو الانتماء السّياسي أو الاجتماعي. وهذا يعني أنّه لا تمييز في الحقوق، في كافة الحقوق، بين النّساء والرّجال في بلدنا. إنّ المبدأ الذي ينبغي أن يسود هو مبدأ المواطنة، لا مبدأ الرّعيّة ولا مبدأ الطّائفة ولا مبدأ الجنس.

-المساواة أمام القانون مبدأ وتطبيقا. وهو ما يقتضي:

أ- وجود منظومة قانونيّة تضمن الحرّيات والحقوق الأساسيّة للمواطن وتحميها من الانتهاكات مهما كان مصدرها، من السّلطة الحاكمة أم من أفراد أو مجموعات خارجة عنها.

ب- وجود سلطة قضائيّة مستقلّة، تتقيّد بالقانون في أحكامها وتفرض احترام القانون على الجميع بدون تمييز. ويمثّل انتخاب القضاة ومساعديهم أفضل وسيلة في رأينا لضمان استقلال القضاء إذ لا مبرّر لانتخاب السّلطة التّنفيذيّة والسّلطة التّشريعيّة ورفض انتخاب السّلطة القضائيّة.

وليس خافيا ما يوجد بين الحرّيات الفرديّة والحرّيات العامّة ومبدأ المساواة من روابط متينة. فالحرّيات الفرديّة أو الشّخصيّة ضروريّة كي يتمكّن التّونسي (ذكرا كان أم أنثى) من تحقيق مواطنته وكرامته والقيام بدوره في الحياة العامّة لأنّ المواطن الذي لا يتمتّع بحرّيته وحقوقه السّياسيّة كفرد لا يمكن أن يقوم بدوره في صلب المجموعة الوطنيّة. كما أنّ هذه المجموعة إذا تكوّنت من أشخاص، قاصرين، مجرّدين من حرّيتهم وحقوقهم يتحوّلون إلى "رعيّة"، غير قادرين على ممارسة سيادتهم، بل إنّه لا حرّيات عامّة في نهاية الأمر دون حرّيات فرديّة إذ الحرّيات العامّة هي تحقيق الحرّيات الفرديّة على مستوى جماعي، (حرّية التّعبير والاجتماع والتّظاهر والانتظام وممارسة السّيادة الشّعبيّة). ومن النّافل أنّه لا يمكن الحديث عن حرّية وديمقراطيّة دون المساواة بين كافّة المواطنين في التّمتّع بها بقطع النّظر عن جنسهم أو معتقدهم أو انتمائهم السّياسي والاجتماعي كما سبق أن قلنا. فالحديث عن الحرّية مثلا وحرمان النّساء من حقوقهنّ يصبح لغوا.

إنّ الدّكتاتوريّة النّوفمبريّة إذ تحرم الأغلبيّة السّاحقة من التّونسيّين (إناثا وذكورا) من حقوقهم الشّخصيّة إنّما ترمي في الواقع إلى منعهم جماعيّا من القيام بأيّ دور في الحياة العامّة، لأنّها تدرك أنّ أساس الحرّيات العامّة هو الحرّيات الفرديّة، وإذا انتفت هذه انتفت تلك. وهي إذ تمارس الميز بين التّونسيّين على أساس انتمائهم الاجتماعي والسّياسي والفكري خاصّة (الميز في جميع المجالات، حتى في الحصول على أبسط الخدمات الإداريّة أو الشّغل أو المنحة الدّراسيّة ناهيك عن دفع الضّرائب والحصول على قروض إلخ...) فلأنّها تدرك أنّ مبدأ المساواة يقوّض أركان حكمها القائم على الانتماء العائلي والمحسوبيّة والجهويّات.

 

 

ماذا في البيان المشترك وفي البيان الختامي لمؤتمر "حركة النّهضة"؟
 

تلك هي إذن في رأينا، المطالب التي يمكن بل يجب أن تشكّل اليوم الأرضية الدّنيا لأيّ عمل مشترك أو جبهوي بين قوى المعارضة التّونسيّة خلال المرحلة القادمة، لأنّ النّزول دون هذه الأرضية يخلّ بقاعدة "التّعايش" في ظلّ اختلاف الرّؤى الفكريّة والسّياسيّة والاجتماعيّة كما يُخلّ بمبدأ احترام حرية الشّعب وحقوقه. وقد آن الأوان لنبحث فيما إذا كانت هذه الأرضية حاضرة بمختلف عناصرها في البيان المشترك مواعدة /الغنّوشي وفي البيان الختامي للمؤتمر السّابع لحركة النّهضة. وبطبيعة الحال فإنّ ما يعنينا بالأساس هو موقف "حركة النّهضة" لأنّه الأكثر إثارة للجدل في السّاحة السّياسيّة التّونسيّة بالنّظر إلى ما سبق أن عبّرت عنه هذه الحركة من مواقف في السّبعينات والثّمانينات وحتى مطلع التّسعينات، كانت سببا فيما جدّ بينها وبين فصائل الحركة الدّيمقراطيّة والتّقدّميّة من خلافات وصراعات.

فما من شكّ أنّ البيان المشترك تضمّن التزاما من الطّرفين الممضيين بـ"احترام قواعد النّظام الجمهوري ودولة القانون والمؤسّسات الدّيمقراطيّة واحترام الحريات العامّة حقوق الإنسان" كما تضمّن التزاما بـ"دعم الخطوات الإيجابيّة التي قطعها مجتمعنا في عدد من المجالات كالتعليم وحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين"، بل إنّ "الجبهة الوطنيّة الدّيمقراطيّة" التي نادى البيان بتكوينها ذُكر أنّ "أساسها الدّفاع عن الحريات العامّة وحقوق الإنسان، وهدفها إرجاع السّيادة للشّعب عبر النّضال السّياسي والمقاومة الشّعبيّة المدنيّة السّلميّة لإرساء البديل الدّيمقراطي الحقّ المنشود". وهذا الخطاب الدّيمقراطي يتكرّر نسبيّا في البيان الختامي للمؤتمر السّابع لحركة النّهضة (نقول نسبيّا لأنّ بعض النّقاط الواردة في البيان الأوّل غُيّبت أو جاءت أقلّ وضوحا في البيان الثّاني). ولا بدّ من ملاحظة أنّ المتتبّع لأدبيّات هذه الحركة خلال العشر سنوات الأخيرة، وحتى قبلها يتبيّن له أنّ هذا الخطاب الدّيمقراطي ليس كلّه جديدا، فمعظم عناصره سبق أن وردت في تلك الأدبيات. وقد يكون جهل النّاس منشورات "حركة النّهضة" وكتابات رئيسها، الشّيخ راشد الغنّوشي، في المهجر، بسبب المنع المفروض على تداول الصّحف والكتب التي تحوي نقودا لنظام الحكم في تونس، هو الذي يجعلهم يعتقدون أنّ كلّ ما ورد في البيان المشترك، بوجه خاصّ، جديد.

لا يهمّنا كثيرا في هذا المقام الخوض في أسباب تطوّر خطاب "حركة النّهضة" وتمركزه حول شعارات ديمقراطيّة خلال السّنوات الأخيرة. فهذه الحركة مثلها مثل الحركات الإسلاميّة الأخرى تحتكّ بواقع وتواجه فيه ردود فعل من السّلطة ومن المجتمع وتتعرّض للقمع ويخوض مناضلوها الفارّون من الإضطهاد تجارب العيش في مجتمعات غربيّة علمانيّة وديمقراطيّة كما أنّها تتأثّر بهذه الدّرجة أو تلك بالتّطوّرات التي تشهدها الحركات الإسلاميّة في المنطقة وخارجها، وكلّ هذا يمكن أن يسبّب انشقاقات وربّما تمايزات بين أطراف جمعها في المنطلق شعار هُلامي، فضفاض كشعار "الإسلام بديلنا" وتعديلات في الخطاب إمّا لتغيّر في القناعات عند هذا الشّق أو لأغراض تكتيكيّة، بالمعنى السّلبي، الأنتهازي للكلمة عند ذلك الشّقّ. لذلك فإنّ ما يهمّنا في المقام الأوّل ليس البحث في هذه النّقطة بالذّات، إنّما الوقوف عند مدى تماسك خطاب "النّهضة" الدّيمقراطي ومدى استجابته للأرضية الدّنيا التي تحدّثنا عنها باعتبارها الشّرط الأوّل لأيّ تحالف مهما كانت أطرافه ثمّ إنّ ذلك هو الذي سيجعلنا نحكم على حقيقة أو طبيعة التّغييرات التي تشهدها "حركة النّهضة" في المجال السّياسي وتحديدا في علاقتها بأطراف المعارضة الدّيمقراطيّة.

وبصراحة نقول إنّ ما ورد في البيان المشترك بشكل عامّ وفي البيان الختامي للمؤتمر السّابع للحركة بشكل خاصّ ليس كافيا لتبديد عدد من نقاط الغموض الهامّة. وما دام العمل السّياسي الجاد لا يقوم إلاّ على الوضوح فعلينا المبادرة بتفكيك تلك النّقاط والخوض في تفاصيلها فخصومة واضحة المعالم خير ألف مرّة من وفاق مغشوش. وبدون إطالة فإنّ النّقاط التي لا يزال يكتنفها الغموض أو التي تستحقّ التّوضيح ولها علاقة مباشرة بالأرضيّة السّياسيّة الدّنيا التي تحدّثنا عنها (لا نناقش هنا مختلف القضايا الاجتماعيّة والثّقافيّة والخارجيّة المشار إليها على أهمّيتها لأنّنا نعتبر أنّ الخلاف حولها لا يمنع الالتقاء حول تلك الأرضيّة) هي التّالية : (1) علاقة الدّين بالدّولة. (2) مسألة الحرّيات الفرديّة: حرّية التّفكير والرّأي والضّمير. (3) مسألة الحدود وعلاقتها بمبدأ احترام حقوق الإنسان. (4) مسألة السّيادة الشّعبيّة. (5) مسألة المساواة: المساواة بين الجنسين.

 



#حزب_العمال_التونسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - حزب العمال التونسي - الأدنى الدّيمقراطي لتحالفنا اليوم وغدا - الحزء الاول- النّقـــــاش العلني