أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فارس حميد أمانة - مشاهدات من المانيا - الجزء السابع















المزيد.....

مشاهدات من المانيا - الجزء السابع


فارس حميد أمانة

الحوار المتمدن-العدد: 4188 - 2013 / 8 / 18 - 10:37
المحور: كتابات ساخرة
    


" لن أكون معكم هذا المساء "
كانت هذه آخر كلماتي لزملاء رحلتي وأنا أفلت يدي من يد أحدهم الذي رد مدهوشا : " وأين ستذهب ؟"
لم أسمع شيئا وأنا أغادر آخر درجة للمصعد الكهربائي الهابط بي الى آخر طابق من طوابق قطارات الأنفاق في ميونخ من شتاء عام 1990 لأستدير مباشرة وأضع قدمي على المصعد المجاور الصاعد وعيناي تبحثان عن ذلك المعطف الأسود الذي التفت به فتاة سمراء البشرة حلوة الملامح .. عندما كنت نازلا مع أصدقائي قبل أقل من دقيقة تعثرت نظراتي بعيني تلك الفتاة المحدقة بي وهي تصعد للطبقة الأعلى .. وعندما اقترب كل منا من الآخر بدا وكأن عينيها قالتا شيئا لم أفهمه .. أفقت بعد لحظة من أوهامي ليعبر كل منا الآخر وهو في مصعده .. هي .. بمعطفها الأسود وكنزتها الحمراء الداكنة والمصعد يأخذها للأعلى .. وأنا .. ومعطفي الذي غرقت به والمصعد يهبط بي حيث زفر قطار قادم أنفاسه الدافئة على وجهي .. مرت لحظة .. لحظة واحدة فقط .. ثم التفت والمصعد لا زال يهبط بي .. وجدت الفتاة وهي مستديرة بوجهها الصغير ونظراتها معلقة بعيني ..
" لن أكون معكم هذا المساء " هذا آخر ما قلته بتصميم وأنا أستدير .. خيل لي لحظتها ان صاحبي قال شيئا .. لكنني بالتأكيد لم أسمعه ..
وصل بي المصعد لطابق أعلى وعيناي تبحثان عن المعطف الأسود .. لكنني لم أعثر عليه .. صعدت طابقا آخر وعيناي تجولان فوق أكتاف المسافرين الذين اكتظت بهم محطة قطار ساحة مريم دون العثور على الفتاة ..
عند نزولي لمحاولة اللحاق بزملائي قبل صعودهم متن قطارهم حانت مني التفاتة الى المصعد الصاعد لأرى نفس الفتاة وهي ترسم ابتسامة رقيقة على شفتيها .. كان لا بد من الانتظار حتى وصولي للأسفل تماما ثم الاستدارة للصعود مرة آخرى .. لكنني فقدتها للمرة الثانية .. لا بد وان أجدك .. لا بد ..
بعد خمس دقائق وأنا أجول بعيني بين المارة المسافرين لمحت المعطف الأسود .. درت دورة مبتعدا عنها مسافة كبيرة ثم استدرت عائدا وكأنني أواجهها ..ان لم أجد شيئا أتحدث لها به سيتجاوز أحدنا الآخر وستنتهي تلك اللعبة المجنونة ..توقفت أمامها تماما فتوقفت هي أيضا .. قلت وأنا أسأل بلغة المانية ركيكة جدا :
Meine dame, ich moechte zur Sonnen strasse gehen, wissen sie dem veg nach da, bitte؟
والتي تعني : " سيدتي .. أرغب بالذهاب الى شارع زونن .. هل تعرفين الطريق الى هناك ؟ "
أجابتني برقة وبالانكليزية رافعة يدها لتشير لي للشارع .. فقلت لها هل سيكون الي اليمين .. ابتسمت قائلة كلا سيكون الى اليسار تماما بعد نهاية ممر المشاة هذا ..أعدت سؤالي بصيغة آخرى وكأنني سأتوه ثم استفسرت منها : " كم سيستغرقني المسير؟ نصف ساعة؟" وأردفت : انه اليوم الأول لي في ميونخ ..
ضحكت قائلة : " كلا بل عشر دقائق لا أكثر .. هززت رأسي كمن لم يفهم شيئا.. فأردفت " حسنا أنا سائرة في نفس الاتجاه ويمكن لك أن تسير معي ويمكن لك أيضا أن تتفضل لشرب القهوة حيث تعودت منذ وصولي قبل شهرين الى المانيا أن أجلس ساعة أو أكثر قبل رجوعي للمنزل في مقهى صغير عند ساحة كارلس يقدم قهوة رائعة ".. أجبت : أقبل ذلك ان قبلت أن تكوني ضيفتي ..
تحدثنا ونحن سائران عن العاصفة الثلجية التي تهب على المدينة منذ أيام وعن لذة شرب القهوة الساخنة في مثل هذه الأيم وعن أشياء كثيرة لكنها لم تسأل عني وبالمقابل احترمت ذلك ولم أسألها عن نفسها ..
فتحت لها باب المقهى لتدخل قبلي وعندما خلعت معطفها وقفت خلفها آخذا منها المعطف لأعلقه على شماعة قرب الباب ثم خلعت قبعتها فأخذتها منها أيضا لأضعها في المكان المخصص مع مظلتها ودون تردد.. تركت لها أن تختار المكان الذي يعجبها فابتسمت وخطت نحو طاولة صغيرة معدة لشخصين وبقرب نافذة كبيرة لاح من وراءها منظر المارة العابرين وسط ندف الثلج المتساقطة ..سبقتها الى كرسيها أرجعه الى الوراء قليلا ريثما تجلس ثم دفعته برفق للأمام عند هبوطها الرقيق عليه .. ابتسمت مرة آخرى بعذوبة وعلامات الارتياح من حركتي ترتسم على محياها .
أخرجت الفتاة علبة سجائر من حقيبتها الجلدية ثم أخرجت سيجارة قدمتها لي فأجبتها بأنني لم أدخن في حياتي على الاطلاق .. فوضعت السيجارة بين شفتيها الرقيقتين اللتين بدت كل شفة منهما كحبة كرز قانية ..وعندما أخرجت علبة الثقاب مددت يدي لأتناولها فلم تتردد بتركها .. أشعلت لها سيجارتها فشكرتني ..
سألتها عن اسمها فأجابتني : اسمي اليزابيث وأنا قادمة من كولومبيا لأستقر في ميونخ حيث وجدت عملا في شركة أزياء .. طافت في خياشيمي رائحة الكوكايين وخيالات عصابات التهريب وأزيز طلقات الرصاص المنهمر كالمطر .. أبعدت تلك الخيالات عن ذهني عند رؤيتي للنادل وهو يضع في تلك اللحظة كوبي القهوة التي طلبناها على منضدتنا .. ثم انحنى مبتعدا بهدوء كما حضر بهدوء ..
وأنت .. من أين أنت وما اسمك ؟ سألتني الفتاة ..أجبت : فارس وأنا من العراق ..
خيل لي ان الفتاة قد دهشت لجوابي وقد حاولت اخفاء دهشتها .. دهشت أنا ايضا .. سألت نفسي ان كنت قد أخطأت بجوابي .. بقينا نتحادث ساعة فقلت لها ان الوقت ربما يكون قد حان ان رغبت في المغادرة الا انها أجابتني انها تستمتع بالجلسة وستطلب كوبا آخر من القهوة .. ناديت النادل ليحضر لنا كوبين آخرين .. حل المساء سريعا وتوقف هطول الثلج واستمر بنا الحديث فترة أطول .. كانت الفتاة رقيقة جدا وغاية في التهذيب ...فأطفأت سيجارتها وهي تقف متهيأة للخروج ..سيطرت علي موجة ندم شديدة لطريقتي في التعرف عليها .. كان ندما مبعثه رقتها وبساطتها وشفافيتها البالغة .
حدقت في عينيها وأنا لا أزال جالسا .. أحست الفتاة برغبتي بقول شيء .. سكنت لحظة وبقيت واقفة وعيناها غارقتان بالتساؤل ..قلت لها : هل أستطيع الاعتذار ؟ .. امتلأت عيناها بالدهشة .. فأردفت قائلا : لم أكن صادقا معك ولم أكن مهذبا .. فردت بهدوء مرتبك : ماذا ؟ لكنك كنت مهذبا معي .. أجبتها بصوت متقطع : لم يكن هذا يومي الأول لي في ميونخ كما أخبرتك .. أنا هنا منذ أكثر من اسبوعين ..وأنا في ميونخ للمرة الثانية حيث جئت أول مرة قبل سبع سنوات وأعرف طريقي جيدا الى شارع زونن .. اتسعت عيناها وقالت : لكن لماذا ؟ .. رددت عليها : لا أعرف بالضبط .. رغبت بالتعرف اليك والحديث معك .. كان الوقت غير كاف فلم أجد سببا لايقافك والتحدث معك غير سؤالي ذاك . أعتذر منك سيدتي ..
حقا؟ قالت ذلك ثم أردفت : لقد دهشت عندما عرفت انك عربي .. ولا أخفي عنك فقد كنت أقارن بين تصرفك المهذب معي وبين ما عرفته عن العرب .. فقلت لها : ما الذي عرفت عنا ؟ .. أجابتني بانها كانت تتصور بأننا أناس غير متحضرين .. قالت ذلك وهي تخفض نظراتها الى الأرض كطفل خائف من جرم ارتكبه .
قلت : هل سبق لك وان التقيت بعربي قبل ذلك .. ردت بالنفي وهي تبعد نظراتها من عيني ..
"غدا نلتقي في نفس المكان وفي نفس الوقت وسأحدثك كثيرا عن العرب ".. هذا ما أجبتها به وبتصميم ..
ابتسمت وهي تصافحني قائلة : في هذه الحال فأنا أعتذر منك أيضا لسوء ضني بك عندما عرفت جنسيتك ..
ألبستها معطفها ووضعت القبعة على رأسها ثم ناولتها المظلة .. ثم لفظنا الباب الى الخارج فتلقفنا هواء مثلج ..ودعتني بعد ان صافحتني مرة ثانية قائلة : الى الغد اذن .....الى الغد.



#فارس_حميد_أمانة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهدات من المانيا - الجزء السادس
- مشاهدات من المانيا - الجزء الخامس
- مشاهدات من المانيا - الجزء الرابع
- مشاهدات من المانيا - الجزء الثالث
- مشاهدات من المانيا - الجزء الثاني
- ما الذي ستقدمه بغداد لأمريكي وايطالي وفرنسية ؟
- مشاهدات من المانيا - الجزء الأول
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء السابع والأخير
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء السادس
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الخامس
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الرابع
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الثالث
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الثاني
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الأول
- هل يستحق عبد الهادي المجبل الفرعون كل ذلك ؟
- قوادون .. لصوص .. متسولون .. وخمارون من الزمن الجميل
- الجاسوسان
- أنا .. ومعي الآخرون


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فارس حميد أمانة - مشاهدات من المانيا - الجزء السابع