أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء الدين الخطيب - بين دجلة والنيل، أين هو الله وأين الشيطان؟















المزيد.....

بين دجلة والنيل، أين هو الله وأين الشيطان؟


علاء الدين الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 4186 - 2013 / 8 / 16 - 15:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من أفشل المنهجيات في تحليل السلوك الإنساني والإجتماعي هو الانطلاق من التفسير القديم "العالم صراع بين الخير والشر، بين النور والظلمة، بين الله والشيطان". هذه المنهجية كانت الأكثر استقرارا واحتكارا للعقلية الجماعية بما يتناسب مع نظام الحكم الشمولي الذي ساد التاريخ البشري منذ نشأته. فوفق هذه المنهجية يمكن للحاكم أن يتسلح بأنه الخير وعدوه هو الشر، ثم تأتي مهمة رجالات البلاط بنشر هذا التقييم نزولا لعامة الناس وللجنود. ومعيار الخير والشر استفاد أكثر ما استفاد من الأديان والآلهة لخلق المعايير المناسبة للحاكم وبحالات أخرى استفاد من القبلية والعرقية وحتى بعصرنا الحالي من الديمقراطية. ساد التاريخ البشري على مستوى صراع الامبراطوريات التبرير الديني، فالحاكم إما أنه الإله أو ممثله أو مفوضه أو المبارك من قبله أو المعتصم بأوامر الإله باطاعة الحاكم. بعد أفول سيطرة الكنيسة بأوروبة وبدء عصر الاستعمار الغربي حمل الحكام شعارات "العزة القومية" لبريطانيا العظمى وفرنسا حاملة النور، وانتهاء بهتلر وتبرير التفوق العرقي الألماني، ولم يتردد جورج بوش برفع مبرر الديمقراطية لنشر سيطرة الامبراطورية الامريكية. في كل هذه المخاضات التاريخية كان "حق يصارع باطلا" والمنتصر يقرر بكتب التاريخ من هو الحق ومن هو الباطل. فإلى الآن ما زلنا غير متفقين من كان على حق، علي أم معاوية، الكنيسة الكاثوليكية أم البروتستانتية، الثورة الفرنسية أم السلطنة العثمانية، الشيوعية أم الرأسمالية، القومية العربية أم القومية القطرية أم الأمة الإسلامية أم الجماعة الإنسانية.
لعل أهم إنجاز للبشرية مع نهايات القرن العشرين هو الوصول لمرحلة الثورة على هذه المفاهيم المعلبة الجاهزة للصراع الأبدي الشكلي بين الحق المطلق والشر المطلق. لكن هذا الإنجاز لم يصل بعد لمرحلة الوعي النخبوي الغالب بين المجتمعات البشرية، لا فيما يسمى "العالم المتمدن الديمقراطي" أو بما يسمى "العالم الثالث". وعودا لأرض الآلهة الحزينة بين دجلة والنيل التي شهدت ميلادات أهم الآلهة في التاريخ البشري نجد أن عقلية الفصل الحاد بين الحق والباطل ما زالت هي المسيطرة وخاصة على ما يسمى "النخبة" الفكرية مهما كان توجهها. هذا الفصل الحاد الخيالي هو المسبب الأساسي للتعصب، وضمن هذا المفهوم لا نجد براءة مسبقة لمن يقول أنه ذو فكر ديمقراطي ليبرالي علماني فقد تحول لديه مفهوم الحرية لمفهوم تعصبي مطلق لا يميزه بالممارسة العملية عمن يجاهر أنه وبحجة دينية مقدسة يعمل ويفكر تحت لواء مفاهيم دينية مطلقة قائمة على التمييز بين الله والشيطان إنسانيا بشكل حاد جدا.
الربيع العربي أظهر حقيقة مذهلة لمن لا يقرأ الإنسان كإنسان بل يقرؤه كتوصيف ضمن سطور الكتب سواء كانت مقدسة دينيا أو فلسفيا وماديا. لقد ثبت ان الإنسان في هذه المنطقة مدرك تماما لنسبية الحق والباطل، الخير والشر، تجليات الله والشيطان. وبنفس الوقت أظهر أن الثورة الحقيقية لم تصل لعقلية ما يسمى نخبة ثقافية أو سياسية حتى لو كانت ظاهريا مع الشعب الثائر لحريته ولكرامته.
في يوم مفاجيء للحاكم وللنخبة، ولأن المال والسلاح والإعلام غفل عن الشعب العادي في الشارع، أثبت ملايين المصريين في التحرير أنهم بوعيهم الجماعي البشري قادرون أن يخفضوا نسبة النشل والسرقة والتحرش الجنسي للصفر، وأثبت التونسيون وعيا هائلا بأهمية الوطن، واليمنيون المتهمون بأنهم أقل الشعوب معرفة بالقراءة في هذه المنطقة وأكثرهم امتلاكا للسلاح أنهم مستعدون للموت وغير مستعدين ليقتلوا بعضهم، وفي سورية وخلال شهور طويلة أثبت السوريون أن تنوعهم الفريد عالميا بالأديان والقوميات هو مصدر توحد ووطنية عالية. يوم تحرر الإنسان العادي على هذه الأرض من حمم المال السياسي والهجوم الإعلامي وتزوير الحقائق لفترة محدودة أثبت وعيا هائلا بالقيمة الإنسانية والوطنية والدينية وأثبت أنه بمجموعه هو الأقرب للملائكية المنشودة.
بينما لو عدنا فقط ثلاث سنين للوراء، ودون الخوض بتحركات الحكام والسلاح، نجد أن ما يسمى النخبة الفكرية ومن كل التيارات أثبتت بعمومها أنها متحجرة بقوالب جاهزة أكل الزمان عليها وشرب. النخبة الإسلامية بعمومها تحصنت فورا بتراث بالٍ من الأحكام والفتاوى فاشلة تاريخيا وموضوعيا وأعادت تفصيل الغطاء الديني المقدس بما يناسب مصالح الممول، فتارة الإسلام مختصر بالإخوان المسلمين وتيارهم، وتارة هو متجسد بالسلفية الوهابية ومشتقاتها سواء قاعدية عنيفة أو كهنوتية مستسلمة للسلطان، وكلا التيارين وبكل راحة ضمير وجهوا الشيطان للطائفة المقابلة إسلاميا وللعلمانية والليبرالية والديمقراطية فانهالت فتاوى التكفير والتفسيق والزندقة والانحلال على أعدائهم المرسومين في خيالهم.
في الاتجاه الآخر، والذي كان مفاجئا للشباب الثائر، النخبة التي تسمت بالديمقراطية والليبرالية والعلمانية واليسارية أثبتت أنها تحمل نفس التعصب العقلي والمنهجي في تعاملها مع الواقع والتاريخ. فنرى أنها تحالفت مع الدينية في الاستناد لتفسيرات ميتافيزيقية للمخاضات الثورية على هذه الأرض، فحربها الشكلية على الطائفية التحاقدية استخدمت الطائفية ذاتها بمبررات "الموضوعية والواقعية" ووفق قراءات انتقائية تعمم ذقن المتمشيخ على وجوه كل الناس. ووجدت انها فرصتها المناسبة للانتقام من التيار الاسلاموي الذي غلبها شعبيا لأنه يحمل سلاح المقدس، ولعل أهم إثبات لهذه الشيزوفرينيا النخبوية هي موقف هذا المجموعات الغير متأصلة بالمفاهيم الإنسانية الحقوقية من حكم الإخوان بمصر وتسلحها بنفس المدافع الدينية في التخوين والتكفير والأرهبة. وفي سورية نجد أن العديد منها إما استسلم لقراءة سطحية للإنسان السوري تستند لخبرات شخصية أكثر منها لفهم عميق بالعقلية والنفسية السورية فاستسلم لقيادة الاسلاموية في المعارضة السورية، أو أنها هربت مرة أخرى لبروجها العاجية بين الكتب والمصطلحات اللمّاعة حول قوانين الديالكتيك والصيرورات الجيوسياسية وحلقات البكاء والندب على جهل الشارع بقيمة أفكارهم الوجودية والمثالية، بل وصل التطرف ببعضهم لتأييد مقولة الحاكم الطوطم بعدم أهلية الشارع للمرحلة الإنسانية بسبب الانسلاب الانثروبولوجي والبنية الكولونيالية. إن قراءة الهرم كمنجز للفرعون تمنع القاريء للتاريخ أن يرى بحيرات الدم تحت الهرم وبالتالي تحجبه عن قراءة الإنسان الحقيقي وتسجنه ضمن ما سمح الفرعون بكتابته في الكتب.
إن ما يعانيه الشارع الإنساني في هذه المنطقة ليس فقط بسبب تغوّل الحاكم الطوطم وصراع السوق العالمي المتوحش على المال والسلطة وهوس المال الإعلامي خلفهم، بل أيضا بسبب سيطرة التحجر الفكري على عقلية النخبة الديكتاتورية التي رفضت مثلها مثل الحاكم بأمر الله أو بأمر الوطن التخلي عن منصبها للفكر الشاب الثائر على مقدساتها. نخبة بالكاد يمكن التمييز فيها بين الاسلاموي السلفوي والعلمانوي الليبرالوي. كلا الطرفين يخاطب الشارع بنفس الخطاب "إما خلف كتبي أو الويل والثبور لكم ولمن خلّفكم".



#علاء_الدين_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشار الأسد: خطف أهداف الثورة السورية
- المؤامرة الكونية على سورية، هل هي حقيقة؟
- مآسي المصريين، ببلايين الدولارات أم بملائكة وبشياطين
- من سورية لمصر، حبل الوريد
- الجزيرة وشرف المهنة، -لا تقربوا الصلاة-
- الإخوان والبعثيون والوطني، أشقاء الوهم
- لماذا سقط الأخوان سريعا؟
- هل سورية بلد اصطناعي؟
- -أصدقاء سورية- بعض سلاح دون غذاء ودواء
- الطائفية بسورية والتفسيرات المعلبة المُستَسهَلة
- ثورة إيران القادمة تنتظر السوريين
- جنيف2 -حفلة سمر من أجل تدمير سورية-
- عندما يتكلم نصر الله والأسد، ويرد القرضاوي
- الدولة العلوية المزعومة، حقيقة أم خيال؟
- الثورة السورية والمصالح الدولية -4- الموقف العربي
- الثورة السورية والمصالح الدولية -1- إيران
- الثورة السورية والمصالح الدولية -2- تركيا، روسيا والصين
- الثورة السورية والمصالح الدولية -1- الغرب وإسرائيل


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف موقع اسرائيلي حيوي ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - علاء الدين الخطيب - بين دجلة والنيل، أين هو الله وأين الشيطان؟