أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي مجالدي - القوى الإقليمية الفاعلة في الصراع الأمريكي الإيراني في بحر قزوين















المزيد.....



القوى الإقليمية الفاعلة في الصراع الأمريكي الإيراني في بحر قزوين


علي مجالدي

الحوار المتمدن-العدد: 4183 - 2013 / 8 / 13 - 14:53
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


إن الصراع في بحر قزوين بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران ليس منعزلا عن بقية القوى الإقليمية الفاعلة في المنطقة فهي تلعب دور رئيسي في تحديد طبيعة هذا الصراع.خاصة في ظل سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، فكل من روسيا و تركيا و الصين على تماس مباشر بهذه المنطقة فهي دول مجاورة معنية بالمنطقة اقتصاديا و سياسيا و اجتماعيا و امنيا و لكل دولة من هذه الدول أسبابها و دوافعها للاهتمام بمنطقة بحر قزوين و الدول المشاطئة له(1)وهذا ما سنتطرق له في هذه الدراسة حيث سنتناول أولا الإستراتيجية الروسية في بحر قزوين و أهميتها بالنسبة لروسيا ثم بعد ذلك الإستراتيجية الصينية التي تركز على البعد الاقتصادي و أخيرا الإستراتيجية التركية التي تركز على العوامل الثقافية و الحضارية التي تربطها بشعوب المنطقة.
1- الإستراتيجية الروسية ومعضلة تمرد الفناء الخلفي
يقر خبراء الجغرافيا السياسية بأنه قد لا توجد منطقة في العالم حظيت منذ سقوط الشيوعية، بمكانة إستراتيجية كتلك التي حظيت بها منطقة القوقاز و آسيا الوسطى و بينهما بحر قزوين فهناك يجتمع كل شيء، حيث ميراث التاريخ، ووعود المستقبل، والثورات الشعبية و التمردات، والحركات الإسلامية المسلحة، وحقول النفط والغاز، وهناك أيضا المناورات العسكرية الصينية والروسية والأمريكية.
قبل نحو أثنين و عشرين عاما حصلت دول هذه المنطقة على استقلالها عن الاتحاد السوفيتي السابق، ولم يكن هذا الاستقلال طلاقا بين الطرفين بقدر ما كان انفصالا مؤقتا سرعان ما أدرك خلاله الطرفان أن كلا منهما ليس بوسعه الاستغناء عن الآخر(2) فقد كانت روسيا هي الخاسر الأكبر من انهيارا لاتحاد السوفيتي بفقدانه منطقة آسيا الوسطى و القوقاز فما انسلخ عنها لا يشكل أهمية كبيرة من حيث المساحة حوالي (5 مليون كم²)، ولا عدد السكان (حوالي 80 مليون نسمة)، ولكن الخسارة الاقتصادية و السياسية و الأمنية تكاد تستعص على الحساب(3) فجزء كبير من بحر قزوين ودول أذربيجان و تركمنستان و كازاخستان كانت تابعة للإتحاد السوفييتي قبل انهياره فروسيا اليوم تسعى إلى إقامة علاقات وثيقة مع هذه الدول للحفاظ على نفوذها التقليدي في هذه المنطقة،واستغلال الموارد الطاقوية الموجودة في بحر قزوين لتحقيق مكاسب اقتصادية تعزز من مكانة روسيا الإقليمية و العالمية خاصة في مجال الطاقة(4).يعتبر بحر قزوين و الدول المشاطئة له مناطق مهمة بالنسبة لروسيا ليس من الناحية الاقتصادية فقط بل من الناحية الأمنية كذلك فالسيطرة على هذه المناطق يضمن وجود مناطق عازلة لحماية امن روسيا الذي أصبح مكشوفا إلى حد بعيد و ضمان مصالحها الجيوبوليتيكية(5).ويمكن تبيان أهمية بحر قزوين بالنسبة لروسيا في النقاط التالية:
• بحر قزوين منطقة ذات أهمية إستراتيجية بالنسبة لروسيا، إذ أعتبر الجناح الجنوبي على الدوام ،إحدى الركائز الأساسية في مجال الأمن القومي (لكونه أقرب إلى أوروبا)، و هو ما يفسر قيام الإتحاد السوفييتي السابق بتركيز الكثير من الأسلحة الإستراتيجية في هذه المنطقة خاصة في كازاخستان، و على هذا الأساس كان من الطبيعي أن تعتبر روسيا هذه المنطقة حيزا خاصا و حقا مكتسبا و منطقة نفوذ و إحدى أهم البؤر الأساسية في الإستراتيجية الروسية.(6)
• يوجد في دول بحر قزوين(أذربيجان –تركمنستان-كازاخستان) ملايين الروس حيث يقدر عددهم مثلا في كازاخستان بحوالي 6 ملايين نسمة و هو ما يمثل تقريبا 40% من مجموع السكان(7)
• من الناحية الجيوبوليتكية بحر قزوين و الدول المطلة عليه في القوقاز و آسيا الوسطى واحدة من أضعف نقاط المدى الجيوبوليتيكي الروسي و ليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه المساحات بالذات مسرحا لعمليات حربية طاحنة بين الهارتلاند HATRLAND و التي تمثلها روسيا و بلدان الريملاند RIMLAND و التي تمثلها إيران و تركيا و هذا منذ القدم،و بالتالي فسيطرة روسيا على بحر قزوين و الدول المجاورة له يفتح لها بوابة على البحار الدافئة.(8)
• إن العامل الاقتصادي قد لا يدفع روسيا إلى الاهتمام بدرجة كافية بمنطقة نفوذه التاريخي بحر قزوين، فهي دولة قد لا تهتم كثيرا بالصراعات الجارية من أجل النفط و الغاز نظرا للبدائل المتاحة أمامها فهي الدولة الوحيدة من الدول الصناعية التي يمكنها أن تنجوا من الخطر النفطي اعتمادا على نفسها، و لكن هذا لا يعني ترك الآخرين و خاصة الولايات المتحدة الأمريكية يسيطرون على المنطقة لأن ذلك ينطوي على مخاطر أمنية و سياسية لا حدود لها بالنسبة لروسيا.(9)
و بالتالي و نظرا للأهمية التي تمتلكها منطقة بحر قزوين بالنسبة لروسيا فقد أنصرف الإدراك الروسي إلى اعتبار أي تهديد جدي لهذه الدول، أو أي تهديد ينطلق منها باتجاه روسيا يمثل تهديدا خطيرا للأمن القومي الروسي و بالتالي فان أي تحرك سلبي من قبل هذه الدول يؤثر في امن روسيا الاتحادية بشكل مباشر و هو ما دفع روسيا إلى ربط هذه الدول بمعاهدة الكومنولث، إذ تم
إنشاء كومنولث الدول المستقلة و التي تتكون من 12 دولة من بينها الدول الثلاث المشاطئة لبحر قزوين (كازاخستان و أذربيجان و تركمنستان)،و التي أسست في 21 ديسمبر 1991 ، وذلك إدراكا من روسيا على أنها لا تستطيع الاستغناء عن هذه الدول، و رغبة منها في المحافظة على بعض الروابط الإستراتيجية معها.(10)و ترغب روسيا في أن تكون علاقتها مع دول الاتحاد السوفييتي السابق خاصة الدول المشاطئة لبحر قزوين أشبه بعلاقة الولايات المتحدة الأمريكية بدول أمريكا الوسطى و دول الكاريبي، و الدور الذي تحاول أن تمارسه في دول بحر قزوين أشبه بالدور الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية في أمريكا اللاتينية على مدى القرنيين الماضيين.(11) وبالتالي فالإستراتيجية الروسية في بحر قزوين تضع الأمن القوم الروسي فوق جميع الاعتبارات الاقتصادية و السياسية و الثقافية رغم الروابط الموجودة بينها و تركز بشكل كبير على العامل العسكري و يمكن توضيح ذلك في النقاط التالية:
• مواجهة التهديد الأمريكي الناجم عن تواجد مكثف للقوات العسكرية الأمريكية في دول حول روسيا خاصة في دول آسيا الوسطى(قرغيزستان)
• مواجهة احتمال نشوب اضطرابات داخل رابطة الكومنولث الروسي، لاسيما في حالة انتهاك الحقوق المدنية للأقليات الروسية في الكومنولث، أو دخول أي من تلك الدول في ترتيبات أمنية مع قوى أجنبية.و هذا ما تم فعلا حينما اجتاحت الدبابات الروسية أوسيتيا الجنوبية في عام 2008 و طردت القوات الجورجية.
• الإعداد لمواجهة الحروب المحلية و الإقليمية، فبعد أن كان الإعداد يتم لمواجهة كونية واسعة النطاق ضد المعسكر الغربي بدأ الإعداد للدخول في عمليات عسكرية، قتالية ذات طبيعة محلية و إقليمية و خاصة في المناطق الغنية بالنفط و الغاز مثل بحر قزوين.
• الاهتمام بقضايا الانتشار الإستراتيجي لاسيما أعمال الانتقال بالقوات من حالة السلم إلى حالة الحرب(12).
• ضمان وجود مناطق عازلة للحفاظ على أمن روسيا و مصالحها الجيوبوليتيكية.
• ضمان الاستقرار في المنطقة لتجنب التوترات العرقية .
• بذل الكثير من المحاولات و الجهود للحيلولة دون هيمنة أي دولة على منطقة بحر قزوين.
• العمل على دعم و تطوير علاقتها مع القوى الإقليمية في المنطقة كالصين و الهند و إيران و تركيا و حتى الدول البعيدة كألمانيا و فرنسا.(13)
و تركز الإستراتيجية الروسية على التواجد العسكري في بحر قزوين، إذ يعتبر الأسطول الروسي الأكثر قوة بين أساطيل الدول المطلة على بحر قزوين، ويتعدى عدد السفن الروسية في بحر قزوين حوالي 100 سفينة ، و قد أدخلت روسيا سنة 2012 سفينة الصواريخ الأكثر حداثة و هي سفينة "داغستان" المسلحة بصواريخ تماثل صواريخ توماهوك الأمريكية(14) ويعد هذا التوجه الروسي ليس لحماية مصالحه فقط في بحر قزوين بل يتعدى ذلك نتيجة للأوضاع الغير مستقرة في سوريا و الملف النووي الإيراني، و ترتكز الإستراتيجية الروسية في المنطقة كذلك على التواجد العسكري الميداني في بلدان آسيا الوسطى القريبة من بحر قزوين كرد فعل على التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة، حيث قامت روسيا في أكتوبر 2003 بافتتاح أول قاعدة عسكرية لها منذ سقوط الإتحاد السوفييتي ، بها حوالي 20 طائرة مقاتلة و 1000 جندي و لا تبعد سوى 30 كلم عن القاعدة الأمريكية "ماناس" في قرغيزستان(15)، و تمتلك روسيا قاعدتان عسكريتان في طاجاكستان و تم الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية روسية في طاجاكستان حيث تم التوقيع عليها بين رئيسي البلدين في 16 أفريل 1999 في موسكو ،وكان الافتتاح الرسمي لها في 2004 (16) حيث افتتح الرئيس الروسي بوتين قاعدة "دوشنبه" في 17 أكتوبر 2004 و تمت هذه الاتفاقية في إطار قانوني بين الدولتين يضمن تواجد عسكري روسي في طاجاكستان طويل الأمد(17) و يتمركز في هذه القاعدة حوالي8500 جندي (18) أما القاعدة الثانية فهي قاعدة "كيولياب" و تتمركز فيها وحدة عسكرية روسية و تبعد نحو 300 كلم إلى الجنوب من العاصمة "دوشنبه" و 100 كلم من الحدود الأفغانية و هذه القاعدة مجهزة لتسع 50 طائرة عسكرية بما في ذلك المروحيات (19)، و لتعزيز تواجدها و علاقتها العسكرية بدول آسيا الوسطى و خاصة منها المشاطئة لبحر قزوين اتفقت روسيا و كازاخستان في 30 جانفي 2013 على إنشاء منظومة إقليمية موحدة للدفاع الجوي حيث وقع وزير الدفاع الروسي "سيرغي شايغو" و نظيره الكازاخي "أدلبيك جاكسيبيكوف" اتفاقية بهذا الصدد في أستانا عاصمة كازاخستان.(20)
و يمكن التنويه في الأخير أن الإستراتيجية الروسية استبدلت العقيدة الشيوعية في تعاملها مع دول حوض بحر قزوين بعقيدة برغماتية، مبنية على المصالح المشتركة و استبدال أسلوب المواجهة مع الغرب بأسلوب أكثر مرونة و إن كانت الإستراتيجية الروسية في المنطقة تركز على التواجد العسكري عكس بعض الدول الفاعلة في المنطقة كالصين التي تتبنى فلسفة مبنية على الشراكة الاقتصادية و التبادل التجاري مع الدول المشاطئة لبحر قزوين و خاصة في مجال النفط و الغاز و هذا ما سنتطرق له في العنصر القادم و تحديد أهم مرتكزات الإستراتيجية الصينية في بحر قزوين.
2- الإستراتيجية الصينية والأمن الجيواقتصادي
تعتبر الصين أكبر بلد في العالم من حيث السكان حيث يقدر بمليار و 300 مليون نسمة، و تمتلك اقتصادا مزدهرا و استثنائيا و بمعدل نمو سنوي متواصل و غير مسبوق ما بين 9-10 %، و بالتالي باتت الصين تعتمد اعتماد متزايد على النفط المستورد، ففي الوقت الذي بلغت فيه احتياطات الصين من النفط قرابة 18 مليار برميل فإن وارداتها النفطية تشكل ثلث استهلاكها من النفط الخام، وبالرغم من أن الصين استطاعت القيام باكتفاء ذاتي في النفط لعقود طويلة فإن ضغوط النمو الاقتصادي دفع الصين إلى الاستيراد النفطي لأول مرة عام 1993، وتزايد الاستيراد الصيني للنفط حيث بلغ سنة 2000، 60 مليون طن (بقيمة 14.9 مليار دولار أمريكي) (21). تعتبر منطقة بحر قزوين من أولويات الإستراتيجية الصينية خاصة أنها تشترك بحدود طويلة جدا مع كازاخستان التي هي إحدى الدول المطلة على بحر قزوين (22) ،و بعد تفكك الإتحاد السوفييتي تزايد الاهتمام الصيني بهذه المنطقة خاصة الدول الواقعة على الجزء الشرقي منه (تركمنستان و كازاخستان)، حيث كانت الصين من أول الدول التي اعترفت باستقلال بلدان آسيا الوسطى و أسست العلاقات الدبلوماسية معها (23) .ولا يرجع اهتمام الصين بمنطقة آسيا الوسطى و بحر قزوين إلى الموارد الطاقوية الموجودة هناك فقط، و إنما لضمان امن حدودها الغربية، خاصة إقليم " شينجيانغ" الذي تسكنه أقلية مسلمة من أصول تركية و الذي يتبنى مطالب انفصالية(24)، و من جهة أخرى تنظر الصين بعين الريبة للتواجد العسكري الأمريكي في آسيا الوسطى و هو تواجد سيكون هذه المرة على حدود الصين الغربية و بالتالي سيكون قريب من مناطق التوتر في الصين حيث تعيش الأقليات الإسلامية كما ذكرنا سابقا، بالإضافة فإن هذا التواجد سيكون قريب من إقليم "التبت" و هو إقليم لا يخفي نزعته الانفصالية التي يدعمها الغرب و على رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية منذ عقود طويلة(25).
تعتبر الصين اليوم ثاني اكبر مستهلك للطاقة بعد الولايات المتحدة الأمريكية و مع زيادة النمو الصناعي الصيني فهي قلقة على نحو متزايد حول إمكانيتها و قدرتها على ضمان أمنها الطاقوي على المدى البعيد، خاصة في ضل هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على منابع النفط في الخليج العربي(26) ، وتستهلك الصين اليوم ما يوازي ثلث الاستهلاك في الولايات المتحدة الأمريكية و 45% من استهلاك الإتحاد الأوربي للنفط،و بلغ استهلاك الصين للنفط سنة 2004 8.2 % من مجمل الاستهلاك العالمي للنفط و قدر ب 6 مليون برميل يوميا مقابل 24.9 % للولايات المتحدة الأمريكية (27) و قدر سنة 2012 ب 9.963 مليون برميل يوميا أي بزيادة قدرت ب 36% عن سنة 2004، و من المتوقع أن يصل استهلاك الصين للنفط سنة 2020 إلى 13 مليون برميل يوميا، وقدر الإنتاج الصيني للنفط سنة 2012 ب 4.30 مليون برميل يوميا،و بالتالي فالصين تستورد أكثر من 50% من حاجياتها النفطية، و 45.10 % من هذه الحاجيات سنة 2012 تم استيراده من منطقة الشرق الأوسط(28)،و بالتالي فإن ضمان مصادر آمنة للطاقة أصبح من متطلبات الأمن القومي الصيني، خاصة في ظل زيادة الطلب العالمي على النفط حيث من المتوقع أن يصل حسب وكالة الطاقة الدولية سنة 2035 إلى 99.7 مليون برميل يوميا مقابل 87.4 مليون برميل سنة 2012، و من المتوقع أن يستقر سعر البرميل في حدود 215 دولار للبرميل سنة 2035(29)، و بالتالي فإن ضمان مصادر آمنة للطاقة يدخل ضمن أولويات الإستراتيجية الصينية في بحر قزوين فقد وقعت الصين مع كازاخستان اتفاقية لمد أنبوب من كازاخستان باتجاه إقليم سينجيانغ الصيني (تركستان الشرقية) في مدينة دوشانزي، بطول 2500 كلم،ثم أنبوب آخر من هناك إلى شنغهاي، و بدأ تشغيل الخط الأول شينجيانغ منذ عام 2006، حيث نقل ما يساوي 40 مليون طن من النفط الخام إجمالا حتى عام 2001 (30)، و ينقسم هذا الخط إلى ثلاثة أجزاء رئيسية :
- من مدينة أتيرا على سواحل بحر قزوين حتى مدينة كانكياك بطول 449 كلم.(الجزء الأول)
- من كانكياك إلى كامكول على مسافة 794 كلم.(الجزء الثالث).
- من كامكول إلى أتاسوا على مسافة 427 كلم.
- من اتاسوا إلى ألشنكوك على مسافة 964 كلم.(الجزء االثاني) (31).
تعد شركة النفط و الغاز الوطنية الصينية من أكبر الشركات المستثمرة في قطاع الطاقة في آسيا الوسطى، بحصولها على حق الاستثمار في عدد من أهم حقولها، و هو ما سيؤثر وفق المنظور الروسي و الأمريكي على موازين القوى الدولية المشاركة في تنمية هذه الدول، و يقلل و يقلل من اعتمادها على روسيا و الدول الغربية، و في الجانب التجاري أيضا منحت الصين تسهيلات لهذه الدول خاصة كازاخستان، حيث قدمت لها تسهيلات مالية لاستيراد السلع الصينية بالعملة المحلية للصين "الديميبي"(32).
كما أسست الصين العديد من المعارض و المراكز التجارية في مدن و جمهوريات آسيا الوسطى من اجل أن يكون للتجار الصينيون نفوذ في أسواق هذه الجمهوريات، و في مجال المواصلات التي تسيطر عليها روسيا تقليديا، ستشارك الصين في إنشاء خط سكة حديدية بديل ليربط بين شرق آسيا عبر قرغيزستان و أوزباكستان ليتصل بخط أوروبا و الشرق الأوسط(33)، و بالتالي فإن التغلغل الصيني في منطقة آسيا الوسطى لا يمكن فصله عن منطقة بحر قزوين ، فحتى الدول الغير مطلة على بحر قزوين في آسيا الوسطى و التي تمتلك حدود مع الصين تعتبر ذات أهمية إستراتيجية كبيرة بالنسبة لها خاصة في عملية نقل النفط و الغاز عبر أراضيها باتجاه الصين، و بالتالي فإن عدم السيطرة على هذه الدول و ترك المجال للولايات المتحدة الأمريكية و روسيا من شانه أن يهدد الأمن الاقتصادي للصين خاصة إذا علمنا أن الصين تستورد 45% من حاجياتها النفطية من منطقة الشرق الأوسط سنة 2012(34) و هي منطقة تسيطر عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يعني خنق الصين في حالة سيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على منطقة بحر قزوين و آسيا الوسطى، و عليه فقد بدأت التغلغل في بحر قزوين و إيجاد موطئ قدم لها حيث نجحت شركة الصين الوطنية للنفط في العام 1997 في عقد اتفاق مع كازاخستان لإقامة استثمارات في حقول نفطية بلغت قيمتها 9.5 مليار دولار، كما قامت شركة البترول الصينية في العام 1998بشراء حصص مقدارها 60 % من حقل "أكتيومسك" في كازاخستان مقابل 325 مليون دولار، فضلا عن شرائها شركة بتروكازاخستان النفطية في العام 2005 بقيمة 4.18 مليار دولار، و في بداية العام 2009 تم التوقيع على وثيقة تفاهم لنقل الغاز من كازاخستان في الصين، كما وقت الصين مع تركمانستان على اتفاقية في 2006 يتم بمقتضاها نقل الغاز التركماني إلى الصين(35).
فالصين مصممة اليوم على تكريس موقعها الإستراتيجي في بحر قزوين، فرغم نقص التأثير العسكري للصين في هذه المنطقة إلا أنها تمتلك وسائل أخرى في هذا المجال جغرافية و سياسية و اقتصادية و تاريخية(36)،فالصين لا تمتلك قواعد عسكرية في آسيا الوسطى و بحر قزوين، ولكن ذلك لا ينفي وجود تعاون عسكري مع بعض دول المنطقة حيث تعتبر الصين من أكبر موردي السلاح إلى إيران، وكذلك قامت الصين بمناورات عسكرية سنة 2001 مع قرغيزستان و هي التجربة الأولى من نوعها و كان هدفها حسب تصريحات المسئولين مكافحة الإرهاب في المنطقة، و في إطار منظمة "شنغهاي" و التي تضم كل من ( الصين و روسيا و كازاخستان و قرغيزستان و طاجاكستان و أوزبكستان) كانت هناك مناورات عسكرية سنة 2007 و التي تمت في "شيليا بنسك" في روسيا و كان هدف هذه المناورات مكافحة الإرهاب حسب وزارة الخارجية الصينية(37)، وكانت آخر مناورات لمنظمة شنغهاي للتعاون قد تمت سنة 2012 في طاجاكستان و قدر عدد الجنود الصينيين المشاركين في هذه المناورات ب 369 عسكري من الجيش الصيني(38)، و تنظر الولايات المتحدة الأمريكية بعين الريبة إلى هذه المناورات رغم تصريحات المسئولين عن منظمة شنغهاي بأنها من اجل مكافحة الإرهاب و حفظ الاستقرار في المنطقة، وهذه المنظمة التي تعتبر في الحقيقة من أهم معوقات التغلغل الأمريكي في بحر قزوين و جمهوريات آسيا الوسطى.
و يمكن أن نستنتج في الأخير أن الصين فاعل رئيسي في منطقة بحر قزوين، و سيكون لها دور جد مؤثر على الإستراتيجية الأمريكية التي تسعى إلى عزل و احتواء الدور الإيراني في هذه المنطقة،فمنذ بداية القرن 21 عززت الصين مكانتها في هذه المنطقة من العالم بالتركيز على العامل الاقتصادي، فالصين تسعى إلى ضمان أمنها الطاقوي و ضمان تدفق النفط القزويني لها خاصة من كازاخستان و تركمنستان، و يمتلك نفط بحر قزوين مميزات خاصة تجعل الصين أكثر اهتماما به من بقية مناطق العالم، فالصين تمتلك حدود مباشرة مع دول هذه المنطقة، مما يساهم في خفض التخوفات الصينية من انقطاع إمدادات النفط و كذلك نقصان تكلفة النقل، و بالتالي فعكس روسيا التي تركز على التواجد العسكري في بحر قزوين فإن الصين تعتمد بشكل كبير على الأساليب الاقتصادية اللينة، أما تركيا و التي تعتبر كذلك لاعب أساسي و فعال في بحر قزوين و التي تعد الحليف الأول و الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة فهي تسعى كذلك للمحافظة على مصالحها و مصالح شركائها في بحر قزوين من خلال الموروث الحضاري الذي يجمعها بشعوب المنطقة فأغلب شعوب المنطقة يعتنقون الإسلام و يتكلمون اللغة التركية و هذا ما سنعمل على توضيحه العنصر القادم.
3- الإستراتيجية التركية(العثمانية الجديدة)
لقد أدى انهيار الإتحاد السوفييتي و ظهور دول جديدة في آسيا الوسطى و القوقاز إلى تحول جذري في سياسة تركيا الخارجية تجاه هذه الدول، و البحث عن الأساليب السياسية و الاقتصادية التي تسمح لها بالتغلغل في هذه الدول حديثة الاستقلال حيث تسعى تركيا في هذا الصدد و بدافعية كبيرة إلى تسويق النموذج التركي العلماني(39) ، فتركيا معنية بما يجري اليوم في هذه منطقة خصوصا منطقة بحر قزوين، فهي تدرك اليوم أكثر من أي وقت مضى الأهمية التي أضحت تمتلكها المنطقة من حيث المصالح الاقتصادية و الأمنية و السياسية. فهي دولة جارة لبعض دول المنطقة كما أن أربع من دول آسيا الوسطى من أصول ذات غالبية تركية و يتكلم سكانها اللغة التركية و هي كازاخستان و أوزباكستان و تركمنستان و قرغيزستان، و يصل تعداد هذه الدول مجتمعة إلى أكثر من 50 مليون نسمة، مما جعل لتركيا روابط عرقية و ثقافية تبرر اندفاعها نحو المنطقة، بل إن انهيار الإتحاد السوفييتي خلق لها فرصة تاريخية لإعادة روابطها بشكل مباشر مع هذه الدول(40) و بالتالي فرغم أن تركيا دولة لا تطل بشكل مباشر على بحر قزوين إلا أنها فاعل رئيسي في الصراع الدائر حاليا بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران في المنطقة، فرغم امتلاك تركيا لعلاقات وثيقة مع إيران إلا أن المصالح الجيواستراتيجية التي تربط تركيا و الولايات المتحدة الأمريكية اقوي، فهي عضو في حلف شمال الأطلسي، و تربطها علاقات اقتصادية كبيرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فالموقع الجغرافي الذي تمتلكه تركيا جعلها تحظى بأهمية إستراتيجية كبيرة لدى واشنطن و حلفائها الغربيين و حتى روسيا، حيث تقع تركيا على مفترق طرق جغرافي مميز بين القوقاز و البلقان و الشرق الأوسط، كما أنها دولة مطلة على البحر الأسود و قريبة من بحر قزوين و تطل على البحر الأبيض المتوسط و تتحكم بمضيقي البوسفور و الدردنيل، و يشكل هذا الموقع الإستراتيجي لتركيا قلب المجال الجغرافي المصطلح على تسميته أوراسيا و يعتبر نقطة تقاطع قارات العالم الثلاث (آسيا – إفريقيا –أوروبا) (41) .فكل هذه الاعتبارات جعلت من تركيا الحلف الرئيسي للولايات المتحدة الأمريكية و بوابة تعبر من خلالها إلى بحر قزوين و يتأسس مفهوم الشراكة الإستراتيجية بين الطرفين على ثلاث نقاط رئيسية:
1. أن ثمة أوضاع و قضايا إقليمية و دولية بعد انتهاء الحرب الباردة تتلاقى فيها مصالح الطرفين التركي و الأمريكي.
2. أن الطرفين يدركان بدرجة واضحة تكامل مصالحهما إزاء هذه الأوضاع و القضايا.
3. أن الطرفين يقران بان العمل معا يحقق هذه المصالح بشكل أفضل من العمل منفردا من جانب أي منهما.
و بالفعل كان هناك الكثير من القضايا التي جرى فيها التعبير عن هذه الشراكة الإستراتيجية خاصة خط أنابي البترول الممتد من باكو عاصمة أذربيجان إلى ميناء جيهان التركي(42).الذي يمثل أهمية اقتصادية كبيرة بالنسبة لتركيا، فعلى مدى العامين الماضيين،شهدت تركيا أسرع نمو في الطلب على الطاقة في منظمة التعاون و التنمية، و من المتوقع أن يتضاعف الطلب التركي الطاقة في العقد المقبل، و تمتلك تركيا حاليا حسب آخر التقارير في 2012 حوالي 270 مليون برميل من الاحتياطات النفطية المؤكدة، ولا يتجاوز الإنتاج التركي من النفط 43 ألف برميل يوميا، أي أنها تستورد 90 % من احتياجاتها النفطية. و استوردت تركيا هذه الكمية من خمس دول رئيسة سنة 2011 هي كازاخستان 7%، روسيا12 %، العربية السعودية%11، العراق 17 %، إيران 51% (43) هذا يعني أن 70 % من احتياجاتها النفطية تستوردها من دول مطلة على بحر قزوين، و بالتالي فاهتمام تركيا بهذه المنطقة يعتبر من أولويات السياسة التركية و يدفعها للبحث عن منافذ للدخول و التغلغل في هذه المنطقة للحفاظ على نموها الاقتصادي و الصناعي الذي يعتبر النفط شريانه الأساسي، فعلاقات الجوار و التركيب العرقي قد يمنحان لتركيا أولوية التواجد، كما يحملانها أعباء أمنية إذا ما اشتد الصراع في المنطقة فتركيا مجبرة على التدخل عند أي توتر تشهده المنطقة(44) .و يمكن تقسيم الإستراتيجية التركية اتجاه دول بحر قزوين و آسيا الوسطى إلى ثلاث مراحل رئيسية:
المرحلة الأولى (1991-1993):
مثّل تفكك الاتحاد السوفيتي واستقلال ست دول إسلامية في آسيا الوسطى منها خمس دول ذات أصول تركية فرصة كبيرة لفتح مجال جديد وواسع من العلاقات مع هذه الدول، وكسر حاجز العزلة عن تركيا فاستعادت من جديد أهميتها الجيوسياسية والإستراتيجية، وأثرت بقوه في الرأي العام التركي، مما مثل دافعًا لصناع القرار لاستلهام سياسة خارجية نشطة نحو هذه الدول، فزادت من زيارات مسئوليها إليها، خاصة في عهد تورجوت أوزال، وهذا الحماس الزائد دفع تركيا إلى اتخاذ مواقف متسرعة دون تخطيط واضح، حتى وصل الأمر إلى الحديث عن القرن الحادي والعشرين بأنه القرن التركي.(45)
وهذا التوجه جعل تركيا تسوق نفسها بأنها الأخ الأكبر والدولة النموذج في منطقة بحر قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى، واتساقًا مع هذا التصور منحت تركيا هذه الدول هبات وقروضًا، وقدمت لها وعودًا لم تستطع الوفاء بها، ولما انتبهت تركيا إلى الواقع المعاش بدأت تنظم علاقاتها في إطار مؤسساتي، فأنشأت في جانفي 1992 مؤسسة تيكا، وفي جوان من العام نفسه مؤسسة تورك صوي. وفي عام 1992 عقدت قمة الدول الناطقة بالتركية على أن تعقد بشكل مستمر كما انطلق مشروع (العشرة آلاف طالب) الذي لا يزال مستمرًا حتى الآن دعمًا للتعليم في تلك الدول، ومحاولة لخلق جيل يميل إلى تركيا، ونخبة مرتبطة معها فكريًا.
وفي المجال التعليمي، وفي عام 1992 أُنشئت جامعة خوجه أحمد يسوي التركية- الكازكية الدولية، وسارعت تركيا للاعتراف بالجمهوريات المستقلة حديثًا، وسعت إلى إدخالها في المنظمات الدولية، ودمجها مع الغرب. وهذه السياسة رغم افتقارها للبرمجة والتخطيط في بعض الأحيان تشكل الأساس لسياسة تركيا اليوم في آسيا الوسطى والقوقاز.
المرحلة الثانية (1993-1995):
ظهرت تركيا خلال هذه الفترة عاجزة عن سد الفراغ الذي خلفه انهيار الإتحاد السوفييتي، و غير قادرة منفردة على الوفاء باحتياجات هذه الجمهوريات، فهذه الدول ليست في حاجة إلى أخ جديد بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، أو دولة نموذج لها، بل هي في حاجه ماسة إلى مساعدات مالية وفنية لتجاوز الفجوة الكبيرة التي خلقتها الحقبة السوفيتية. كما أن عدم وقوف تركيا مع أذربيجان بصدد مشكلة ناجوروكارباخ، وهي الدولة الأكثر قربًا من أذربيجان سبب خيبة أمل لدى باقي الجمهوريات.
وإدراك تركيا لكل هذا جعلها تنتهج سياسة خارجية أكثر واقعية، والعجيب أن التخطيط الاستراتيجي التركي لم يتحسب لانهيار الاتحاد السوفيتي، مما جعل تركيا لا تتحسب جيدًا لهذا الأمر، وهذا جعل كثيرًا من المشاريع التي أقامتها تتعرض للخسارة، ومثال ذلك الثمار المرجوة من قمة الدول الناطقة بالتركية كذلك، فإن تركيا أدركت خطأها في استبعاد روسيا من سياستها تجاه آسيا الوسطى والقوقاز، مما أثار قلق روسيا وريبتها. كما أن تعامل تركيا مع الجمهوريات من منطلق قومي طوراني أثار انزعاج روسيا، وجعلها تعلن أن مناطق الاتحاد السوفيتي السابق مناطق نفوذ لها، وهذا الأمر جعل تركيا تعود إلى التصالح مع المنطقة، واعتماد مبدأ الحوار وتحسين العلاقة مع هذه الدول.(46)

المرحلة الثالثة :(1995- إلى اليوم)
حيث برز في هذه المرحلة الصراع على الطاقة في بحر قزوين ، الذي أضحى يشكل بديلا محتملا عن سوق الطاقة في الشرق الأوسط، و تميزت هذه المرحلة بعقد الصفقات الاقتصادية التي تدعمها القوى الغربية خاصة مشروع نقل النفط من أذربيجان عبر جورجيا إلى ميناء جيهان التركي، و شهدت هذه المرحلة دعم القوى الغربية الكبرى للإستراتيجية التركية في المنطقة، سواء تعلق الأمر بالولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي و حتى روسيا التي تهتم بمواجهة موجة الحركات الدينية و الإسلامية المناهضة للسيطرة الروسية، المرتبطة في الإدراك الروسي بتجربتي أفغانستان و الشيشان، و تجدر الإشارة إلى أن الاختراق السريع الذي قامت به تركيا في هذه المنطقة لم يكون ليتم بسهولة لولا الدعم و المساندة الأمريكية الغير المشروطة لتركيا(47)، و كذلك توجهت تركيا خلال هذه المرحلة إلى دعم المنطقة في مجالات مختلفة مثل البنية التحتية و المساعدات المالية و المواصلات و التعليم، و هذا من شانه أن يزيد من متانة علاقة تركيا بدول المنطقة.
رغم الجهود التي تبذلها تركيا من اجل التموقع في هذه المنطقة إلا أنها تواجه عدة عقبات منها ما يتعلق بالإمكانيات الذاتية لتركيا فهي تفتقر إلى الإمكانيات المالية و الاستثمارية و العلمية و التكنولوجية و المعرفية اللازمة للقيام بدور إقليمي كبير اتجاه هذه الجمهوريات بالإضافة إلى العقيدة التركية و الإيديولوجية الكمالية التي تريد تركيا أن تسوقها في هذه الجمهوريات وهناك أسباب تتعلق بهذه الجمهوريات نفسها، أهمها وجود خوف لدى عدد منها من تصورات تركية مركزية تجاههم، قد تؤدي إلى سيطرة أنقرة بالمعنى الإقليمي على هذه الجمهوريات، خاصة كازاخستان، حيث كرر رئيسها نور سلطان نزار باييف عقب كل قمة "لمجموعة الدول التركية" قائلاً: "إن تركيا تريد العودة بنا إلى النموذج السوفيتي"، و"إلى قاعدة الأخ الكبير"، كما أن كلاً من كازاخستان وأوزبكستان ترغبان القيام بدور في منطقة آسيا الوسطى ومحيطها؛ نظرًا لثقلهما الاقتصادي والسكاني والتقني، ومن الأسباب الخاصة بهذه الجمهوريات أيضًا وجود نسبة كبيرة نسبيًا من السكان لا يتحدثون التركية، بل الروسية (في كازاخستان نسبة التحدث بالروسية 45%)، فضلاً عن أن الثقافة الروحية في عدد من هذه الجمهوريات، وبخاصة طاجاكستان هي أقرب إلى الفارسية، كما أنه توجد نسبة غير قليلة من الشيعة في مناطق عدة من آسيا الوسطى(48) بالإضافة إلى هذه المعوقات فهناك معوقات أخرى على الصعيد الخارجي، منها علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية التي لم تخلوا من بعض التوترات و الخلافات، حيث قمت واشنطن بفرض قيود على التسلح التركي (بعد إنزال القوات التركية في قبرص الشمالية)، بالإضافة إلى العلاقات مع إيران فهي من التحديات الرئيسية بالنسبة لتركيا،فبالرغم من بقاء العلاقات التركية الإيرانية سليمة على مدار 400 سنة الأخيرة إلا انه كان هناك دائما صراع غير معلن بين البلدين حول زعامة المنطقة(49).
و خلاصة القول فإن تركيا تعتبر إحدى أهم الفواعل المؤثرة في الصراع في منطقة بحر قزوين بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران، و هي ذات حظوظ كبيرة في أن تنال حصة الأسد إذا عرفت كيف تستخدم أوراقها بإيجابية(50)، و هي على عكس روسيا و الصين فهي تركز على العوامل الثقافية و الدينية التي تربطها بشعوب منطقة بحر قزوين، بالإضافة إلى دعم الدول الغربية لها.
خاتمة
حاولت كل من الولايات المتحدة الأمريكية و إيران استثمار المعطيات الجديدة التي شاهدتها منطقة بحر قزوين بعد تفكك الاتحاد السوفيتي بتفعيل أدوارها في عدة مجالات سياسية،اقتصادية،عسكرية ،ثقافية لإيجاد موطئ قدم ونفوذ لها في تلك المنطقة لضمان مصالحها.
دخلت الولايات المتحدة الأمريكية إلي منطقة بحر قزوين من أبوابها الاقتصادية والسياسية والعسكرية،بحيث عملت علي استغلال عدم استقرار المنطقة لتقديم المساعدات لها وتدعيم استقلالها السياسي، ومن ثم كسب ولاء وتحالف دولها مما مكنها ذلك من إقامة قواعد عسكرية في هذه المنطقة مما يساعدها علي محاصرة إيران واحتواء القوى التي بإمكانها تهديد مكانتها في المنطقة(روسيا-الصين).
أما إيران فقد حاولت استثمار المعطيات الثقافية والدينية للولوج إلي هذه المنطقة، كما ركزت على تفعيل وتوثيق التعاون في المجالات الاقتصادية والسياسية مع دول بحر قزوين لإبعاد النفوذ الأمريكي في المنطقة وفك الحصار المفروض عليها.
غير أن الصراع الأمريكي-الإيراني في بحر قزوين يتداخل مع قوى لها نفوذ ومصالح في المنطقة، فروسيا تعتبر المنطقة مجالها الحيوي ونفوذها التقليدي وبالتالي هي أولى بحمايتها والاستفادة من ثرواتها أما تركيا فتري في المنطقة فرصة لإحياء تراثها وعلاقاتها بدول المنطقة وبالتالي لابد من القيام بدور أكثر فعالية لتحقيق طموحاتها وضمان مصالحها،أما الصين فتعتبر أن منطقة بحر قزوين سبيلا لحماية وتحصين أمنها الجيوقتصادي وبالتالي لابد من تنشيط علاقاتها بشكل اكبر في هذه المنطقة.
ومن هنا يمكن القول أن الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية و إيران مستقبلا ستتحكم فيه مجموعة من العوامل وعدة قوى لها القدرة على تحديد أي السيناريوهات التي ستقود هذا الصراع.
قائمة المراجع
1- إبراهيم أبو خزام،أقواس الهيمنة:دراسة لتطور الهيمنة الأمريكية من مطلع القرن العشرين حتى الآن،الطبعة الأولى،(ليبيا:دار الكتاب الجديدة المتحدة،2005)،ص 104.
2- عاطف عبد الحميد،"روسيا و آسيا الوسطى حماية المصالح و احتواء الأخطار"،من مجلة :السياسة الدولية،العدد 168، 2007،ص01.
3- إبراهيم أبو خزام ،مرجع سابق،ص 104
4 - Olga Oliker and Thomas S. Szayna، Faultlines of conflict in Central Asia and the south Caucasus : implications for the U.S. Army، (united state : Library of Congress Cataloging-in-Publication Data،2003)،p 191.
5 عبد الناصر سرور،"الصراع الاستراتيجي الأمريكي الروسي في آسيا الوسطى و تداعياته على دول المنطقة 1991-2008"،من مجلة: جامعة الأزهر ،المجلد 11 ،العدد01،2009 ص 26.
6- لمى مضر الأمارة،الإستراتيجية الروسية بعد الحرب الباردة و انعكاساتها على منطقة الخليج العربي،الطبعة الأولى،(العراق:مركز دراسات الوحدة العربية،2009)،ص 276.
7- محمود بيومي،المسلمون في آسيا دراسة تاريخية،الجزء الثاني،(القاهرة:دار النيل للنشر،2005)،ص 17.
8 - ألكسندر دوغين،أسس الجيوبوليتيكا(مستقبل روسيا الجيوبوليتيكي)،ترجمة :عماد حاتم،الطبعة الأولى،(بيروت:دار الكتاب الجديد المتحدة،2004)،ص 401.
9 - إبراهيم أبو خزام مرجع سابق،ص 106.
10 - لمى مضر الأمارة،مرجع سابق،ص 277.
11- نفس المرجع ص 281.
12 - عبد الناصر سرور، مرجع سابق،ص ص24-25.
13 - لمى مضر الأمارة،مرجع سابق،ص 283.
14 - أنباء موسكي، "انضمام أقوى سفينة صاروخية إلى الأسطول الروسي في بحر قزوين"، 07/08/2012،على : http://www.anbamoscow.com. تصفح بتاريخ:15/05/2013.
15-Richard weitz,globel security watch russia :A reference handbook,(United state : Library of Congress Cataloging,2010),p95.
16 - Kamoludin Abdullaev and Shahram Akbarzaheh , Historical Dictionary of Tajikistan,2st edition(United states : Library of Congress Cataloging,2010),p307.
17 -Romain yakemtchouk, La politique étrangère de la Russie,(paris :l’harmattan,2008), p163.
18 -Kamoludin Abdullaev and Shahram Akbarzaheh, ibid,p308.
19 - الجزيرة نت،"القواعد العسكرية الأجنبية في آسيا الوسطى" ،22/07/2007،على:www.aljazeera.net.تصفح بتاريخ:13/05/2013
20- روسيا اليوم،"روسيا و كازاخستان تشكلان منظومة دفاع جوي موحدة "،2013،www.arabic.rt.com.تصفح بتاريخ:13/05/2013
21 - السيد عوض عثمان، "النفط قاطرة للعلاقات الإيرانية الصينية"، من مجلة: مختارات إيرانية، العدد 58، 2005، ص 02.
22- سعد حقي توفيق،"التنافس الدولي و ضمان امن الطاقة"،من مجلة :العلوم السياسية، العدد 43، 2010 ،ص 22.
23 -Shamkhal Abilove , « The new great game over the caspian regian :russian the usa and china in the the same melty pote »in: journal of humaine and social science,v 15,2012,p 49.
-24 ipid,p 50.
25 - إبراهيم أبوا خزام، مرجع سابق، ص 115.
26 -Olga obiker and Ttomas s.szayna,Ipid,p 241.
27-Thierry Kellner, La politique pétrolière de la République populaire de Chine : stratégies et conséquences internationales, dans :outre-terre, n 15, pp 429-430.
28 - Muhamad Olimat, China and the Middle East: From Silk Road to Arab Spring,(New york :Routledge,2013),pp 40-42.
29- وكالة الطاقة الدولية،" توقعات الطاقة العالمية"، 2012،ص 03 .
30- لهيب عبد الخالق، بين انهيارين (الإستراتيجية الأمريكية الجديدة)،الطبعة الأولى،(عمان:ياقوت للخدمات المطبعية،2003)،ص 247.
31-Project smart explorer, « CNPC and KMZ to double crude oil pipeline from Kazakhstan to China »,2013,in : http://www.2b1stconsulting.com/cnpc-and-kmz-to-double-crude-oil-pipeline-from-kazakhstan-to-china/,23/05/2013تصفح بتاريخ:.
32 - لهيب عبد الخالق، مرجع سابق، ص 247.
33 - نفس المرجع ،ص 248.
34- فرانسسواز لوموان، الاقتصاد الصيني،ترجمة:صباح ممدوح كعدان:ب.ط،(دمشق:منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب،2010)ص 119.
35 - سعد حقي توفيق، مرجع سابق، ص 22.
36 - مايكل كلير،دم ونفط أخطار و نتائج اعتماد أمريكا المتزايد على النفط،ترجمة:هيثم جلال غانم،الطبعة الأولى،(ب.ب.ن :دار الشرق للطبعة و النشر،2007)، ص 234.
37 - صحيفة الشعب اليومية أون لاين،"وزير الخارجية الصينية:المناورات العسكرية لمنظمة شنغهاي للتعاون ليست موجهة ضد أي دولة أو منظمة"،2007،على :www.arabicpeopledaily.com، تصفح بتاريخ:12/05/2013.
38- العربية cctv،" وحدات الجيش الصيني تصل إلى موقع المناورات العسكرية"، 2012، على:www.arabic.CNTV.cn،تصفح بتاريخ:12/05/2013.
39 -Barry rubin, The New Geopolitics of Eurasia and Turkey s Position,(Great britain : Routledge,2002),p 14.
40 - إبراهيم أبوا خزام مرجع سابق،ص 111.
41- ياسر أحمد حسن،تركيا البحث عن المستقبل،ب.ط،(القاهرة:الهيئة المصرية العامة للكتاب:2006)،ص ص 298-299.
42- عصام فاكور ملكاوي،"تركيا و الخيارات الإستراتيجية المتاحة"، بحث مقدم في الملتقى العلمي :الرؤى المستقبلية العربية و الشركات الدولية،الخرطوم،2013،ص 09.
-43 US.energey information administration, « Turkey » ,01/02/2013,in : http://www.eia.gov 10/05/2013تصفح بتاريخ:
44 - إبراهيم أبوا خزام،مرجع سابق، ص 112.
45 - عبد المعطي زاكي،"الدور التركي في آسيا الوسطى الواقع و التحديات"،08/12/2010 على: http://www.asiaalwsta.com/CountryInfoDetails.asp?Id=245، تصفح بتاريخ،15/05/2013.
46 - عبد المعطي زاكي،مرجع سابق.
47- عمار جفال،التنافس التركي الإيراني في آسيا الوسطى و القوقاز،جريدة الرياض،العدد 13،478،19/05/2005،ص 24.
48 - عبد المعطي زاكي ،مرجع سابق.
49- هادي الشوبكي،الدور التركي و المتغيرات الإقليمية،مركز الرأي للدراسات،13/07/2010،على : http://www.alraicenter.com، تصفح بتاريخ:13/05/2013.
50- إبراهيم أبوا خزام، مرجع سابق،ص 113.



#علي_مجالدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أحدها ملطخ بدماء.. خيول عسكرية تعدو طليقة بدون فرسان في وسط ...
- -أمل جديد- لعلاج آثار التعرض للصدمات النفسية في الصغر
- شويغو يزور قاعدة فضائية ويعلن عزم موسكو إجراء 3 عمليات إطلاق ...
- الولايات المتحدة تدعو العراق إلى حماية القوات الأمريكية بعد ...
- ملك مصر السابق يعود لقصره في الإسكندرية!
- إعلام عبري: استقالة هاليفا قد تؤدي إلى استقالة رئيس الأركان ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: الولايات المتحدة تبارك السرقة وتدو ...
- دعم عسكري أمريكي لأوكرانيا وإسرائيل.. تأجيج للحروب في العالم ...
- لم شمل 33 طفلا مع عائلاتهم في روسيا وأوكرانيا بوساطة قطرية
- الجيش الإسرائيلي ينشر مقطع فيديو يوثق غارات عنيفة على جنوب ل ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - علي مجالدي - القوى الإقليمية الفاعلة في الصراع الأمريكي الإيراني في بحر قزوين