أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - جدتي الأبية...ماتت صبيّة!!















المزيد.....

جدتي الأبية...ماتت صبيّة!!


كريمة مكي

الحوار المتمدن-العدد: 4181 - 2013 / 8 / 11 - 17:55
المحور: الادب والفن
    


جدتي العجوز الصابرة الأبية...ماتت الحزينة و هي بعدُ صبية!
جدتي الجميلة الحبيبة، حكايتها... حكاية قريبة و بعيدة، حكايةٌ ذات أصول عريقة شرقية، فصولها فصول مسرحية تراجيدية و طولها طول معاناة النساء في يوم السفر إلى الحرية...
جدتي امرأة عظيمة منسية، امرأة اقتلعت قلبها لتحيا البشرية! كذلك فهمتْ الرسالة و كذلك كتبوا دورها في الوصية !
جدتي اسمها "لَلاّ العياشية"...
بعد سنتيْ زواج...فاجأت قلبها المنية: ترمّلت في العشرين و ماتت على حدود المِيّة و ما بين الموتين عاشت صالحة كوَليّة!
عام أنجبت أبي...تفتّحت لليُتم شهية...في عام واحد فقدت الأمّ و الزوج ...في عام واحد تيتّم الولد و تيتّمت هيَ...
سألتها: "لَلاَّ العياشية"...أيهما أقساهما: فقدُ الأُم أم فقدُ الزوج؟"
قالت: "رحم الله أمي، أمّا الترمل فكان في القلب الشظية...!"
رفضتْ كل الأزواج و كانوا كُثرا حول أرملة شابة و بهية...خشيَتْ على وحيدها غِلظة زوج الأم و طبع الأزواج مع الربيب الأذية...
كابدت و كابرت ليفخر بأمه الولد و يتفاخر ″-;-آل بربوش″-;- و ″-;-بني عياش″-;- بابنتهم البهية التقية "لَلاّ العياشية"...
كانت سليلة أعرق العائلات و كان قدرها قَدرُ أرملة عربية!!
نحتت في الصخر ليكبر الولد و لا يصِمْه اليتم بالدونية...سكنت و ابنها الغرفة الصغيرة في البيت الكبير و مع زوجة الأب و زوجات الأخوة كان الصراع طويل بسبب الغيرة الأزلية...
غالبتهن بندية... كتمت الحزن... صارعت الجوع و لم تطلب من أحد عطية...
كذلك حدثتني: في اليوم تكتفي بوجبة و صوما تقضي البقية...
باعت الميراث الضئيل: بقرة و بعض القطع الذهبية...حاكت الصوف ...نسجت الزربية...
وانتصرت بعد عناء، بعد دموع و بعد حروب معلنة و أخرى خفية.
كبر الولد وصار اسما رنّانا في أرجاء المدينة السحرية... ورث عنها ملامح الهيبة و الأنفة و أورثه اليتم صبرا و كفاحا و شيئا من الهشاشة الداخلية.
نجح المكّي اليتيم و صار تاجرا ثريا...
عوّضها بالمال آلام الفقر و الحاجة و بالأحفاد النقص في الذرية...هل عوّضها شيئا من حاجتها المخفية؟؟؟
حتى و هي في الخمسين ظلّ لها معجبون يتقدمون و ظلّت ترفض لأجل عيون القيل و القال... حتى لا يقال... أمومتها كانت مجرد تمثيلية...!
جدتي الجميلة المكابرة: ماذا فعلت بنفسك يا شقية؟... قد كنتِ جلادا و قلبك وحده من كان الضحية...
أردت أن تكوني عن الخطايا عصماء...فمن غيرُ قلبك دفع الخطية؟
لماذا يا جدّتي؟
أيجب أن نختار موتنا حتّى نعيش؟؟ أهذا هو فقط نصيبنا من الحرية؟؟؟ ولكن... كيف الموت، يا جدتي و المشاعر الموءودة بداخلنا تظلّ تنبش فينا حيّة طرية؟
أنكتم الهوى فينا يا جدتي...؟ لو كان يُكتمُ!! أنقبر القلب المقبور خلقيا؟ أنشقى يا جدتي... فقط... لترضى عنّا البقية؟
"لَلا العياشية "...كنتِ أمامهم المرأة العنيدة القوية و من الداخل كنتِ المهزومة...من كان ليرى فيك الهزيمة أيا امرأة جائعة و أبيّة!
قالت لي مرّة: هذه الدنيا أبغيها و هي تبغيني تقية...ها قد أرضيت ابني و أهلي فهل هذا كُلّه شويّة؟
كم كانت آسرة في عنفوانها، في ترفّعها، في ملامحها النورانية...
كان يمكن أن تكون كاهنة أو قدّيسة أو ولية و قد كانت كل ذلك إنما في ثوب امرأة عادية... كانت بنت "سيدي بومخلوف"1* و "البازيليك" و "الغْريبة اليهودية"...خرجت من رحم "شقبناريا"2* قلب الكرة الأرضية و مدينة العشق المقدس على مدار الأبدية.
قالوا في الكتب القديمة:" هذي المدينة ستُشق يوما بالنار... يوم يفتح فمه البركان الخامد تحت الصخرة الجلمودية" و ما انفتح بعدُ البركان و لا انتفضت من نارها المدينة الثلجية...
أهو قدرٌ يا "شقبناريا" ...؟ أهو قدر أن تذوي الحِمم بجوفك من دون أن تراقص الفضاء و تستنشق في رقصة موتها هوى الحرية؟
كمدينة الصخرة كانت "لَلا العياشية"، و كجدتي، كانت "شقبناريا" مدينة الثلج و النار و "النسمة الكافيّة": مدينة صخرية في دفء و طراوة أنثى بهية و أنثى عزلاء في قوة صخرة بركانية ... أيّكُما كنت أنتِ جدتي؟ أيّكُما كانت هي؟!
كنت أظن أني عرفتك أيتها المرأة الحديدية يوم كنت أرى الرجال يطأطئون رؤوسهم بإجلال لامرأة قوية لم يروا مثلها في البرية ...حتى جاء ذلك اليوم الذي فيه عرفتك "لَلا العياشية"!
لقد عرفت ضعفك يا امرأة بقلب أسد وبأحلام صبية!!
يوم دخلتْ أختي "دُرّة" الجامعة البعيدة و جاء دوري لمؤانسة وحدتك الليلية، وقتها سمعت نواح القلوب في أغاني "الكاف" المنسية و لمست وحشة الروح في لياليها الباردة الثلجية...
باردة ليالي ″-;-الكاف″-;- يا جدتي... باردة تلك الليالي على جسد امرأة تنام عارية منذ آلاف السنين على سرير العبودية...
صوت دموعها كان يأتيني مرّة كئيبا و مرّة شجيا و ما كنت لأفهم سرّ الدمع في عيون امرأة غنيّة!!
كانت تخاف الظُلمة، تريد النور ليلا و عشية، في كل ركن تشعل ضوءا كما لتخفي عتمة داخلية.
لطالما غضبتْ كلما أطفأتُ النور، كنت أقول لها : يا جدتي أريد أن أنام ، النور ليلا يتعب راحة عينيّ...فتصيح بي دامعة ساخطة على قدر أنثى شقية: يكفيني ظُلمة، يكفيني ظلما... أما آن لهذا النور أن يعرف إلى قلبي ثنية!!
الآن أفهم معنى أن يتأسى بالنور قلبٌ خبر الأسية.
حتى آخر أيامها و كانت في التسعين، كنّا نسألها شيئا تريده فلا تطلب غير حلوى شهية.
هل تُحلّي الحلوى المرارة الداخلية؟
ككل طفلة، كأي صبية كانت تفرحها الحلوى هدية !
رحلت جدتي و بيدها قطعة الحلوى...رحلت الصبية...!!

″-;-للاّ العيّاشية″-;-:
يُشبهونني بك دائما، هل أنا حقّا.......

( و لهذا الحديث بقيّة تقرؤونها إن شاء الله إذا ما أعطاكم سبحانه العمر و أخذتني إليه المنية...كذلك سأكتب في الوصية.)


*1- سيدي بومخلوف: مقام وليّ صالح بمدينة الكاف يحاذي المعبد الروماني المعروف بالبازيليك و غير بعيد عن كنيس "الغريبة اليهودية" الذي يقع بحارة اليهود بالكاف و هي الغريبة الثانية بعد غريبة جربة الشهيرة.
*2- مدينة شقبناريا:مدينة الكاف حاليا و هي عاصمة اقليم الشمال الغربي للبلاد التونسية. كانت عاصمة لمملكة نوميديا البربرية و كان اسمها في العهد الروماني سيكافينيريا ثم سماها العرب عندما دخلوها باسم شقبناريا. و هي مدينة ذات طبيعة خلابة و تتميّز بهوائها الساحر العليل المعروف في اللهجة المحلية بعبارة النسمة الكافية.



#كريمة_مكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هو حكم أغبى الثورات...
- ضُعنا يا تونس... و ضيّعناكِ!
- ارحمي يا تونس قتلاك !!
- مومس في الفصل (14)
- مومس في الفصل13
- و من فضل تلك الثورة علينا...
- و كذلك نصب التاريخ فخا للإخوان...
- و لنا مع ثورة تونس حساب...
- مومس في الفصل(12)
- مومس في الفصل(11)
- مومس في الفصل(10)
- أمينة عارية الصدر: قد عرّيتِهم يوم تعريتِ‼-;-
- مومس في الفصل(9)
- مومس في الفصل(8)
- مومس في الفصل(7)
- مومس في الفصل (6)
- وكذلك هو حديث تونس و العراق و...
- مومس في الفصل(5)
- الدسم في المشاعر
- مومس في الفصل (الحلقة الرابعة)


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كريمة مكي - جدتي الأبية...ماتت صبيّة!!