طلال الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 4180 - 2013 / 8 / 10 - 17:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
كانت مقالتي السابقة هي "مدخل اولي الى لاكان"
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=372255
ساتناول هنا وتباعا احد اهم المفاهيم الابداعية للتحليل النفسي التي اوجدها لاكان, وهي مرحلة (او مستوى او سجل) الانعكاس او المرآة Mirroring Stage. ترجمت كتابات لاكان بالفرنسية بخصوص هذه المرحلة الى الانكليزية ونشرت في المجلة الماركسية New Left Review في عام 1986 (1), مما ساعد ذلك على انتشار افكار لاكان وذياع صيته. كما ساهم ذلك ايضا في خلق اسطورة لاكان كشخص "منبوذ" ومعاد للمؤسسة الرسمية الرجعية-;- رابطة المحللين النفسيين العالمية
-----------------
يقول داني نوباس (2) بخصوص مرحلة المرآة:
"اعتبر لاكان مرحلة المرآة جزءا صلدا من التنظير، وذلك لقيمته النموذجية في شرح الوعي البشري، النزعة العدائية، التنافس، الغيرة والنرجسية والانبهار بالصور بشكل عام. وهذا لا يشكل مفاجأة بالمرة عندما ندرك أن تطرير لاكان لهذا المفهوم استغرق ما يقرب من ثلاثة عشر عاما"
كما هو الحال مع جميع اوراق لاكان, فان ورقته بخصوص مرحلة المرآة تحتوي على العديد من التلميحات والمراجع التي قد تشوش على القارئ اذا لم كن على دراية كافية بسياقها. عالجت هذه الورقة تكون الأنا Ego من خلال تماهيها بصورة النفس. فحسب نموذج فرويد الثاني للعقل, الذي يدعى عادة النموذج الطبوغرافي (3) , فان الأنا تمثل الجزء المنظم للنفس, وذلك على النقيض من العناصر اللامنظمة لاللاوعي, والتي اطلق عليها فرويد اسم ال Id والتي تترجم عادة كغرائز. يقول فرويد (4) ان الانا هو جزء ال Id الذي هذبته الحضارة.
ف الأنا يمثل العقل والفطرة السليمة, على نقيض ال Id التي تمثل العاطفة. بهذا المعنى فان الأنا تربط غالبا بالوعي. ولكن هذا خطأ. نعم, الأنا ترتبط بالوعي ولكنها دائما في علاقة متوترة مع مطالب اللاوعي واوامر الانا العليا (الافكار والمعتقدات الاجتماعية). لذلك فان وظائف الانا ذات طبيعة دفاعية لكونها تتوسط بين اللاوعي Id من جهة وبين ما تمليه الانا العليا من جهة اخرى.
فَرَّقَ لاكان, حتى في المراحل الاولى من مساره المهني, بين الشخص Subject من جهة والأنا من جهة اخرى. ولذلك فان الشخص, بالنسبة له, مغترب ومنقسم. ولكن قبل توضيح هذه الفكرة, لا بد من الاشارة الى ان لاكان اعتمد في خلق افكاره على مصادر عديدة في الفلسفة وعلم النفس التجريبي. لذلك لا بد من التطرق ولو بايجاز الى المصادر التي استخدمها هو في صياغته لمرحلة المرآة, وهي اعمال عالم النفس هنري والون (1962-1897) حول الانعكاس Mirroring واعمال عالم السلوك الحيواني Ethology روجر كايلويز (78-1913) حول التقليد او المحاكاة mimicry, واعمال الفيلسوف الهيغلي الكبير كوجيف, وكذلك الفلسفة الظاهراتية phenomenology متمثلة في هزيل, مارتن هايديكر, وكذلك جان بول سارتر
-------------
الظاهراتية
ان رائد الظاهراتية (او كما يدعوها البعض بشكل غير دقيق "الوجودية") هو ادموند هيزيل. تشغل الظاهراتية نفسها بدراسة الظواهر المحضة pure phenomena, اي بما معناه ان الظواهر في عالمنا الخارجي لا توجد بشكل مستقل او بمعزل عن ادراكنا لهذه الظواهر, فهي مرتبطة بشكل حيميمي بادراكنا لها. فحسب الظاهراتية, فان الوعي البشري لا يعني التعرف السلبي على مواد موجودة كمعطاة, وانما هو عملية نشطة لتشكيل هذه الظواهر.
اعتقد هيزيل بعدم امكانية التأكد من اي شيئ يتجاوز حدود تجربتنا المباشرة, ولذلك فيجب علينا اهماله او وضعه بين قوسين. وقد سمى هيزيل هذه العملية الاختزال الظاهراتي Phenomenological Reduction, اي بما معناه اننا نختزل العالم الخارجي الى الوعي فقط. وبكلمات اخرى, فان هنالك ترابط بين الظاهرة نفسها وادراكنا لها. ولكن تيري ايكيلتون (5) يزعم ان هذا تجريد وغير واقعي, وهو عكس ما تدعيه الظاهراتية بان هدفها الابتعاد عن التجريد والتكهنات الفلسفية والرجوع الى تحليل الاشياء نفسها في محيطها الفعلي والملموس.
قام مارتين هايديكر, احد طلاب هيزيل المشهورين, بتطوير افكار استاذه, حيث زعم هايديكر بان كل الادراكات متموضعة تاريخيا. فحسب هايديكر, فان البشر ينظرون الى الامور من زاوية معينة وان رغبتنا الاساسية هي التسامي فوق الحالة الملموسة او تخطيها, وهذا ما ىسماه هايديكر ب "الرمي او الاسقاط" project. فالشخص المتوضع /المحدد جسميا في زمانه ومكانه يسقط نفسه في المستقبل. لذلك فان ذات الانسان او وجوده يتضمن دوما اسقاط النفس الى الخارج وفي المستقبل. يعتقد هايديكر بان الوعي البشري ليس هو عالمنا الداخلي المكون من افكار وصور, بل انه عملية مستمرة من الاسقاط الخارجي, والتي سماها هايديكر ex-istance (اي اعادة كتابة ال existence, فال ex هي بادئة لغوية تعني "خارج" وتشير الى طبيعة الاسقاط الخارجي في الوجود الانساني).
انتقلت افكار هايديكر الى فرنسا عن طريق جان بول سارتر بعد حضوره محاضرات هايديكر في عام 1932. في عمله المبكر "تسامي الأنا" فَرَّقَ سارتر بين الوعي البشري والأنا (6).
كما ذكر اعلاه, فان فرويد اعتبر الأنا الجهاز العقلاني للعقل, حيث تتوسط بين العواطف اللاشعورية او الباطنة من جهة وبين العالم الخارجي من جهة اخرى. طور سارتر مفهوم هايديكر بخصوص الاسقاط, حيث اعتبر سارتر الوعي لاشيئا او عدما nothing, في حين ان الأنا هي شيئ يدرك من قبل الشخص. ان تمييز سارتر بين الشخص وأناه مهد الطريق للاكان لصياغة مرحلة المرآة كعلاقة بين الشخص وأناه, في حين ان الافكار الخاصة بان الوجود اسقاط خارجي, اضافة الى عدمية الوعي, تميز كتابات لاكان باستمرار. ولكن ما يميز لاكان, انه باقتباسه افكارا من الفلسفة او الانثربولوجي او اللغويات, هو تحويله هذه الافكار الى سجل التحليل النفسي. لذلك فانه حول المفهومين الظاهراتيين, اسقاط الوعي وعدميته, من مجال الوعي الى مجال اللاوعي. فكما يكتب جاك آلين ميلير (7):
"كان امرا اساسيا للاكان اعتباره اللاوعي كونه ليس باطنا مستودعا لبعض الحوافز من جهة ولبعض التماهيات من جهة اخرى. فلم يفهم لاكان العقل اللاواعي بكونه مستودعا, وانما بكونه اسقاطا الى الخارج ومرتبطا بشخص يعوزه الوجود.
-----------------
ساشرح مستقبلا ما المقصود بمفهوم ميللر بشخص (ذات) يعوزه الوجود, كما ساعالج المصادر الأخرى لمرحلة المرآة وما تعنيه هذه المرحلة في الملموس.
المصادر
1-New Left Review I/51, September-October 1968
http://newleftreview.org/I/51/jacques-lacan-the-mirror-phase-as-formative-of-the--function--of-the-i
2-Nobus, D. (1998) Life and Death in the Glass, A New York Look at the Mirror Stage. In: D. Nobus (Ed.), Key Concepts of Lacanian Psychoanalysis. London: Rebus Press, pp. 101-38
3-Thurschwell, P. (2000) Sigmund Freud. Routledge Critical Thinkers, London: Routledge
4-Freud, S. (1984, originally 1923) The Ego and the Id, in: On Metapsychology: The Theory of Psychoanalysis, Penguin Freud Library, Vol. II, Harmondsworth: Penguin, pp. 339-408
5-Eagleton, T. (1983) Literary Theory: An Introduction. Oxford: Basil Blackwell
6-Sartre, J.-P. (1972) Transcendence of the Ego: An Existential Theory of the Consciousness. New York: Octagon Books
7-Miller, J.-A. (1996) An introduction to seminars I and II In: R. Feldstein, B. Fink and M. Jaanus (Eds.), Reading Seminars I and II: Lacan S return to Freud. New York: SUNY Press, pp. 3-35
#طلال_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟