أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر















المزيد.....

تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4180 - 2013 / 8 / 10 - 17:03
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


إن نظرة خاطفة لتاريخ الأمة المصرية منذ لحظة النشأة وحتى يومنا هذا تبرز لنا واحدة من أهم سماتها. فعناصر قوة هذه الأمة وملامح عبقريتها لا يكتمل تجليها إلا عندما تعمل نخبتها مع شعبها على إنجاز المشروعات القومية العملاقة. كان هذا حالها عندما أنشأت أول منظومة ري عرفها الإنسان، وعندما أقامت أهراماتها التي مازالت تتحدى وطأة الزمن. وهكذا كان حالها عندما بنت السد العالي لضبط سلوكيات نهر النيل، وعندما حشدت قواها الذهنية والمادية لتحرر أراضيها عام 1973. واليوم يستشعر أبناء هذه الأمة، أيا كان مكانهم، بحاجتها لمشروع قومي عملاق تعيد من خلاله اكتشاف قدراتها وطاقاتها الخلاقة. مشروع عملاق يعيد ترتيب الأولويات ويضع هموم الوطن الحقيقية في بؤرة الأقوال والأفعال. ولانرى أن هناك مشروعا أولى من مشروع "تحديث الثقافة المصرية" كمشروع قومي تتبناه النخبة المصرية وتسعى مع شعبها على إنجازه. فالثقافة بما تنطوي علبه من "مسلمات" و"قيم" و"سلوكيات" هي "البنية التحتية" التي لاغنى عنها لإنجاح أي جهد ساعي إلى تطوير المجتمع المصري.

التحدي: ثقافتنا المعاصرة ووظائفها المعطَلة
تلعب الثقافة أدوارا متعددة ومتشابكة في حياة المجتمعات الإنسانية. فهي تلعب دور "الذاكرة الحافظة" لحصيلة ما مر به المجتمع من خبرات وتجارب عبر تاريخه. وهى الخبرات والتجارب التي تجسدها منتجاته الثقافية بشتى صورها. وهى أيضا تقوم بدور "الآلية الضابطة" لإيقاع حركة مجتمعها عبر منظومة قيمها التي تحدد لأفراده التصرفات المقبولة التي يتوقعها المجتمع منهم وعبر ما تقرره من أنماط السلوك المرغوبة منهم. وهى المحافظة على تماسكه بما تنشئه من تفسيرات ومعانى متفق عليها لما يستخدمه أفراد المجتمع من رموز وعلامات. وهي في النهاية تقوم بدور "الأداة الذهنية" التي يستخدمها المجتمع لفهم أحواله ولتفسير ما يدور حوله من أمور.

ويعانى دور ثقافتنا كـ "ذاكرة حافظة" من العديد من الأعراض المرضية. وأول هذه الأعراض هو عدم الاهتمام الكافي بالحفاظ على المنتجات الثقافية التي أنتجها المجتمع المصري عبر تاريخه الطويل سواء تمثلت هذه المنتجات في طريقة لتلاوة القرآن أو في أفلام سنيمائية أو في مأثورات شعبية أو في مباني أثرية. وينعكس هذا على تدنى وعى أفراد المجتمع المصري بأهمية هذه المنتجات فيصبح التفريط فيها وتشويهها أمرا معتادا لا يثير الاحتجاج. أما العرض المرضى الثاني فيتعلق بغلبة تيار ثقافة "التجزئة والاجتزاء" و"القطيعة والانقطاع" على تيار ثقافة "الوعي بالتراكم" وبعناصر التواصل واستمرارية في تاريخنا الطويل. ويتجلى هذا أبرز ما يتجلى في كيفية تعامل المجتمع المصري ومؤسساته مع تاريخنا ككل، البعيد منه والقريب. فنرى بعضا من مراحله وقد حجبت أو غيبت عن وعينا، ونرى بعضها الآخر وقد شوهت ملامحه في ضمائر الكثير من أبناء شعبنا.

وعندما تصاب ذاكرة الأمة بأمراض التناسي والتشويه يتآكل إحساسها بهويتها المستقلة ويضعف جهاز مناعتها ويصبح جسدها عرضة للتأثر بعادات وبقيم غريبة عن صلب تكوين المجتمع المصري. كما يؤدى تآكل الإحساس بالهوية المستقلة إلى "تآكل المواطنة" تآكلا حادا أوشك أن يصل بتماسك الأمة المصرية إلى حد الخطر. فلقد حلت "ثقافة الملة"، بما تنطوي عليه من انغلاق على الذات واستكبار على مشاعر الآخر وتجاهل لاحتياجاته محل "ثقافة الوطن"، بما تعنيه من انفتاح على الآخر واستيعاب له في شركة الأرض والحياة.

أما الأعراض المرضية لثقافتنا كـ "آلية ضابطة"، التي تجسدها "الأنماط السلوكية" وتتبدى من خلالها كلا من منظومة القيم والتقاليد والأعراف السائدة، فعديدة وتلمسها على كافة مستويات ممارساتنا اليومية وواقعنا المعاش بدءا من أسلوبنا غير المنتظم في الصعود والهبوط من مترو الأنفاق، ودرجة إتقاننا أداء أبسط الأعمال، وانتهاءا بمدى احترامنا لعنصر الوقت والتزامنا بدقة المواعيد. ونجد أن التوجهات السائدة فيها هي "ثقافة القول" في مقابل "ثقافة العمل" وثقافة رد الفعل" في مقابل "ثقافة الفعل"، وثقافة الترقب" مقابل "ثقافة المبادرة" و"ثقافة السلب" في مقابل "ثقافة المبادأة".

وتسود ثقافتنا كـ "أداة ذهنية" توجهات عامة من أبرزها غلبة "ثقافة النقل" على "ثقافة العقل"، و"ثقافة اﻹ-;-تباع" على "ثقافة اﻹ-;-بداع". فنرى نصوص المفسرين والشراح، السابقين منهم واللاحقين، وهي تتحول إلى نصوص شبه مقدسة غير قابلة للنقاش وتتحول آراءهم إلى مسلمات. وهكذا ينظر إلى التفكير العقلاني وما يسفر عنه من نتائج على أنها بدع، وكل بدعة هي بالضرورة ضلالة وكل ضلالة في النار. وهكذا تعطل عقل أكثر أفراد المجتمع المصري عن العمل فحلت ثنائية "الفتوى/العمل" محل ثنائية "الفكر/العمل". فأصبح الإنسان المصري لا يقدم على أداء عمل ما إلا بعد "يستفتى" أهل التفسير من الثقاة وغيرهم ...! وغرق المجتمع المصري في طوفان من فتاوى حول مسائل من قبيل حكم خلع ملابس الأنثى أمام كلب ذكر؟ ... هل الموبايل أبو كاميرا وبلوتوث حرام أم حلال؟ ... هل الشات على الإنترنت خلوة شرعية؟ وهكذا ازدهرت "صناعة الفتوى" وتضاءلت "صناعة التفكير".

الاستجابة ودور مثقفي التجديد
كانت هذه هي الملامح العامة للتوجهات التي تسود ثقافة المجتمع المصري المعاصرة والتي تشكل مجتمعة تحدى غير مسبوق لا خيار أمام مثقفينا إلا الاستجابة له دون تهاون أو تأخير. وهو التحدي الذي تزيد من حدته تضاؤل تأثير "مثقفو التجديد" لحساب تعاظم دور “مثقفو التقليد"...؟ فعلى الرغم من مرور حوالي 150 سنة على ظهور فئة المثقفين المصريين التي أنتجتها منظومة التعليم المدني التي أنشأها محمد على في النصف الأول من القرن التاسع عشر فإن أثر هؤلاء المثقفين العلمانيين، أو "مثقفو التجديد"، على المكونات الرئيسية لمنظومة الثقافة المصرية مازال محدودا وسطحيا. وهو الأمر الذي تؤكده ماتشهده منظومة الثقافة المصرية حاليا من حركة معاكسة للتطور والتحديث ومن تسيد لرؤى المثقفين ذو المنطلقات الدينية، أو "مثقفو التقليد"، بمختلف مسمياتهم واتجاهاتهم، على الساحة الثقافية وتأثيرهم المتعاظم على حياة أفراد المجتمع المصري. إن فشل "مثقفو التجديد" في إحداث التغيير الأثر المنشود يعود إلى العديد من الأسباب التي من أهمها سببان. السبب الأول هو "الانتقاء العشوائي والمنقوص للمستجدات الثقافية" التي تخضع –على مستوى الفكر-لاعتبارات الشهرة أو الترف الفكري أو الجري وراء الموضات الفكرية، وعلى مستويات السياسات لاعتبارات المصلحة والهوى، وعلى مستوى الحياة اليومية لاعتبارات التميز والمظهرية". أما السبب الثاني فهو "الانفصام بين مضمون الخطاب ومشاكل الواقع". فنظرة عامة على خطاب مثقفو التجديد منذ نشأتهم وحتى يومنا هذا تشى بملامحه السائدة. فهو في أغلبه خطابا موجها للنخبة وبلغتها ولايربط بين ما يعرضه من عناصر ثقافية جديدة وما يعانيه أفراد المجتمع المصري من مشاكل وما يواجهه من تحديات.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفاتحة (1/5)
- الخيار المر ومسئولية الإختيار
- بيت المرايا ودنيا المغالطات
- زمار هاملين وروعة التدليس
- العلمانية والسيبرنيطيقا


المزيد.....




- أبو عبيدة وما قاله عن سيناريو -رون آراد- يثير تفاعلا.. من هو ...
- مجلس الشيوخ الأميركي يوافق بأغلبية ساحقة على تقديم مساعدات أ ...
- ما هي أسباب وفاة سجناء فلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية؟
- استعدادات عسكرية لاجتياح رفح ومجلس الشيوخ الأميركي يصادق على ...
- يوميات الواقع الفلسطيني الأليم: جنازة في الضفة الغربية وقصف ...
- الخارجية الروسية تعلق على مناورات -الناتو- في فنلندا
- ABC: الخدمة السرية تباشر وضع خطة لحماية ترامب إذا انتهى به ا ...
- باحث في العلاقات الدولية يكشف سر تبدل موقف الحزب الجمهوري ال ...
- الهجوم الكيميائي الأول.. -أطراف متشنجة ووجوه مشوهة بالموت-! ...
- تحذير صارم من واشنطن إلى Tiktok: طلاق مع بكين أو الحظر!


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر