أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوي - الصوت الباقى فى الوجدان














المزيد.....

الصوت الباقى فى الوجدان


نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)


الحوار المتمدن-العدد: 4178 - 2013 / 8 / 8 - 10:06
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


ذكريات طفولتى فى الزمن البعيد، مع صوت الملايين تهتف: ثورة ثورة حتى النصر، ثورة فى كل شوارع مصر. أول كلمة كتبتها بعد اسم أمى هى كلمة ثورة، تصورت أنها اسم طفلة تغنى لأمها، لم أكن أعرف بعد ما معنىٍ كلمة مصر أو وطن، كانت أمى هى وطنى.
ثم بدأت أدرك وجود أبى، تخيلته طيفا خفيفا أو ضيفا لطيفا، يروح ويجىء، ويروح ويجىء، وتظل أمى هى الوطن، وقد عشت حياتى بين المنفى واللامنفى، وظل الوطن هو حيث دفنت أمى، أزورها فى المقبرة أو فى البيت القديم الذى لم يعد قائما، وأبكى فوق صدرها فى الزمن الذى كان ولن يكون. ونشأت طفلة لا تبكى وإن فقدت أعز ما تملك. وفتاة لا تحمل فى حقيبة يدها قلم حواجب بل المشرط، ليس فقط لتشريح الجثث فى كلية الطب، بل لصد الرجال فى الأوتوبيس أو فى قاعة السينما أو على شاطىء النيل، وكنت أحب السينما والمسرح، ونسمة النيل فى الأصيل، لكن تحرش الرجال كان يحرم البنات من هذه المتع البسيطة، فقررت أن أنتزع حقى بقوة المشرط.
وكان جدى يقول: المرأة عورة، يجب أن تلزم البيت، وإن خرجت فهى المسئولة عما يحدث لها، كان تفكير جدى يتناقض مع البديهيات، فكيف أكون عورة وأنا مرتدية كل ملابسى، أدق الأرض كالعسكرى حامل السلاح، وكيف أكون مسئولة عن فساد الآخرين؟ أليس كل إنسان مسئول عما يفعل، فكيف تحمل البنات أوزار الرجال؟ وكانت أمى تعارض أباها (جدى) وتقول له: لن يكون مصير ابنتى مقبرة البيت، ستنال ابنتى من العلم والطب والأدب والفلسفة والفن والتاريخ وكل ما يشتهى عقلها.
كلمة "عورة" ارتبطت فى ذاكرتى الطفولية بصوت جدى الأجش، ورائحة الخمر والنساء فى أنفاسه المتحشرجة، ولم أعد أسمع الكلمة "عورة" بعد موت جدى، حتى عادت من جديد فى السبيعينيات من القرن الماضى مع الانفتاح الاقتصادى والمعونة الأمريكية، بدأت تغزو الأسواق المصرية مع البضائع الأجنبية، اللبان الأمريكى، البيرة الإسرائيلى، الحجاب الخليجى، الطاقية الباكستانية، المايوه الشرعى الأفغانى، والفول المدمس من كاليفورنيا، وظهرت على الشاشة المصرية وجوه غريبة مغطاة بالشعر والشوارب واللحى، الزبيبة السوداء فوق الجبهة، والمسابح الصفراء بين الأصابع، تخرج كلمة "عورة" بصوت جدى الميت من أفواههم مع رائحة الخمور المعتقة.
يتشدقون بالعورة ليل نهار، لا شاغل لهم إلا المرأة: رأسها عورة يجب أن يغطى، صوتها عورة يجب أن يكتم، مصافحتها تفسد الوضوء والصيام كخروج غازات من الأمعاء، فاسدة بالطبيعة مثل أمها حواء. وقد انتشر الحجاب ثم النقاب فى مصر، مع انتشار الجبنة المستوردة لها طعم الكاوتش، والفراخ المنفوخة بالهرمونات، وقال الشيخ الداعية والنجم التليفزيونى الجديد: إن الفن والسينما حرام، ومن ينامون على صوت الموسيقى كمن ينامون مع الشيطان. وتضخمت ظاهرة الدعاة، النجوم، الشيوخ، بالجبة والقفطان أو بالبدلة والكرافتة، وخرجت قضايا الحسبة من بطن الأرض، أصبح زنديقا كل من يقول إن الشرف هو الصدق وليس الحجاب، وأصبح مرتدا كل من يقول إن العورة هى الكذب والفساد وليس صوت المرأة.
عهود سوداء عاشها الشعب المصرى، حتى هب بالملايين فى الشوارع، نساء وشبابا ورجالا وأطفالا، الثورة وراء الثورة، ما أن تجهض ثورة حتى تعقبها ثورة. واليوم فى أغسطس 2013، يعود الكذب والفساد أشد مما كان، وتغرق مصر فى وحل الاستعمار والدماء، وما أن ترفع المرأة رأسها لتسترد كرامتها حتى يشدونها إلى القاع، وما إن يتوحد الشعب ويقرر التحرر والاستقلال حتى تنهال عليه الضربات تحت معسول الكلمات: الديمقراطية، الدبلوماسية والاستراتيجية، المصالحة والوفاق تحت المظلة الأمريكية.
الطريق أمام مصر طويل شاق، التشويه مستمر لإجهاض الثورات، الصور والأصوات الزاعقة فى الإذاعات، لكن كل هذا يتبدد تحت ضوء الشمس لتبقى الحقيقة راسخة فى الوجدان، والصوت الحميم فى ذاكرتى الطفولية يقول: المرأة ليست عورة بل هى شرف الثورة. ثورة ثورة حتى النصر.



#نوال_السعداوي (هاشتاغ)       Nawal_El_Saadawi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألم تستوعبى الدرس يا مصر؟
- أهناك علاقة بين السعادة والإرهاق؟
- الدولة الحرة. والمرأة الحرة
- وزارة النساء؟
- غياب العدل عن مؤتمر العدل
- الثورة وبناء عقل مصر المبدع
- ثورة شعبية وليست انقلاباً
- ميزان العدالة يا أمى هل يعتدل؟
- تمرد النساء المصريات والشباب
- البنات والأبناء يقودون آباءهم وأجدادهم للتمرد
- الشرخ العميق فى الشخصية
- الإبداع والتمرد والأسئلة البديهية
- النخب المصرية وإجهاض الثورة
- الثورة والإبداع وحرية العقيدة
- ورقة وقلم أخطر من الطبنجة
- الإبداع والتمرد
- أصبح زوجها مؤدباً؟
- أجيال جديدة متمردة فى الأفق
- إباحة التبنى وانتصار العدل على الشرع
- عبقرية المصريين


المزيد.....




- -التعاون الإسلامي- يعلق على فيتو أمريكا و-فشل- مجلس الأمن تج ...
- خريطة لموقع مدينة أصفهان الإيرانية بعد الهجوم الإسرائيلي
- باكستان تنتقد قرار مجلس الأمن الدولي حول فلسطين والفيتو الأم ...
- السفارة الروسية تصدر بيانا حول الوضع في إيران
- إيران تتعرض لهجوم بالمسّيرات يُرَجح أن إسرائيل نفذته ردًا عل ...
- أضواء الشفق القطبي تتلألأ في سماء بركان آيسلندا الثائر
- وزراء خارجية مجموعة الـ 7 يناقشون الضربة الإسرائيلية على إير ...
- -خطر وبائي-.. اكتشاف سلالة متحورة من جدري القرود
- مدفيديف لا يستبعد أن يكون الغرب قد قرر -تحييد- زيلينسكي
- -دولاراتنا تفجر دولاراتنا الأخرى-.. ماسك يعلق بسخرية على اله ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - نوال السعداوي - الصوت الباقى فى الوجدان