أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - النهج الديمقراطي العمالي - قانون تنظيمي أم قانون تكبيلي للإضراب؟ قراءة نقدية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب - المغرب















المزيد.....



قانون تنظيمي أم قانون تكبيلي للإضراب؟ قراءة نقدية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب - المغرب


النهج الديمقراطي العمالي

الحوار المتمدن-العدد: 296 - 2002 / 11 / 3 - 03:28
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


قانون تنظيمي أم قانون تكبيلي للإضراب؟

قراءة نقدية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب

 

في أكتوبر 2001 أنجزت وزارة التشغيل مشروعا  "للقانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب"  و هو القانون الذي تسعى من خلاله الحكومة ظاهريا إلى تنظيم حق الإضراب انسجاما مع الفصل 14 من الدستور الذي ينص على أن "حق الإضراب مضمون و سيبين قانون تنظيمي الشروط و الإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق. و في الواقع و كما سيتضح من القراءة النقدية لمشرع القانون التنظيمي حول الإضراب فإن الحكومة تهدف إلى تكبيل حق الإضراب عبر تضييق مجال ممارسته و وضع عدد من العراقيل أمام الممارسة القانونية لحق الإضراب.

 

  • بعض التوضيحات الأساسية قبل الشروع في القراءة النقدية للمشروع:

1-   إن حق الإضراب كجميع الحقوق العمالية هو مكسب للطبقة العاملة على المستوى الدولي و على المستوى الوطني كذلك –جاء نتيجة لنضالات مريرة و لتضحيات جسيمة. و لم يتم الإعتراف بهذا الحق في البلدان الصناعية إلا بعد ممارسته بعشرات السنين و أصبح حق الإضراب من  الحقوق  الأساسية للشغيلة و لمنظماتهم قبل أن يصبح حقا من حقوق الإنسان معترفا به في العهد الدولي  حول  الحقوق  الاقتصادية و  الاجتماعية  و الثقافية (المادة 8 الفقرة د) المصادق عليه  من طرف الأمم المتحدة في دجنبر  1966. و للتذكير فإن المغرب قد صادق على هذا العهد الذي أصبحت مقتضياته ملزمة لبلادنا.

2-   في المغرب, إن حق الإضراب هو حق دستوري منذ الدستور الأول المصادق عليه عام 1962 و رغم ذلك فإن هذا الحق غير محمي قانونيا, على العكس من ذلك إن التشريع المغربي و النصوص التنظيمية يتضمنون عدد من المقتضيات الزجرية لممارسة حق الإضراب, أهمها :

الفصل 288 من القانون الجنائي.

-      ينص هذا الفصل على ما يلي :

يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين و بغرامة مائة و عشرين إلى خمسة آلاف درهم أو إحدى هاتين العقوبتين فقط من حمل على التوقف الجماعي عن العمل أو على الاستمرار فيه أو حاول ذلك مستعملا الإيذاء أو العنف أو التهديد أو وسائل التدليس متى كان الغرض منه هو الإجبار على رفع الأجور أو خفضا أو الإضرار بحرية الصناعة أو العمل, و إذا كان العنف أو الإيذاء أو التهديد أو التدليس قد ارتكب بناء على خطة متواطأ عليها, جاز الحكم على مرتكبي الجريمة بالمنع من الإقامة من سنتين إلى خمس سنوات".

لقد شكل الفصل 288 من القانون الجنائي, السلاح القانوني لأرباب العمل من أجل مواجهة حق الإضراب. و قد ذهب مئات العمال نتيجة تطبيق هذا الفصل المشؤوم الذي ظل دوما يطبق على العمال دون أن يطبق على المشغلين المنتهكين و المعرقلين لحرية العمل بالنسبة للإجراء.

·     الفصل الخامس من مرسوم 5 فبراير 1958 حول "ممارسة الموظفين للحق النقابي". و ينص هذا الفصل على ما يلي : "كل توقف عن العمل بصفة مدبرة و كل عمل جماعي أدى إلى عدم الانقياد بصفة بينة تمكن المعاقبة عنه علاوة على الضمانات التأديبية و يعمم هذا على جميع الموظفين".

·     ظهير شتنبر 1938 المتعلق بتسخير الأجراء في فترة الحرب و هو القانون الذي اعتمدت عليه السلطات لجبر الأجراء على العمل حتى في فترة السلم. و قد تم استعماله ضد عدد من السككيين المضربين عن العمل في شهر ماي 1995.

3- أما على مستوى الممارسة فقد دأبت الباطرونا و السلطات الحامية لمصالحها على اتخاذ عدد من التدابير لعرقلة و قمع الحق الدستوري في الإضراب أبرزها :

·     طرد العمال المضربين بافتعال أخطاء جسيمة وفقا للفصل السادس من النظام النموذجي و أحيانا باعتبارهم مضربين فقط كأن الإضراب ممارسة غير قانونية:

·     تشغيل عمال جدد بدل العمال المضربين.

·     تهريب السلعة من المؤسسة في حالة إضراب إلى مؤسسة أخرى حتى لا يكون للإضراب أي جدوى.

·     إغلاق المؤسسة في وجه العمال المضربين خارج نطاق القانون.

·     تسخير ميليشيات لتكسير الإضراب بالعنف.

·     تدخل السلطة ضد المضربين خاصة عند قيامهم باعتصام داخل أو خارج المعمل...

4- إن النقابة لا يمكن أن تكون من حيث المبدأ ضد وضع قانون تنظيمي لممارسة حق الإضراب لكن شريطة خلق بعض الشروط المناسبة لممارسة هذا الحق و أن يؤدي هذا القانون إلى ضمان ممارسة هذا الحق الإنساني و الدستوري بعيدا عن الانحياز الطبقي المعهود لصف الباطرونا.

و قد أصدر الاتحاد المغربي للشغل بتاريخ 10 أكتوبر 2001 و بمجرد الإطلاع على مشروع القانون التنظيمي المعد من طرف وزارة التشغيل "بيانا حول حق الإضراب" تضمن موقف المركزية المبدئي من مشروع الوزارة و من المضمون المفترض لأي قانون تنظيمي لحق الإضراب.

و انطلاقا من هذا البيان بالخصوص يمكن اعتبار أن الانتظارات الأساسية للنقابيين المدافعين عن حقوق العمال من القانون التنظيمي لحق الإضراب تتجسد في المقتضيات الرئيسية التالية:

·     التأكيد على أن حق الإضراب حق من حقوق الإنسان و حق دستوري و حق أساسي للشغيلة و لمنظماتها النقابية على مستوى المقاولة و المنطقة و الجامعة المهنية و المركزية.

·     ضمان حق الإضراب لأجراء القطاع الخاص و القطاع العمومي على السواء و أنه لا يمكن الحد منه إلا بالنسبة لفئات محدودة و محددة و في أوضاع مرتبطة بممارسة سلطة الدولة (القوات المسلحة مثلا).

·     الإقرار بمشروعية الإضرابات التضامنية و قطع الطريق أمام السلطة الإدارية لمنع اللجوء إلى الإضراب خارج نطاق القضاء.

·     توضيح مفهوم عرقلة "حرية العمل" حتى لا يفهم الإضراب كعرقلة لحرية العمل.

·     منع و معاقبة تشغيل أجراء من خارج المؤسسة أثناء الإضراب.

·     إقرار الحماية الفعلية و الملائمة للمأجورين و لممثليهم النقابيين أثناء و بعد الإضراب.

·      التأكيد على إمكانية تنصيص القوانين العادية على تدابير للمصالحة و التحكيم مع احترام شرطين أساسين : أن تكون تلك التدابير طوعية و غير إجبارية و أن لا توقف الممارسة الفعلية لحق الإضراب.

·     التأكيد على التدابير المتعلقة بمهلة الإشعار بالإضراب و بالخدمات الدنيا أثناء الإضراب يمكن تحديدها على مستوى القطاعات المهنية و المقاولات في إطار اتفاقيات جماعية دون المساس بالممارسة الفعلية لحق الإضراب.

ب- كنا كنقابيين مدافعين عن الطبقة العامة ننتظر كذلك إجراءات مصاحبة للقانون التنظيمي لحق الإضراب حتى يكون هذا القانون مناسبة ليس لتكبيل حق الإضراب و إنما لتطوير العلاقات المهنية و النهوض بالمفاوضات الجماعية و هو ما يستوجب بالخصوص.

·     المصادقة على اتفاقيتي منظمة العمل الدولية رقم 87 و 135 المتعلقتين بالحرية النقابية و حماية ممثلي الأجراء و إدماج مقتضياتهما في التشريع المغربي و هو ما يفترض وضع مقتضيات قانونية للإعتراف بالتنظيم النقابي على مستوى المقاولة و لحماية الممثلين النقابيين من التمييز و القمع.

·     إلغاء الفصل 288 من القانون الجنائي اعتمادا على تصور سليم لحرية العمل.

·     إقرار إجبارية التفاوض الجماعي في كل المقاولات التي يفوق عدد إجرائها الخمسين.

لقد تم صياغة مشروع القانون التنظيمي للإضراب بشكل انفرادي من طرف وزارة التشغيل دون استشارة مركزيتنا و بالاستناد فقط على موقف الباطرونا التي سبق لها صياغة مشروع للقانون حول الإضراب منذ شنبر 2000. فلا غرابة إذن أن يكون مشروع وزارة التشغيل متجاوبا مع رؤية الباطرونا لتقنين الإضراب و منافيا للتصور النقابي حول الإطار القانوني لممارسة حق الإضراب.

 

قراءة نقدية في مقتضيات المشروع :

 

يتضمن المشروع 56 فصلا و 5 أبواب.

- الباب الأول يتعرض لممارسة حق الإضراب.

- الباب الثاني يتعرض لإغلاق المقاولة.

- الباب الثالث يتعرض لتسوية نزاعات العمل الجماعية :المصالحة و التحكيم.

الباب الرابع يتضمن الإحكام بالمصالح العمومية : إدارات عمومية, جماعات محلية و مؤسسات عمومية.

- الباب الخامس يتضمن أحكاما مختلفة.

(ملاحظة شكلية : لقد تم صياغة المشروع الأصلي بالفرنسية و الترجمة التي قامت بها وزارة التشغيل رديئة و مخلة بمضمون النص الأصلي, لذا فقد قمنا هنا كلما كان ذلك ضروريا بتصحيح الترجمة التي قامت بها الوزارة).

 

** الملاحظة الأولى: تتعلق بمجال تطبيق القانون التنظيمي الذي تسري مقتضياته على الأجراء دون غيرهم من الفئات الاجتماعية التي تلجأ في نشاطها النضالي إلى ممارسة الإضراب.

ينص  الدستور في مادته  14 على أن  " حق  الإضراب   مضمون   و سيبين  قانون  تنظيمي  الشروط  و الإجراءات التي يمكن معها ممارسة هذا الحق". و يتضح من خلال عمومية هذا الفصل من جهة أنه يهم كل أنواع الإضرابات سواء تعلق الأمر بالإضراب عن العمل و هو الشكل الأكثر شيوعا أو بغيره من أنواع الإضراب كالإضراب عن الدراسة بالنسبة للطلبة و التلاميذ أو الإضراب عن الطعام و من جهة أخرى فإنه يهم الأجراء و غير الأجراء كالتجار الصغار و الحرفيين و الفلاحين و أصحاب الشاحنات و الطاكسيات و الطلبة و التلاميذ.

إلا أنه يتضح من خلال النص, بدءا بالمادة الثانية المحددة للإضراب أن مقتضياته لا تهم سوى الأجراء و أرباب العمل, بل أكثر من ذلك يتضح أن حق الإضراب تم و بجرة قلم حصره في حق الإضراب بالنسبة للأجراء و في حق أرباب العمل في إغلاق المقاولة كليا أو جزئيا, مما يؤدي عمليا إلى استثناء عدد  من  الفئات  كالتجار  الصغار و الحرفيين  و الفلاحين و الطلبة  و التلاميذ  و أصحاب  الشاحنات  و الطاكسيات من التمتع بحق الإضراب الدستوري.

 

** الملاحظة الثانية : تتعلق بنتائج التحديد الضيق لمفهوم الإضراب من طرف مشروع القانون التنظيمي.

ينص الفصل الثاني بعد تصحيح ترجمته على ما يلي :

"الإضراب هو وقف للعمل, كلي و جماعي و متفق عليه, يقرر من طرف مجموعة أو جماعة من الأجراء من أجل تحقيق مطالبهم المهنية المباشرة, و يمارس خارج أمكنة العمل".

من خلال هذا التحديد نستنتج ما يلي :

·     الإضراب يهم الأجراء فقط.

·     الإضراب يقرر من طرف مجموعة أو جماعة من الأجراء دون ذكر للتنظيم النقابي الذي يؤطرهم و لدور هذا التنظيم.

·     الإضراب وقف العمل و هو ما يعني أن إضراب الحماس في العمل لا يدخل ضمن أشكال الإضراب المعترف بها في القانون التنظيمي.

·     الإضراب وقف كلي للعمل و هو ما يعني أن إضراب التباطؤ, الذي هو شكل من الإضراب يتم من خلاله تخفيض وثيرة العمل, لا يدخل بدوره ضمن أشكال الإضراب التي يقرها القانون التنظيمي.

·     الإضراب وقف كلي و جماعي للعمل لكافة المجموعة التي قررت الإضراب, و هو ما يعني أن الإضراب الدائري – الذي هو إضراب تتناوب فيه مختلف المجموعات الجزئية على توقيف العمل – لا يدخل بدوره ضمن أشكال الإضراب التي يقرها القانون التنظيمي.

·     الإضراب يهدف وفقا للفصل الثاني إلى تحقيق المطالب المهنية المباشرة لمجموعة الأجراء التي قررت الإضراب و هو ما يعني ضرب مشروعية و شرعية أشكال الإضراب الأساسية التالية :

الإضراب ضد التعسفات الممارسة ضد الحريات النقابية مثل طرد المسؤولين النقابيين و التمييز ضد أعضاء المكتب النقابي.

- الإضراب التضامني لفئة أو مؤسسة أو قطاع مع فئات و مؤسسات و قطاعات أخرى.

- الإضراب ضد السياسة الاقتصادية و الاجتماعية في قطاع معين.

-         الإضراب العام الهادف إلى مواجهة تراجعات أو تحقيق مطالب في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية: الأجور, الأثمان, التشريعات, مقتضيات قانون المالية..

-         الإضراب يمارس خارج أمكنة العمل, و هو ما يعني أن الإضراب مع الاعتصام داخل المؤسسة غير وارد في القانون التنظيمي.

-          يتضح من خلال ما سبق مدى التراجعات التي أتى بها مشروع القانون التنظيمي فقط من خلال التحديد المسطر للإضراب!!.

 

** الملاحظة الثالثة : تتعلق بالفصل الثالث الذي ينص على أن " الإضراب يوقف عقد الشغل و لا يلغيه إلا خطأ جسيم من طرف الأجير". و يعني هذا الفصل أن الأجير لن يتقاضى أجرته خلال الإضراب حتى و لو كان الإضراب شرعيا و يهدف إلى تحقيق مطالب شرعية مثل مقتضيات قانون الشغل. كما  يعني  هذا  الفصل  تراجع  عن الحق المكتسب للموظفين و العديد من مستخدمي و أعوان القطاع العمومي المتعلق بعدم توقيف عقد الشغل و بتأدية الأجر عن أيام الإضراب.

 

** الملاحظة الرابعة : تتعلق بالفصل الرابع الذي ينص على أنه "لا يجوز شن الإضراب في المرافق الحيوية التي قد يؤدي الانقطاع فيها عن العمل إلى المجازفة بحياة أو أمن أو صحة كل أو بعض الأشخاص الذين يستفيدون أو من حقهم أن يستفيدوا من الخدمات التي تقدمها تلك المرافق".

إن الصياغة القطعية لهذا الفصل تؤدي عمليا إلى منع الإضراب في قطاع الصحة و في قطاعات أخرى التي قد (بصيغة الاحتمال التي تذكر بمفهوم "كل ما من شأنه"  ) يؤدي فيها الإضراب إلى المخاطر الواردة في الفصل الرابع.

تدل هذه الصيغة القطعية التي تؤدي إلى حرمان العديد من المؤسسات و الفئات و القطاعات من حق الإضراب, أن المعمول به في البلدان  الديمقراطية  هو  وضع  بعض  الحواجز  أمام  الممارسة  الشاملة  للإضراب  و  فرض  حد  أدنى  من  الخدمات Service minimum على بعض القطاعات الحساسة حتى لا تصبح حياة و صحة المواطنين و أمنهم ذريعة لمنع ممارسة حق الإضراب.

 

** الملاحظة الخامسة : تتعلق بالفصل الخامس الذي ينص (بعد تصحيح ترجمته) على ما يلي : "يقرر الإضراب من طرف نقابات أجراء المؤسسة أو من لدن الجمع العام الذي يعقده الأجراء إذا لم تكن أغلبية العاملين بالمؤسسة ممثلة بواسطة إحدى النقابات, و في هذه الحالة يتخذ القرار بالاقتراع السري و بأغلبية مجموع أجراء المؤسسة".

إن هذا الفصل كما تمت صياغته يضع عراقيل كبيرة أمام اتخاذ قرار الإضراب. فبذل أن يتم اتخاذ هذا القرار كما هو الشأن حاليا من طرف "النقابات" بالجمع ما يفترض تنسيق بين النقابات.  ثم في حالة غياب نقابة تحظى بتمثيلية أغلب الأجراء فإن اتخاذ القرار يتم بموافقة أغلبية أجراء المؤسسة و هذا صعب المنال إذ كيف و أين يمكن جمع العمال؟ و من يراقب شروط الاقتراع و عدد المصوتين؟! ثم لماذا ضرورة حصول القرار على الأغلبية ما دام الأجراء غير الموافقين على الإضراب غير ملزمين بممارسته و من حقهم ممارسة حريتهم في العمل؟

إضافة لما سبق, إن الفصل الخامس لا يتحدث عن شروط اتخاذ قرار الإضراب على مستوى القطاع المهني مما يؤكد بالفعل أن خوض إضراب وطني قطاعي غير وارد في إطار القانون التنظيمي للإضراب.

 

** الملاحظة السادسة : تتعلق بالفصل السادس الذي ينص على تحديد مهلة الأخطار بالإضراب في 7 أيام كاملة على الأقل و على ضرورة أخطار المشغل و السلطة المحلية و مندوب الشغل مع تحديد أسباب و هدف و مدة الإضراب.

في الممارسة الحالية لحق الإضراب أن مدة الأخطار غير محددة و هي قد تطول أو تقصر حسب القطاع.  ففي القطاع العمومي إن هذه المدة تفوق الأسبوع. إلا أنها تصل عادة إلى 48 ساعة في القطاع الخاص و قد تكون أقل من ذلك عندما يضطر العمال لمواجهة ممارسة تعسفية خطيرة للمشغل يريد من خلالها تكريس أمر واقع و ميزان القوى لصالحه.

إن تحديد مهلة الأخطار في سبعة أيام غير معقول في عدد من الحالات لذا من المنطقي أن يترك تحديد مهلة الأخطار لاتفاقيات جماعية قطاعية أو بين المشغل و النقابة.

 

** الملاحظة السابعة : تتعلق بالفصل السابع الذي ينص على تعين الأجراء بالمكان الذي يتم به الإضراب للجنة للإضراب  تسهر على استمرار الخدمات الضرورية لسلامة الأشخاص و صيانة الأمكنة و الآلات و التجهيزات و لاستئناف العم لبعد انتهاء الإضراب.

كما ينص هذا الفصل بإرسال لائحة أعضاء لجنة الإضراب بعد تعيينها بيومين على الأكثر إلى مندوب الشغل أو إلى الإدارة المعينة و إلى المشغل أو المشغلين المعنيين.

إن هذا الإجراء رغم ظاهره الإيجابي فهو يشكل عرقلة جديدة أمام  ممارسة حق الإضراب لأن عديد من العمال سيتخوفون من الالتحاق بلجنة الإضراب نظرا لثقل المسؤولية المترتبة عن ذلك, إنه بمثابة إجراء لن يؤدي في نهاية المطاف سوى إلى ترهيب الأجراء و بالتالي إلى عدم التمكن من تشكيل اللجنة و استبعاد الشروط القانونية للإضراب.

 

 ** الملاحظة الثامنة : تتعلق بالباب الثاني حول إغلاق المقاولة أي بالمواد 12 إلى 15 حيث, و لأول مرة في التشريع المغربي سيسمح للمشغل بإقفال مؤسسة كليا أو جزئيا ردا على تصرفات يعتبرها مسيئة للمقاولة و بالتحديد حالات شن إضراب مع مخالفة مقتضيات القانون التنظيمي أو احتلال مجال العمل أثناء الإضراب أو عند تخريب أو إتلاف الأجراء لسلع و مواد أولية و تجهيزات و معدات.

إضافة لما سبق يعتبر عقد العمل موقوفا أثناء فترة إغلاق المؤسسة.

إن هذه المقتضيات تعد تراجعا خطيرا عن الأوضاع القانونية الحالية التي لا تسمح للمشغل بإغلاق المؤسسة كليا أو جزئيا إلا بعد الحصول على ترخيص من طرف عامل الإقليم. و تزداد خطورة هذه المقتضيات إذا تصورنا أنه سيكون بإمكانية المشغل, اعتمادا على الفصول الواردة في هذا الباب, إن غلق المؤسسة بزلق تكلة بالنسبة إليه و ذلك بدفع بعض العناصر الموالية له إلى افتعال إضراب غير قانوني أو أحداث أخرى مما سيمكنه من إغلاق المؤسسة و تجميد عقد الشغل بالنسبة لكافة أجرائه و إعفائه بالتالي من  أداء الأجور خلال المدة التي يراها مناسبة.

إن هذا الباب بفصوله الأربعة, يشرع لإغلاق المؤسسة كإضراب لرب العمل ضد الأجراء, و إذا كان القانون التنظيمي قد وضع عدة عراقيل أمام الممارسة القانونية لحق الإضراب من طرف الأجراء كما رأينا سابقا فإنه عكس ذلك سهل ممارسة الإضراب من طرف المشغل ضد إجرائه.

 

** الملاحظة التاسعة : تهم مسطرة الصلح (Conciliation)  كشوط أول من تسوية نزاعات الشغل الجماعية (الفصول 16 إلى 30).

إن مسطرة الصلح تتضمن مرحلتين بالنسبة للمؤسسة الموجودة بإقليم محدد. المرحلة الأولى تتم على مستوى مندوبية الشغل و الثانية على مستوى العمالة برئاسة عامل الإقليم أو من ينوب عنه. و إذا كانت المؤسسة المعنية بالنزاع تمتد على عدة أقاليم فإن مسطرة الصلح تتم مباشرة على مستوى اللجنة الوطنية للصلح.

إذا كانت مسطرة الصلح مقبولة كأسلوب لمحاولة حل النزاعات الجماعية خصوصا و أن مشروع  القانون التنظيمي يؤكد في بنده 19 على أن " تطبيق مسطرة الصلح و التحكيم لا تحول دون ممارسة حق الإضراب" فإن النقد الأساسي الموجه لهذه المسطرة هو تجاهلها لدور النقابة في الفترة الأولى من مسطرة الصلح أمام مفتشية الشغل حيث لا ذكر للنقابة كطرف في هذه المسطرة. كما أن دور النقابة يبدو باهتا و مساويا لدور مندوب الأجراء على مستوى الفترة الثانية من مسطرة الصلح على المستوى الإقليمي أو على مستوى النزاع المخول للجنة الوطنية للصلح حيث يجوز للأجراء أن يدعو لمؤازرتهم عضوا واحدا من النقابة بدل أن تترك لهم صلاحية اختيار عدد من يؤازرونهم.

 

** الملاحظة العاشرة : تتعلق بمسطرة التحكيم حيث تنص المادة 31 على وجوب الاحتكام لمسطرة التحكيم (Arbitrage )  في حالة الفشل الكلي أو الجزئي في تسوية النزاع الجماعي للشغل عبر مسطرة الصلح.

إن الأجراء لا يمكن أن يقبلوا مسطرة التحكيم و نتائجها إلا إذا تمت برضاهم بدل أن تفرض عليهم. لذا فإنهم سيرفضون بكل تأكيد ما ورد من مقتضيات في القانون التنظيمي حول مسطرة التحكيم.

 

** الملاحظة الحادية عشر : تتعلق بممارسة حق الإضراب في القطاع العمومي أي بالنسبة لموظفي و أعوان الدولة و الجماعات المحلية و مستخدمي المؤسسات العمومية (الباب الرابع, الفصول 41 إلى 52).

يمكن حصر أهم السلبيات و التراجعات المرتبطة بحق الإضراب في القطاع العمومي في النقط التالية :

-         مشروع القانون التنظيمي يستمر في منع كل حاملي السلاح  من الحق في الإضراب مع العلم ان فئات واسعة من حاملي السلاح يتمتعون في البلدان الديمقراطية بحق الإضراب.

-         تحديد مدة الإخبار في مدة زمنية طويلة تصل إلى 15 يوما و هي ضعف المدة (7 أيام) المحددة بالنسبة للقطاع الخاص.

-         الفصل 44 يمكن السلطة المسؤولة عن الإدارات العمومية و الجماعات المحلية و المؤسسات العمومية خلال فترة الأخطار من منع الإضرابات الجماعية أو الفئوية بدعوى حماية الأمن العام و كذا المصلحة الاقتصادية أو المصلحة العامة للبلاد و كلها مفاهيم فضفاضة تسمح عمليا بمنع أي إضراب على مستوى القطاع  العمومي.

الفصل 46 يسمح بدوره للسلطة المسؤولة بوضع قائمة كمية و نوعية بالمناصب و بإنصاف النشاط التي يمكن أن يطبق على العاملين فيها منع ممارسة حق الإضراب, و تحدد تلك القائمة أساسا تستأنس به عند تقرير المنع المنصوص عليه في الفصل 44.  

يتبين مما سبق أن ممارسة حق الإضراب ستعرف تراجعا خطيرا على مستوى القطاع العمومي. بكل مكوناته في حالة المصادقة على مقتضيات مشروع القانون التنظيمي.

 

كخلاصة لما سبق, يتضح بعد القراءة النقدية لمشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب أو بالمقارنة بالخصوص مع الانتظارات من أي قانون تنظيمي لحق الإضراب في بلد ديمقراطي, إن المصادقة على هذا المشروع سيشكل انتكاسة لا سابق لها بالنسبة لممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص و القطاع العمومي.

إن المصادقة على هذا المشروع سيؤدي على تكبيل حق الإضراب بل و إلى منع ممارسة هذا الحق في كثير من الأحيان و لهذا يحق تسميته بمشروع القانون التكبيلي للإضراب.

إن هذا المشروع يشكل في الواقع استجابة كلية من طرف الحكومة الباطرونا المتوحشة و هو يفضح نوايا الحكومة و مدى انحيازها للباطرونا. إنه هدية كبرى جديدة لباطرونا تنضاف إلى مشروع مدونة الشغل. فإذا كان مشروع  المدونة قد مكن من الترسيم القانوني لمفاهيم المرونة في التشغيل و في الأجور و مكن من تكريس تهميش دور النقابة على مستوى المقاولة و من خلق شروط استغلال أبشع للعمال دون أي زجر جدي للباطرونا المنتهكة لقوانين الشغل, فإن مشروع القانون التنظيمي للإضراب جاء لتجريد الطبقة العاملة من سلاح الإضراب كأداة لمواجهة الاستغلال المكثف و القهر المضاعف.

لذا يطرح على المناضلين المخلصين لمصالح الطبقة العاملة أن يرفضوا هذا المشروع الرجعي التوأم لمشروع مدونة الشغل.

 

 

الرباط 1 فبراير 2002                      

                                            

 

 


#النهج_الديمقراطي_العمالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في مسألة التحالفات راهنا : القطب الديمقراطي الجذري
- أهم المراحل التي قطعها النهج الديمقراطي
- المفهوم الاشتراكي لقضية المرأة
- الديموقراطية تحت الحصار
- بمقاطعته العارمة لإنتخابات 27 شتنبر 2002 يعبر الشعب المغرب ...
- حول : - اليسار ومسألة التغيير السياسي والدستوري
- الانتخابات البرلمانية لشتنبر 2002 موقفنا
- لنقاطع انتخابات برلمان الأعيان وخدام المخزن الأوفياء


المزيد.....




- اتحاد الشغل بتونس يهدد بإضراب عام بسبب التدفق الكبير للمهاجر ...
- الزيادة لم تقل عن 100 ألف دينار.. تعرف على سلم رواتب المتقاع ...
- Second meeting of the Andean Subregion
- بعد 200 يوم على الحرب.. غزة مدمرة اقتصاديا وصناعيا والجميع ت ...
- “بزيادة حتـــى 760 ألف دينار mof.gov.iq“ سلم رواتب الموظفين ...
- فرنسا: بعد فشل المفاوضات... أكبر نقابة للمراقبين الجويين تدع ...
- التقرير السنوي للفينيق 2023
- -غوغل- تطرد مزيدا من الموظفين بعد احتجاجات على علاقات الشركة ...
- رابط التسجيل في منحة البطالة minha anem dz والشروط الواجب تو ...
- “أهم شروط الصرف”.. سلم رواتب المتقاعدين في العراق 2024 وخطوا ...


المزيد.....

- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي
- نضالات مناجم جبل عوام في أواخر القرن العشرين / عذري مازغ
- نهاية الطبقة العاملة؟ / دلير زنكنة
- الكلمة الافتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات جورج ... / جورج مافريكوس


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - النهج الديمقراطي العمالي - قانون تنظيمي أم قانون تكبيلي للإضراب؟ قراءة نقدية لمشروع القانون التنظيمي للإضراب - المغرب