أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - حين تكون الحياة فخا حزينا في رواية انطون تشيخوف عنبر رقم 6















المزيد.....

حين تكون الحياة فخا حزينا في رواية انطون تشيخوف عنبر رقم 6


محمد الذهبي

الحوار المتمدن-العدد: 4172 - 2013 / 8 / 2 - 23:53
المحور: الادب والفن
    


قراءة في كتاب
حين تكون الحياة فخا حزينا في رواية انطون تشيخوف
عنبر رقم 6
محمد الذهبي
يقوم العمل الفني دائبا في ايجاد حل للغز الحياة المحير، يأخذك بعيدا ويعود بك عبر كلمات تعالج الوجود، ونقاشات وتصرفات متعددة لمجانين خمسة في العنبر رقم ستة ليبدأ المؤلف في تصويرهم تباعا، ويركز الضوء على ايفان ديمتريتش، رجل في الثالثة والثلاثين، نبيل الاصل، محضر محكمة سابق ، يعاني من جنون الاضطهاد، فهو اما راقد في سريره متكورا كالكعكة، واما يروح جيئة وذهابا من ركن الى ركن، وكأنما يسير للتريض، ولايجلس الا نادرا، منفعل ومضطرب ومتوتر يؤرقه انتظار غامض وغير محدد، ويكفي ان تحدث ضجة حتى يرفع رأسه صارخا، لقد جاؤوا في طلبي، كان ايفان غالبا مايقابل المساجين فيثيرون فيه نوعا من الشفقة والتعاطف، وخيل اليه انه ربما يكون مسجونا في يوم ما، وفي البيت لازمته صورة المساجين، واخيرا يجن ايفان بمجرد ان يهرول خارج الدار مارا بالوحل وتصفر خلفه الشرطة ويهرول الصبيان بقربه، انها رواية تركز على خطوط الوهم الموجودة بين العقلاء والمجانين، وتعتبر ان الحياة فخ كبير يقع فيه من يأتي اليها، ولافرق هنا بين الطبيب اندريه يفيمتش والمجنون ايفان ديمتريتش، حيث لم يكن الاخير موافقا على حال المستشفى، وبعد ان تفقد المستشفى توصل الى استنتاج بان هذه المؤسسة لا اخلاقية ومضرة الى اقصى حد بصحة النزلاء، وكان من رأيه ان يطلق سراح المرضى، ولكن ارادته وحده لاتكفي، فاذا ازيلت القذارة الخلقية من مكان فسوف تنتقل الى مكان آخر، ينبغي الانتظار الى ان تتبخر بنفسها، ثمة ثيمة مهمة في الرواية، وهي ان الطبيب لايتردد الى العنبر وليس له شأن بمرضاه ولكنه يدخل مرة بالصدفة، ليلتقي ايفان ديمتريتش، ليكون حوار المجانين والعقلاء، ففي احدى امسيات الربيع في نهاية مارس، عندما لم يعد هناك ثلج على الارض، وصدحت في فناء المستشفى الزرازير، خرج الدكتور الى البوابة ليودع صديقه مدير البريد، وفي تلك اللحظة دلف اليهودي موبسيكا وهو مجنون يدفع به حارس العنبر الى الاستجداء، دلف الى الفناء عائدا من جولته، كان بلا غطاء رأس، وينتعل نعلا خفيفا بدون جورب، ويحمل في يديه كيسا صغيرا به صدقات، وقال للطبيب وهو يرتعد من البرد ويبتسم: اعطني كوبيكا، واعطاه اندريه يفيمتش الذي لم يكن يستطيع ابدا ان يرفض عشرة كوبيكات.
وفكر وهو ينظر الى قدميه العاريتين برسغيهما الاحمرين النحيلتين: ياله من شيء سيىء، ان الارض رطبة، وبدافع هذا الاحساس الذي يشبه الشفقة والتقزز مضى الى الجناح في اثر اليهودي، وهو ينظر تارة الى صلعته، وتارة الى رسغيه، وعند دخول الطبيب هب نيكيتا واقفا من فوق كومة النفايات وشد قامته، وقال اندريه يفيميتش برفق:
مرحبا يانيكيتا، هل يمكن ان تصرف لهذا اليهودي حذاء، يعني، والا اصيب بالبرد.
حاضر، ياصاحب السعادة، سابلغ المشرف
ويردد الطبيب: من فضلك اطلب منه باسمي، قل له انني طلبت ذلك.
كان الباب مفتوحا، واصغى ايفان ديمتريتش الذي كان راقدا في السرير، وقد هم قليلا معتمدا على مرفقه الى الصوت الغريب، بقلق وفجأة، عرف فيه الدكتور، وارتجف بدنه كله من الغضب، وقفز الى وسط العنبر بوجه محتقن ساخط وعينين جاحظتين وصاح:
الدكتور وصل، ثم قهقه، اخيرا وصل، ايها السادة اهنئكم، لقد شرفكم الدكتور بزيارته، وصرخ بلوعة لم يسبق لاحد في العنبر ان سمع مثلها، الوغد الملعون، ودق بقدمه فلنقتل هذا الوغد، كلا القتل قليل عليه، فلنغرقه في المرحاض.
واطل اندريه يفيمتش الذي سمع هذا، وسأل برفق:
لماذا؟
فصاح ايفان ديمتريش مقبل عليه بوجه متوعد وهو يلتف بالرداء في عصبية:
لماذا ، لماذا
فرد ايفان : لانك لص، محتال، جلاد
فقال اندريه بفيميتش وهو يبتسم بذنب:
هدىء روعك، اؤكد لك انني لم اسرق شيئا ابدا، انا ارى انك غاضب مني، هدىء نفسك ارجوك وخبرني بهدوء لماذا انت غاضب مني؟
فرد ايفان: ولماذا تبقيني هنا؟
لانك مريض
نعم مريض ، ولكن هناك مئات المجانين ينعمون بالحرية، لان جهلك غير قادر على تمييزهم عن الاصحاء، فلماذا علي ان ابقى هنا، اين المنطق والناحية الاخلاقية.
لادخل للناحية الاخلاقية والمنطق هنا، كل شيء متوقف على الصدفة، من وضعوه هنا سيبقى، ومن لم يضعوه ينعم بالحرية، هذا كل مافي الامر.
فرد ايفان : انا لا اقبل هذا الهراء
اما مويسيكا اليهودي الذي استحى نيكيتا من تفتيشه في حضرة الدكتور فقد وضع على سريره كسر الخبز والاوراق التي جمعها، ويبدو انه تخيل انه قد فتح دكانا.
الرواية بمجموعهاتفتش عن ما يسد ثغرات نشوء الانسان ووجوده مجنونا او عبقريا، وهي كذلك فلسفة مليئة بالحياة والموت على حد سواء، جميع الناس يهفو بقلب منشرح للمجانين، ومنهم من اعتاد على زيارات لمستشفيات المجانين، ليس للمتعة او الفرجة، يقول ايفان دميتريتش: لنفرض ان سكينة الانسان ورضاه ليسا خارجه بل في داخله، ولنفرض انه ينبغي احتقار الآلام وعدم الاندهاش لشيء، ولكن على اي اساس تدعو انت لذلك، هل انت حكيم؟ فيلسوف؟
فيجيب الطبيب: لست فيلسوفا، ولكن كل انسان ينبغي ان يدعو لذلك لانه صواب، ومن ثم يعرج المريض على سؤال طبيبه هل رأيت الالام هل شعرت بها هل تألمت في حياتك؟
نهاية كأنها العقوبة الحياتية، حيث يتآمر طبيب شاب على الطبيب الفيلسوف، ويلقى في عنبر رقم6 ليبدأ رحلة اخرى من رحلات حياته التي انتهت بالخوف والمفاجأة، وعدم احتماله لالم المستشفى والاحتجاز يموت الدكتور اندريه لتسحب جثته كما سحبت في عهده عشرات الجثث، ولن يتغير شيء، سوى ان مجنونا آخر لفظ انفاسه الاخيرة متأثرا بجراح اصابه بها حارس العنبر.
رواية تضع للجنون مواقف وفلسفات ، لتقول ان الجنون هو فهم خاص للحياة، ولم يكن ابتعادا عنها او عدم احتمال لها، انه وعي للحياة بجميع تفاصيلها، ولذا حين اكثر الدكتور من الجلوس مع المرضى اصيب بالجنون هو الاخر بعرف الاطباء والاصدقاء الاخرين، انه منطق المجانين ماتكلم به الدكتور اندريه، ولذا كان عليه ان يحشر مع رائحة السمك والعفونة في العنبر ليبدي عدم احتماله لهذه الحياة التي تنتهي بالنوبة القلبية، ليسحب الطبيب على اثرها، مقاربات وتوصيفات وقواعد رائعة تستطيع ان تقرأ بواسطتها مخبوء الانسانية اجمع.



#محمد_الذهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الماء والنار
- عندما تحكم فتح الباب
- يوميات الطائر نحو الشمس
- هو ميت
- كبرنا ولم يكبر الليل
- شعراء القادسية وام المعارك
- ستبقى تسير بنا الحافلهْ
- مهمة الشاعر في اجمل المخلوقات رجل لبلقيس حميد حسن
- تداعيات من عصر آخر
- كم قلتِ ان الحب يأتي
- انا والخمرُ ولدنا توأمينْ
- مالم نقل اكثر ايلاما
- غياب المرأة عن تظاهرات الانبار
- اعلان عن موت آخر
- يا دجلة الخير (معارضة)
- كنا ملعونيْن
- رجل في حقيبة
- ساغني للريح وانتظر السفن
- ربما تخطىء الطيور
- كانت تجاذبني الحديث


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد الذهبي - حين تكون الحياة فخا حزينا في رواية انطون تشيخوف عنبر رقم 6