أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - فتوحات قصة قصيرة















المزيد.....

فتوحات قصة قصيرة


حمادي بلخشين

الحوار المتمدن-العدد: 4171 - 2013 / 8 / 1 - 13:42
المحور: الادب والفن
    


فتوحات



ـــــ 1 ــــ

حين تعرّفت على "عثمان إدريسا" في مسجد بديع الزمان النورسيّ الذي يديره أكراد تركيا بغرين لاند، إحدى المكوّنات الرئيسيّة لمدينة أوسلو، كان الأخير يتأهّب لمغادرة النرويج و بشكل نهائيّ خلال أشهر مـــعدودة، بعد عقدين من غربة قهريّة أبعدته عن النـيجر، أرض الميلاد و الطفولة و مطلع الشباب.

لم يكن تعرّفي على عثمان إدريسا من إختياري و لا تدبيري، فقد كنت و لا زلت مزورّا عن كلّ صداقة غابرة، متجنّبا كلّ محدثة منها، مستمطرا رحمة الله تعالى عــلى كلّ من تجنّب معرفتي، أو"آنسني بصدوده" و إنمّا كانت معرفتي به بسبب شابّ مغربيّ طريف يقال له عبد العزيز، رأيت من الواجب لزومه قصد مؤازرته.

فقد ضاقت بعبد العزيز أرض الطليان ــ و قد ثوى بها عقدا من الزمان مكّنه من حيازة حقّ الإقامة القانونية بها ــ و مكث ثاويا بها حتى ألجاته البطالة و شحّ الضمانات
الاجتماعية في ظلّ أزمة عالميّة خانقة، إلى شدّ الرّحال إلى أوسلو بحثا عن عمل, وهذا لعمري مثير للدهشة و الإستغراب، ففيما نكاد نسمع يوميّا بذهاب اليائسين الأفارقة طعما للأسماك في محاولة سريّة لإدراك بلاد الطليان، يفاجئنا عبد العزيز و أمثال عبد العزيز، و هم كثر، بترك الجنّة الإيطالية بحثا عن رزق في سواها من بلاد الفرنجة!

و حين عزّ على عبد العزيز و جود العمل في أوسلو، و ضاقت به السّبل في بلاد الفايكنج، ضيقها عليه في بلاد المغرب و الطليان، أشفق عليه أحد المصلّين، فتبرّع له بسيارته ليتخذها مرقدا يقيه بعض صقيع أوسلو و مضايقات الدوريّات الليليّة!

و قد فرض عبد العزيز صداقته على غالبية روّاد المسجد، فتمكّن في مدّة قياسيّة، من معرفة ثم حفظ أسماء السّواد الأعظم من روّاده، قبل أن تفرض وضعيته الإنسانية المؤلمة تعاطف الجميع معه وإلتفافهم حــوله، و طلب الأنس بصحبتـه، بما أوتي من حلاوة حديث، و مقدرة على الإضحاك، و حذق في سرد نكت الأقدمين و طرائف الأفارقة المغتربين، و أساليبهم غير المشروعة حينا، و الخسيسة أحيانا، للتحيّل على حسني النيّة من إدارييّ الطليان، جشعا لمزيد من اللّيرات أو طلبا لنيل تقاعد في شرخ شباب أو مطلع كهولة، و قد حدثنا ذات مرّة عن حصول أحد العرب على تقاعد مبكّر لموجبات صحيّة، في حين كان يمارس رياضة الكيك بوكسنج!


ـــ 2 ـــ

وقد تمّ تعرفـّي على "عثمان إدريسا" و كان وجها مألوفا لديّ بفعل تردّده الدائم على المصلى المذكور، أثناء التفاف الجميع، قبيل كلّ صلاة عشاء حول عبد العزيز، للإستمتاع بنكته و تعليقاته الساخرة، على أسئلته التي كان يمطرني بها دون هوادة، و تدور في مجملها حول أوضاع المسلمين و أسباب نكبتهم، وكان صاحبنا النيجيري، أكثر الحضور تعليقا وإستفسارا و إستزادة لما يدور بيني و بين عبد العزيز من حديث.

و حين عاد عبد العزيز الى المغرب في رحلته الأولى و الثانية للإطمئنان على أسرته و تذكيرها بخيبته المستديمة، تعمّقت معرفتي بالنيجيري عثمان.

وقد أزداد دنوّي من عثمان و محاولة الاقتراب منه، يقيني بأنّ عقد صداقته سريع الإنحلال، و بأنّ رحيله الوشيك إلى بلاد النيجر سيضع حدّا نهائيّا لها. كما أزداد دنوّه منّي، و رغبته في مجالستي ما لمسه من معرفتي بأدواء المسلمين و مصائبهم ما قدم منها و ما حدث، بالإضافة الى استعدادي للجواب عن بعض أو كلّ ما كان يجول في ذهنه من إستفسارات و تساؤلات لم يجد الوقت لفكّ رموزها أو حلّ معضلاتها، في غمرة إنغماسه في تسيير شركة صغيرة للتنظيف، بالإضافة إلى عمله الرئيسيّ كمترجم في إدارة الهجرة و الجوازات، لإعالة تسع و عشرين أخا و أختا و أربع أرامل خلفهم والده "بابا عمر إدريسا" غلاّ في عنقه!

و حين أبديت لعثمان عن عجبي لإحتماله حياة عزوبيّة تجاوزت حدودها القصوى في مجتمع يعجّ بالمثيرات الجنسيّة، طفق يحدّثني بكلّ حماس وأمل عن فراغه مؤخرا من تزويج الدّفعة الأخيرة من أشقائه، ليتفرّغ أخيرا إلى حظوظ نفسه، كما حدّثني أيضا عن حياة جنسيّة وشيكة، و فتوحات نسائيّة محتّمة سيستهلّها قريبا بالزّواج من نيجيريّة قد تمّ إختيارها، يردفها بثانية بمجرّد إنتفاخ بطن الأولى! و هكذا دواليك، إلى أن يجتمع لديه مربّع نسويّ سيتربّع داخله ملكا غير متوّج، خصوصا و قد إجتمع لديه من المال الحلال ما يزوّج عزّاب محافظة نيجيرية برمتها! و حين لاحظ دهشتي، بادرني شارحا بأن زوج الواحدة و الإثنتين لا يقابل في بلاد النيجر بغير الرّيبة و اللّمز الصّريح بفقدان الشخصيّة أو نقصان الفحولة أو بهما معا. و قد شبّه عثمان بلواه الذي رضيها إيمانا و إحتسابا، بما مرّ به الرّعيل الأوّل من أصحاب النبيّ الخاتم في مكّة المكرّمة من عنت قبل الفتوحات المظفرة. و قد حملني تعفّف عثمان و صموده الباهر في وجه الحسان، على وسامته و كثرة تهالك النرويجيّات عليه، و شدّة طلبهن له ( كما أسرّ لي هو بذلك) إلى حدّ تسميته بآية الله عثمانيّ! خصوصا و قد ألفيته الأجدر بتلك التّسمية الفخمة و ذات السلطان، من مرجع سوء عراقيّ ذي عيال، له نفس الرتبة الكهنوتية التي ما أنزل الله بها من سلطان، و لكن قد عرف عنه أثنإء لجوئه إلى بريطانيا زمن الهالك صدّام، إستئجاره مومسا أنكليزية كلّ ليلة أو غلام!

ـــ 3 ـــ

كلّ هذا قد اكتسح بالي، و إجتاح خيالي في مساء نرويجي مكفهرّ، بعيد معاينة سريعة لصفحة أولى من جريدة "أفتن بوستن" تصدّرتها ثلاث صور مؤطرة بالسّواد الحالك، لشابّ نرويجيّ، و آخر دنماركيّ، توسّطتها بسمة معروفة لآخر نيجيريّ!، و قد لقي الثلاثة حتفهم إثر دخان حريق تسّرب إلى مجمّعهم السكنيّ، قبل يومين من رحلة عثمانيّة الى النيجر أرادها عموديّة، و القدر أرادها أفقيّة، مع تأخير طفيف ببضعة أيام يجهّز الراحل خلالها مأدبة للهوام!

فيا " ليت شعري و يا ليتني كنت أدري"، أيهما أحقّ

بالعجب من أمر أخي حام، أأعجب ممّن عفّ و أستعصم، فكان بطلا بلا حسام، أم أعجب من فتوحات عثمانيّة كاسحة محكمة التجهيز، لم يكتب لها التمام!؟

أوسلو 11 جويلية 2013



#حمادي_بلخشين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من طرائف إرهاب حكامنا قصة بالمناسبة
- جدي الطريف و مفتي تونس السخيف قصة بالمناسبة
- حول خيانة الإخوان غير المسلمين، قصة طريفة بالمناسبة
- إكليل الغار لشكري بلعيد و الخزي و العار لراسبوتين تونس.
- قصاص قصة قصيرة حمادي بلخشين
- شيء من نفاق كهنة السوء. قصة بالمناسبة
- دخول الكفار النار هل هو حتميّ؟ قصة بالمناسبة
- حزم قصة قصيرة حمادي بلخشين
- نجاح. قصة قصيرة حمادي بلخشين
- مسيرة قصة قصيرة حمادي بلخشين
- حريق قصة قصيرة حمادي بلخشين
- عنت قصة قصيرة
- شيء من نذالة قادة حماس قصة بالمناسبة
- محرقستان قصة قصيرة
- حسن البنا هل غيّر فكرته قبيل مصرعه؟
- حسن البنا: موتة استعراضيّة لبطل من ورق
- حسن البنا هل جاء على قدر، أم كان صنيعة بريطانية.
- حسن البنا في الميزان: صفر من خمسة!
- حسن البنا ومصطفى كمال أتاتورك مقارنة بين أداتين.
- حسن البنا : سقوط بلا حدود 2/2


المزيد.....




- -يوم أعطاني غابرييل غارسيا ماركيز قائمة بخط يده لكلاسيكيات ا ...
- “أفلام العرض الأول” عبر تردد قناة Osm cinema 2024 القمر الصن ...
- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حمادي بلخشين - فتوحات قصة قصيرة