أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فرانسوا باسيلي - الأسباب الفكرية لسقوط الاخوان















المزيد.....


الأسباب الفكرية لسقوط الاخوان


فرانسوا باسيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4171 - 2013 / 8 / 1 - 08:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لماذا كان فشل الاخوان في مصر بهذا الحجم الهائل؟ ما الذي أدي إلي سقوطهم ذلك السقوط المدوي؟

كان الملايين في مصر والبلاد العربية والأجنبية يشاهدون الفشل الاخواني يتجلي يوميا علي الساحة السياسية في مصر بالصوت والصورة علي شاشات الفضائيات ويعيشون آثاره في الشارع المصري الذي راح خلال عام واحد من حكم مرسي والاخوان، يتدهور بسرعة كبيرة حتي أصابه الشلل، وتجلي ذلك بشكل فاضح في طوابير السيارات تسد طرقات مصر من الاسكندرية إلي أسوان واقفة بلا حراك لغياب الوقود، وفي ملايين التلاميذ يقرأون علي لمبات الغاز ساعات كل يوم تنقطع فيها الكهرباء معبرة عن عودة مصر إلي عصر الكهوف فكريا و فعليا، بينما رأينا الهزل والتهريج والتواطوء في مواجهة ما يهدد أمن مصر القومي من أخطار ارهابية في سيناء و تهديدات لمياه نهر النيل من أثيوبيا، لن أسرد هنا قوائم بمظاهر الفشل الهائل فقد رآه الجميع وكان هو الدافع وراء خروج أكبر تجمع بشري ثائر في التاريخ حيث خرج نحو الثلاثين مليونا من المصريين في كافة محافظات مصر تطالب بإسقاط الرئيس مرسي ورحيل الاخوان عن السلطة حتي سقط ورحلوا. لقد عادت مصر التي أقامت أول وأبهي حضارة علي الأرض لتقدم للعالم درسا باهرا في عبقرية الثورة وعبقرية التغيير.

المظاهر العديدة الفاضحة التي رأيناها لفشل الإخوان هذا الفشل التاريخي في الأداء والسلوك والفكر هي أعراض لمرض خبيث له أسباب داخل جسد الجماعة الاخوانية، ففشل الاخوان كان محتما، لأن بذوره دفينة في طبيعة ونفسية وفكر الجماعة كجماعة وأفرادها كأفراد، لم يفشل الحكم الاخواني بسبب أخطاء هنا أو هناك، مثل أخطاء وخطايا الإعلان الدستوري الغاشم وتحصين القرارات والإقصاء والأخونة والقرارات المتضاربة والتعيينات الفجة والخطب الهزلية ومعاداة القضاء والإعلام والمثقفين والأقباط والأقليات والشرطة والجيش والتحالف مع الارهابيين ودعوتهم لحضور المناسبات الوطنية العامة والغباء المذهل في الارتجالات السياسية الداخلية والخارجية، والتي هي كلها أعراض خارجية للمرض، فالمشكلة ليست في البثور علي جسد المريض بالسرطان مها كان منظرها يدعو للجزع والرفض، ولكن المشكلة هي في المرض الخبيث الكامن داخل الجسد، فالإخوان لم يفشلوا صدفة أو تعثرا أو لظروف خارجة عن إرادتهم، الاخوان فاشلون بالضرورة، لم يكن في إستطاعة الاخوان إلا أن يفشلوا، لم يكن في طبيعتهم ونفسيتهم وفكرهم إمكانات وبذور سوي إمكانات وبذور الفشل، فالشجرة لا تملك أن تطرح إلا الثمرة التي أعدتها لها ووعدتها بها البذرة، فما هي خصائص البذرة الاخوانية التي طرحت علينا كل هذا الفشل ولم تكن تملك أن تطرح سواه؟

لابد أن نجيد توصيف الجماعة لكي نعرف عما نتحدث بالضبط، الجماعة الاخوانية هي أساسا جماعة دينية متشددة، أسسها وينجذب إليها أفراد لهم رؤية دينية متشددة وصبيانية في نفس الوقت للدين وللحياة وللعالم، ولابد من التركيز هنا علي كلمة "متشددة"، وهي في نفس الوقت منظمة باطنية ميدانية صارمة تعتمد الانضباط والسرية ونظام الخلايا ومبدأ السمع والطاعة، مع طرد كل من يخرج علي هذا النمط من أعضائها وقادتها، مع اللجوء إلي العنف وأعمال الارهاب كلما لزم لتحقيق أحلام وأطماع الجماعة، هذا التشدد الديني بطبيعته وخصائصه التي سأوضحها،ووجوده داخل إطار تنظيم الجماعة، هو البذرة التي لا تملك سوي أن تطرح ثمار الفشل والفقر والبؤس الفكري والفعلي التي لم تستطع مصر أن تتحمل مذاقها العفن وسمومها المميتة أكثر من عام واحد فلفظتها من فمها وطرحتها إلي الأرض في ثورة 30 يونية الهائلة.

هذه الجماعة الدينية المتشددة تحمل في جيناتها التكوينية عددا من التشوهات المادية والنفسية الكامنة في الجسد الاخواني تدفعه إلي الفشل بالضرورة.



1- المراهقة الفكرية



لن تجد في التصور الذي طرحه مؤسس الجماعة حسن البنا لجماعته في 1928 سوي رؤية رومانتيكية لجماعة إسلامية هي أقرب إلي ما يتصوره شاب مراهق لأحلامه ودوره في الحياة، فقد رأي أن الجماعة، حسب وصفه: "هي دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية"، الجماعة إذن في هذا التصور هي كل شيء وبهذا تصبح لاشيء محدد، وهذه الشمولية الرومانتيكية هي من طبيعة الفكر الشبابي المراهق غير الناضج، فالنضج يؤدي بصاحبه إلي إدراك ضرورة التخصص في حياة أصبحت مركبة متشعبة لا تحتمل هذه الرؤية الهلامية، وسنجد نفس المراهقة الفكرية في الهدف المعلن للجماعة والطريقة المتدرجة لتحقيقه، فتقول الجماعة أنها "تسعى في سبيل الإصلاح الذي تنشده إلى تكوين الفرد المسلم فالأسرة المسلمة فالمجتمع المسلم، فالحكومة الإسلامية، فالدولة الاسلامية، فأستاذية العالم"، وهذا التعبير "أستاذية العالم" لا يصدر إلا عن شاب في طور المراهقة الفكرية، ينظر إلي العالم والحياة برومانسية شديدة غير متصلة بالواقع ولكنها تخلب ألباب الشباب بما فيها من سمو الحلم وراياته المرفرفة بعاطفة الحماس واندفاع المراهقة، دون وجود الامكانات والموارد اللازمة لتحقيق ولو جزء صغير من هذا الحلم المراهق.



ستعكس هذه المراهقة الفكرية نفسها بعد ذلك في السلوك المندفع الفج الذي رأيناه من قيادات الجماعة أولا بعد دخولها مجلس الشعب المصري كأغلبية متحكمة واندفاعها في تأسيسية الدستور وكأنها تملك الكفاءات الدستورية لذلك في غير أساس من الواقع، ثم رأيناها في الأداء السياسي البدائي الفج للدكتور محمد مرسي وخلفه مكتب الإرشاد بكامله، والذي جاءت تصرفاته وقراراته وخطاباته ورؤيته أقل ليس فقط من مستوي رئيس لجمهورية ولكن أقل حتي من مستوي مدرس في مدرسة إبتدائية، الكلام عن """أستاذية العالم إذن ليس سوي مراهقة فكرية هي في صميم طبيعة فكر الجماعة منذ تأسيسها وفي صميم دعوتها الجاذبة لشباب مراهق يجد في رؤيتها الصبيانية الساذجة تحقيقا وهميا لأحلامه المفقودة وذاته المهدورة فيتعلق بها تعلق المراهق بوهم حبه الأول.

ومما يثبت المراهقة الفكرية أنك لن تجد للجماعة فكرا جادا أو نظرية فكرية متماسكة في أي مجال من المجالات العديدة التي توهمتها لنفسها، ولم يتميز أو يبدع أو يتفوق أي اخواني في أي من هذه المجالات، فلن تجد اخوانيا مميزا في الفكر أو الأدب أو العلوم أو الآداب أو الرياضة أو الفنون أو علم الإجتماع أو الإقتصاد أو العلوم السياسية أو حتي في الفقه الاسلامي، وذلك رغم تواجد الجماعة علي مدي عدة أجيال خلال خمسة وثمانين عاما إلي اليوم. وكانت الإضاءة الأدبية الوحيدة الواعدة لديهم هي الأعمال النقدية لسيد قطب، ولكنه سرعان ما هجر الأدب وتوغل في تفسيره الخاص للقرآن بشكل مخل أوصله إلي تجهيل وتكفير المجتمع المسلم الذي لم يجده مسلما بما فيه الكفاية حسب رؤيته الاخوانية الضيقة، وهي نفس الرؤية الرومانسية المراهقة المنفصلة عن الواقع التي تأسست عليها الجماعة منذ البدء.


2- الانفصال عن الزمان

لا يقيم الفرد الاخواني، ولا الجماعة الاخوانية، في العصر الذي يتواجدون فيه جسديا، فهم ككل متشدن - وهي كلمة قمت بنحتها لأختصر بها المتشدد دينيا - يقيمون فكريا ووجدانيا في عصر السلف الذي يتوهمون أن الإقامة فيه هي الطريق القويم إلي تمثل هذا السلف الصالح وتقفي خطاه، ويذهب بهم هذا الإنفصال إلي الإيمان بضرورة العودة إلي الأصول، بما في ذلك التشبه بالسلف الصالح ليس في التحلي بالقيم الأساسية للدين والايمان فقط، ولكن أيضا في المحاولة المستحيلة للإقامة وجدانيا وفكريا وسلوكيا في عصر وزمن هذا السلف، وياحبذا لو إحتذوا بهم في كل تصرف وكل أسلوب حياة من ملبس ومأكل وعادات إجتماعية وتصرفات شخصية، وكأن ما كان يلبسه ويأكله ويفعله ويركبه السلف صالح ليس فقط لعصرهم وبيئتهم ولكن لكل عصر وكل بيئة، هم، ومثلهم المتشدن المسيحي واليهودي، يقعون في خطأ الخلط بين القيم الدائمة للدين والتي هي قيم إنسانية عابرة للمسافات المكانية والزمنية، وبين العادات الإجتماعية والثقافية والبيئية المتغيرة التي حدث أن نشأت فيها الدعوة الأولي لهذا الدين، وهي عادات لا علاقة لها بالدين أصلا، هذا الخلط هو من طبيعة المراهقة الفكرية التي تلازم المتشدن، أي أن المراهقة الفكرية تؤدي أيضا إلي الإنفصال عن الزمن والاقامة في زمن سالف بعيد، مما يجعل صاحبه غير قادر علي مجابهة عصره بشكل فعال، فكيف له أن يحسن التعامل مع زمن لا يقيم فيه وبالتالي لا يعيه أو يفهمه أو يتكلم لغته؟

وقد تجلي الإنفصال عن الزمن في مواقف الاخوان الصادمة من عدد من القضايا الإجتماعية والانسانية التي كان قد حسمها التطور الاجتماعي في مصر نفسها، خاصة في مرحلة سيطرتهم علي اللجنة التأسيسية للدستور، وفي لقاء شهير لممثل الاخوان في اللجنة مع الإعلامي وائل الأبراشي في برنامج العاشرة مساء - وهو متوفر علي اليوتيوب- قال ممثل الاخوان "وما المانع أن تتزوج البنت في سن التاسعه أو العاشرة مادامت قد بلغت؟" وكذلك في رغبتهم في رفع النص المحرم لختان الاناث، وغيرها من القضايا التي كشفت مدي تخلف الفكر الاخواني عن مسيرة التقدم الانساني في مجالات حقوق الإنسان والتصاقهم بمنظور بالغ الضيق لما يتوهمون أنها أوامر إلهية لم يحسنوا فهم مقاصدها لذلك جاءت رؤيتهم قاصرة عن رؤية المرجعية الاسلامية الأكبر في مصر والعالم الاسلامي ممثلة في الأزهر الشريف.


3- الانفصال عن المكان



كما أن الاخواني المتشدن منفصل عن الزمان، هو أيضا منفصل عن المكان، فهو لا يقيم في الواقع علي الأرض التي يمشي عليها، لكنه يقيم فكريا ووجدانيا في عالم فوق-واقعي، أو فوق-أرضي، يمت إلي عالم من الغيب الذي يبدو له أنه الحقيقة الوحيدة، عالم منسوج من عظات وتفسيرات وقصص ورؤي شيوخ ودعاة يقع المتشدن في مجالهم المغناطيسي الذي يبدو له أنه مجال السماء أو الجنة، ينفصل الاخواني عن الواقع لفرط إنشغاله بالشؤون والمظاهر والتفاسير والفتاوي الدينية، ومعايشته الدائمة لأدبيات ومظهريات التدين وانجذابه لأحلام رومانسية كبيرة فارغة من المعني مثل أستاذية العالم، وهي أحلام ولغة دينية شجية السجع والوقع تدغدغ إحساس الشباب دون تقديم معني محدد أو خطة واقعية، فهي لغة وتهيؤات وأحلام تدور حول نفسها وتختلق عالما موازيا بديلا لا ينتج فيه المتشدن شيئا نافعا لنفسه أو لمجتمعه، فهو عالم من الكلام و الخطابة البديلة للفعل، وتكون النتيجه أن الاخواني يقيم في عالم غير واقعي منقطع الصلة بالواقع الذي يعيشه الناس لذلك يفشل في التعامل مع الواقع ويلجأ إلي الهروب منه ورفضه وتكفيره كما فعل سيد قطب وتبعته الجماعات الاسلامية المتطرفة التي انبثقت عن الاخوان.



وقد رأينا هذا الإنفصال عن الواقع جليا في سلوكيات وأقوال وأفعال الرئيس المقال محمد مرسي وقيادات الاخوان، وقد كان انفصال الاخوان عن الواقع المصري واقامتهم في عالم من توهمهم أحد أهم أسباب ثورة المصريين عليهم وإسقاطهم، فقد توهموا أن مصر صغيرة جدا، وأنها قد دانت لهم، ولم يستطيعوا قراءة واقع المصريين وطبيعتهم ومزاجهم، فقالوا وفعلوا ما صدم المصريين وكان مخالفا لكل ما هو أصيل وجميل في مصر، وكان خطاب مرسي البالغ ما يقرب من ثلاث ساعات مثالا واضحا لمدي إنفصال هؤلاء عن الواقع المصري، فقد كشف أن الاخوان يقيمون في عالم بديل من صنع خيال مختل مهزوز لا يمت لواقع مصر الراسخ بصلة، لم يتمكن الاخوان من فهم ركائز المجتمع المصري وخصائصه الصميمة وصفاته التاريخية الحميمة وثوابته العميقة، فقاموا بمعاداة هذه الركائز و الثوابت و الخصائص وأهانوها وحاولوا عبثا نزعها عن المصريين ،ولذلك فشلوا في التواصل مع المصريين نخبة وجماهير معا وأصبحوا أعداء للجميع فكان سقوطهم محتوما.

4- الإنفصال عن العقل


من مزالق الاخواني، والفرد المتشدن بوجه عام، عبوديته للحرف في النص المقدس بما يمنعه من القدرة علي التفسير العقلاني لمقاصد الدين، فالعقل المتشدن يقف مشلولا أمام المعني الظاهر الحرفي للكلمة متصورا أن لها معني في ذاتها خارج سياق النص وخارج البيئة الثقافية التي ظهرت فيها الكلمة، رغم أنه لا يمكن فهم أي نص، ديني أو غيره، فهما سليما إلا من خلال المناخ الثقافي الاجتماعي الذي ظهر فيه، ورغم أن اللغة بشكل عام هي "حمالة أوجه" فإننا نري المتشدن يستخدم النص المقدس كسيف يسلطه علي الناس لكي يخضعهم لتفسيره المباشر المنغلق للقصد الديني، يتجاهل المتشدن ثراء اللغة وتعدد معاني الكلمة والعبارة ويدعي أن النص صريح ومن يخالفه فهو مخالف لشرع الله، ويجد المتشدن في هذا التضييق للمعني المقدس فرصة لكي يتقمص دور المعلم الواعظ المقرع المؤنب للناس، وبهذا يرفع نفسه فوقهم ويكتسب مكانة إجتماعية ماكان يمكنه إكتسابها وذلك بمجرد حفظه للنص المقدس وترديده له في لهجة من التقريع والزجر المتعالي للمستمعين له، فما أسهلها من وسيلة للتسلق الإجتماعي والتسلط علي الاخرين بأبسط تكلفة.



لقد رأينا تعطيل الاخواني للعقل في الكثير من مواقف وأقوال الجماعة وقياداتها، فتعليلا لسماحهم بزواج البنت في التاسعة أو العاشرة يقولون: نحن لا يمكننا أن نحرم ما حلله الله، وفي بداية كل حوار سياسي في التلفزيون يبدأ الاخواني، والسلفي أيضا، حديثه بالآيات القرأنية، وكأنه يقول لك لا تعارضني فأنا أتكلم باسم السماء.


تعطيل العقل والركون إلي النقل والتفسير الحرفي البليد للنص المقدس حسب تفاسير الأقدمين من البشر يؤدي بالاخوان والمتشدنين بشكل عام إلي هجران التفكير والاعتماد علي السمع والطاعة، وهو منهج الاخوان في علاقاتهم داخل الجماعة، وهو منهج يخمد طاقة الإبداع في الفرد ويحوله تدريجيا إلي إنسان شبه آلي، يسمع ويطيع وينفذ بلا تفكير، ولذلك لم يكن غريبا أو مفاجئا أن يفشل الاخوان في كل شيء، فكيف ينجح من فقد القدرة علي التفكير المستقل والخلق والإبداع؟ فمن لا يستطيع أن يبدع في تطوير وتحديث فهمه للدين لن يبدع في أي مجال آخر، ومن لا يسمح لعقله بالجموح الفكري والإستكشاف الرائد لن يبتكر أو يخترع أو يتفوق في أي مجال، وسيكون فقر الأداء وتواضع الموهبة والعجز عن الإنجاز هي النتائج الطبيعية لهذا كله، وهو ما رأيناه في الاخوان نوابا وقادة ومحافظين ورئيسا ومستشارين ووزراء في كل المجالات.

5- الإنفصال عن الآخرين

يقيم الاخواني في عالمه الخاص المنغلق عليه متوهما أنه في حالة إكتفاء ذاتي لا يحتاج معه إلي أي نوع من المعرفة خارج حدود النص المقدس الذي يظنه جامعا لكل معارف الكون، فتجد مثلا من يقول أن القرأن الكريم يحتوي كافة المعلومات والنظريات العلمية التي يقدمها ويكتشفها العلم، وتحت هذه النظرة تضمر رغبة الفرد في إكتشاف المعارف المختلفة خارج المنظومة الدينية ولذلك تجد أن الاخواني محدود الثقافة بشكل كبير، بل تجد لديه نوعا من تقليل قيمة الثقافة والاداب والفنون واحتقارها واعتبارها مضيعة للوقت الذي يمكن توظيفه بشكل أفضل في الصلاة أو الاستماع إلي الفضائيات الدينية، وبهذا ينفصل الاخواني عن معارف العالم ويضيق أفقه، فنجد وزير ثقافتهم محدود الثقافة يأتي ليحاول إلغاء دار الأوبرا ويعزل رئيستها النشطة، ويفعلون نفس الشيء مع قصور الثقافة التي يمنحونها لأتباعهم ممن لا تخرج "ثقافتهم" عن حدود المعرفة الدينية السطحية المستمدة فقط من أقوال وكتابات حسن البنا أو سيد قطب، وليس غريبا بعد هذا أن نجد قيادتهم من الدعاة يكفرون عملاق الأدب المصري نجيب محفوظ فيخرج شاب مأفون منهم ليطعنه بالسكين في رقبته.

كما ينفصل الاخواني عن المختلفين عنه في المذهب والدين، فهو يبدأ علاقته بهم بنظرة استعلائية يتوهم فيها أن الحق كله معهم وأن "الآخر" كافر وعلي باطل وبالتالي لا يستحق أن يكون سوي تابعا صاغرا قد يتحملونه قليلا وهم يلبسون رداء التسامح أو الديمقراطية ولكن سرعان ماينكشف احتقارهم للآخر ورغبتهم في استبعاده واستعباده، كما حدث في سلوكهم في لجنة تأسيسية الدستور التي انتهت باقتصارها علي تيارهم وحلفائهم السلفيين، وكما حدث في خطابهم الاقصائي التحريضي ضد أصحاب الأديان والمذاهب الاخري وعلاقتهم المتوترة مع أقباط مصر الذين وقع أول إعتداء علي كاتدرائيتهم في التاريخ في عهد الاخوان، ومع الشيعة الذين ذبح عدد من قادتهم ودعاتهم لأول مرة في مصر في عهد الاخوان ، ويؤدي هذا التعالي علي الآخرين والانفصال عنهم إلي عدم القدرة علي العمل الجماعي، وهو ما رأيناه في إنفراد الجماعة بالسلطة في مصر وإعتمادها علي كوادرها التي إتضح مدي فقرها وانعدام موهبتها مما أدي إلي فشلهم الذريع في حكم مصر ثم الثورة عليهم وإسقاطهم.


6- الهوس بالمرأة

لا يكاد يوجد متشدد دينيا، أي متشدن، لا يكون مهووسا بالمرأة، والاخوان والسلفيون هم أكثر هوسا بالمرأة من أي فئة أخري، ويتمثل هوسهم بالمرأة في جسدها، فهم لا يعيرون عقل المرأة أو وجدانها أو مشاعرها أي إلتفات حقيقي رغم تظاهرهم بغير ذلك فكل سلوكياتهم تفضح حقيقتهم، فأول ما طلب مرشد الجماعة من عبد الناصر في بداية ثورة 23 يوليو 52 كان أن يفرض الحجاب علي نساء مصر ورفض عبد الناصر، وحكي القصة في احدي خطبه مما أضحك جمهور السامعين في مقطع دال متوفر علي اليوتيوب، ولكنهم نجحوا في تحجيب نساء مصر بعد رحيل ناصر والسادات، وفي لجنة تأسيس الدستور التي رأسها الاخوان بعد ثورة 25 يناير وتكدست بهم وبحلفائهم السلفيين أرادوا رفع الحظر عن ختان البنات، كما قالوا أنه لا مانع من تزويج البنت في التاسعة أو العاشرة ما دامت قد بلغت جسديا (لاحظ أن البلوغ لديهم هو جسدي حيضي بحت ولا يعنيهم البلوغ العقلي اللازم لكي تصبح زوجة وأما)، مما دفع ببعض الباحثين بإطلاق إسم "فقه الفراش" أو "فقه الحيض" علي رؤية الاخوان والسلفيين الضيقة والرجعية لكل ما يتعلق بالمرأة التي يرونها أساسا كجسد وكم من اللحم اعتبروا فيه أن شعر المرأة عورة وصوتها عورة، ورأي بعضهم أن وجهها عورة، هذا بالإضافة إلي كم هائل من الفتاوي الشاذة التي تتناول المرأة التي يطلقها دعاة معظمهم مدعون لا دعاة، من فتوي ارضاع الكبير إلي فتاوي تحريم جلوس المرأة علي كرسي كان قد جلس عليه رجل.

لم يكن معظم المصريين يدركون مدي هوس أتباع التشدد الديني بالمرأة عندما صوتوا لهم فدخلوا مجلس الشعب عام 2011 ، ولكنهم اكتشفوا مدي هذا الهوس بعد ذلك من الأمثلة التي سقتها أعلاه، ومن عدد من الأقوال والسلوكيات الفاضحة التي قام بها عدد من النواب السلفيين والدعاة والشيوخ في فضح لمواقفهم بالغة المهانة والانتهازية من المرأة، ولذلك كانت المرأة المصرية في طليعة المنتفضين ضد الاخوان وتيار التجارة الدينية بشكل عام، وخرجت المرأة المصرية، حفيدة إيزيس القوية الصلبة المناوئة للشر في الأسطورة المصرية القديمة، بقوة وكثافة في كافة مدن وقري مصر تطالب بإسقاط مرسي والاخوان، حتي سقطوا.


7- العنف الفكري والفعلي

لا يمكن أن ينتهي المتشدن، أي المتشدد دينيا، إلا أن يلجأ إلي العنف كنهاية طبيعية لمسار تشدده المطرد، فالمتشدد يصبح مع الوقت متطرفا، والمتطرف يصبح مع الوقت إرهابيا، كان هذا هو تاريخ الاخوان كما أنه أيضا حاضرهم الذي كشف عن نفسه بعد سقوط مرسي في التحريض الصريح علي العنف من قبل قيادات اخوانية مسؤلة، كما تجلي في ممارسة الاخوان وأصحابهم من التيار السلفي للعنف ضربا وقتلا وسحلا للأبرياء في الأيام التالية لإسقاط مرسي في ميادين وشوارع القاهرة وعدة مدن مصرية أخري، وكذلك في قيام الاخوان في اعتصامهم بميدان رابعة العدوية بتقديم الأطفال تحت سن العاشرة كقرابين بشرية يرتدون ملابس مكتوب عليها "شهيد تحت الطلب" ويحملون أكفانهم علي أيديهم في مشهد بالغ القسوة والشذوذ الإنساني الذي يدفع برجال أن يغتصبوا طفولة اولادهم ويعرضونهم للموت في سبيل غرض سياسي لدي ابائهم بهذا الشكل الهمجي الإجرامي.

وبهذا يثبت الاخوان أن العنف هو مكون أصيل من مكونات جيناتهم الفكرية والنفسية، بل نجده في شعار جماعة الاخوان منذ تأسيسها، والذي يحمل صورة سيفين متعانقين وتحتهما كلمة "وأعدوا"، و في شعارها الذي يقول: "الله غايتنا، والرسول قدوتنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، فلماذا تفكر جماعة المفروض أنها دينية سلمية أن يكون لها أعداء لابد أن تعد لهم ما استطاعت من قوة لكي ترهبهم؟ لماذا تختار هذه الآية بالذات بدلا من آيات أخري كثيرة تحض علي الرحمة والمجادلة بالتي هي أحسن؟ و لماذا يكون الموت في سبيل الله هو أسمي أمانيها؟ وذلك في سنوات تأسيسها حيث لم تكن في مصر وقتها حروب ضد الإسلام، ولا كانت هناك فتوحات أو غزوات، وكانت البشرية قد وصلت إلي مرحلة يدعو فيها الناس للدين بالكلمة والموعظة الحسنة، ولكن الاخوان كانوا منذ البدء يتمنون الموت في سبيل الله في حروب لا يتوهمها سواهم وسوي فكرهم الجانح إلي العنف الذي لا يري في الحياة سوي الحروب الدينية ضد الآخرين المختلفين سواء من المسلمين أو من أصحاب الأديان الأخري، ولعل من الدلائل أيضا علي هذا الجنوح غير المبرر لضرورة العنف والحرب المقدسة وتمني الموت في سبيل الله أن حسن البنا أطلق علي واحدة من بناته الست إسم "إستشهاد" وهو إسم من الغريب أن يطلقه أب علي طفلته، إلا إذا كانت فكرة الإستشهاد مسيطرة بشكل غير صحي علي فكر هذا الأب.


نزوع الجماعة للعنف كان في أساس تصميمها، فقد أسس حسن البنا "التنظيم السري" لهذا الهدف لا غيره، وإلا فما حاجة جماعة دينية إلي تنظيم سري؟ وكان علي من يدخل الجماعة والتنظيم أن يقسم في حجرة مظلمة علي السمع والطاعة ويده علي مصحف ومسدس، فهل هناك دليل أوضح علي النية علي العنف؟ وقامت الجماعة بعدد من الاغتيالات المعروفة بالاضافة إلي محاولات فاشلة لإغتيال جمال عبد الناصر، كما قامت الجماعات المنبثقة عن الاخوان باغتيالات عديدة وأعمال قتل وحرق للسياسيين ورجال الدولة والدين والشرطة والأقباط، ولابد أن نستنتج من هذا كله أن الجماعة منذ تأسيسها هي تنظيم إرهابي في جوهره، يعتمد الإرهاب الفكري أولا للسيطرة علي المراهقين من الشباب البريء المتحمس، ثم يلجأ إلي الإرهاب الفعلي الإجرامي كلما لزم لإستمرار الجماعة في تحقيق أطماعها السياسية طبقا لرؤيتها الصبيانية للتدين ولدورها في المجتمع والعالم.

السقوط الأخير

جماعة بكل هذه التشوهات الجينية الفكرية والنفسية التي تنخر في جسدها ووجدانها كالمرض الخبيث لا يمكن أن تنتج سوي الفشل الذريع في كل ما تقوم به، والعنف المريع كنهاية لمسار أهوج لرجال لم ينضجوا من أوهام المراهقة الفكرية ولم يشفوا من هوس التمكين والاستحواذ وصولا إلي هدفهم الأبله في "أستاذية العالم"، ولم يشفوا من هوس العنف وحلم الخلافة وتمني الشهادة في حرب يدعون أنها دينية وهي ليست سوى العنف الإجرامي للوصول إلي السلطة والتربع علي كراسي الجاه والنفوذ والسلطان، جماعة بهذا الشكل لم يكن غريبا لها أن تكون منذ نشأتها في عداء مميت وممتد مع كل حاكم مصري، وأنتهت بعد أن رآها الشعب المصري عارية من ورقة التوت الدينية المزيفة التي كانت تغطي بها افتضاحها الفكري والسلوكي إلي أن تصبح في عداء وجودي ومصيري مع هذا الشعب المحب الوسطي الجميل، ولذلك أسقط الشعب هذه الجماعة مرة أخيرة ونهائية.



#فرانسوا_باسيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهوة الموت
- في القاهرة
- صوت يطلبني
- شم النسيم عيد ميلاد الكون!
- مزامير لشم النسيم
- مصر وحدها بلادي
- سعاد يا وطني الأخير
- نبيذ المحبة
- تعلمت منك القيامة
- ابتهالات مريض علي شفا الموت
- لمن ستكون مصر؟
- لك السلام يا جميلة
- العبادة المشتركة بين المسلمين والأقباط
- مصالحة
- الفرار من قبضة ساندي
- ليلة القبض علي أبونا بولس باسيلي
- الحكم علي عادل إمام، وعجائب أخري
- البكاء فى عرس العالم
- في الطريق إلي مصر البدوية
- قال لي: أمريكا هي الشيطان الأكبر


المزيد.....




- أول مرة في التاريخ.. رفع الأذان في بيت هذا الوزير!
- أول مرة في تاريخ الـ-بوت هاوس-.. رفع الأذان في بيت الوزير ال ...
- قصة تعود إلى 2015.. علاقة -داعش- و-الإخوان- بهجوم موسكو
- صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان.. الاحتلال يعيق وصول المواط ...
- السعودية.. الأمن العام يوجه دعوة للمواطنين والمقيمين بشأن ال ...
- صلاة راهبة مسيحية في لبنان من أجل مقاتلي حزب الله تٌثير ضجة ...
- الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول فيديو إمام مسجد يتفحّص هاتفه ...
- كيف يؤثر التهديد الإرهابي المتزايد لتنظيم الدولة الإسلامية ع ...
- دولة إسلامية تفتتح مسجدا للمتحولين جنسيا
- فيديو البابا فرانسيس يغسل أقدام سيدات فقط ويكسر تقاليد طقوس ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فرانسوا باسيلي - الأسباب الفكرية لسقوط الاخوان