أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان سمير غانم - الإكليروس العربي الإسلامي شاهد زور تاريخي وأخلاقي.















المزيد.....


الإكليروس العربي الإسلامي شاهد زور تاريخي وأخلاقي.


سليمان سمير غانم

الحوار المتمدن-العدد: 4170 - 2013 / 7 / 31 - 19:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إكليروس كلمة يونانية المقصود بها أصحاب الرتب الكهنوتية الذين يخدمون شعب الله (المؤمن) من أساقفة وكهنة وشمامسة وهم يحملون صوت الشعب إلى الله ويحملون سر الله وكلمته إلى الشعب. بالأصل الكلمة معربة عن الكلمة اليونانية "إكليروس" Clergy - Kλ-;-ή-;-ρ-;-ο-;-ς-;- والتي تعني (نصيب)، فالإكليريكى؛ أي أحد رجال الإكليروس في التقليد المسيحي هو: من يقول "الرب: هو نصيبي وميراثي".

الإكليروس من الكلمة اليونانية Kλ-;-η-;-ρ-;-ο-;-ς-;- والتي بدورها مشتقة من Kλ-;-ά-;-ω-;- = كسر أو أتلف أو قطع التي تعطي معنى نهائي لكلمة مصير (من المعنى الأول "مصير"، جاء بداية في اللغة اليونانية للدلالة على "قطعة أرض" (ولا سيما الأراضي المقتطعة) التي ظهرت رسمياً لأول مرة في نظام مدينة اسبارطة اليونانية، التي كانت توزع فيها الأراضي بمبدأ القرعة، لتتطور وتنتقل إلى نظام وراثي (من هنا جاء تطور المعنى إلى "الميراث"). في المسيحية وخصوصاً في العهد الجديد تظهر الكلمة على أنها تعني المنتخب من المؤمنين، والذين لديهم "الميراث" من السماء والمكلفين بأداء وظائفه في العالم المادي لدى شعوب الأرض. فكان المصطلح يشير إلى كافة الرتب الكنسية، كبيرها وصغيرها.

ظهور الكلمة إكليرونوميا بمعنى ميراث في التقليد المسيحي تمت بشكل مرتبط مع تعاليم المسيح، حيث وفقاً للعهد الجديد؛ الرب يسوع نفسه هو مؤسس سر الكهنوت، حيث قال لتلاميذه نافخاً في وجوههم: "اقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه أمسكت" (يو 23:20) ثم أوصاهم قائلاً: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم، وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به" (مت 18:28-20). وهكذا اختار الرب يسوع التلاميذ الاثني عشر، ثم الرسل السبعين. أيضاً حسب رسائل القديس بولس فإن المسيح هو رئيس الكهنة فكيف يكون رئيساً للكهنة من دون كهنة.

على الرغم من موقفنا السلبي من الهيئات الدينية في كل أنحاء العالم والدور الرجعي الذي لعبته في تخليف الأمم وتجهيلها والسيطرة عليها، إلا أننا لا نستطيع أن ننكر أن بعض الهيئات الدينية في العالم، لعبت أدواراً إيجابية في بعض منعطفات التاريخ والمراحل الخطيرة في حياة الأمم. هيئات دينية دعمت شعوبها ومصالحها في الحياة الكريمة ووقفت في وجه الأزمات العاصفة التي مرت بالشعوب، فكانت عامل ارتقاء وتطور، بل وكانت في كثير من الأحيان محرضاً للنهوض والعودة إلى التاريخ.

كمثال لعبت الكنيسة الكاثوليكية في التاريخ الكثير من الأدوار الإيجابية والمؤثرة في حياة الأمم الأوروبية في قطاعات كثيرة كالتعليم والنشاطات المدنية، لاسيما في مجال نشاطات الأطفال، لا بل قامت في بعض الأحيان بالأبحاث التاريخية والاجتماعية وبعض الافتراضات العلمية حتى، فمثلاً نظرية الانفجار العظيم كانت قد ابتكرت من قبل رجل الدين المسيحي الكاهن البلجيكي جورج لومتر Georges Lemaître. في الأزمات والحروب كانت في بعض الأحيان عامل إيجابي في تحريض الأمم على النهوض؛ لدينا مثال البابا يوحنا بولس الثاني الذي شجع شعوب أوروبا الشرقية على النهوض وإرادة الحياة، لاسيما الأمة البولندية والكنيسة البولندية التي بعث فيها الروح من جديد، بعد أن عانت الموت بين طاحون الغرب والاتحاد السوفيتي سابقاً. أيضاً لعبت الكنيسة أدرواً مهمة في المساواة بين الرجل والمرأة انطلاقاً من مبادئ المسيح ووجود المركز المرموق للمرأة في الديانة المسيحية من مريم العذراء إلى كل القديسات المعروفات حتى اليوم. نرى جاندارك كقديسة مهمة في تحريض الشعب الفرنسي على التحرر والنهوض والتركيز على مفهوم القومية الفرنسية. فوق ذلك كله لا نستطيع أن ننكر بأن الإصلاح اللوثري للكنيسة في جوهره كان دينياً ومن قبل رجل دين.

أيضاً حملت طقوس الكنيسة الأساسية ومشاهدها بذوراً صالحة لخلق أنواع معينة من الفنون أو التمهيد لظهور الفن؛ فلقد ساعدت تقاليد التراتيل الكنسية على تعلم الغناء وتطور الموسيقى لدى بعض المؤمنين والاهتمام بالموسيقى لاستخدامها في القداسات والاحتفالات الدينية، مما أدى لاحقاً إلى تطور الموسيقى الأوروبية بشكل مدني مستقل عن الكنيسة. أيضاً في موضوع آخر ساهمت أساسيات الكنيسة التزينية المعمارية كالأيقونات والرسوم الكنسية في تطور فن الرسم والنحت، فلقد أدى اهتمام المؤمنين بالفن الكنسي إلى تطور فن النحت والرسم واستقلاليته بشكل كامل فيما بعد، نرى أيضاً اهتماماً لافتاً بالعمارة الكنسية التي أسهمت في تطور العمارة المدنية وليس الدينية فقط.

قبل سقوط القسطنطينية في يد العثمانين قام الإكليروس الأرثوذوكسي في العاصمة القسطنطينية بنقل ثلاثة ملايين مخطوطة من العاصمة وتهريبها إلى أديرة الجبال في قبرص واليونان وتم الحفاظ على أغلبها وبعضها يعتبر من الكنوز العالمية التي لا تقدر بثمن، أغلبها مخطوطات فلسفية كلاسيكية غير دينية، لكنهم كطبقة دينية وطنية كانوا يقدرون قيمتها كتاريخ وإرث قومي خاص بهم، لذلك اعتبروها هويتهم التاريخية ونقلوها. هو وعي تام بمفهوم الأمة وتاريخ الأمة ولو وقعت هذه الكنوز في أيدي العثمانيين لكان مصيرها الحرق والاندثار.

في العالم العربي الإسلامي لا يوجد طبقة دينية تراتبية واضحة كما في المسيحية، بل اشتقت التراتبية الدينية لإمامة المسلمين من مفهوم الخلافة؛ خلافة الرسول، وما ترتب عنها من منظومة الشورى التي كانت بأغلبيتها دينية، وظهر بعدها مركز المفتي ودار الإفتاء. يوجد مراكز للدراسة والإفتاء الإسلامي في العديد من الدول الإسلامية كالأزهر في مصر أو قم في إيران وغيرها. في هذه المراكز يوجد ما يشبه الإكليروس المسيحي عند المسلمين، نراه لدى كل الطوائف الإسلامية على اختلافات ليست كبيرة؛ فنراه لدى المذاهب السنية متجسداً في الفقيه أو المفتي وإمام الصلاة ولدى الشيعة نراه في مفهوم الإمامة وولاية الفقيه التي تملك تراتبية أكبر من الطائفة السنية نسبياً. لعبت الطبقة الدينية الإسلامية على الدوام دوراً سلبياً غير إنساني مع المسلمين والعرب. كانت سلبيتها وتخلفها منصبة بشكل رئيسي على العرب حصراً، فالإكليروس الإسلامي نراه في مواقف كثيرة مستشرساً كلامياً ضد الخارج ومنبطحاً ذليلاً عملياً. على الصعيد الداخلي نراه متحمساً للمشاريع الرجعية ومفاهيم العصور الوسطى، يقف ضد أي مشاريع نهضوية وتقدمية اقتصادية أو حداثوية ترتقي بالشعب العربي إلى الأمام. نراه يتحمس فقط لموضوع التحريض الطائفي والعيش على دماء الطوائف الإسلامية واقتتالها، فهو إكليروس ميت في كل نواحي الحياة، لا تراه يعيش إلا عيشة البعوض بالإقتيات على الدم، لكن الدم العربي الإسلامي أولاً وحصراً.

الإكليروس العربي والقضايا القومية المصيرية: لم يكن الاكليروس العربي الإسلامي منتمياً مخلصاً في يوم من الأيام لمفهوم القومية العربية أو غيرها من الأمم المنضوية في الحوض الثقافي الإسلامي، يستند الإكليروس في ذلك إلى الإسلام كنص ديني شمولي هاضم للقيم والخصوصيات القومية والجغرافية، بالإضافة إلى جمود النص الإسلامي وترفعه عن النقد، النص الذي يؤمن بمفهوم الدين كبديل عن الإيمان بمفهوم القومية؛ الحالة التي أدت إلى كوارث حقيقية في المناطق التي يعيش فيها المسلمون. أغلب الدول التي يعيش فيها المسلمين فشلت في بناء دولة مواطنة حقيقية أو في خلق اجماع لدى شعوبها على المفهوم القومي للدولة. عند اختبارات التاريخ والقومية نرى خيانة الإكليروس الديني العربي بشكل واضح وفي كل المفاصل التاريخية، نقرأ في التاريخ كمثال؛ بينما دخل السلطان سليم إلى القاهرة بعد الانتصار على المماليك في معركة الريدانية، قدّم إليه شريف مكة، "محمد أبو نمي بن الشريف بركات"، مفاتيح الحرمين الشريفين كرمز لخضوعه وكاعتراف بالسيادة العثمانية التي دامت أربعة قرون على الأراضي المقدسة العربية الإسلامية؛ كانت هذه السيادة لسلاطين المماليك من قبل هذه الشعوب التي سلمها الإكليروس العربي الحكم في العالم العربي منذ زمن السلاجقة الأتراك. هذه الخطوات والاعتراف بسلطة بالمحتل، لمجرد أنه مسلم كان لها آثار سلبية مدمرة، استمرت تداعياتها حتى اليوم ليس آخرها تخلفنا كعرب عن التاريخ والسير على خطوات النهضة الأوروبية، مع أننا كنا أكثر تقدماً من أوروبا في العصور الوسطى، فهذه الأقوام التي جاءت من أواسط آسيا، كان لديها جهل بالنص الديني عائد إلى جهل لغوي، أدى إلى جمود النص و تطبيقه بحرفيته المترجمة البعيدة عن معناه في أغلب الأحيان، الشيء الذي بدوره أدى إلى نتائج كارثية على صعيد الفهم و التطور في النص، فحكمت هذه الطبقة السياسية العالم العربي بطريقة متخلفة وعملت على تجهيل العرب وتجميد النص الديني العربي، الذي لا تعرف عنه أصلاً، و منعت أي نقد أو عقلنة له، حصل كل هذا بتواطؤ مع الطبقة الدينية العربية و رضاها.

الإكليروس العربي وشهداء النهضة العربية (شهداء السادس من أيار): في عام 1915 وفي عز بداية النهضة العربية المشرقية على يد النخب المختلفة السياسية والثقافية، قاد جمال باشا الجيش الرابع التركي لعبور قناة السويس واحتلال مصر. وفي ليل 2 شباط 1915 اخترق صحراء سيناء التي كانت حينها تفتقر لطرق المواصلات، فما كانت القوات التركية تصل إلى قناة السويس منهوكة القوى لتحصدها البوارج البريطانية الموجودة في القناة أو القوات البريطانية التي تتحصن على الضفة الغربية للقناة بمدافعها ورشاشاتها، ومع أن بعض السرايا القليلة استطاعت اجتياز القناة، إلا أن الهجوم فشل فشلاً ذريعاً ولم ينج من الجيش الرابع إلا القليل. كان للفشل الذريع لهذه الحملة ومسؤولية جمال باشا المباشرة عن ذلك الفشل، وهو الحاكم العسكري المطلق على سورية، أن يصبح عصبي المزاج بشكل دائم، حاد الطباع، وصب جام غضبه على القيادات العربية العسكرية والمدنية التي حمّلها مسؤولية إخفاقه، فعمل على استبدال الكتائب العربية في بلاد الشام بكتائب غالبية جنودها من الأتراك، وفصل الضباط العرب البارزين من وظائفهم وأرسلهم إلى مناطق بعيدة، وأخذ باعتقال الزعماء الوطنيين والمفكرين العرب والتنكيل بهم وتعذيبهم حتى الموت، وقد كانت باكورة هؤلاء إعدام عدد من المناضلين بأحكام عرفية باطلة في عدد من المناسبات، ففي 21 آب من عام 1915 قام بإعدام 11 من المناضلين من مختلف مدن سورية ولبنان. لم يتدخل الإكليروس العربي الإسلامي لإنقاذ علية القوم الثقافية في سوريا ولبنان من نخب سياسية ومثقفين وزعماء عشائر من يد السفاح التركي الذي قام بإعدامهم في بيروت ودمشق، بل كان شاهد زور تاريخي في خيانة مرعبة لشعبه وأتت الطبقة الدينية من مشائخ ورجال دين في دمشق وبيروت قبل عملية الإعدام بدقائق لتطلب من شباب النهضة المعلقين على منصات الإعدام أن يتمنوا آخر أمنياتهم وبكل صفاقة تاريخية. حتى عندما ثارت ثائرة العرب بعد كل هذه الأحداث قام الشريف بن الحسين كممثل للإكليروس العربي باستغلال الوضع للتخلص من حكم العثمانيين، لكن لتسليم فرنسا وإنكلترا الحكم هذه المرة في تنكر كامل ومرة أخرى للشعب العربي. يذكر أن فلسطين كانت قد بيعت لليهود تحت اشراف السلطان الإسلامي عبد الحميد وبدأ تسربهم إليها في عهده وعهد الطبقة الدينية التي كانت تحكم معه، والتي لم نسمع لها اليوم أي فتوى تخص الجهاد في فلسطين. كل دعوات الجهاد التي تقوم بها هذه الطبقة الدينية نراها تنصب في العراق، سوريا، لبنان!

الإكليروس والمسألة الإيمانية وتسميم الفضاء الديني الشعبي: علاوة على كون الطبقة الدينية العربية كانت على الدوام شاهدة زور أو كما تسمى اصطلاحاً ظاهرة مفتي السلطان، نراها لعبت دوراً آخر يتجسد في تسميم الفضاء الديني العربي البسيط للمسلمين بإشباعه بالخرافات والشعوذات من الأحاديث الملتوية ك عذاب القبور إلى سحق وتهميش المرأة ككيان وفي كل شيء من الحقوق إلى اللباس، إلى فتاوي الجنس وفتاوي الجهاد ضمن الوسط الإسلامي نفسه وبين الطوائف الإسلامية نفسها. التي أدت إلى بحور من الدماء يقودها مجرمو حرب دينيون كالقرضاوي في مصر وغيره من منافقي المنطقة في الخليج. يجب على الشعوب العربية التي تريد الحياة الطبيعية تحويل هؤلاء المشايخ إلى مصحات عقلية نفسية ومن يرفض يجب تحويله إلى القضاء ومعاقبته بالرجم أو بالجلد أو أي عقوبة كان يرضاها لغيره من الشعب البسيط عندما كان يفتي ويحلل ويحرم. يقول هؤلاء المتخلفون أن سبب انتكاستنا كعرب إيماني وهم أنفسهم القيمون على المؤسسة الدينية، فلماذا لا يعترفون بجهلهم وفشلهم؟ هذا إن نزلنا إلى مستوى عقولهم واقتنعنا معهم بأن سبب انتكاستنا إيمانية وليس سببها تخلف علمي وتقني وبحثي.

الإكليروس العربي والمصالحة مع العصر والحداثة: تريد الطبقة الدينية العربية إعادة الزمن إلى الخلف، عبر إعادة نظام الخلافة في رجعية مطلقة متنكرة لحداثة العصر و تقدمه، فبدلاً من مصالحة الإسلام مع الحداثة في الديموقراطية و العلمانية و المساواة بين الرجل و المرأة كما فعلت المسيحية في التصالح مع الحداثة في مؤتمر فاتيكان 2، تصر الطبقة المتدينة العربية و من خلفها الجماهير المغيبة و الممسوحة الدماغ على إقامة نظام الخلافة، مع أن نظام الخلافة و حتى إن كان علمانياً في أكثر أحواله على خلاف ما يعرف الكثير من المتدينين، حيث لم يكن أحد من الخلفاء يحكم على أساس الدين، لا يعني هذا أن الدين صالح للحكم السياسي، لكن لتوضيح و لفت الأنظار لهذه الحالة المغيبة عن الكثيرين. في دراستنا التاريخية نلاحظ أن سجل الخلافة السياسي يندى له جبين الإنسانية من الجرائم المرتكبة و على طول الزمان من الخلفاء الراشدين إلى الأمويين و العباسيين إلى السلاجقة و الأتراك؛ ارتكبت منظومة الخلافة جرائم مخزية في سجل حقوق إنسان اليوم المعاصر و ترقى في أصغرها إلى درجة جرائم حرب، فمن حروب الردة في عهد أبو بكر إلى الفتوحات في عهد عمر إلى الفتنة في زمن عثمان و علي إلى حروب الخوارج لا مجال لذكر كمية القتل و التصفيات التي حصلت، لن نتكلم عن المآسي و الفظاعات التي ارتكبت في عهد الخلافة الأموية و العباسية و التركية؛ يكتفى بقراءة كتاب هادي العلوي (من تاريخ التعذيب في الإسلام) للحصول على أمثلة لا تليق بمؤسسة حكم إنساني مدني. بعد كل هذه المآسي نرى الطبقة الدينية الإسلامية اليوم تصر على استعادة الخلافة وترفض مصالحة الإسلام مع العصر واستخدام القيم الإنسانية الحديثة في الديموقراطية والعلمانية، وبدلاً من تحديث الإسلام تعمل وعملت على أسلمة الحداثة، الحالة الغير ممكنة أو الغير قابلة للتطبيق أمام فكر متخلف عن حداثة اليوم فهو بطبيعته وظروفه الموضوعية يعود للعصور الوسطى، تريد هذه الطبقة للمسلمين العيش في عصور وسطى مضى عليها قرابة الألفي عام. يجب الادعاء قانونيًا على رجال الدين المسلمين ومن يتبعهم من المسلمين الذين يطالبون بإعادة الخلافة، حيث نتمنى أن تصبح بلداننا بلدان قانون عصرية نستطيع أن نحاكم فيها هؤلاء المجرمين.

الإكليروس العربي الإسلامي و” الأخلاق”: يحصر الإكليروس العربي الأخلاق والشرف بالجسد وخصوصاً جسد الأنثى ويربط الأخلاق بأغلبها بممارسات الجسد، لا بقيم العمل والصدق والانفتاح على الإنسان. يصر على تحويل الشخصية المسلمة إلى شخصية منافقة ومريضة مقيدة بحركات الجسد وعقدة أعضاء الجسد النفسية بعيداً عن الفطرة والطبيعة الإنسانية، بالمقابل نرى تناقض صارخ بين ما يعتقد وما يطبق وما يريد للآخرين إتباعه.
عملت الطبقة الدينية العربية على ربط الشرف والأخلاق بموضوع الجنس، فتدنت الأخلاق إلى الأعضاء الجنسية وإفرازاتها الهرمونية، فإذا أكلت أو أكثرت من أكل السمك و المأكولات التي تحرض و تغذي الطاقة الجنسية من الممكن أن يتزعزع الشرف الإسلامي و يحضر الشيطان فوراً، هكذا تريدنا الطبقة الدينية أن نفكر أو نربط الشرف و الأخلاق وتريدنا أن نعارض الفطرة الإنسانية الطبيعية، ومع ذلك فالشرف لدى هذه الطبقة الدينية مرتبط بالإناث فقط؛ في تقليد تعود أصوله إلى الغزو والعادات القبلية من السبي والاغتصاب العائد للتاريخ العربي وقبائله؛ هذا الإرث الوحيد الذي تحافظ عليه الطبقة الدينية بكل ما تملك من وسائل.

تتهم هذه الطبقة مجتمعات الغرب بقلة الأخلاق والانحلال الأخلاقي وانعدام الشرف، وبمثال بسيط نطرحه هنا نترك للقارئ الحكم على جزء بسيط من منظومة القيم الأخلاقية في الشرق والغرب. في دول الغرب “الكافر” جرب كشخص أن تقيم علاقة مع قاصر وحتى برضاها! وسترى ردة الفعل الشعبي والقانوني والرأي العام الذي سيحشد ضدك والعقوبة القانونية والشعبية التي ستنالها من هؤلاء العلمانيين “الكفرة” (رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكوني والحكم القضائي في موضوع علاقته بالقاصرة روبي مثلاً)، بينما في العالم الإسلامي تزوجت الكثير من الفتيات القاصرات من رجال بعمر آبائهم في عمليات أقرب إلى اغتصاب القاصرات منها إلى مسمى زواج. في هذه “الزيجات” نلاحظ أن رجال الدين الإسلاميين هم أنفسهم من يكتبون عقود قران هؤلاء القاصرات. إن رجال الدين الإسلامي شهود زور أخلاقيين على اغتصاب القاصرات من قبل رجال بعمر آبائهم، وبمباركة رجل الدين هذا الذي يدعي الأخلاق ويدعي اتباع الشرع الإسلامي في الموضوع الذي يسمى زوراُ وبهتاناً كتب الكتاب، حيث يعقد رجال الدين قران الكثير من القاصرات على رجال وفي أحيان كثيرة تجبر البنت على الموافقة. هنا نرى إجرام الطبقة الدينية العربية أخلاقياً ونفاقها في اتهام الغرب بانحلاله وادعائها الشرف والأخلاق طبعاً “الأخلاق” حسب مفهومها!

الإكليروس العربي والجرائم المرتكبة بحق كتب العلم والإرث الثقافي في المنطقة: حرق المكتبات في مصر وفي بلاد فارس مثلاً: للطبقة الدينية العربية الحاكمة تاريخ عريق في محاربة الإرث الثقافي وكتب العلم والحكمة للشعوب في المنطقة. هذه القصص يؤكدها كثر من المؤرخين العرب سنورد عدة أسماء منهم هنا؛ نبدأ مع أبو الفرج المالطي في كتابه (مختصر الدول ص 180) فكتب عن قصة حرق مكتبة الإسكندرية ما يلي: قال يحيى النحوي في أمر مكتبة الإسكندرية لعمرو بن لعاص "لقد رأيت المدينة كلها وختمت على ما فيها من التحف ولست أطلب إليك شيئاً مما تنتفع به بل لا نفع له عندك وهو عندنا نافع"، فقال له عمرو ..."ماذا تعنى بقولك؟"، قال يحيى ..." أعنى بقولي ما في خزائن الروم من كتب الحكمة"، فقال عمرو" إن ذلك أمر ليس لي أن أقتطع فيه رأياً دون إذن الخليفة"، ثم أرسل كتاباً إلى عمر بن الخطاب يسأله في الأمر، فأجابه عمر قائلاً " وأما ما ذكرت من أمر الكتب فإذا كان ما جاء بها يوافق كتاب الله فلا حاجة لنا به، وإذا خالفه فلا إرب لنا فيه فإحراقها"، فلما جاء هذا الكتاب إلى عمرو أمر بالكتب فوزعت الكتب على حمامات الإسكندرية لتوقد بها، فمازالوا يوقدون بها ستة أشهر.

في مراجع إسلامية أخرى نلاحظ ذكر القصة في أكثر من موضع؛ ففي تاريخ المقريزي نرى كيف أرسل عمرو بن العاص للخليفة يستشيره في أمر مكتبة الإسكندرية، فكتب الخليفة عمر بن الخطاب كتابا إليه قائلا: [إذا كانت هذه الكتب لا تحتوي على شيء غير المسطور في القرآن فهي كعدمها. وإذا كانت هذه الكتب تنافى ما جاء بالقرآن فهي ضاره ومؤذيه لا يجب حفظها، إذا فعلى كلتا الحالتين يجب حرقها وإبادتها من الوجود] وأمر عمرو بن العاص باستعمال هذه الذخائر والنفائس كوقود في حمامات الإسكندرية (1) المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار للمقريزي، طبعة بولاق 1272هجريه ج1، ص159.

في مرجع إسلامي آخر نرى ما يلي؛ وظلت الحمامات تستخدمها كوقود لمده 6 أشهر كاملة فكتب عمر الى عمرو يقول له: وأما الكتب التي ذكرتها فان كان فيها ما يوافق كتاب الله ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله فلا حاجة إليها فتقدم بإعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على حمامات الإسكندرية وأحرقها في مواقدها فذكروا أنها استنفذت في ستة أشهر. راجع الغدير 6/301-302 والفهرس لابن النديم ص 334.

لم تكن مكتبه الإسكندرية هي المكتبة الوحيدة التي أحرقها العرب في المنطقة ولم يكن أيضًا هو الأمر الوحيد الذي أرسله عمر بن الخطاب لحرق مكتبة الإسكندرية، فقد بعث بخطاب آخر الى سعد بن أبى وقاص الذي غزا بلاد الفرس خاص أيضاً بمكتبه الفرس في طيسفون قائلًا: إن يكن ما فيها هدى فقد هدانا الله بأهدى منها وإن يكن ضلالا فقد كفانا الله شرها.

قال صاحب كتاب كشف الظنون 1/446:" إن المسلمين لما فتحوا بلاد فارس وأصابوا من كتبهم، كتب سعد بن أبى وقاص إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في شأنها وتنقيلها للمسلمين، فكتب إليه عمر بن الخطاب: أن اطرحوها في الماء، فإن يكن ما فيها هدى؟ فقد هدانا الله تعالى بأهدى منها، وإن يكن ضلال؟ فقد كفانا الله تعالى شرها. فطرحوها في الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس بما فيها. ويقول في 1/25 في أثناء كلامه عن أهل الإسلام وعلومهم: أنهم أحرقوا كل ما وجدوه من كتب في فتوحات البلاد المختلفة.

أورد ابن خلدون في تاريخه 1/32:" أورد ابن خلدون الخطابات السابقة في مقدمته حيث قال: ولم يطلع عمر بن الخطاب على ما تحتويه المكتبات، لهذا استندت هذه الخطابات على أسس خاطئة، فكانت النتائج مدمره للعالم كله، لأن مكتبه الإسكندرية كانت تحوي تسجيلًا كاملًا ودقيقًا لأسس حضارة العالم ومقوماته الفكرية والثقافية والعلمية حتى تاريخه وعند تدمير الأساس (السجل الحضاري) انهارت العلوم ورجعت البشرية قروناً من التخلف الحضاري.

الإكليروس والبعد عن البحث التاريخي والثقافي: في موضوع البحث التاريخي والثقافي لا يمتلك الإكليروس الديني الإسلامي أي سجل ذا قيمة علمية، لا بل يعمل على تعطيل كافة مجالات البحث المدنية والعلمية في العالم العربي ويقف في وجه الإنتاج الأدبي من روايات وشعر وموسيقى ويعمل على محاكمة أصحابها إن استطاع. من سلبيته في هذا المجال أنه قام بتخريج جيل عربي سطحي، لا ينظر إلى العلم أو أي شيء في العالم من دون استخدام نظرة محمد أو القرآن لهذا الشيء، حتى لو لم تكن موجودة في النص الديني أو الأدبيات التي جاء بها محمد، فلا يحاكم الشاب المسلم أي موضوع أو لا يرى أي موضع إلا من خلال وجهة نظر الدين الإسلامي في هذا الشيء، وفي حال عدم وجوده يعمل على تأويلات دينية أخرى غير منطقية ليقارب الموضوع وليتخذ موقفاً منه، وهو من الأسباب العميقة لأزمتنا العلمية وتخلفنا الكبير والواضح في كل مجالات الحياة. فإذا كانت نصوص المسلمين المقدسة تضم العلم كله كما تدعي الطبقة الدينية العربية، لماذا ظهر العلم والتطور التقني لدى الشعوب التي لا تمتلك هذه النصوص؟ كان لهذه التقاليد الإسلامية المتخلفة في العقلية العربية أثر سلبي على البحث التاريخي والثقافي والعلمي، فبدل من أن ينشأ البحث العلمي والثقافي لدينا كقطاع مستقل مدني وحضاري تعطى فيه العقول الشابة فرصة للإبداع مستقلة عن الدين، قامت الطبقة الدينية بنقل تخلف المجال الديني والشعوذات إلى البحث الثقافي العلمي المدني، فأغلب الكتب العربية التاريخية والعلمية تذيل بعبارة بسم الله الرحمن الرحيم ولدي قناعة بأن كل كتاب غير ديني يبدأ بعبارة بسم الله الرحمن الرحيم لا يعول عليه ولا على معلوماته. أيضاً أغلب النصوص المكتوبة تسودها الحالة التآمرية ووجود المؤامرة على الدين، الرهاب الذي يعشش في عقل الإسلام والمسلمين، فأغلب الدراسات تختم أو تبدأ من عبارة “والله من وراء القصد”، فلا يوجد شيء يكتب لأجل العلم أو الطبيعة البشرية، فكل القصد رضى الله في الكلام المكتوب.

من يستطيع أن يذكر لنا فعل إيجابي قامت به الطبقة الدينية الإسلامية وانعكس بالمنفعة على المجتمع منذ تأسيس الإسلام إلى يومنا هذا؟

أخطر ما في الإكليروس العربي الإسلامي و رجعيته هو عدم ظهوره بهيكل واضح تستطيع أن تحاربه به، بينما هو موجود بقوة وبلا إنسانية على مر العصور، لذلك يجب محاربة أي رجل دين يترك المجال الروحاني ويتدخل في الفضاء السياسي أو الاجتماعي بسلبية.

السؤال الذي يطرح نفسه هو؛

لماذا لا تنصب نشاطات الإكليروس الإسلامي الدموية إلا على دماء المسلمين، ولا تظهر حمية فتاويه التكفيرية الدينية وتحريضه إلا في تدمير الدول التي تملك حضارة في العالم العربي كالعراق وسوريا ولبنان و فلسطين و مؤخراً مصر؟!



#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ ال ...
- حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ ال ...
- حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ ال ...
- مدينة الرها عاصمة الثقافة والتقاليد السورية الشرقية
- أنطاكية عاصمة سوريا التاريخية و الثقافية لعشرة قرون.
- ضياع الحقيقة المادية في المصادر التاريخية بين الأدلجة الديني ...
- شخصيات فكرية من التراث الإسلامي (دراسة لنقاط و إشكاليات مغيب ...
- شخصيات فكرية من التراث السوري قبل الاسلام (الهوية السورية ال ...
- انعكاسات مرايا الشرق
- نظرية الله المتهم البرئ.
- الإله المتناقض في الإسلام (الله)
- حكم المرتد بين وحشية المسلمين وهشاشة و تناقض عقيدتهم
- معيار الأخلاق بين الثابت و المتحول (الدين و المجتمع)
- يحصل في الشرق
- المنتصر في التاريخ هو المقدس ( بيزنطة مثلا)
- أبو لهب، أبو جهل، أصوات العقل في قريش و المصير المأساوي للأم ...
- ملاحظات بسيطة على العلمانية في العالم العربي
- ميثرا و طقوس العبادة الميثرائية في الإمبراطورية الرومانية
- بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري
- عندما يصبح دين الشعب أهم من وجود الشعب (من نحن،عرب أم مسلمون ...


المزيد.....




- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سليمان سمير غانم - الإكليروس العربي الإسلامي شاهد زور تاريخي وأخلاقي.