أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مختار سعد شحاته - حائط مبكى الثورة في العاصمة السرية.















المزيد.....

حائط مبكى الثورة في العاصمة السرية.


مختار سعد شحاته

الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 22:19
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


خلافنا أتفهمه كريفي ساذج:
تفهم لغتي حين تأتي على مزاجك، وتتفاعل مع جملي حين تعزف على أنغامك التي لا تعرف غيرها، لكنك على الدوام لا تنتبه لكون لغتي لغة غير أصيلة فيّ، فأنا يا صديقي أحد هؤلاء الذين ولدوا في القرية، نعم، سمني ولو شئت "قروي ريفي ساذج"، هذه تهمة ربما أحيانًا لا أحاول دفعها عني، في حين كانت يومًا مثار غضبي وحنقي الشديد، فكنت أحاول قدر الاستطاعة أن أتمثل كل المفردات التي تبعد عني تلك التهمة، أغرقت نفسي في تفاصيل المدينة، في ضوضائها، في براءتها المصطنعة بفعل وضغط التحضر أو التمدن، لا أعلم، لكني قدر الإمكان حاولت التشبث بمفردات المدينة، فانتهيت إلى هذا الازدواج العجيب، أحمل القروي الساذج في دواخلي، أصارع به كل غلبة المدينة، وأثبت على الدوام أني ابن لها، أني ربيب ثافتها، وهو ما تفضحكه أفكاري على الدوام، فلا تخلو مقالة أو نص أدبي من كشف حقيقتي القُحة، حتى انتهيت إلى اتهام البعض او لعله انتصارا –لا أعلم يقينا- بأني أكتب بالفطرة، بفطرة هذا النازح نحو المدينة.

أن "تبوظ" حائط البيت الجيري تلك مصيبة!!
دع عنك كل محاولة التوصيف والتصنيف يا صديقي، فقط تعلم مني كما قال صديق بعض ما أعرفه عن نفسي، فأنا واحد من هؤلاء الذين تربوا في القرى في أطراف مصر، وهناك يا صديقي أنت لا تعرفهم سوى من مسلسلات كتبها من خلع جلد القرية واكتفي بـ"تيشرتات" المدينة، نعم انت لا تعرفهم ولا تدري عنهم الكثير، فقط ما عرفت وخبرت من تصرفات مثلي، ربما التي لا تعجبك، وربما التي تأخذك، فأخذت توصف وتُنظر كيفما شئت، الآن فقط اسمح لي أن أخبرك بعض الشيء عنهم هناك، فأنا أحدهم، نعم أحد هؤلاء الذين يعرفون كيف لبيت من القرية أن يتم تجديده ويتم "دهانه" بألوان ناصعة من الجير الزاهي البسيط، وأعرف –وانت لا تعرف- حرمة الكتابة على البنايات هناك، لا تعرف كيف يغضب اهل البيت الجديد والملون بالجير حديثا حين يكتشفون صبيًا يكتب او يرسم على حوائطهم الجيرية، فهنا يا صديقي لا يفهمون معني كلمة "الجرافيتي"، فقط يرون أن الكتابة الصبيانية على حوائط الجير في واجهات البنايات والبيوت الفقيرة المجددة لا تغدو ولا تزيد عن كونها عبث يجب ردعه، والعقاب عليه، بل وقد يصل الامر ويتطور إلى حد الاقتتال والعراك بين أصحاب البيت واهل الصبي "الطائش/ قليل الأدب" الذي كتب على حائطهم الجيري الملون الجديد. قد تتعجب من كلامي هذا لكنه واقع عرفته وخبرته طوال سنوات عمري التي لم انقطع فيها عن القرية رغم سكناي بعيدا عنها لعقود، وهو ما كان شديد العجب حين قررت ان اكتب أنا الذي يخطو نحو الأربعين على حائط البيت الجديد الجيري الملون، بعد عودتي من ميدان الثورة، فكتبت عبارة بخط رفيع "الشعب يريد إسقاط الرئيس"، كأنها كانت الطامة حين مر العابرون جوار البيت، بعضهم لا يصدق أني صاحب البيت أفعل هذا بيدي، بل زاد البعض ان كتابتي تلك قد تغضب أهلي، ولم يتحرج الآخرون من وصفي بالمجنون كوني "أبوظ" شكل الحائط الجيري.

حائط الثورة في قريتي/عاصمتي السرية:
هكذا صار الحائط الجيري حائط مبكاي الخاص، هنا سأبكي ثورتي هنا في قريتي البعيدة "العاصمة السرية"، هنا سأحدد علامات التاريخ للثورة، وهو ما جعلني بعد شهور، أكتب من جديد عبارة الجديدة على الحائط الجيري الجديد "لا للدستور"، وبعدها بقليل وفي اول زيارة بعد استفتاء مارس 2011، وجدتني اخرج قلمي الكبير وأكتب "يسقط يسقط حكم العسكر"، ثم كانت مذبحة محمد محمود وحين عدتُ منها مباشرة، بعدما صفق مجلس الشعب المنتخب حين اعلن رئيس المجلس وقتها –والوصوف بانه مجلس شعبي شرعي يدعم الشريعة الخشبية للصندوق ويتماهي مع الشريعة الإسلامية، وجدتني أكتب "لماذا لا يموت أولاد الوسخة"، واستمر الحائط –من وجهة نظر الناس هنا- في التشوه يومصا بعد يوم، وأفضى لي قريب " يا آخي عاجبك شكل الحيطة اللي بوظته؟!!".. يومها لم اكن أرى مرادفًا للبوظان سوى تصفيق هؤلاء لمن قال "معندناش خرطوش..الداخلية لم تطلق رصاصة واحدة".، فاستمريت أنا في الـ"تبويظ" للحائط، واستمر المشهد في مصر كله يوازيه حتى فاقه بكثير، فعدت للقرية مرة أخرى قبُعيد الانتخابات الرئاسية وكتبت "يسقط يسقط حكم المرشد"، وتوالت الجمل على حائطنا الجيري، وتابعها توالي التعجب والاندهاش من المارين جوار البيت، حتى تعودوا مشهد ما أسموه "التشوه" للحائط، لكنهم تبسموا حين كتبت "بيع.. بيع.. بيع.. الثورة يا بديع"، واستمرت عملية البيع والتجارة، واستمريت أنا أكرر "بكرة الثورة تشيل ما تخلي".


حائط البيت الجيري يحتاج إلى تعديل أو زيادة؟؟
اليوم حين نظرت إلى الحائط، وحين لفت انتباهي الضابط المتخرج للتو من كليته العسكرية وابن جارنا هناك بجملته "شيل بقى يسقط يسقط حكم العسكر يا أستاذ"، فقط اكتفيت بالابتسام، بينما غازله جاري الثوري ومن بين ضحكه قال عني "تحت امرك يا حضرة الظابط.. مختار لازم يكتب الجيش والشعب والشرطة إيد واحدة"، وأصروا على كتابتها على حائط البيت الجيري الملون، فتعللت بأنه لا يوجد قلم للكتابة، وريثما يتواجد، ساكتب ما أراه منصفًا. خرجت في نيتي شراء القلم لأكتب على الحائط، وأوثق مرحلة من مراحل الثورة، فلم أجد احدًا يبيع أقلامي للكتابة على الحائط الجيري، وحين أتاني جاري بعلبة "اسبراي ملون" للكتابة، وجدتني أقول له "لا يا عم كده الحيطة هتبوظ". وقتها عرفت اني أرتبك، وأن ارتباكي يزيد، لعله هو مانعي الحقيقي من كتابة العبارة المقترحة بأن الجميع "إيد واحدة"، أو لعله حالي الذي صرتُ متهما بسببه، ويهاجمنى البعض هنا، ممن اعتقدت أن عملهم ومواهبهم الفنية والأدبية ستنتصر لقيمة أعلى وأعظم هي قيمة "الإنسان"، نعم أنا هربت من الكتابة على الحائط الجيري. الآن، وقبل كتابتي المقال، لمحت مربعا بالحائط الجيري خاليًا وقد يسمح بكتابة جملة ما عليه، فوجدتني أكرر جملة يسري فودة في عقلي "طول ما الدم المصري رخيص.. يسقط يسقط..أي رئيس".. نعم تلك هي الجملة التي يتحتم علي كتابتها، وأن أضيف عليها "سماء واحدة للجميع".
قررت كتابة الجملتين، وأنا أعرف أن حائط البيت الجيري الملون –الذي تشوه في نظرهم هنا- شاهد صدق عليَّ لا على البلدة، فأنا تماما بت مؤمنًا بأن آفة حارتنا النسيان، فأردت للحارة ألا تنسى، أو لي بالأحرى ألا أنسى. نعم سأكتب على حائط مبكى ثورتي في العاصمة السرية "قريتي الأم".. سأكتب حتى لا تُنسى الحوادث أو تُباع أو تستبدل.

مختار سعد شحاته.
Bo Mima
روائي.
مصر- الإسكندرية



#مختار_سعد_شحاته (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنا جباااااااان.. وأنت الشجاع.. هذه كل الحكاية!!!
- العاطفة والسياسة
- مسلسلات رجالي دوت كوم/ قلش رخيص.. الحلقة الأولى: الصراحة راح ...
- معركة أخيرة فاصلة.
- -درس تاريخ-..عشر مقاطع من التاريخ، ومقطعان لأمي، ونهاية واحد ...
- حين يكتب التاريخ.
- عم موسى ليس نبيًا.. قصة قصيرة.
- تهيس.. فيلم بالعامية المصرية من 3 مشاهد
- بين رابعة العدوية وشفيقة الجرجاوية
- -شفيقة- و-رابعة- كلتاهما شهيدة العشق.
- في صعيد مصر.
- حين تبت يدا أبي لهب.
- تمردوا يرحمكم الله.
- رسالة الأحلام.. عامية مصرية.
- بين الامتنان والانبساط.
- ابنة الربيع
- رسالة خاصة إلى النيل.. نص أدبي.
- محطة سيدي جابر بعد التطوير.
- أنا نبيُ.
- أنا قابل .. عامية مصرية.


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مختار سعد شحاته - حائط مبكى الثورة في العاصمة السرية.