أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نزار حمود - الأقلية والأكثريات















المزيد.....

الأقلية والأكثريات


نزار حمود
أستاذ جامعي وكاتب

(Nezar Hammoud)


الحوار المتمدن-العدد: 4167 - 2013 / 7 / 28 - 08:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لاأدري كيف أصف الحالة المزرية التي وصلت إليها الثورة السورية. لا بل أصبحت أجد في نفسي صعوبة حقيقة في إطلاق هذه التسمية على مايجري الآن على الأرض السورية. ترى هل مازال قلب الثورة ينبض بالحياة أم أن ملامح الحراك الحالي ماهي سوى ارتكاسات عصبية لجسد ميت وعقل مغيب؟ إلا أني أستطيع وبمنتهى الوضوح أن أصرح بأن الثورة السورية قد انحرفت بشدة عن مسارها وباتت في خطر وجودي حقيقي وملموس. فبعد أن كانت تنادي بوحدة الشعب السوري ضد عصابة النظام ... وبالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية للجميع، أصبحت شعاراتها اليوم تتعرض لمفاهيم ماقبل مدنية مثل تكريس وتشجيع الصراع السني الشيعي العبثي أو الكردي العربي وضرورة التطهير العرقي لهذه المنطقة أو تلك وتنفيذ العقوبات الجماعية والإعدامات الميدانية انتقاما ً لهذه المجزرة المروعة أو تلك.
وكما تحولت سوريا في غفلة من الزمن إلى ملكية فردية خاصة لآل الأسـد، كذلك تحول النظام القاتل المافيوي السوري إلى مجرد طرف مقاتل ضمن كتلة من المجموعات المتقاتلة غير المتجانسة ذات الإيديولوجيات والأهداف المختلفة.
لقد بات من غير المفيد إطلاقا ً ترداد القول بأن النظام القائم حاليا ً هو المسؤول الأول والأهم عن إطلاق شرارة الثورة وتنمية وتقوية واعتماد الحل الأمني القمعي العنفي الأحمق بكل المقاييس وحرف المسار بالاتجاه الطائفي العنصري الدموي ... فهذا برأيي المتواضع بات من المسلمات البدهية التي من الصعب دحضها أو الخلاف حولها. لكن وبالمقابل ... بات من المقزز وللغاية أن نسمع العديد من الشخصيات الثورجية القيادية تردد وتكرر أن كل الخطايا والعيوب منبعها النظام وتنسى خطاياها وأخطائها. لقد بات من المقزز فعلا ً التخفيف الشديد من شأن الجهات المتطرفة الإرهابية بامتياز ذات المنشأ المشبوه والأهداف البعيدة عن الأهداف الوطنية للثورة السورية. تذكرني هذه العقلية المريضة بالعقلية السورية الرسمية التي كانت تعلق كل عـيوبنا وأخطائنا وخياناتنا وجرائمنا بالعدو الصهيوني المجرم والإمبريالية العالمية والمؤامرات الكونية.
لقد بات الكذب والكيل بمكيالين سمة المرحلة وللأسف. فإذا قام النظام بإعدامات ميدانية إجرامية في داريا أتته الإدانات من كل حدب وصوب ... أما إذا قامت جهة معارضة ثورة مسلحة بنفس الفعل في خان العسل مثلا ً ... قوبل فعلها هذا بصيحات التهليل والتكبير والشـعور بنشوة الانتصار كما لو أن القتلى ليسوا سوريين وكما لو أن الابتهاج بهذا الفعل الهمجي سيساعد الثورة في الوصول لأهدافها، بينما العكس تماما ً هو الصحيح !
لقد بلغت حالة الانفصام النفسية أوجها في العديد من الحالات كما هي حالة الشهيد البطل أبو فرات. فالجميع يدعي الوطنية والجميع معجب بكلمات الشهيد الرائعة بالفعل ... لكن الغالبية العظمى تعمل بشكل مضاد تماما ً للوطنية السورية الجامعة وبشكل مناقض تماما ً لما قاله أبو فرات، سواء كان ذلك على الصعيد المدني أم العسكري أم الافتراضي. ومن حالات الفصام النفسية الخطيرة الأخرى أذكر العلاقة الغريبة مع الغرب. فمن جهة تجد القيادات الثورية تطلب من الغرب، لا بل تتوسل إليه وتتسوله، السلاح القاطع والتدخل العسكري المباشر لحماية المواطن السوري ومن جهة أخرى تراها تنعت هذا الغرب نفسه بكل الصفات السيئة إن امتنع عن تسليح هذا الفصيل أو ذاك بحجة التطرف الإسلامي. الجميع يعرف أن الغرب يخشى ويخاف التطرف الإسلامي ويحاربه لكنهم يريدون منه أن يسمح بالتسليح دون قيد أو شرط (؟) فإذا فعل كان غربا ً مؤمنا ً مدافعا ً عن حقوق الإنسان أما إن امتنع تحول فورا ً إلى غرب ٍ كافر ٍ قاتل مشارك بجرائم النظام. مع نسيان مقصود ومذهل لحقيقة أن الدول "الحقيقية" تحركها مصالحها وليس عواطفها ودرجة إيمانها بالذات الإلهية. هذا ناهيك عن اعتماد حل التسلح وفوضى السلاح من قبل هذه القيادات الحكيمة الثورية بدء ً من برهان غليون مرورا ً بجورج صبرا وانتهاء ً ربما بالجربا الزعيم العشائري الذكي.
إن التأكيد على مذهبة الصراع السوري يعني وبوضوح التأكيد على خروج القرار السوري الوطني من أيادي السوريين لأن المرجعية الشيعية لاوجود لها في سوريا بل هناك بعيدا ً ... في إيران والعتبات المقدسة. كما أن المرجعية السنية لاوجود لها في سوريا بل هناك بعيدا ً ... في السعودية والأزهر الشريف. إن التأكيد على مذهبة الصراع يعني بالضرورة فقدان المواطن السوري حق تقرير مصيره في هذه اللحظة الحاسمة من تاريخ سوريا.
إن السكوت عن ... وتجميل جرائم الجماعات المسلحة الحقيقة منها والمزيفة، بحجة أنها بنادق مقاتلة ضد النظام قد أدى وبمنتهى الوضوح إلى فقدان معظم فصائل المعارضة المسلحة لمصداقيتها ولثقة الحاضنة الشعبية بها. وما الإرهاصات والانتفاضات الشعبية في المناطق الكردية والعربية في الرقة ودير الزور وتل أبيض وحلب وبستان القصر وسواها إلا بوادر واضحة للثورة الثانية التي نبه إليها وحذر منها العديد من أصحاب الضمائر السورية الحية.
إن التأكيد على ضرورة الاستمرار قدما ً وبدون أية إعادة تقييم أو مراجعة أو تأطير، في الحل العسكري الفوضوي يعني وبكل بساطة التأكيد مرة أخرى على إخراج القرار السوري من أيدي السوريين ووضعه في أيدي الغرب والشرق وعملائهم في المنطقة كالسعودية وتركيا وإيران. من يعطي السلاح يحق له أن يملي شروطه وهذه الشروط لا يمكن أن تكون متطابقة مع المصلحة الوطنية السورية. وقد أوضح وزراء خارجية أمريكا وفرنسا وإنكلترا بمنتهى الدقة أن إعطاء السلاح النوعي، إن حصل، لن يكون لتحقيق الحسم العسكري ... بل لإعادة التوازن عند حصول الخلل لصالح النظام.
لقد أدى الوقوع في هذه الأخطاء المحورية والعديد من الأخطاء المتفرعة والمتشعبة عنها ... إلى حرف الثورة عن مسارها الوطني الحقيقي وتشتيت الصف الواحد وبعثرة الجهود الهادفة لإسقاط النظام المافيوي المستفيد الأول والأهم من كل هذه الفوضى غير الخلاقة وغير البناءة.
لقد وصل عدد قتلى الشعب السوري إلى مايزيد عن المائة ألف قتيل. هذا حسب التقديرات الرسمية وأنا أعتقد أن الرقم يفوق ذلك بكثير. مائة ألف قتيل على الأقل يعني مائة ألف عائلة سورية منكوبة على الأقل! عدد المعاقين الدقيق مجهول لكنه يقدر ربما بمئات الآلاف. عدد المهجرين داخليا ً وخارجيا ً بات يفوق المليونين إنسان سوري. البنى التحتية دمرت بشكل تام أو شبه تام في العديد من المناطق والمدن والبلدات السورية. الشرخ الاجتماعي بين شرائح المجتمع السوري المختلفة بلغ عمقا ً لم تشهد له سوريا مثيلا ً خلال آلاف السنين من تاريخها الطويل.
ألا تستحق هذه الكارثة الوطنية، من الجميع، وقفة تأمل وإعادة حساب وتقييم بعيدا ً، عن المزاودات والمناقصات والمهاترات والعنتريات على طريقة هيثم المالح السمجة! ألا تستحق هذه الكارثة الوطنية إعادة تقييم لما هو ممكن وواقعي ومقبول ومعقول لتجنب وصول الكارثة لحدها الأقصى المتمثل بالتقسيم والتطهير العرقي الواسع وسفك دماء آلاف أخرى جديدة من السوريين الذين مازالوا يعيشون على أمل انتهاء المأساة في القريب العاجل؟
يبدو أن من يتحدث بهذا المنطق بات أقلية واضحة. فقد شرب الجميع من نهر الجنون حتى انتبجت العروق.
إن كان هناك من أقلية حقيقة في سوريا فهي هذه الأقلية التي مازالت تؤمن بضرورة الحفاظ على التراب السوري موحدا ً والشعب السوري واحدا ً والمصير السوري واحدا ً بعيدا ً عن المزايدات والعنتريات وفوضى السلاح والحواس البدائية الطائفية البهائمية. لقد وجد الجميع، معارضة وموالاة، من يدعم مواقفه السياسية العقيمة والعسكرية المدمرة إلا هذه الأقلية المدنية ... فـهي متروكة لوحدها، يتيمة ً، في مهب الريح لا ناصر لها ولا معين. إنها جماعة السوريين الوطنيين العابرة للطوائف والقوميات التي مازالت تحاول أن تضع بوصلة الوطن ومصلحة الوطن وهم الوطن أمام أعينها فقط لاغير.
ترى ... هل من راغب بالانتماء لمثل هذه الأقلية المغلوب على أمرها ...
سوريا الأم في خطر وجودي ... والثورة تحتضر !



#نزار_حمود (هاشتاغ)       Nezar_Hammoud#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أما زال النصر ممكنا ً ؟
- سوريا بين مطرقة الظلم وسندان الظلام
- القبيلة ...
- الطائفية بين العَرَض ِ والمرض !
- صديقي الذكي !
- الضرب والتقسيم على الوتر السوري
- لعيون علي ...
- ... المؤامرة مرة ً أخرى
- رسالة إلى السيد حسن نصر الله المحترم ...
- عندما أ ُكِل َ الثور الأبيض
- أناديكم ... هل تسمعون !!
- سوريا مابعد الطوفان
- هجرة الأسماء إلى المعاني
- الشعب يريد إسقاط النظام... فليسقط النظام !!
- المؤامرة الكبرى - سوريا
- آرام
- قالوا في العصابات المجرمة !
- المثقف
- إنتصار
- إلى مصر مع حبي


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نزار حمود - الأقلية والأكثريات