أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - طريقي إلى الكلية














المزيد.....

طريقي إلى الكلية


عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .


الحوار المتمدن-العدد: 4164 - 2013 / 7 / 25 - 01:12
المحور: الادب والفن
    


-1-

أستيقظ صباحا ؛ أغسل وجهي ؛ أرجل شعري ؛ أجمع كتبي ؛ أمشي عبر الشارع ؛ أجد صديقي نورالدين ينتظرني .

-2-

نقف منتظرين الحافلة، أفتتح نورالدين بسؤال سوسيولوجي، وها أنا أراه يحرك شفتيه، وها هو يبتسم، وها هو يعبس، سرعان ما يلملم يديه ذات اليمين، وذات الشمال، أعقب عليه، سرعان ما أراه ينصت إلى بإمعان، وها هو يجيبني الآن، أتوقف لحظة، ثم أشرع في نقده، وبمجرد ما أنتهي يرد علي، وها هي الحافلة تتوقف، فيقول لي : " هيا يا عبد الله الحافلة ...الحافلة " .

-3-

نصعد الحافلة، فنجدها مكتظة، ثم نواصل نقاشنا، ثم نسكت، وها أنا أهيم بين الحقول مفكرا في بورديو، مرورا بماركس، ووصولا إلى محمد شكري، تبتعد عيناي، سرعان ما تلتقي بعيني نورالدين، وها هو يضحك، بينما أنا أفيض ضحكا، تزحف الحافلة، وكلما زحفت تبتلع طرائدا جديدة كالأفعى، فنهيج ونميج داخلها، فيتشاتم البشر ويتعارك، وها هما شخصان ينزلان من الحافلة، وها أنا أنظر إليهما من بعيد، فيظهران لي كديكين فقد كل واحد ريشه .

-4-

يصعد المراقبون، أنظر إليهم، فتنبعث الخساسة من وجوههم، وها هم يرغدون ويزبدون، وها هي طالبة تفيض وعيا، تنتفض في وجه قذارتهم، بينما يتضامن معها الطلاب مرددين : " يحيا الطلاب، ولتمت وجوه الخساسة والعار، كفى من الاكتظاظ، نريد حافلة تحترم الكرامة والمقام، هيا يا رفاق، هيا ركاب، لا نريد الخساسة والعار، نريد حافلة تليق بالمقام .هيا ...هيا...غدا سنملأ الشوارع ... "

-5-

ندخل المعمعة، نتضامن، تبح حناجرنا، وها هو نورالدين يردد شعارا بملء فم الغضب .

-6-

ينزل هؤلاء " القوادة "، هم لا يهمهم الاكتظاظ، وتحويلنا إلى كائنات سردينية، بل الذي يهمهم هو تمزيق الأوراق، واستفزاز الركاب بكلماتهم المريضة .

بنسليمان/ 24 يوليوز 2013/ المغرب

-7-

أصل إلى المدرج ؛ أجلس ؛ أفتح محفظتي ؛ أخرج مذكرتي ؛ أضعها أمامي، ثم أشرع في الانصات إلى مدام سعاد، إنها تتكلم حول الأعمال الأنثروبولوجية لمرغريت ميد، وها هي تطوقني بسؤال يستنشق عبق الفرنسية :

- أنتر، ما هي الإضافة التي تقدمها ميد، والتي قد تساعد الباحثين المغاربة لدراسة واقعهم دراسة موضوعية ؟

تأملت لحظة، وأخذت نفسا عميقا في التفكير، وها أنا أنظر إليها، وأشحذ عدتي، بينما اللغة العربية ترغد في داخلي، فأجبت :

- إن الإضافة لتي قدمتها ميد هي تحطيم البرديغم الذكوري، ناهيك عن إعادة النظر في التنشئة الاجتماعية و الطبيعة الإنسانية، ومكانة الطفل، ولكن كيف ذلك ؟ إذا كانت التنشئة في المجتمعات الغربية تقوم على معيرة ذكورية يتلقف فيها الفرد تهيؤات وخطاطات وتقسيمات ذكورية، تميز فيها بين الذكر والأنثى، فإن بعض مجتمعات غينيا الجديدة ليس لها نفس البرديغم، فالمعيار الذي لديها أنثوي، وهنا تجد بعض الخصائص والتصرفات على عكس ما كنا نعتقد، فإذا كنا نرى من قبل أنها طبيعية، وأن البرديغم الذكوري كوني ومطلق، فإن هذه الدراسة قلبت الموازين، وأن العلاقات نسبية ومكتسبة، ولكن كيف تكتسب ؟ إنها تكتسب بواسطة طقوس العبور ( التسمية ؛ التأنيب ؛ المواسم ؛ المناسبات ؛ الزواج ؛ الحج...)، وبالتالي فتجليات القوة، والعاطفة والإحساس، والجسد، تبقى حسب التنشئة، سواء كانت ذكورية، أو أنثوية، بمعنى لا وجود لمعيار كوني قبلي يقوم على أساس ذكوري . فيما يخص مسألة مساعدة هذه الدراسة الباحثين المغاربة، أعتقد أن أغلبية السوسيولوجيين المغاربة تسكنهم العقلية الذكورية، فأبحاثهم تكرس البرديغم المهيمن كأنه معطى طبيعي، مع العلم أنه إنتاج ثقافي-إجتماعي، لقد كان الأجدر بالباحث الذي يدعي الموضوعية هو الوقوف على الخلفيات والآليات التي تثوي خلف التنشئة، من أجل تفكيكها ونقدها، فالسوسيولوجي عليه ألا يرتكن، وتسجيل الواقع كما هو، بل عليه نشدان أفق المواطنة الكاملة التي تقوم على المساواة، وإن مقياسها يتجلى في تقييم مكانة الطفل والمرأة، وأظن أن مرغريت ميد أبرزت مكانتهما، فإذا كانا مبخسين وممعيرين في مجتمعها ( وكذلك في المجتمع المغربي )، فإن بعض مجتمعات غينيا الجديدة تسمح للطفل والمراهق ممارسة الجنس بكل حرية، في حين المرأة هي قائدة المجتمع، وتملك قوة فيزيقية أعلى من الرجل، ناهيك عن أنها سيدة العمل، من ثمة إن الرسالة التي أرادت الأنثربولوجية إيصالها هي أن التنشئة تصنع القوة والعاطفة، والجسد، والجنس، والحب ...

ضحكت مدام سعاد...أسكت لحظة، وها هي تصفق، وها هم الطلبة يصفقون .

-8-

الساعة : العاشرة صباحا
المكان : البفيت
طلبة من كل الصنوف
الموضوع : الثورات العربية
تتناقض الرؤى، وتتصارع الأفكار، لكن الكل مبتهج برحيل الديكتاتوريين، غير أن السؤال المحوري : ما السبيل لبناء دولة الحق والقانون ؟

-9-

يسكت الجميع، يتهاوى النقاش، نركن قرب الحائط، يتقاطر الطلبة، تتكاثر الأفكار، يدير طالب النقاش، يتكلم واحد، يقاطعه الآخر، يتدخل المنسق، تعود الأمور غلى مجاريها، سرعان ما يطفو موضوع حركة العشرين من فبراير، فيهيج الجميع بين مؤيد ومعارض، تفرغ الساحة، وها نحن نغادر أدراجنا .

-10-

ألتقي مع نورالدين في الحافلة، فنعيد الكرة، وها هو ينطق كلمات يسكنها التعب .

-11-

أصل إلى المنزل، فأتجرع براد أتاي، وأمزجه بالمرقة، ثم أنام قليلا : وها أنا أهيم في كتب صادق جلال العظم، وبورديو، وعبد الصمد الديالمي، وفوكو ..

-12-

أحس بالعياء، سرعان ما آخذ ورقة، وأكتب أشعارا وقصصا .


عبد الله عنتار - الإنسان -/ الأربعاء 24 يوليوز 2013 / بوزنيقة - المغرب .



#عبد_الله_عنتار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الطريق المتربة
- عائد من سوس
- علمتني الأيام
- جولة سوسية
- التضامن الأعظم
- رحلة إلى إنزكان
- لحظة أخيرة
- همس الجنون
- إرهاصات العزيب
- 1- الكفاءات الموهومة
- الهسيس
- الحب الإنساني
- النزول
- وهم القائد
- مرآة
- حموضة
- رحلة وصفية من بنسليمان إلى بن احمد : قرى مهمشة ؛ تنمية معطوب ...
- إمتحان البكالوريا
- مشاهد كرزازية
- مطارحات


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الله عنتار - طريقي إلى الكلية