أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سليمان سمير غانم - حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ الوثني والتوحيدي (قدس سوريا). 33















المزيد.....



حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ الوثني والتوحيدي (قدس سوريا). 33


سليمان سمير غانم

الحوار المتمدن-العدد: 4163 - 2013 / 7 / 24 - 18:39
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


-بحث في مقاربة مفهوم الصابئة وفلسفة عبادة الكواكب في سوريا (مشروع كتاب).

-مدينة حران السورية:
-أهمية مدينة حران في الإرث الديني العالمي.
-تاريخ حران في العهد الآشوري والبابلي وحور عبادة القمر سين.
-مدينة حران في العصر الكلاسيكي (اليوناني الروماني).
-مدينة حران في العصر الإسلامي.
-النبي إبراهيم والديانات التوحيدية في مدينة حران (المدينة كمرجعية دينية توحيدية).
-تخبط القرآن والمسلمين في موضوع الصابئة (حران كمثال في فهم مشكلة التراكم الديني السوري).
-الصابئة وعبادة الكواكب والقمر في مدينة حران عاصمة الروحانيات السورية.
-بداية المشكلة.
-فلسفة عبادة الكواكب والقمر في سوريا وهيكل إله القمر سين في مدينة حران.
-مفهوم الصابئة وديانتهم العالمية التوفيقية من خلال عيون المسلمين والأديان التوحيدية.
-الهياكل المقدسة والمكرسة لعبادة الكواكب في مدينة حران.
-الأسرار المقدّسة في مدينة حرّان الوثنية.
-العادات والتقاليد في مدينة حران القديمة.
-مصطلحات دينية عديدة تساعد على فهم الإرث الديني السوري المتنوع قبل الإسلام و المسيحية؛
-الوثنية .Paganism :
-الغنوصية Gnosticism و(الكتابات الهرميسية) Hermeticism ثلاثية التعليم.
-الأفلاطونية الحديثة Neoplatonism.
-إرث الصابئة اليوم وديانة مدينة حران وعبادة الكواكب في سوريا بين المندائيين والعلويين النصيريين.
-النتيجة:


-إرث الصابئة و ديانة حران في سوريا و العراق بين المندائيين والعلويين النصيريين:

لا توجد دراسات عن ورثة الصابئة أو فلسفة عبادة الكواكب في سوريا، وإذا أردنا أن نجري مقاربة لهذا الإرث اليوم، فإننا سنجد أنفسنا نتجه إلى أديان معاصرة في سوريا، تحمل حتى اليوم سمات مشتركة مع إرث ديانة حران وما يطلق عليهم بالصابئة المذكورين في القرآن. أديان نستطيع رؤية تقاليد لديها مرتبطة بتقاليد مدينة حران الثقافية كحاضرة سورية دينية؛ أصبحت مثال لمنطقة استمرت فيها التقاليد الدينية الما قبل توحيدية حتى فترة متقدمة من العصر الإسلامي. لدينا شعوب وأمكنة عديدة في سوريا استمر فيها هذا الإرث الثقافي حتى اليوم. في متابعة هذه الأديان لدينا مثالين واضحين ويمكن أن يتم اسقاط معتقدات حران الدينية عليهما؛ أولهما الديانة المندائية في العراق والثانية العلوية النصيرية في سوريا. كلا الديانتين يحمل أساسيات في الفكر الفلسفي الديني، تتقاطع مع تقاليد حران التي استمرت فيها الطقوس الدينية السورية القديمة حتى وقت متأخر من تاريخ انتشار الإسلام في المنطقة.

نبدأ مع الديانة المندائية؛

-الديانة المندائية والمندائيين في بلاد الرافدين:

-المندائيون اليوم هل هم صابئة حران؟:

لقد تمسّك بعض الباحثين بالقول: إنّ الصابئة ما زالوا متواجدين حتّى اليوم، لكن ليس في مدينة حرّان نفسها، بل في أغلب الأحوال، في منطقة مستنقعات المراكز الهامّة السفلى من نهري دجلة والفرات. حيث يعيش الصبّة، أو المندائيون (ربّما هو اصطلاح سرياني يعني الغنوصيين). والذي تذكر المراجع التاريخية بأن لقبهم القديم كان نازاريين؟ ودعاهم الرحّالة الأجانب بالخطأ "مسيحيي القدّيس يوحنّا". يصف مؤرخو الأديان المتهمون بالشؤون الدينية الطائفة المندائية بأنها آخر الطوائف الغنوصية في الشرق. أعضاء هذه الشيعة الدينية هم بصورة رئيسيّة، حرفيون يشتغلون في بناء المراكب النهرية ومهنيون يعملون في صناعة الفضّة والذهب في العراق. لا يبلغ تعدادهم اليوم أكثر من بضعة آلاف. وكالأقلّيات المنزوية الأخرى في هذه المنطقة المنهكة بالوطنية في سوريا والعراق، هم يسيرون حثيثاً إلى التناقص والزوال. كطائفة دينية يعتقدون من حيث المبدأ – بوجود الإِله الخالق الواحد الأزلي الذي لا تناله الحواس ولا يفضي إليه مخلوق. - ولكنهم يجعلون بعد هذا الإله 360 شخصاً خلقوا ليفعلوا أفعال الإله، وهؤلاء الأشخاص ليسوا بآلهة ولا ملائكة، يعملون كل شيء من رعد وبرق ومطر وشمس وليل ونهار، وهؤلاء يعرفون الغيب، ولكل منهم مملكته في عالم الأنوار. - هؤلاء الأشخاص الـ 360 ليسوا مخلوقين كبقية الكائنات الحية، ولكن الله ناداهم بأسمائهم فخلقوا وتزوجوا بنساء من صنفهم، ويتناسلون بأن يلفظ أحدهم كلمة فتحمل امرأته فوراً وتلد واحداً منهم. - في كتاب الديانة المندائية المقدس الكنز رابا وهو كتاب أنزل على أنبياء المندائيين؛ أي على آدم أول انبيائهم، ثم شيتل بن آدم، ثم نوح، ثم سام بن نوح، ثم يحيى بن زكريا آخر انبيائهم. يتكون هذا الكتاب الديني المقدس من عدة أجزاء كل جزء منها يسمى كتاب لقد كانت (هذه الأجزاء) تكتب في الماضي، على ورق من البردي على شكل لفافات أو تنقش على صفائح من المعادن كالرصاص. وعندما جُمعِتْ وبوبت لم يراع تسلسل الأحداث ولا تنظيم العلم الموجود فيها بشكل يتناسب وكل حدث سواء نوعيته أو زمانه.

للصابئة مجموعة من الكتب الأخرى التي تنظم لهم طقوسهم، وشعائرهم وتنقسم تلك الكتب إلى ثلاثة مجاميع هي: المجموعة الأولى: أجزاء التعاليم الدينية: والتي جاءت بشكل أساس في: 1- الجنزا ربا (الكنز الكبير)؛ 2- دراشا إد يهيا (دروس يحيى)؛ 3- وديوان أباثر (ديوان الملاك أباثر)؛ 4- آلما ريشايا ربا وآلما ريشايا زوطا وفيهما شرح عن العالم الكبير الأول والعالم الصغير الأول؛ 5- وعدد من الدواوين الصغيرة.

المجموعة الثانية: الأجزاء التي تتناول المراسيم والطقوس الدينية من الكنزا المندائي المقدس وتشمل:

سيدرا إد نشماثا "كتاب الأنفس": يُعنى هذا الجزء بشكل رئيس بطقوس المصبتا (الصباغا)، ومراسيم الزواج، وبعض النصوص تُعنى أيضاً بالمسقتا.
القلستا: وهو كتاب حول الأدعية والتراتيل والصلوات، الذي يشمل كل ما جاء بتراتيل ونصوص الصباغة المندائية، وتراتيل، الزواج والمسقتا. وقداها ربا ويعني الصلاة العظيمة أو طلب التوسل العظيم؛ 3- الف وتريسار شيّاله ويتضمن الأخطاء التي يرتكبها رجل الدين، كذلك يتناول في جزء منه التقويم المندائي السنوي، وجزء منه يتحدث عن مراسيم الزواج، طقوس الصباغة والمسقتا.
ديوان ملكوتا اليثا، وطراسة تاغا إد شيشلام ربا: ويتناولان شرح مراسيم تكريس رجل الدين.
ديوان مصبتا إد هيبل-زيوا، وشرح مصبوتا ربا: ويتناولان شرح طقوس الصباغة.
شرح إد قابين إد شيشلام ربا: وهو شرح مراسيم الزواج.
شرح بروانايا: وهو شرح عما يتم عمله في أيام البروانايا الخمسة "البنجة".
شرح طاباهاتا وهو شرح لمراسيم مسقتا الآباء الأولين.

المجموعة الثالثة: أجزاء المعرفة والعلم والتاريخ: وهما أسفر ملواشة أو كتاب تحديد أوقات الشر التي يواجهها الناس والمدن؛ وحران كويثا الذي يستعرض هجرة بعض الناصورائيين. يتضمن حران كويثا أيضاً بعض التواريخ للأحداث الفلكية السابقة وكذلك اللاحقة. يعتقد المندائيون أنّ العالم العلوي يمثّله ملك النُور العظيم، ملك الحياة العظيمة وهناك كائنات روحية لا تُحصى أصغر منه ومنحدرة منه، بعضها يمنح الخير وبعضها شيطاني يمنح الشر. بالنسبة للمندائيين خلقت الأرض من مياه سوداء. أمّا الفلك والكواكب السبعة فهي من أعمال الأرواح المادية الشريرة. في الديانة المندائية. "معرفة الحياة" والقوى المانحة للنُور هي التي تؤدي بالرجال والنساء إلى عمل الصالحات، أمّا الكواكب وأرواح الحياة المادّية فتحرّضها على ارتكاب الخطأ. إنّ معلّم الماندائيين كان يوحنّا المعمدان الذي تعمّد هو نفسه عندما كان يافعاً بواسطة "معرفة الحياة "، فالذين لهم حياة صالحة فسيجتازون بعد موتهم إلى عالم النُور، أمّا الآخرون فسيقاسون العذاب، لكن حتّى أعظمهم شرّاً فسيتطهّر في المعمودية العظمى في نهاية العالم -العماد في المياه الجارية، التي يُطلق عليها المندائيون اسم"ياردنا" (ربّما لها صلة بنهر الأردن) -وهو أعظم سرّ مقدّس ومميّز عند المندائيين، ومنه يستمدّون عباداتهم. إنّهم يقومون بعماد بسيط قبل كلّ الاحتفالات الدينية، وقبل شروق الشمس. فيجب أن تزال بالتغطيس في الماء ثلاث مرّات كلّ حالة غير طاهرة. أمّا الكهنة فيقومون بطقوس العماد المعقّدة المتطلّبة لممارسة خطوات أكثر من تلك التي يمارسها المؤمنون العاديون. السرّ المقدّس الثاني لدى المندائيين هو وجبة السمك المقدّسة، والرمّان، وجوز الهند، والأثمار والمكسّرات. والمناسبات الدينية المقدّسة تتميّز أيضاً بشرب الماء المقدّس وأكل الخبز المقدّس المسمى وَسَا (عجين بشكل طولاني). إنّ حرق البخور وتضحية الأغنام والحمام هي تضحيات أخرى مرافقة للاحتفالات الدينية، إنّ المندائيين عازفون عن ذبح الحيوانات في الأيام العادية ويتناولون النباتات التي لديها بذار بشكل خاص. يشيّدون هم أنفسهم كوخ مذهبهم ويسمّونه (ماندي) ويبنونه من القصب والطين على جانب مياه جارية. وهو كوخ مستطيل الشكل منبسط السقف يسمّونه (أنديرونا) يستعملونه للأعراس وتكريس الكهنة، أمّا طقوس العماد والوجبات المقدّسة فتنجز في النقاط الحاسمة من حياة المندائي الذي يقوم بهذه الطقوس: في يوم الميلاد، يوم الزواج، يوم الموت. وهذا الأخير هو أعظمها مهابة، لأنّ اعتقاد المندائي في الحياة الأخرى يقوده إلى القيام بتفاصيل دقيقة من الطقوس عند الموت والجنازة. إنّ الاحتفالات الرسمية يقوم بها الكهنة وهم يلبسون ثيابهم وعلاماتهم المميّزة من عمامة وعصبة وإكليل الآس (نبات عطري) والصولجان، والخاتم الذهبي، وفي مناسبات معيّنة، خاتماً حديدياً وعليه صورة حيوان معيّن (كما بين صابئة حران) لأسد أو عقرب أو نحلة أو أفعى. وكالصابئة فإنّ تنصيب كاهن جديد يدوم سبعة أيّام. وفي كلّ يوم تُعطى له ثلاث كلمات سرّية. أمّا في احتفالات أسرار حران المقدّسة، فكانت تلفظ بمهابة 22 كلمة. المندائيون كالحرانيين يعتقدون أنّ كلّ يوم وكلّ ساعة من الأسبوع هي تحت تأثير كوكب من الكواكب. وهم لا يباشرون مشروعاً هامّاً بإرادتهم إلاّ إذا كان الحظّ مؤاتياً. سنتهم تتكوّن من اثني عشر شهراً، في كلّ منها ثلاثون يوماً، يتبعها خمسة أيّام منحوسة هي الأيّام التي تضاف إلى السنة القمرية. وفي رأس السنة يسهرون في البيت 36 ساعة، لأنّهم يعتقدون أنّ أرواح النُور تفارق هذا العالم لتهنّئ الكائن السامي بذكرى الخليقة. والسنة الجديدة تميّز بإعادة بناء الكوخ المذهبي، وذلك بتحضير الطعام وبالعماد. ومن بين الصيغ التي يتفوّه بها المحتفلون عبارة شبيهة بتلك التي يتفوّه بها الحرّانيون عند قيامهم بإحياء أسرارهم المقدّسة "اسألْ وجِدْ، تكلّم وأصغِ". الحرّانيون عبدوا الكواكب، في حين أنّ ابتهال المندائيين يتضمّن إنكاراً رسمياً لقوّة الشمس والقمر. وكما بين الصابئة، يُسمح للنساء المندائيات باقتناء الأملاك ووراثتها، والطلاق لا يعترف به في الدين المندائي، ولا تتزوج المرأة ثانية. لكنّها في الواقع تستطيع ذلك، الرجل يستطيع أن يتزوّج من النساء كما يشاء. يستطيع المندائي أن يأكل كلّ نبتة تنتج بذراً. وتؤكل الخضار بحرّية شريطة أن تُغسل أوّلاً. ويجب أن تُذبح الحيوانات وفق أساليب طقسيّة قريبة من تلك اليهودية أو الإسلامية، لكن ممنوع أكل الطيور الجارحة، والطيور التي تأكل السمك. يمنع أيضاً أكل السمك الذي لا حراشـفَ له، لحم الجمل، والخيل، والخنازير، والكلاب، والأرانب، والقطط، السؤال الذي يطرح نفسه هنا؛ هل المندائيون هم نسل الحرّانيين؟ وهل هم الصابئة الحقيقيون الذين اتخذ الحرّانيون اسمهم؟ بموجب تقليدهم الخاصّ: نشأ المندائيون في فلسطين، ثمّ ذهبوا إلى المنفى، إلى حرّان أوّلاً، ثمّ استقرّوا فيما بين النهرين. لكنّ تاريخ المندائيين يقع على حدود الأسطورة ولو أنّ بعض حكايات المندائيين ترجع إلى بدايات الإسلام أو حتّى أقدم، إلاّ أنّ تجمعهم كان بعد هذا بكثير. إنّ لغة المندائيين شبيهة بلغة الحرّانيين السريانية. ولقد رأينا أيضاً النقاط المعزولة في الشبه بين احتفالات المندائيين والصابئة -في صيغ الأسرار المقدّسة، والاحتفال بتنصيب الكهنة، واستعمال الخواتم المحفورة بصور الحيوانات، وقد يكون الشبه بمحض الصدفة. والمذهب الحرّاني مبني على عبادة الكواكب. أمّا في كتب المندائيين القديمة فتعتبر الكواكب حاقدة وشريرة. والديانة المندائية تحتوي على الكثير ممّا هو فارسي في الأصل، في حين أنّ هناك آثاراً طفيفة من التأثير الفارسي في حرّان. المندائيون يستعملون تقويماً شمسياً، أمّا تقويم حرّان فقد كان قمرياً شمسياً. لكنّ الأكثر أهمّية في هذه المقاربة هو العماد، السرّ المقدّس المركزي بين المندائيين، في حين كان له دوراً ثانوياً صغيراً في حرّان، لا يمكن أن تكون له أهمّية كبيرة هناك ما دام أنّ مدينة حرّان كانت تعاني دومـاً من شحّ في المياه.

في تقليب المعلومات عن ديانة المندائيين: نستطيع أن نتوصل إلى أن المندائيين يؤدون ثلاثة صلوات في اليوم؛ الأولى تبدأ عند شروق الشمس، الثانية عند متنصف النهار، الثالثة قبل غروب الشمس. أيضاً هناك الصلوات الشخصية؛ فالمندائي يحتاج دوماً لذكر ربه والإحساس بعظمته وتقديم الصلوات الشخصية لإزالة الأحزان والكرب وإبعاد البلاء وللتجدد ومواصلة الحياة والتنعم بها. يتجه المندائيون نحو النجم القطبي عندما يقدمون صلواتهم، مع ذلك يؤكدون دومًا على أنهم لديهم الإيمان الراسخ بوحدانية الرب وعدم عبادة أي مجسم مادي؛ أرضي أم سماوي وإن اتجاههم للنجم القطبي في صلواتهم، فقط لأنهم يتجهون إلى الشمال، حيث أن النجم القطبي ثابت دوماً في هذا الاتجاه. تؤمن الديانة المندائية أشد الإيمان بأن هناك حياة ثانية للنفس البشرية في العوالم النورانية العليا وما الأرض بنظرهم إلا كوكب بالي. تحرم الديانة المندائية تحريماً قاطعاً كل عمل يقوم على السحر والشعوذة والتنجيم ويعتبر ذلك عملًا منافياً لعبادة الخالق الأزلي واهب الصحة والرحمة والأرزاق والخيرات. في الديانة المندائية، هناك درجات كهنوتية تراتبية لرجال الدين المندائيين؛

1 ـ الحلالي: يقوم ببعض الطقوس في تحضير طعام الغفران [ اللوفاني ] ونحر الحيوانات المحللة شرعاً ويساعد في طقوس الزواج وحمل جنازة المتوفي.
2 ـ الشوليا: [طالب العلم ] يتعلم مبادئ الدين من الكهنة [ الأساتذة ] ثم يمر بسلسلة طقسية لمدة سبعة أيام لامتحان قدراته الذهنية والجسدية ليرتقي إلى درجة ترميذا.
3 ـ الترميذا: يقوم رجل الدين بهذه الدرجة بإجراء الصباغة وعمل [اللوفاني] طعام الغفران وتعليم رجال دين جدد وعقد الزواج في حالة عدم وجود درجة كنزبرا.
4 ـ الكنزبرا: يكون رجل الدين بهذه الدرجة متقنًا لأداء الطقوس والمراسيم و قادراً على شرح كتب الدين وله قابلية الزعامة وكمشرع له الحق في اختيار رجال دين وكراستهم وعقد طقوس الزواج.
5 ـ الريش أمه: وهي أعلى درجة كهنوتية ينالها رجل دين بعد تكريسه و رسامته سبعة رجال دين من درجة ترميذا إلى درجة كنزبرا.

يرتدي المندائيون عند أداء الطقوس الدينية رداء يسمى الرستة وهو من القماش الأبيض المصنوع من القطن وهو عنصر مهم من عناصر الهوية الدينية والاجتماعية تميزهم عن جميع الأقوام المجاورة لهم وتتألف الرستة من: ـ 1 سروال [الشروالا] 2 ـ قميص [الكسيا] 3 ـ عمامة [البرزنقا] 4 ـ حزام [الهميانة] من الصوف ألأبيض 5 ـ نصيفة [كنزالا] ولها استعمالين؛
الأول إما لتثبيت الصولجان [المركنا] عند وقوف رجل الدين وسط المياه الجارية لممارسة طقس العماد، أو كرداء للمركنا، أما الاستعمال الثاني فهي عند الوفاة لتغطية أرجل المتوفي.
6ـ تاج رجل الدين [التاغا] من الحرير الطبيعي.
7ـ الصندل [المسانيا] من الخشب وغطاء من ألياف النخيل ينتعله مؤدي الطقوس.

بالنسبة للمرأة المندائية، كانت المرأة تتزوج لمرة واحدة وكان الطلاق محرماً إلا في حالات خاصة؛ منها ـ إثبات الزنى ـ خروج الزوج أو الزوجة عن الدين المندائي ـ ترك الزوج للزوجة أو الزوجة للزوج بدون أسباب ـ إذا عملت المرأة أو الرجل على تدمير الشجرة [الشرشا] المندائية المقدسة. في الديانة المندائية يستطيع الرجل الزواج بأكثر من امرأة في حالات معينة؛ كعدم قدرة المرأة على الانجاب، مرض مزمن أو معدي يصيب الزوجة بالعجز. طبقاً للنصوص الدينية المندائية فإن الرجل والمرأة كيانان متساويان بالمنزلة والحقوق والواجبات مند بدء الخليقة متمثلة بأبونا آدم وأمنا حواء حسب النصوص. تشير الروايات المندائية إلى مشاركة المرأة في تعلم الدين والوصول إلى مراتب دينية مرتفعة على مر الزمن، في حين نرى في حران عدم تعليم المرأة للدين أو مشاركتها في القداسات الدينية أو تدرجها في المراتب الدينية.


-الديانة العلوية النصيرية في سورية وإرث فلسفة عبادة الكواكب (الفلسفة التوفيقية الدينية Syncretism):

الديانة المعروفة بالعلوية أو الديانة النصيرية؛ التي تتواجد اليوم على طول الشريط الساحلي الجبلي في سوريا، حيث كانت تتواجد فينقيا سابقاً. تثير الكثير من الجدل في مفاهيمها الدينية، تحمل في تاريخها فجوات كثيرة، عصية على الفهم في كثير من الأحيان. عندما تحاول مقاربة مفاهيمها الدينية من ناحية علمية تأريخية تتعرض لمعضلتين الأولى؛ غزارة التقاليد الثقافية والدينية التي تمتلكها. الثانية؛ عدم وجود مراجع توثيقية تغطي كل الإرث الثقافي الذي تمتلكه، أو الفترات الزمنية الغامضة في تاريخها. أغلب المسلمين ينظرون لها بعين الشك ضمن الوسط الإسلامي، بينما نجدها في أغلب الأحيان تزاود في موضوع الإسلام لتثبت انتماءها للوسط الإسلامي وتقدم صكوك براءة أمام التاريخ في سوريا. المشكلة النصيرية معقدة تتجلى في أكثر من جانب، الجانب الأول؛ جانب التكفير الإسلامي، الجانب الآخر؛ جانب داخلي متعلق في الطائفة نفسها، فأغلب النصيريين لا يرغبون في الحديث عن معتقداتهم، في الخط العام يحاولون دوماً مسايرة الوسط الإسلامي المتواجدين فيه، والتبرؤ من أي إرث تاريخي ديني سوري لا يعجب المسلمين.

في موضوع الطائفة النصيرية في سوريا، لم تحصل حتى اليوم دراسات تاريخية جدية من داخل الطائفة؛ لأسباب سياسية وعقائدية دينية متعلقة بالوضع السياسي والديني للطائفة. أيضاً أغلب الدراسات الإسلامية، جاءت مليئة بالإرث التاريخي المشبع بعدم الثقة والازدراء والنظر بعين الريبة لمعتقدات العلويين في سوريا، بالإضافة إلى عامل آخر وهو عدم تقبل النصيرين أنفسهم حتى اليوم في دواخلهم لفكرة الوجود الإسلامي في سوريا بعد الاجتياح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. أما الدراسات الأجنبية وخصوصاً الأوروبية الفرنسية، فقد لاحظت هذه الدراسات الفرق بين النصيريين وأديان سوريا التوحيدية، واعترفت بوجود إرث تراكمي ثقافي وديني سوري في الديانة النصيرية، إلا أن النتائج النهائية، كانت دوماً غير موفقة، لعدم معرفة الغربيين للطقس العرفاني النصيري ولعدم وجود نصوص دينية أو أصوات من داخل الطائفة النصيرية، تتحدث بأريحية عن فلسفة الدين النصيري، فبقيت المعتقدات التراكمية الثقافية السورية لدى الطائفة النصيرية باطنية. أغلب الأبحاث والاهتمامات الغربية وخصوصاً الفرنسية عن الديانة، لم تستطع الوصول إلى فهم صحيح للنصيرية، اعتقدت في أغلب نتائج الأبحاث بأن النصيريين نوع من النصارى أو طائفة دينية مسيحية اعتزلت الحياة المدنية في جبال سوريا الساحلية بعد الدخول الإسلامي وتوقف الزمن عندها على مفاهيم مختلطة غير منتظمة نتيجة للعزلة في الجبال. هنا في بحثنا نستطيع التأكيد على أن الطائفة النصيرية تمتلك تقاليد مسيحية وإرث يهودي ويوناني، لكن هذا غير عائد لكونها طائفة مسيحية، أو يهودية أو إسلامية، بل عائد لأمور تراكمية ثقافية سورية أخرى سنحاول شرحها هنا؛

-الديانة النصيرية بين تراكم الإرث الثقافي السوري والنظرة التوفيقية للمعتقدات:

-الديانة النصيرية وإرث الفينيقيين وعبادة الكواكب الشمس والقمر:

كان الساحل السوري وسطاً فينيقياً مهماً في العصر الفينيقي، لا سيما عبر وجود مراكز فينيقية أساسية فيه؛ كأوغاريت وعمريت وغيرها الكثير من المواقع والتلال الفينيقية. ترك الوسط الفينيقي إرث ثقافي كبير في الساحل السوري في جوانب كثيرة ومتعددة؛ منها تأثيرات في اللغة عبر كلمات موجودة من اللغة الفينيقية حتى اليوم وتأثيرات في اللهجة والأعياد الزراعية وغيرها الكثير من المجالات الحياتية التي لا مجال لذكر جميعها هنا، فما يهمنا في البحث هو إرث الديانة الفينيقية في الساحل السوري وتأثيراتها. كانت ديانة الفينيقيين مجموعة من الطقوس والعبادات، تقيمها المدن الفينيقية، تختلف باختلاف الأمكنة التي تقام فيها، بالرغم من اشتراكها جميعا بالنظرة ذاتها للإله وللظواهر الكونية والطبيعية. كانت طقوس عباداتهم منبثقة عن ملاحظاتهم التأملية الفلكية وعن حياتهم الزراعية واعتمادهم في معيشتهم على الفلاحة وتربية المواشي وارتباطاتها بعالم المياه سواء في البر أو البحر، فوجودهم كان رهناً برحمة قوى الطبيعة، والمواسم وعلاقتها مع الكواكب وتأثيرات قسوتها عليهم، لذا قام الفينيقي منذ أقدم الأزمنة بمحاولة من أروع وأبدع نشاطات الفكر البشري لإدخال النظام العقلي الفكري على هذه (الفوضى) الطبيعية التي تحيط به وتهدد وجوده في البر والبحر. ليتمكن الإنسان الفينيقي من مخاطبة هذه القوى ويستدر عطفها، أضفى على الطبيعة وظواهرها صفات إنسانية، وجعلها قريبة منه يسترحمها، يطلب حمايتها، يقدم لها الهدايا والقرابين يسترضيها بها. أوجد الفينيقيون سلسلة من العبادات ليؤثروا بها على هذه الطبيعة. كانت الآلهة التي أضفى عليها الفينيقيون هذه الصفات كمرآة تنعكس عليها الطبيعة والكواكب بتقلباتها وأحوالها المختلفة. على الرغم من المعرفة والدراسات المبدئية التي تمت لأسس الديانة الفينيقية، إلا أن متابعة الطقوس في الديانة الفينيقية، كانت صعبة جداً خصوصاً أن الفينيقيين استخدموا ورق البردي كثيراً للكتابة عوضاً عن النقوش الحجرية، مما أدى إلى فقدان الكثير من النصوص التي تشرح الديانة والطقوس الدينية الفينيقية في الساحل السوري. في تاريخ سانخونياتون الفينيقي نجد تحليلًا لنظرة الفينيقيين وآرائهم في نشوء الحياة والوجود؛ فالكون عندهم نشأ عن تطور المادة والقوى الموجودة في الفوضى وليس بإرادة خالق إذ كانت في البدء الريح والظلام نتج عنها (وحل أول) تكونت منه الشمس والقمر والكواكب والنباتات والحيوانات والإنسان وأخيراً الآلهة. كانت بداية الأشياء كلها هواء معكراً وعاصفاً دون حدود، امتزج بالفوضى المظلمة وعندما بدأت الرياح تحب مشتقاتها (الهواء والفوضى) نتج عنها كائن دعي الشوق، وتسبب هذا بولادة مزيج على شكل مادة مائية موحلة حوت في ذاتها بذور الخليقة كلها وقد أدى ذلك إلى نشوء مخلوقات لا واعية توالدت وأنجبت مخلوقات مفكرة واعية دعيت المخلوقات الواعية في الفينيقية زوفاشميم أي المتطلعة إلى السماء.

عن الوحل المادي الأول انبثقت الشمس والقمر والنجوم ومجموعات الكواكب كلها، ومن توهج الأرض واليم نجمت رياح وسحب وسقوط أمطار كثيرة، من حرارة الشمس الحارقة نشأ البرق والرعد، من قصف الرعد استفاقت المخلوقات وأخذت تتحرك. من البحر والأرض انحدر شميم رومس الذي يدعى أيضا هبسوراني (السماء العالية) وأوزو وسكن شميم رومس في صور(البرية) وبنى أكواخاً من القصب والغزار البردي واختلف مع شقيقة أوزو الذي كان أول من صنع ثياباً من جلود الحيوانات التي يصطادها (هنا نلاحظ مقاربة مع القصة الدينية لأخنوخ المعروف بإدريس)، وعندما هبت عواصف قوية تسببت باحتكاك الأشجار ببعضها نشب حريق كبير أتى على الغابة قرب صور فأخذ أوزو شجرة نزع عنها أغصانها ونزل بها إلى البحر وكان أول إنسان يتجرأ على النزول إلى البحر والسفر عليه وعندما وصل إلى جزيرة صور، نصب عليها عمودين للنار والهواء وقدم لهما القرابين من دماء الحيوانات التي يصطادها.

بعد موت الاثنين نصبت ذريتهما أعمدة يقدسونها، كما أنهم كانوا يحتفلون بذكراهما ويقيمون لهما الأعياد السنوية وبعدها بأزمنة طويلة انحدر من نسل شميم رومس أغري وهالي مبتكري فن صيد البر وصيد البحر ومنهما انحدر أخوان كانا أول من اكتشف الحديد وطرق استعماله وكان خوسر (الماهر الحاذق) يستعمل عبارات سحرية ويهتم بالوحي وقد ابتكر سنارة الصيد والطعم وخيط الصيد والزورق وكان أول من صنع سفينة للسفر في البحر ولذا كرم كإله وأطلق عليه اسم مليخي(الملاح).

بعد ذلك يروي سانخونياتن حكم عشتروت الكبرى على البلاد، جعلت عشتروت رأس الثور على رأسها رمزاً لحكمها وسيطرتها وعندما تجولت في المسكونة، عثرت على نجم سقط من السماء فأخذته معها إلى صور الجزيرة المقدسة وعند حصول قحط ومجاعة رفع الناس أيديهم إلى السماء معتبرينها إله الكون الوحيد داعينها بعل شميم (رب السماء) وحسب رأي سانخونياتن لم يكن لآلهة فينيقياً ولا لغيرها أي وجود حقيقي مجرد، بل كانت أجساماً طبيعية مؤلهة كهياكل الأجرام السماوية والجبال. كان لكل مدينة من مدن فينيقيا آلهتها ورباتها ومن بينها ثالوث كان يمتاز عن غيره بأهميته بالروابط الخاصة التي تربطه بالمدينة: إله مسن سيد مدينته وربها، أنثى لها صفات الأمومة، إله شاب هو رمز النبات الذي ينبثق عن هذه الأم ثم يموت ليبث حياً في السنة التالية. وهذه الفكرة فكرة إله يموت ليقوم منتصراً على الموت، أصبحت جزءاً حيوياً من المأثور المسيحي. إلى جانب هذا الثالوث، كانت آلهة أخرى تمثل قوى الطبيعة ومظاهرها وقد رأينا كيف يفسر سانخونياتن نشوء عبادة بعل شميم الذي أعاد حيرام الكبير ملك صور بناء هيكله. جمع بعل شميم في ذاته صفات ثلاثية؛ إيل أب الآلهة، وهدد إله العواصف والصواعق، ويم إله البحر، وانتشرت عبادته من صور إلى فينيقيا وبلاد الآراميين وبين أكثر شعوب سوريا وكان بعل شميم عند الصوريين إله الكون بأجمعه مرتبطا أقل من غيره من الآلهة بالاعتبارات المحلية أو السياسية: القبيلة أو المدنية أو الشعبية كما كانت هي الحال بين آلهة ذلك العهد ولذا انتشرت عبادته بسرعة وامتدت إلى بلاد ما بين النهرين في الشرق.

بعد هذه الأفكار الأولية عن النظرة للكون في الديانة الفينيقية، سننتقل إلى موضوع مهم آخر، حيث تمت مؤخراً دراسة شواهد القبور عند الفينيقيين، أعطت هذه الدراسة، أفقاً جديداً لهذه الديانة، التي كانت لا تزال غامضة لناحية الطقوس، فاكتشف علماء الآثار إيمان الفينيقيين بالحياة بعد الموت، وبعقاب الأرواح وبالخوف من قوى الشر وغيرها من المعتقدات، التي لم تكن معروفة لديهم سابقاً، إذ يبدو أن الشعب الذي نشر الحرف حول البحر المتوسط اعتاد كتابة نصوصه الدينية على ورق البرديّ للسرعة، ولم يحفر في الصخر، إلا شواهد القبور والتعاويذ. فأتت الرطوبة لتتلف ورق البرديّ والنصوص الطقسية الدينية التي تحملها، فيما بقيت شواهد القبور شاهداً على دين عمره 3000 سنة، مما يعني أن حضارة الكتابة خلّفت القليل، والقليل جداً، عن تاريخها بلغتها. «المعتقدات الفينيقية من النصوص والقبور»، هو عنوان المحاضرة التي ألقاها في متحف الجامعة الأميركية البروفسور فيليب شميتز؛ المتخصص في اللغات القديمة، والمدرس في جامعة ميشيغان الشرقية. وقد تخصص شميتز في اللغة الفينيقية في بلادها الأم وفي مستعمراتها، وعمل في الأعوام الماضية، على قراءة شواهد القبور الفينيقية، حاول من خلال قراءة النصوص وإعادة ترجمتها طرح مبدأ جديد لفهم عمق هذه الديانة، كما درس طقوس الدفن عند الفينيقيين عبر اعتماده المراجع المكتوبة عنها في حضارات العالم القديم من مصريين ويونانيين ولاتين، وشواهد القبور التي عثر عليها في عمليات التنقيب. أوضح فيليب شميتز؛ أن النصوص التاريخية عن الديانة الفينيقية نادرة جداً. «فأول من كتب عنها كان سانخونياتون، الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، الذي لم يبق من كتاباته إلا ما اقتبسه عنه فيلون الجبيلي في القرن الأول قبل الميلاد، في كتابه عن تاريخ فينيقيا. وعرف العالم الغربي كتابات فيلون، بعدما أتى على ذكرها المؤرخ المسيحي يوسابيوس القيصري». تجدر الإشارة الى أن يوسابيوس القيصري اقتبس كتابات فيلون بهدف واضح وهو «إبراز سوء هذه الديانة الفينيقية، وإبراز أهمية المسيحية بالنسبة إليها. مما يشير الى صعوبة اعتبار الكتابات التاريخية بمثابة مرجع غير متطرف عن الديانة الفينيقية»، لكن، رغم كل هذه الصعوبات، يقرأ شميتز في تلك النصوص التي حللها على شواهد القبور ثلاثة مكونات أساسية لهذا المعتقد: هي الضوء والشعاع والنار، كما يتضح أن لهذا الدين تقويماً زمنياً قمرياً خاصاً به تدخل فيه الطقوس والمراسيم الدينية، التي تتبع عدداً من القداسات في الصلاة، تخص قوى الطبيعة والنجوم. لإبراز بعض من هذه المراسيم والمعتقدات، يعمل العالم الأميركي على ترجمة شواهد القبور وتحليلها، ويشير الى أن نص أحدها (مكتشف في قرطاج) يعطي اسم المدفون «وتقول الكتابة على شاهدة القبر إن من يقرأ أو يعرف الاسم سيعطيك مياهاً لتشربها». ما معناه أن الروح التي تسكن شاهد القبر هذا لن يصيبها مصير الأرواح الضائعة العطشى، التي لا تعرف اسم الإله، لأنها تعرف اسم الإله. وتلك كانت لعنة تطلق على البشر في حياتهم في فينيقيا، ويخافون أن تصيبهم بعد مماتهم. يؤكد الباحث شميتز في دراسته أن ما ذكر في الشاهدة كان جزءاً أساسياً من معتقدات الفينيقيين في معرفة اسم الإله في الطقس الديني للنجاة والخلاص من عالم التيه المذكور بصيغة العطش على شاهدة القبر. هذه المقاربة أو هذا المفهوم في الديانة الفينيقية، نرى امتداداً له في ثالوث الحكمة في الديانة النصيرية وفلسفتها اليوم، حيث يوجد تقليد ديني أساسي لدى النصيريين يقر بالمرتبة الثانية للاسم في معرفة الله في ثالوث الحكمة النصيري، وبأن من لا يعرف اسم الإله الأعظم لا يعرف الإله أو بتفسير آخر أن الله يعبد بمعرفة اسمه. فمن يعرف الإله بالطريقة العرفانية النصيرية، يخرج من طور الروح الضائعة إلى طور الروح أو النفس العارفة لذاتها والناجية من الضياع، المتجهة نحو أصلها الأول وبالتالي الخلود. كان الخوف من الأرواح الشريرة واضحاً في حياة الفينيقيين، إذ كانوا يعتمدون على الرسوم، وخصوصاً العين الحامية، حتى إن ملك صيدا حفر رمز العين على ناووسه لينقذه من قوات الشر بعد الموت. والجدير بالذكر أن هذا المعتقد لا يزال سائداً حتى اليوم عند الشعوب السامية. فالعين ترسم في «يد فاطمة»، أو تصنع بالفخار لتوضع فوق أبواب المنازل. ويقول شميتز إن قراءة وترجمة معظم الكلمات الفينيقية تشبه إلى حد كبير العربية، التي تعد الأساس في تفسير أغلب اللغات السامية القديمة. وهكذا فعلى شواهد القبور مثلاً تُرجم حرفا «رح» التي تقرأ «روح» كانت الروح لدى الفينيقيين حسب شميتز تعاقَب بعد الموت على أفعالها وتنال جزاءها في تحولها إلى جسد آخر، أو الذهاب إلى عالم آخر. وكان هناك تمييز واضح بين الروح والنفس، الذي هو الهواء الذي يتنفسه المرء. كان الدفن عند الفينيقيين يتبع طريقتين، إما بوضع الجثمان في القبر أو بحرقه ووضع العظام في جرتين مدفنيتين، واحدة للعظام الكبيرة والثانية للصغيرة. وكانت تقام المآدب أمام القبور بعد أيام على الوفاة، بعد مشاركة الطعام تكسر الصحون الفخارية وترمى القطع حول القبر. كانت شعوب الحضارات القديمة قد كتبت عن طرق الدفن عند الفينيقيين، فالإغريق كتبوا عنها، وكذلك فعل العبرانيون، الذين شتموا في كتاباتهم الديانة الفينيقية، وعدوها غير راقية ودموية. ولأن الفينيقيين كانوا يكتبون على ورق البرديّ ضاعت كتاباتهم ولم يبق ما يخبر عنهم إلا ما كتبه العبرانيون. لذا، بقي البشر يعتقدون لأكثر من قرن بأن ديانة الفينيقيين غريبة ومختلطة المفاهيم ولا جدوى من التعمق بها، فيما أكدت الترجمات الحالية للنصوص الدينية على شواهد القبور عكس ذلك، لا بل أبرزت أنهم كانوا مؤمنين جداً، وعلى مستوى «لاهوتي» عالي يساير أديان سوريا السامية القديمة مع خصوصيات طبيعية ناتجة عن الوسط الطبيعي الجغرافي المرتبط بالبحر وطبيعة الساحل السوري. فيما يخص التقارب بين معتقدات الفينيقيين والنصيريين كإرث اليوم، نلاحظ الربط في عدة مفاصل؛ وجود ثالوث للحكمة يأخذ أشكال مختلفة بأزمنة مختلفة، وجود الشمس والقمر في على رأس الكواكب في قصة الخلق، وجود عدة قداسات تخص النجوم والفلك، تقديس عناصر ومظاهر الطبيعة والماء ووجود أعياد ربيعية وزراعية، الإيمان بالحياة بعد الموت. أيضاً موضوع معرفة اسم الإله الأساس في الديانة الفينيقية والمتواجدة بشكل أساسي في الفلسفة النصيرية اليوم. فكانت النصيرية في الساحل السوري وبنسبة متوسطة وغير واضحة تماماً الوارثة للفلسفة الدينية الفينيقية التي تحمل الديانة النصيرية حتى اليوم تقاليدها، كنظرية في تفسير وجود الكون أو معرفة الإله، النظرية التي كانت سائدة في سوريا قبل انتشار الفكر التوحيدي. لا نستطيع تجاوز موضوع انتشار النصيريين حالياً في أماكن تواجد الفينيقيين سابقاً وأثر هذا الوضع في الإرث الثقافي الديني في الساحل السوري اليوم مع التأكيد على عدم التطابق الكامل بين النصيرية والفينيقية في كل المفاصل، وهذا طبيعي جداً وعائد للبعد في الزمن والتطور الثقافي للمعتقدات النصيرية بعد الفينيقية ولفترات طويلة.


-الفكر والفلسفة اليونانية في الديانة النصيرية؛ أساسيات ومفاهيم الفلسفة الدينية النصيرية بين أفلاطون وأرسطو وأفلوطين:

-الديانة النصيرية وفكر أفلاطون:

كان الساحل السوري، وسطاً إغريقياً مهماً في الفترة الإغريقية اليونانية التي دامت قرابة الألف عام، خصوصاً خلال فترة الإسكندر وخلفائه في سوريا، التي كانت الفترة الذهبية للثقافة وللتوافق الديني بين فلسفة السوريين واليونانيين والتأثيرات المتبادلة بين الحضارتين إرسالًا واستقبالاً ومزجاً على الأرض السورية. خصوصاً إذا تخيلنا إمكانية تأثير ألف عام متواصلة من حضارة معينة على بقعة جغرافية محددة. فلقد أسس الإغريق في سوريا وتحديداً في الساحل السوري أربعة مدن متناظرة مهمة على صعيد الثقافة العالمية الإغريقية، دعيت بالمدن الرباعية وهي أنطاكية، سلوقية بيرية، اللاذقية وأفاميا وجميعها تتواجد في أماكن تواجد النصيريين اليوم. تتميز الديانة النصيرية عند مقاربتها مع المفاهيم الإغريقية، بوضوح اعتقادها بالمفاهيم الفلسفية لأعمدة الفكر اليوناني العالمي. أولها كان التبني للنظرية الفيضية لأفلاطون Π-;---;-----;-------;----λ-;---;-----;-------;----ά-;---;-----;-------;----τ-;---;-----;-------;----ω-;---;-----;-------;----ν-;---;-----;-------;---- قطب الفلسفة اليونانية الأهم؛ النظرية التي تشرح أصل الوجود ونشأة الكون، التي تقول مقدمتها عن الواحد يصدر الكون. والنظرية الفيضية وإن كانت تأخذ في مفهومها البسيط معنى فيضان الماء من الإناء؛ أي انسكاب الماء خارج الإناء مع عدم تغير حجم المياه في الإناء أي بعدم تغير ماهية الإله بعد الخلق، إلا النظرية تفسر و بتدرج فلسفي عميق كيف تفيض الأشياء والموجودات عن الله، هي كنظرية تشرح مفاهيم أفلاطون والأفلاطونيين في معرفة الله، عبر وضع النظرية الفيضية كأساس لتفسير نشأة الكون؛ حيث يصدر الوجود عنه، كما يصدر النور عن الشمس تلقائياً، لأنه ناجم عن طبيعة المبدأ الأول، هكذا يكون الفيض لا عشوائياً، بل منتظماً ينتقل من الواحد إلى الكثرة و من الأول إلى العقول، أي من الوجود الأبدي المطلق إلى الوجود الزماني المتغير، و يكون بطريقة تسلسلية بحيث تتوالد الموجودات عن بعضها البعض؛ فيكون أول هذه الموجودات العقل الأول و آخرها العالم المادي. العقل الأول في النظرية الفيضية يحرك الفلك الأكبر للكواكب المعروفة، بعده تأتي عقول الأفلاك الثمانية بعضها عن بعض والعقول التسعة الموجودة أي العقل الأول و عقول الأفلاك الثمانية تمثل مرتبة الوجود الثانية بعد الواحد، في المرتبة الثالثة يوجد العقل الفعال في الإنسان وهو الذي يصل العالم العلوي بالمادي، في المرحلة الرابعة تأتي النفس، في المرتبة الخامسة توجد الصورة، في المرتبة السادسة توجد المادة ولهذه المراتب متقابلات في الأجرام السماوية والعالم الأرضي، مع وجود الأسطقسات اليونانية أي عناصر الطبيعة الأربعة؛ الماء، الهواء، التراب والنار. تميِّز الميتافيزياء الأفلاطونية بين عالمين: العالم الأول؛ هو العالم الإلهي. العالم الثاني المحسوس؛ هو عالم التعددية، عالم الصيرورة والفساد. ويقع هذا العالم بين الوجود واللاوجود، ويُعتبَر منبعًا للأوهام (يجسد في المفاهيم الأفلاطونية باستعارة الخيالات في الكهف) لأن حقيقته مستفادة من غيره، من حيث كونه لا يجد مبدأ وجوده إلا في العالم الحقيقي للـمُثُل المعقولة، التي هي نماذج مثالية تتمثل فيها الأشياء المحسوسة بصورة مشوَّهة. ذلك لأن الأشياء لا توجد إلاَّ عبر المحاكاة والمشاركة، ولأن كينونتها هي نتيجة ومحصلِّة لعملية يؤديها الفيض، كـصانع إلهي، أعطى شكلاً للمادة التي هي في حدِّ ذاتها أزلية وغير مخلوقة كما يعبر عنها بلفظة أفلاطون (تيميوس).

يتألف عالم المحسوسات من أفكار ميتافيزيائية (كالدائرة، والمثلث) ومن أفكار "افتراضية" (كالحذر، والعدالة، والجمال، إلخ)، تلك التي تشكِّل فيما بينها نظامًا متناغمًا، لأنه عالم معماري البنيان ومتسلسل بسبب وعن طريق مبدأ المثال السامي الموحَّد الذي هو "منبع الكائن وجوهر المُثُل الأخرى"، أي مثال الخير. لكن كيف يمكننا الاستغراق في عالم المُثُل والتوصل إلى المعرفة؟ في كتابه فيدروس، يشرح أفلاطون عملية سقوط النفس البشرية التي هَوَتْ إلى عالم المحسوسات – بعد أن عاشت في العالم العلوي من خلال اتحادها مع الجسم. لكن هذه النفس، وعن طريق تلمُّسها لذلك المحسوس، تصبح قادرة على دخول أعماق ذاتها لتكتشف كالذاكرة المنسية، الماهية الجلية التي سبق أن تأمَّلتها في حياتها الماضية: وهذه هي نظرية التذكُّر، التي يعبِّر عنها بشكل رئيسي في كتابه مينون، من خلال استجواب العبد الشاب وملاحظات سقراط الذي "توصل" لأن يجد في نفس ذلك العبد مبدأً هندسيًّا لم يتعلَّمه هذا الأخير في حياته. إن فنَّ الحوار والجدل والتأمل الفلسفي العميق، أو لنقل الديالكتيكا، هو ما يسمح للنفس بأن تترفَّع عن عالم الأشياء المتعددة والمتحولة إلى العالم العياني للأفكار. لأنه عن طريق هذه الديالكتيكا المتصاعدة نحو الأصول، يتعرَّف الفكر إلى العلم انطلاقًا من الرأي الذي هو المعرفة العامية المتشكِّلة من الخيالات والاعتقادات وخلط الصحيح بالخطأ. هنا تصبح الرياضيات، ذلك العلم الفيثاغوري المتعلق بالأعداد والأشكال، مجرد دراسة تمهيدية. لأنه عندما نتعلَّم هذه الرياضيات "من أجل المعرفة، وليس من أجل العمليات التجارية" يصبح بوسعنا عن طريقها "تفتيح النفس للتأمل وللحقيقة". لأن الدرجة العليا من المعرفة، التي تأتي نتيجة التصعيد الديالكتيكي، هي تلك المعرفة الكشفية التي نتعرَّف عن طريقها إلى الأشياء الجلية. لذلك فإنه يجب على الإنسان الذي ينتمي إلى عالمين – أن يتحرر من الجسم (المادة) ليعيش وفق متطلبات الروح ذات الطبيعة الخالدة، كما توحي بذلك نظرية التذكُّر عند أفلاطون وتحاول البرهنة عليه حجج فيدون. إن الفضيلة التي تقود إلى السعادة الحقيقية، تتحقق، بشكل أساسي، عن التناغم النفسي الناجم عن خضوع الحساسية للقلب الخاضع لحكمة العقل. تستخدم الديانة النصيرية الفكر الأفلاطوني، لاسيما النظرية الفيضية لأفلاطون وتوابعها الفلسفية كنظرية تذكر النفس لموطنها الأول لمعرفة حقيقتها العميقة، عبر الكشف الروحي القلبي الذي يذكر هذه النفس بجوهرها العلوي ويعمل على إعادتها إليه عن طريق الكشف الصوفي وتلقين المريد للطريقة العرفانية النصيرية لمعرفة النفس لأصلها والعودة إلى موطنها. الفلسفة النصيرية في الساحل السوري تتخذ بوضوح الأفلاطونية كأساس فكري في تراتبيتها الدينية وكتبها الكثيرة، فمثلاً لدينا كتاب في الديانة النصيرية بعنوان تذكرة النفس لكاتب نصيري يدعى البصيري وهو مقتبس عن نظرية أفلاطون في تذكر النفس.

-الديانة النصيرية وفكر أرسطو:

عارض أرسطو أستاذه أفلاطون الذي رأى أن الموجودات الطبيعية ليست إلا ظلالًا للمثل؛ فقرر أن الموجودات الحقيقيـة هـي المحسوسات، وأما المثل التي هي الكليات، فليس لها إلا الوجود العقلي فحسـب، والعقـل ينتزع المثل (المفاهيم) من الموجودات الحقيقية، وهذه الموجودات تدرك بالمشـاهدة لا بالفكر، وإذا كان وجود الأجسام الطبيعية حقيقيًا؛ فإن أرسطو أخذ في تفسـيرها، وقـال إنهـا مركبة من مبدأين: الهيولى والصورة. فالهيولى كلمة معربة عن اليونانية معناها مادة غير معينة أصـلًا، وبهـا تشـترك الأجسام في كونها أجسامًا، وهي الموضوع الذي تقوم به الصفات، وهي فـي ذاتهـا لا توصف ولا تحد، ويمكن أن توصف إذا خلعت عليها الصورة. وأما الصورة: فهي المبدأ الذي يعين الهيولى ويعطيها ماهية خاصة، ويجعلهـا شـيئًا واحدًا، وهي ما نتعقله أو ندركه في الأجسام من الصـفات؛ كـاللون والخفـة والثقـل، والجمـال واللمعان، والانطفاء والحلاوة.وتعتمد فلسفة أرسطو فيما وراء الطبيعة على نظريته الأساسية في العلَّة، والتـي يمكـن تلخيصها على النحو الآتي:
يفسِّر أرسطو عن طريق العلَّة العناصر الميتافيزيقية المسببة للتغيرات المختلفة في الكائنات، ويُقسِّم أرسطو العلَّة إلى أربعة أنواع هي:
-1 العلَّة المادية: هي المادة التي تتكون منها الأشـياء؛ كـالبرونز للتمثـال، والخشـب للكرسي.
-2 العلَّة الفاعلة أو المحركة: وهي ما يؤثـر في إيجاد الشيء؛ كالصانع للتمثـال أو الكرسي.
-3 العلَّة الصورية: وهي الأوصـاف والمميـزات التي بهـا تكون حقيقة الشيء وماهيته، وهو ما به أصبح التمثال تمثالًا والكرسي كرسيًا.
-4 العلَّة الغائية: وهي التي تشكل الغاية من وجود الشيء؛ وهو المقصد والهدف من إقامة التمثال.
وقد اختصر أرسطو العلل الأربع في علتين فقط هما: العلة الماديـة والعلة الصورية لاعتقاده بأن العلة الغائية ترجع إلى الصورة والعلة الفاعلة ترجع إلى المادة، ثم أطلق على ما أسماه العلة المادية بالهيولى، وما أسماه بالعلة الصورية بالصورة، وعلـى الهيولى والصورة يعتمد أرسطو في تفسيره لتغيرات هذا الوجود وما يحدث فيه من كون وفساد.

-علاقة الهيولى بالصورة:

إن الهيولى بالنسبة لأرسطو لا تُشكِّل موجودًا ما إلا بعد أن تأخذ صورته، فهي فـي الخـارج لا توجد مستقلة عن صورة ما، وإنما وجودها فيه يكون بحلول صورة الشيء الموجود في تلك الهيولى المطلقة، فإن حلَّت في الهيولى صورة نبات وجد النبات في الخارج بمادتـه وصورته، وإن حلَّت فيه صورة حيوان وجد في الخارج حيوان بصورته ومادته، وهكذا تتعاقب الصورة على المادة؛ فتتشكل منها مختلف الأنواع والأجناس على اختلاف مراتبها في عالم الموجودات. فإن حلَّت في المادة صورة موجود أدنى ـ كنبات أدنى مثلًا ـ أخذ الموجود مرتبـة نبات، وإن حلَّت صورة أرقى قليلًا ـ كصورة حيوان مثلًا ـ أخذ الموجود مرتبـة الحيـوان، وهكذا ترقى الموجودات برُقي صورها من مرتبة إلى أخرى، وتتدانى الموجودات بدنو صورها من مرتبة إلى أخرى في طريق عكسي. وفي أثناء ذلك تتصارع الصورة والهيولى، فالهيولى تحاول أن تجذب الصـورة إلى موجود أدنى لأن طبيعتها مادة صرفة، والصورة تحاول أن تجـذب الهيـولي إلـى موجود أرقى؛ لأن طبيعتها المعنى المجرد عن المادة الذي هو غايـة الموجـودات فـي حركاتها إلـى أعلى، أي قد تنجح الصورة في جذب المادة إلى أعلى. ويعلِّل أرسطو وجود شواذ المخلوقات في عالمنا هذا وحالات الإجهـاض فـي الحيوانات بأنه مظهر إخفاق الصورة في تشكيل موجود كامل من الهيولي. إن المادة في نظر أرسطو هي وجود الشيء بالقوة، وأن الصورة عبـارة عـن وجود الشيء بالفعل، فوجود الأشياء هو خروجها من القوة إلى الفعل وإعدام ما يعدم منها ليس إلا رجوعًا من الفعل إلى القوة.

نرى استخداماً لفلسفة أرسطو في الديانة النصيرية في مواضع كثيرة وخصوصاً فيما يتعلق في مفهوم الصورة والهيولى التي نجدها كثيراً في الكتب الدينية النصيرية ككتاب المثال والصورة. بينما تعتمد الفلسفة النصيرية في فهمها وتصوراتها لبداية الكون على النظرة أو الفلسفة الأفلاطونية من الأعلى إلى الأسفل، فإنها في الممارسة الطقسية الدينية، تؤمن أو تتبع نظرة أرسطو والتدرج من الأسفل إلى الأعلى في التراتبية الدينية لمراحل طقسية يمر بها المؤمن النصيري، نراها في مفهوم الاصطفاء في الديانة النصيرية والذي يمر عبر مراحل دينية متعددة من الأسفل إلى الأعلى تسعى فيها النفس للعودة والارتقاء إلى موطنها الأول في عالم الأنوار كصورة مجردة من الهيولى.

-الديانة النصيرية وفكر أفلوطين:

كانت الأفلاطونية الحديثة في مدرسة الإسكندرية، من أكثر الفلسفات المؤثرة في الأديان الشرقية كالإسلام والمسيحية، لكننا نراها بوضوح أكبر في الديانة النصيرية؛ التي نستطيع اعتبارها بالتمام ديناً أفلاطونيًا حديثاً، يجمع بين الغنوصية الشرقية والنظرة التوفيقية للمعتقدات الدينية الثقافية السورية واليونانية؛ أي بين ديانات سوريا القديمة وديانات اليونان الوافدة مع اسقاطات لأسس الفكر على كل الأزمنة عبر ترميزها بشخصيات الزمن المعاش. هي بطريقة أخرى كانت نوعاً من التوفيقية العالمية Syncretism، عبر وجود هذه الثقافات بتراكمية دينية داخل الفكر النصيري. ففي موضوع أفلوطين والفلسفة الاسكندرانية نرى التطابق الفكري مع الأفلاطونية الحديثة في مواضع عديدة، حيث يقول أفلوطين قطب الأفلاطونية الحديثة في كتاباته؛ الجسد قبر والمادة شر والنفس البشرية في الأرض مرآة في الوحل وإن اختلطت عليها الأوساخ والأتربة وعدم الوضوح في الرؤية في هذا العالم المادي، إلا أنها بالغسيل الروحي، تستطيع التطهر والعودة إلى نضارتها وعكس حقيقتها ومعرفة أصلها في العالم العلوي. نستطيع أن نقرأ في الديانة النصيرية في مواضع عديدة اقتباسات فلسفة أفلوطين، أولها تراتبيّةَ الأقانيم والوجود الأزليّ؛ لكون مادي خادع وهمي، وتوقَ النفوس إلى وحدة حقيقية فقدتها وإن لبثت حاضرة في أعماق ذاتها. وإنّ السقوط الأفلاطونيّ وفقدان الجناحين الملائكيين، ليس نتيجة خطيئة أصليّة كما في الديانات التوحيدية، بقدر ما هو استعارة لخبرة معاشة سابقاً. وانطلاق النفس(psyché) الجديد واللقاءات السماويّة ليست ثمرة نعمة ارتبطت بالإيمان، ولا هي تطلب طقس ذبيحة الفداء والصلوات كما في الديانات التوحيدية. كانت الصورة الغنوصيّة عند أفلوطين والمنعكسة في النصيرية تعود أو تتجسد في تشبيه النفس بالذهب المخفيّ تحت الوحل الذي هو الجسم، الفكرة التي استخدمت واستُعيدت في فلسفته، لتدلّ على ما تبقّى من إلهيّ في الجزء الأعلى من النفوس المشتَّتة، فنجاة الذين تدعوهم الثنائيّة الأفلاطونية البنفماتيّين ال (pneumatique)، لا تتضمَّن أي رذل نهائيّ لنسل ملعون؛ الذي هو نسل المادّيّين أو الهيوليّين، بل مخرجًا لفرز بسيط بين أبناء النور وأبناء الظلمة كما في فلسفة الديانة النصيرية.

بالرغم من تقديس أفلوطين للنفس واعتبارها من أثر علوي، لم يحتقر الجسد، بل قال: يجب أن نسود عليه، لا أن نحتقره، ففيه كوِّنت النفس، نوعًا ما، مادّة على صورتها. وإذ كان انتقال الأنفس من جسد إلى جسد، ليس مجرَّد رمزٍ، فهو يدلّ بشكل خاصّ على أنَّ النفس التي تعيش على مستوى البهيمة أو النبات، لا تستحقّ سوى أداة حيوانيّة أو نباتيّة تنعكس في عودتها في جسم حيواني أو نباتي. أمّا الحكيم أي العاقل بنفسه، فيستعمل جسده بشكل يليق به، وبفطنة، كوجود ضروريّ للتناغم الأرضي الوجودي، لكنَّ الحكيم يتركه أي الجسم من أجل مهمّات أسمى. نرى هذه النظرة في الديانة النصيرية، حيث أن اعتبار عالم المادة والأجسام، عالم شرير والنفس من أصل إلهي ليس مادي، لم ينتج كرهاً للجسد، بل احتراماً لكونه وعاء استقبل النفس التي هي الجزء الإلهي في التكوين البشري. مع الدعوة في نفس الوقت لتغليب الجانب الروحي على الجوانب الحيوانية للجسم، هذه النظرة اقتبستها النصيرية في قول لجعفر الصادق يردد فيه نفس المفهوم الذي يتحدث عن تغليب الجانب الروحي الملائكي على الجانب الشهواني المادي.

في الفلسفة الأفلاطونية الحديثة نرى لدى أفلوطين أساساً من أساسات فكره ألا وهو مفهوم التنقية (الاصطفاء أو التصفية) المتدرِّجة، التي تشبه عمل نحّات ينزع قطع الرخام النافلة التي يظهر تحتها الشكلُ الحقيقيّ، هذا المفهوم نراه واضحاً في الديانة النصيرية عبر مفهوم الاصطفاء والوصول إلى العالم النوراني، حيث يتفوَّق دورُ الجدليّة العقليّة على الاندفاع العاطفيّ البسيط. وهو مقتبس بشكل كبير عن أفلاطون حيث تحدَّث عن نفوس أثقلها لا تنبهها للخير ولا تناسق في الرغبات، فاحتفظت، بدرجات متفاوتة، ببعض التذكُّر للرؤية الأولى. ولاحقاً شدَّد أفلوطين على أنَّ النفس التي تدرك ماهيتها تتبع وتغلب الحب ّوالجمال والخير.

في رأي أفلوطين كما في الديانة النصيرية؛ النفس لا تتنجَّس. فتحرُّكات الجسد اللا نظاميّة، قد تكدِّرها كما يفعل الوحل في مرآة، لكنَّ الضباب الذي يقف حاجزًا في وجه النور، يبقى دائمًا خارجًا عن الشعاع الذي يؤخِّره. فلكي تجد النفس ذاتها نقيّة، يكفيها أن تنظر إلى العلاء، أن تستيقظ من أحلامها العبثيّة في فكر العالم المادي، لسنا أمام انشداد للإرادة، كما في العالم الرواقيّ، بل أمام مجرَّد انفتاح على الذهن والعقل، وفي النهاية أمام اتِّحاد النفس بما هو من نسلها، حينئذٍ لا يكتفي الحكيم أو الناجي بأن لا يكون آثمًا، بل يجب أن يكون إلهًا. على هذا المستوى ووراء المصير والحظّ وفي ارتباط كامل مع الكلّ، لا يريد هذا الكائن سوى الخير الذي يشاهده. كانت الفلسفة الأفلوطينية بامتياز خير ما توصلت له العصور الكلاسيكية الراقية من فلسفة بمستوى عالي تخص النفس وأصولها ومصيرها وكانت من أهم الفلسفات التي اقتبستها الديانة النصيرية في مفاهيمها.

-الديانة النصيرية وفلسفة هيراقليط في الأضداد:

في الديانة النصيرية لدينا اقتباسات كثيرة عبر أزمنة متعددة لنظرية الفيلسوف الإغريقي هيراقليط في الأضداد في الطبيعة والكون المادي، التي تفسر بأهمية الضد في إظهار الاختلاف بينه وبين ضده، هذا الاختلاف الذي يميزه كوجود كائن. بالأحرى لا يظهر الكائن ولا يوجد من دون ضد يميزه؛ فالأبيض أكثر ما يظهره هو اللون الأسود وهكذا. كان هيراقليط أكثر فلاسفة اليونان سعياً إلى الكشف عن الوحدة وراء الكثرة في الكون ويريد من خلال فلسفته أن يدرك النظام ضمن هذه الفوضى الظاهرة في تقلبات الكون. فهو يقول (إن كل الأشياء واحدة ومشكلة الفلسفة معرفة ما هو الواحد الذي تصدر عنه الأشياء. اعتبر هيراقليط أن النار هي القوة المحركة للكون؛ كمبدأ من مبادئ الطاقة وأن هذه الطاقة ستستمر في تحريك وتغيير الكون ما إلى لا نهاية. وستبقى حية إلى الأبد تنطفئ بمقدار وتستعر بمقدار. وهذا التأثير نراه مقتبساً من الديانة الزرادشتية الفارسية. المبدأ الثاني في فلسفة هيراقليط هو: التغيير الدائم المتواصل وهو المعروف بفلسفة الأضداد؛ بالنسبة له لا يوجد ثابت في الكون أو العقل والروح. بل كله متغير بصورة مستمرة ويعبر عنه بقوله: أنك لا تغطس في مياه النهر مرتين؛ فإن مياه جديدة تجري من حولك أبداً). يرى هيراقليط أن المتناقضات ليست سوى مراحل مستمرة، وكل من الضدين ضروري لوجود الآخر ولإدراك معناه والوجود هو الانسجام والوحدة بين الأضداد. وفي الصراع بين الرجل والمرأة وبين الأجيال والطبقات والشعوب والأفكار والعقائد تتصادم الأضداد وتلتقي لتؤلف الوحدة المستترة والانسجام الخفي للحياة. وبذلك يصل هيراقليط إلى ما يسمى (لوغوس) أي الفكر أو العقل وفي هذا الفكر تتجلى بالنسبة له القوة المنظمة والحكمة الشاملة والقانون الكلي للطبيعة وللكون والإله. كان هيراقليط يهزأ بأولئك الذين يوجهون الأدعية ويقدمون الضحايا أمام التماثيل والمقامات، فهم لا يختلفون بنظره عمن يتحدث إلى حجارة البيوت ولا يفقهون شيئاً من حقيقية الآلهة. يشار إلى أن ثقافة الأضداد وعلى الرغم من سموها في العالم الطبيعي والنظرة اللاهوتية إلى الموجودات، إلا أنها مدمرة وهدامة في الديانة النصيرية عندما تستخدم في عمليات الاسقاط الديني والسياسي لها، خصوصاً في الحقبة الإسلامية والصراع الإسلامي على السلطة، عبر ترميز الشخصيات بمنحيين لدى الأطراف المتصارعة؛ شخصيات دينية خيرة وأضداد شريرة مخالفة لها.

-الديانة النصيرية وفلسفة هرميس الغنوصية Hermeticism and Gnosticism:

لفظ غنوصية يعني معرفة، ويقصد بها نمط معين من المعرفة لا يستند إلى العقل والاستدلال المنطقي وإنما إلى الحدس والذوق من أجل معرفة الله بواسطة الاتحاد به. اتخذت الغنوصية عدة مظاهر في عصور الفكر المختلفة، لكننا نكتفي منها هنا بجانب يتصل بالمؤلفات الهرميسية، المؤلفات الهرميسية: هي مجموعة نصوص مصرية يونانية مأخوذة أو منسوبة لهرميس الذي يعتقد العرب أنه النبي إدريس، ويسمى في الإغريقية تريسمي جيستوس Τ-;---;-----;-------;----ρ-;---;-----;-------;----ι-;---;-----;-------;----σ-;---;-----;-------;----μ-;---;-----;-------;----έ-;---;-----;-------;----γ-;---;-----;-------;----ι-;---;-----;-------;----σ-;---;-----;-------;----τ-;---;-----;-------;----ο-;---;-----;-------;----ς-;---;-----;-------;---- هذه الفلسفة تعرف في اللاتينية ب Mercurius ter Maximus بمعنى المنسوب لعطارد الثلاثي التعليم؛ فالهرميسية تنظر إلى الله بثلاث صفات؛ الوجود، الحكمة، الحياة. تشير هذه المؤلفات إلى مجموعة أقوال، لا تتخذ طابع محاورات أفلاطون التي تستثير الفكر بمنهج سقراط القائم على التهكم والتوليد للأفكار، ولا طابع دروس أرسطو المنطقية الوسطية، إنما تفترض هذه النصوص في السامع استعداداً روحيًا معيناً من أجل التوجيه والارشاد والسمو الروحي_ تماماً كطابع الكتب الصوفية بالنسبة للمريدين_ تلقى هذه الأقوال في خلوة لا في ندوة، إذ أنها تعتبر تعاليم سرية تتعلق بخلاص النفس البشرية عبر اتحادها بالإله. ومن ثمة فإن الحكمة التي تلقن إلى المريدين تدور حول موضوعين رئيسين؛ النفس والله أو بمعنى آخر كيف تعرف النفس ذاتها معرفة تمهد إلى خلاصها، ثم كيف تعرف الإله معرفة يتم بها خلاصها؟ بصدد النفس هناك أربعة تساؤلات في الكتابات الهرميسية؛ ما هي طبيعة النفس وما أصلها؟ كيف حلت النفس في الجسد؟ وما هو دورها فيه؟ وما هو مصيرها بعد الحياة؟ أما بصدد معرفتها بالإله، فذلك إنما يتم عن طريق معرفة تفوق الحس والعقل، إنها طريق التصوف الأول. في الديانة النصيرية نرى هذه الفلسفة في أصول تعليم الأتباع الفلسفة النصيرية، ففي الفكر النصيري نرى مفهوم إلقاء الأقوال الفلسفية على المريد في خلوة تسمى “التعدية” المقصود بها مفهوم التخطي أو التقدم وتوجه النفس لمعرفة أصلها، عبر تعاليم طقسية سرية تلقى على المريد النصيري تتعلق بخلاص النفس البشرية عبر اتحادها مع الإله. أيضاً في موضوع ثالوث الحكمة الهرميسي؛ لدينا تجلي في الفكر النصيري لثالوث الحكمة والعلم المعروف بالقبة في الديانة النصيرية والذي يتجسد في كل الأزمنة والتي هي الأزمنة السبعة بالنسبة للنصيريين التي تبدأ مع النبي آدم وتنتهي بمحمد. نراه في مواضع كثيرة بداية مع آدم، ثم يعقوب، ثم موسى، ثم سليمان، ثم أرسطو، ثم عيسى، ثم محمد. هذا التجسيد لثالوث الحكمة ومعرفته عبر الزمن يجسد النظرة الغنوصية في الديانة النصيرية والنظرة الهرميسية عبر ثالوث الحكمة والعلم. تشير الدراسات الحديثة إلى أن الهرميسية من أقدم الديانات المعروفة على وجه الأرض وتنسب لهرميس الذي يعتقد كثير من الباحثين أنه نفسه النبي إدريس. يشير اسقاط ثالوث الحكمة الدينية في النصيرية على جميع الأزمنة الدينية المعروفة للنزعة المعروفة في تاريخ الدين ب التوفيقية Syncretism في الديانة النصيرية؛ كديانة سوريا أصيلة توفق بين معتقدات المنطقة التي تعيش فيها بداية مع الفينيقيين كتجار وبحارة منفتحين على الآخر، وأخيراً كشعب سوري محلي يؤمن بالتوافق، الذي عمل على تطبيقه؛ نراه في التوافق الذي عملت عليه النصيرية في العهد اليوناني، ثم مع الديانة المسيحية في العهد البيزنطي، ومع الديانة الإسلامية في العصر الإسلامي لاحقاً، في حوض ثقافي كبير يجمع المعتقدات ويركبها كجزء من ثقافة واحدة بدلاً من الصدام والرفض الديني وهذه التوفيقية الدينية التي تقوم عليها مرتكزات الديانة النصيرية هي ما تفسر وجود أفكار و عناصر مسيحية و يهودية و إسلامية في الفكر النصيري و لو أتى دين حكم عالمي آخر بعد الإسلام إلى سوريا، لكنا رأينا النصيرية اقتبست منه اسماً جديداً و اختارت فلسفة انتقائية منه تناسبها لاهوتياً.


-الديانة النصيرية في الساحل السوري والعلاقة مع مدينة حران وتقاليد حران المتأخرة:

تشترك الديانة النصيرية في عقائدها مع أغلب الطقوس الدينية الحرانية التي وصلتنا من المراجع التاريخية، هذه الطقوس التي استخدمت في حران حتى عهود متأخرة من العصر الإسلامي، لا زالت مستخدمة حتى اليوم في الساحل السوري. لدينا أوجه تشابه وعلاقة كبيرة بين مدينة حران وتقاليدها الدينية والديانة النصيرية: أولها اسم الحرانيين القديم نازاريين فهل هناك ارتباط بين لفظة نصيريين ونازاريين؟ ثانياً: حضور فلسفة عبادة الكواكب وتأثيرات الكواكب السورية بقوة في الساحل السوري؛ خصوصاً مكانة القمر والشمس والفلسفة النجمية. حضور الطقوس اليونانية المقتبسة عن النظرية الفيضية للفيلسوف أفلاطون. حضور الأفلاطونية الحديثة في الساحل السوري كما في حران بكل طقوس المزج بين الفلسفات اليونانية الفيثاغورثية والرواقية وحتى الأورفية. اعتماد القداسات السورية القديمة في الصلاة النصيرية كما في قداسات مدينة حران سابقاً. عدم تعليم الطقوس العرفانية للنساء في الساحل السوري كما في طقوس الحرانيين حيث لم يكن الحرانيون يعلمون النساء الطقس العرفاني الحراني. السماح بشرب الخمر في الديانة النصيرية مع اعتبار الاعتدال في الشرب فضيلة كما في التقاليد الاجتماعية الحرانية. في التسبيحة العرفانية الثالثة عشر المعروفة بالمسافرة لدى العلويين النصيريين تذكر في النص الديني مدينة حران عبر ارتباط شيخ الطريقة الخصيبية النصيرية الحسين بن حمدان الخصيبي وتلاميذه بمدينة حران، حيث يذكر التقليد الديني النصيري عبارة تتحدث عن مكان وجود تلاميذ أبي عبد الله الخصيبي؛ فيكون الحديث عن واحد وخمسين تلميذاً يمارسون العلم والحكمة بأبواب مدينة حران؛ هو تقليد مقتبس عن التقليد الأورفي اليوناني، حيث يوجد لدى الأورفيين الإغريق نصوص دينية يونانية تتحدث عن سفينة المعرفة والنجاة في الديانة الأورفية التي تضم خمسين تلميذاً أيضاً، عدا عن كون حران معقلاً مهماً للأورفية في العصر اليوناني يظهر بوضح عبر لوحات الفسيفساء المكتشفة في حران و التي تصور أورفيوس و الأورفيين و طقوسهم. في الديانة النصيرية يؤمن النصيريون بالحياة بعد الموت والتقمص عبر حلول النفس مرة أخرى في جسد آخر وبتدرج صعوداً أو هبوطاً وهي عقيدة كانت موجودة لدى الحرانيين سابقاً. الإيمان بالرسل متشابه في صيغته في حران وفي الساحل السوري حيث يأخذ طريقة أخرى تتمثل بنظرة أسطورية أو خارقة للأنبياء لا كما نراهم بالمفهوم البشري في الأديان التوحيدية. في الكتب الدينية النصيرية لدينا أيضاً النصوص الدينية التي كتبت بين القرن الخامس والعاشر الهجري والتي نتسب إلى آل شعبة الحرانيين وخصوصاً نصوص حمزة بن علي بن شعبة الحراني وهي محفوظة في المكتبة الوطنية في باريس برقم 1450 وهي عبارة عن 15 صفحة.
...
-النتيجة:

نتيجة البحث: كانت الديانة النصيرية في الساحل السوري مع أديان أخرى سابقة للثقافة التوحيدية في سوريا كالمندائية والأيزيدية، خلاصة معرفية سورية عراقية جامعة تضم؛ فلسفة عبادة الكواكب السورية العراقية، ثلاثية الحكمة الهرميسية، العرفانية الغنوصية الموجودة في الأفلاطونية الحديثة، الفلسفة اليونانية المعروفة لدى أفلاطون وأرسطو، إضافة لتأثيرات رواقية، فيثاغورثية وأورفية. هذه الفلسفات والعقائد مجموعة في الديانة النصيرية بصيغة معروفة في الديانات العالمية العائدة للعصر الكلاسيكي يطلق عليها في تاريخ الدين بالديانات التوفيقية المعروفة في اللغة الإنكليزية ب Syncretic religions أو التركيبية Synthetic religions التي تقوم على تركيب العقائد وموافقتها لتصبح ديانة بصبغة عالمية جامعة. كانت الفلسفة التوفيقية قد وجدت لأول مرة في بابل في العهود الآشورية والبابلية ولاحقاً الإخمينية. في العصر الكلاسيكي، اقتبسها الاسكندر من بابل وشجع على تعميمها في سوريا والعراق وأراضي الإمبراطورية الإغريقية. بذلك كانت بابل في العصر الفارسي الإخميني و اليوناني الكلاسيكي؛ حيث أصبحت مركزاً للتوفيقية العالمية التي أكد و شجع عليها الاسكندر في الشرق، لتختلط أديان سوريا السامية توافقياً مع أديان اليونان، فاندمجت فلسفة عبادة الكواكب السورية مع الفلسفة اليونانية الفيضية الأفلاطونية، لتنتج صبغة لأديان عالمية الطابع متواترة عبر الزمن، كان منها الديانة النصيرية في الساحل السوري و ديانات أخرى، فأتت من أغنى الديانات لناحية تراكم الإرث التاريخي الثقافي السوري و لناحية التوفيق بين المعتقدات التي تنتمي إلى أزمنة و ثقافات مختلفة. كانت هذه خاصية سورية بامتياز، حيث عملت النصيرية على انتقاء فلسفات مختارة بعناية من تراكم الإرث الثقافي السوري، لتتوافق مع فكرها الأول؛ أي فلسفة العبادات النجمية ومن ثم النظرية الفيضية، لاسيما أن سوريا بلد منتج للتقاليد الحضارية وبلد معبر للثقافات المختلفة. مما جعلها بقعة جغرافية تتميز بإرث توفيقي شامل لأغلب الحضارات المدنية والديانات المعروفة. فكان للساحل السوري الحضور الأكبر في هذا التراكم الثقافي عبر الأفلاطونية الحديثة، النيو_أفلاطونيّة. ففي دراستنا لهذه الفلسفة، لا نستطيع أن ننكر أنها انطلقت من أثينا فوصلت إلى الإسكندريّة، وشعَّت في الشرق ولاسيّما فينيقية وسورية، مع أشخاص مثل بورفريوس الصوري تلميذ أفلوطين؛ الذي كان فينيقياً من صور، عمل على نشر الفكر الأفلاطوني في فينيقية أماكن انتشار النصيريين اليوم. بورفريوس الصوري (233 - 304.م، يونانية: Π-;---;-----;-------;----ο-;---;-----;-------;----ρ-;---;-----;-------;----φ-;---;-----;-------;----ύ-;---;-----;-------;----ρ-;---;-----;-------;----ι-;---;-----;-------;----ο-;---;-----;-------;----ς-;---;-----;-------;----) يعود إليه الفضل في حفظ فلسفة وتعاليم أفلوطين، حيث قام بجمع تعاليم الأخير في كتاب أسماه "التاسوعات"، وقسمه إلى ستة أجزاء، يحتوي الجزء الواحد على تسعة مقالات، أول جزء منها يتناول حياة أفلوطين، أما تعاليم أفلوطين ونظرياته الفلسفية فقد أفرد لها بورفريوس الأجزاء الخمسة الأخرى. إضافة إلى بورفريوس الصوري لدينا إمبليكوس السوري الذي يعود إلى أصول آرامية بابلية وهو رائد المدرسة الأفلاطونية السورية المحدثة في المنطقة. الأثر الأكبر للفكر الأفلاطوني والفيثاغورثي في منطقة الساحل السوري وأماكن انتشار النصيريين كان أولاً عبر بوسيديونيوس الآفامي وثانياً عبر الفيلسوف نومينوس الآفامي؛ الذي عاش في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي في أفاميا والذي يعتقد الكثير من الباحثين أنه كان الأب الحقيقي أو الروحي للأفلاطونية المحدثة في الشرق، بينما كان أمونيوس ساكس الأب التاريخي. نبعت الأفلاطونية من أفكار أفلاطون ومدرسته (الأكاديميا)، فاغتنت بتيّارات عديدة مثل الفيثاغوريّة العددية وفلسفة الأخلاق الرواقيّة، قبل أن تصبّ عند أفلوطين في القرن الثالث الميلادي وعند الذين تبعوه أو جاؤوا قبله. هي فلسفة في المعنى الحقيقيّ للكلمة، وهي أيضًا روحانيّة تُشرف على حياة الإنسان وتوجِّه تصرُّفاته. كانت فلسفة تأثر بها أغلب الأباطرة في العصر اليوناني الروماني الذي دام في الشرق لألف عام متواصلة مؤثرة ثقافياً وفلسفياً، عبر فلاسفة معظمهم من الشرق انتسبوا إلى مدرسة الإسكندريّة. بدأوا فشرحوا كتب أفلاطون، واستقوا من مراجع أخرى، فأعادوا صياغة ما قرأوه بشكل أصيل وفي إعادة صوفيّة جذريّة للديانات السورية واليونانية. وهكذا صار التنظيم الماورائيّ تعليمًا عن الخلاص. وحين بيَّن أفلوطين أنَّ من الواحد يصدر العقل والنفس والكون الحسّيّ، دلَّ في الوقت عينه على طريق الاهتداء التي بها يعود الإنسان إلى الإله والوحدانية العاقلة غير الغيبية. وفي نهاية هذه المسيرة الروحيّة، لم نعد فقط أمام المشاهدة، كما عند أفلاطون، بل إنَّ النفس تتبسَّط فتفنى في الواحد الذي صدرت عنه. ما توقَّف هذا الفكر عند أفلوطين، بل تعدَّاه إلى آباء الكنيسة، وألهَم الفكر اللاتينيّ، والفكر البيزنطيّ، والفكر الإسلاميّ، والفكر اليهوديّ. وفي الديانة النصيرية ما زال متواجداً كفلسفة دينية حتى اليوم، ليكوِّن أحدَ منابع الفكر الدينيّ في الشرق كما في الغرب. في الديانة النصيرية وبالتحديد خطبة البيان المنسوبة لعلي بن أبي طالب نرى التوفيقية التركيبية للدين بصبغة اسقاط عالمية، خصوصاً عندما تتكلم الخطبة عن اسقاط لشخصية علي بن أبي طالب على شخصيات عالمية وفي كل الأزمنة. كان النصيريون في الساحل السوري مضطرين كشعب محلي يعتقد بالتوفيقية الدينية إلى اقتباس الفلسفة التي يراها مناسبة في الإسلام كآخر دين عالمي وافد إلى سوريا بالقوة العسكرية، وكون النصيريين ينتمون إلى ثقافات سوريا المحلية الراقية، لم يكن بإمكانهم اقتباس فلسفة راقية من الإسلام أو قريبة إلى فلسفات سوريا أكثر من فلسفة علي بن أبي طالب ورؤيته للإسلام كونه كان وقبل كل شيء فيلسوف وشاعر. ولو افترضنا قدوم دين عالمي آخر إلى سوريا بعد الإسلام لرأينا النصيريين باسم آخر اليوم. وهذا عائد إلى مفهوم التوفيقية لدى النصيرين ولطبيعة الأديان الوافدة إلى سوريا ولا سيما أديان تكفيرية كالإسلام. إذا كان المسلمون لا يعرفون معنى لفظة صابئة الموجودة في القرآن، فمن غير الممكن أن يكون محمد وتابعيه الأوائل على غير علم بالمعتقدات الصابئية المذكورة في القرآن والتي يقصدون بها ديانات سورية النجمية والتوفيقية ما قبل التوحيدية، خصوصاً تأثيراتها في القرآن نفسه، فحتى القرآن نفسه غني بالفلسفة النجمية وفي مواضع عديدة؛ نراها بوضوح في قصة النبي إبراهيم والنجوم الآفلة في سورة الأنعام؛ التي تقر بأنه كان من المتبعين للديانات النجمية. أيضاً في سورة نوح وذكر الاهتداء بالنجوم، أيضاً في سورة الواقعة (فلا أقسم بمواضع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم) ومواضع كثيرة أخرى في القرآن تشرح أهمية فلسفة النجوم والكواكب في الفلسفة الدينية في سوريا العراق. فالنبي محمد كان على علم بأديان سورية ما قبل التوحيدية والتي سماها بالصابئية في القرآن، محمد الذي حسب المراجع الإسلامية عمل منذ صغره في التجارة في سوريا، فمن غير الممكن ألا يكون لديه فكرة عن أديان سورية والعبادات النجمية فيها، خصوصاً أنه أمضى سني حياته في النبوة مع الصحابي سلمان الفارسي، الذي كان يعرف أغلب ديانات سوريا والعراق وفارس. فهذا التخبط الإسلامي في موضوع لفظة الصابئة ومن المقصود فيها، عائد لجهل إسلامي لاحق بالنصوص الدينية والثقافات السابقة في المنطقة، التي لم تجر دراسات جدية عنها أو تحليل لها في الوسط الإسلامي المنغلق. لذلك وباختصار شديد نستطيع القول؛ أن شعوب عديدة في المنطقة وخصوصاً في سوريا والعراق تنطبق عليها لفظة صابئة المذكورة في القرآن ومنهم المندائيون والأيزيديون وبنسبة أوضح لدى العلويين النصيريين. نستطيع هنا التأكيد في الموضوع السوري على ما يلي؛ النصيريون في الساحل السوري: شعب سوري محلي وضع معتقداته وفلسفته السورية واليونانية القديمة وخلاصة إرثه الثقافي في ملامسة مع التقاليد الإسلامية الوافدة.


-تعقيب: أعتقد أن حران؛ هي قدس سوريا الحقيقية، فكل التقاليد الدينية السورية المتأخرة تعود إلى حران وفلسفتها الفكرية. المدينة التي كانت مثال حي عن سوريا ما قبل الثقافات التوحيدية. لا يوجد مركز ديني عالمي يحمل تراكم ثقافي و ثني و توحيدي أكثر من حران، فأغلب الديانات السورية المعروفة اليوم تعترف بأبوة حران. ثقافات سوريا الدينية ما قبل الديانات التوحيدية كانت مدينة حران مركزاً ومسرحاً متأخراً لها، أيضاً في الديانات التوحيدية تحتل حران مركز مهم؛ لأنها كانت نقطة انطلاق مسار السلالة الإلهية والبيت الأول لوالد الديانات التوحيدية إبراهيم. إن حران مثال مهم لمركز ديني سوري عالمي؛ من الممكن أن يتخذ كمثال وطني في توحيد الهوية السورية الجديدة، فالشعب السوري اليوم متدين وعندما يعلم أن حران عاصمة سورية دينية قديمة وخزان معارف لاهوتي مشترك لجميع السوريين، سيتعرف على نفسه وعلى الآخر، وما يجمعه مع الآخر، وسيكون فهم متقدم مختلف، يكون فيه التراكم الديني والثقافي في سوريا عامل بناء وتعارف ووحدة، لا عامل هدم وجهل وتفرقة. هناك الكثير من الأماكن في سوريا اليوم، هي مثال للتراكم الثقافي السوري، يمكن أن تتخذ كمثال عن التنوع المشترك البناء وتبقى مدينة حران المثال الأوضح عن هذا الإرث لناحية التقاليد والتعاقب الحضاري.


مراجع:

-الطبري، تاريخ الرسل والملوك، دار الكتب العلمية، بيروت، 1997.
-المسعودي، كتاب أخبار الزمان، القاهرة، 1938.
-البلاذري، فتوح البلدان: الطبعة الأولى، ص 181.. 182 مطبعة الموسوعات في القاهرة 1901.‏
-ابن النديم، الفهرست، الجزء التاسع، القاهرة، 1960.
-ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، جزء 1، ص 116.‏القاهرة 1945.
-الأسقف بولس الفغالي، دراسات بيبلية، الخلاصة الكتابية والآبائية، الفصل السادس عشر الاسكندرية والأفلاطونية المحدثة، الجزء 1-2006.
-رحلة ابن جبير، تحقيق الدكتور حسين نصار، ص 234، دار مصر للطباعة، القاهرة 1955.
-كتاب المثال والصورة، مخطوط المكتبة الوطنية باريس رقم 1450 عربي.
-كتاب اﻷ-;---;-----;-------;----ساس، للعالم، مخطوط المكتبة الوطنية باريس رقم 1449 عربي.
-كتاب اﻷ-;---;-----;-------;----شباه واﻷ-;---;-----;-------;----ظّله، مخطوط المكتبة الوطنية باريس رقم 1450. عربي.
-مذاهب اﻹ-;---;-----;-------;----سﻼ-;---;-----;-------;----ميين، تأليف الدكتور عبد الرحمن بدوي، الجزء الثاني: الإسماعيلية القرامطة، النصيرية، الدروز، بيروت 1972.
-كتاب الهفت واﻷ-;---;-----;-------;----ظلة المنسوب إلى المفضل بن عمر الجعفي، ص213 حققه وقدم له عارف تامر واﻷ-;---;-----;-------;----ب أ.عبده خليفه اليسوعي، دار المشرق بيروت 1969.
-أسرار عبادة الصابئة (مذهب عبادة الكواكب في حران) الدكتور جورج سيغال، ترجمة يوسف إبراهيم جبرا، المؤسسة الأمريكية للدراسات الآرامية 1975.
-الحضارة الإغريقية، محمد الخطيب، بيروت 1998.


Bibliography:

Dussaud, Histoire et religion des Nosairis. Paris 1900.
Tamara M. Green, The City of Moon God: Religious traditions of Harran. E. J. Brill, Leyde 1992.
H. LAMMENS, Le Pays des Nosairis, Itinéraire et Notes archéologiques, in Musée Belge, t. IV, pp. 277-323, 1900.
H LAMMENS, Notes de Géographie syrienne, in Mélanges de la Faculté Orientale de l Université Saint-Joseph, I, pp. 271-283, 1960.
L. MASSIGNON, Les Nusayris, in Opera Minora, t. I., pp. 619-649, Beyrouth 1960.
D. Chwolsohn, Die Ssabier und der Ssabismus, vol2 St. Petersburg 1856.
T. Fahd, Sabi’a, in Encyclopédie del’Islam. Nouvelle édition, VIII, pp. 694-698, Leiden-New York-Paris 1995.
J. Hjarpe, Analyse critique des traditions arabes sur les Sabéens Harraniens (Diss.), Uppsala University 1972.
M. Meyerhof, La fin de l’É-;---;-----;-------;----cole d’Alexandrie d’après quelques auteurs arabes, in “Archeion”, 15, pp. 1-15, 1933.
M. Tardieu, Sabiens coraniques et Sabiens de Harran, “Journal Asiatique”, 274, pp. 1-44. 1986.
Giovanni Reale, Storia della filosofia greca e romana, Vol. 8, Plotino e il neoplatonismo pagano, Bompiani, Milano 2004.
Jean-Pierre Thiollet, Je m appelle Byblos, H & D, Parigi 2005.
Sabatino Moscati, Il mondo dei Fenici, Roma 1969.
Cleto Carbonara, La filosofia di Plotino, Ferrara, Napoli 1954.
Vittorio Mathieu, Come leggere Plotino, Bompiani, Milano 2004.
Nuccio D Anna, Il neoplatonismo. Significato e dottrine di un movimento spirituale, Il Cerchio, Rimini 1989.
P. Merlan, Dal Platonismo al Neoplatonismo, introduzione di G. Reale, traduzione di E. Peroli, Vita e Pensiero, Milano 1994.
Pierre Hadot, Plotino o la semplicità dello sguardo, trad. it. di Monica Guerra, Einaudi, Torino 1999.
Giuliano Kremmerz - Introduzione alla Scienza Ermetica, Ed. Mediterranee 2000.
Rotondi Secchi Tarugi, Luisa (ed.), L Ermetismo nell Antichità e nel Rinascimento, Milano 1998.
Paolo Scarpi, La rivelazione segreta di Ermete Trismegisto vol.I, Milano 2009.
Paolo Scarpi, La rivelazione segreta di Ermete Trismegisto vol.II, Milano 2011.
Mandaean Bibliography, Oxford University Press 1933.
Edmondo Lupieri: I mandei. Gli ultimi gnostici, Brescia, Paideia 1993.
E.S. Drower, The Mandaeans of Iraq and Iran, London 1937.
Buckley, Jorunn Jacobsen, The Mandaeans: Ancient Texts and Modern People. Oxford: Oxford
University 2002.
King, Karen, What is Gnosticism? Harvard University Press. pp. 343 2003.
Rudolph, Kurt, Gnosis: The Nature & Structure of Gnosticism. Harper & Row 1987.
Walker, Benjamin, Gnosticism: Its History and Influence. Harper Collins 1990.
Layton, Bentley, The Rediscovery of Gnosticism: Sethian Gnosticism. E.J. Brill 1981.
J. B. Segal, Edessa: The Blessed City (Oxford and New York: University Press, 1970.







#سليمان_سمير_غانم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ ال ...
- حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ ال ...
- مدينة الرها عاصمة الثقافة والتقاليد السورية الشرقية
- أنطاكية عاصمة سوريا التاريخية و الثقافية لعشرة قرون.
- ضياع الحقيقة المادية في المصادر التاريخية بين الأدلجة الديني ...
- شخصيات فكرية من التراث الإسلامي (دراسة لنقاط و إشكاليات مغيب ...
- شخصيات فكرية من التراث السوري قبل الاسلام (الهوية السورية ال ...
- انعكاسات مرايا الشرق
- نظرية الله المتهم البرئ.
- الإله المتناقض في الإسلام (الله)
- حكم المرتد بين وحشية المسلمين وهشاشة و تناقض عقيدتهم
- معيار الأخلاق بين الثابت و المتحول (الدين و المجتمع)
- يحصل في الشرق
- المنتصر في التاريخ هو المقدس ( بيزنطة مثلا)
- أبو لهب، أبو جهل، أصوات العقل في قريش و المصير المأساوي للأم ...
- ملاحظات بسيطة على العلمانية في العالم العربي
- ميثرا و طقوس العبادة الميثرائية في الإمبراطورية الرومانية
- بين اقرأ واسأل يوجد قبر الأمة الفكري
- عندما يصبح دين الشعب أهم من وجود الشعب (من نحن،عرب أم مسلمون ...
- حنين إلى عقل القرن الثاني و الثالث الهجري (المعتزلة)


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - سليمان سمير غانم - حران السورية: مدينة الإله القمر ومركز تراكم الإرث الديني؛ الوثني والتوحيدي (قدس سوريا). 33