أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورج حداد - الحتمية التاريخية لانتصار النظام العبودي لروما















المزيد.....



الحتمية التاريخية لانتصار النظام العبودي لروما


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 4161 - 2013 / 7 / 22 - 13:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


هناك سؤال تاريخي ينبغي الاجابة عليه. وللاسف ان مؤرخينا، بمن فيهم المؤرخون الوطنيون والتقدميون، لم يكلفوا انفسهم عناء الاجابة عن هذا السؤال. وأكثر ما فعلوه هو التحسر على هزيمة قرطاجة وتدميرها، واطلاق بعض عبارات التعزية الذاتية حول وحشية "القدم الهمجية" الرومانية.
والسؤال هو:
ـ لماذا انتصرت روما على قرطاجة؟ وهل كان هذا الانتصار حتميا؟
ونحن نجيب: أجل! لقد كان انتصار روما على قرطاجة حتميا!
وذلك ليس لان روما كانت أغنى، واكثر حضارية، وأقوى. إذ ان العكس هو الاصح! بل ان روما انتصرت لانها كانت الحامل النموذجي، والمقاتل النموذجي لاجل انتصار وتعميم: النظام العبودي.
في حين ان قرطاجة، وبصورة أدق: "الحزب الوطني" في قرطاجة الذي كان يحارب روما، كان يضطلع بدور الحامل والمقاتل لاجل الاستمرار المستحيل لبقايا النظام المشاعي البدائي.
و"السر الوجودي" في ذلك هو تفوق "النظام العبودي" على "النظام المشاعي البدائي" في: انتاجية العمل، من زاوية نظر المصلحة النفعية، الاستغلالية ـ الاستثمارية، القائمة على الملكية الخاصة، التي ولدت من رحم الملكية المشاعية البدائية ذاتها وقوضتها وقضت عليها.
وهذا التفوق هو الذي حتم انتقال المجتمع البشري من نظام "المشاعية البدائية" بكل ايجابياته الاخلاقية الفطرية، نحو "نظام العبودية" بكل سلبياته "الاخلاقية" و"الانسانية". ذلك ان مقياس او معيار التطور الاقتصادي ـ الانتاجي للمجتمع البشري ليس هو "القيم الاخلاقية" و"المبادئ الانسانية"، مهما كانت نبيلة وعظيمة وحتى "سماوية"، بل هو المقياس المادي، اي انتاج كمية اكبر من "القيم المادية" او "منتوجات العمل الانساني" بصرف النظر عن وسيلة او نظام الانتاج، حتى لو كان "انتاج اللاانتاج"، كما هو الربا، او اللصوصية والقرصنة والسلب والنهب، التي اصبحت "مهنا" في عصر المجتمع الطبقي، وخصوصا في عصرنا الراهن، بكل بريقه الحضاري الزائف.
وهذا القانون الاجتماعي "الطبيعي!" هو ما يفسر لنا:
1 ـ انتصار روما (ومعها النخاسون اليهود) على قرطاجة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا.
2 ـ وبعد حوالى 150 سنة من ذلك: انتصار روما واليهود على المسيح والمسيحية الشرقية، دينيا و”اخلاقيا” و”انسانيا” واجتماعيا. وهو الانتصار الذي لا يزال يجرجر اذياله الى يومنا الراهن.
ولننظر عن قرب في حتمية انتصار روما على قرطاجة:
نرى من الضروري ان نعرض اولا اقتباسا من انجلز (في كتابه: اصل العائلة والملكية الخاصة والدولة) حول زيادة انتاجية العمل، وانبثاق ضرورة النظام العبودي من هذه الزيادة الانتاجية. يقول انجلز:
"إن نمو الإنتاج في جميع الفروع - تربية المواشي، الزراعة، الحرف المنزلية - قد منح قوة عمل الإنسان القدرة على إنتاج كمية من المنتوجات تزيد عما يحتاج إليه للعيش والبقاء. وزاد في الوقت نفسه كمية العمل الذي يترتب على كل من أعضاء العشيرة أو المشاعة البيتية أو العائلة المنفردة أن يبذله يومياً. وظهرت الحاجة إلى استعمال قوة عمل جديدة. فقدمت الحرب هذه القوة: فقد طفقوا يحولون أسرى الحرب إلى عبيد. وبإنماء إنتاجية العمل وبالتالي الثروة، وبتوسيع ميدان النشاط الإنتاجي، أدى أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل، في مجمل الظروف التاريخية المعينة إلى نشوء العبودية بصورة محتمة. ومن أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل نجم أول انقسام كبير للمجتمع إلى طبقتين، الأسياد والعبيد، المستثمِرين والمستثمَرين".
و"لقد رأينا أن قوة عمل الإنسان في درجة باكرة نسبياً من تطور الإنتاج تغدو قادرة على إعطاء كمية من المنتوجات تزيد بصورة ملحوظة عما هو ضروري لعيش المنتج، وإن هذه الدرجة من التطور إنما هي أساساً نفس الدرجة التي يظهر فيها تقسيم العمل والتبادل بين الأفراد. وقد تطلب الأمر الآن القليل من الوقت لاكتشاف هذه "الحقيقة" الكبرى القائلة إن الإنسان أيضاً يمكن أن يكون بضاعة، وأنه يمكن مبادلة واستهلاك قوة الإنسان، إذا تم تحويل الإنسان إلى عبد. وما كاد الناس يشرعون في ممارسة التبادل حتى غدوا هم بالذات سلعة للتبادل. لقد تحول المعلوم إلى مجهول، سواء شاء الناس أم أبوا".
و"ومع ظهور العبودية التي بلغت في عصر الحضارة أعلى درجات تطورها، حدث أول انقسام كبير في المجتمع إلى طبقة مستثمِرة وطبقة مستثمَرة. وقد دام هذا الانقسام خلال كل مرحلة الحضارة. إن العبودية هي الشكل الأول للاستثمار، الشكل الملازم للعالم القديم، وإثرها جاءت: القنانة في القرون الوسطى، والعمل المأجور في الأزمنة الحديثة. هذه هي أشكال الاستعباد الكبرى الثلاثة التي تتميز بها عهود الحضارة الكبرى الثلاثة. إن العبودية السافرة في البدء، والمموهة منذ أمد قصير، ترافق دائماً الحضارة".
و"إن درجة الإنتاج البضاعي التي تبدأ منها الحضارة تتصف اقتصادياً بظهور:
1. النقود المعدنية، ومعها الرأسمال النقدي والفائدة المئوية والربا.
2. التجار كطبقة وسيطة بين المنتجين.
3. الملكية الخاصة للأرض والرهن العقاري.
4. عمل العبيد بوصفه الشكل السائد بين أشكال الإنتاج." (انتهى الاقتباس من إنجلز).
في المجتمع المشاعي البدائي، اي المجتمع البدائي اللاطبقي، كان الناس يعيشون ويعملون ويكافحون لاجل البقاء، في وحدات عائلية كبرى وعشائرية، سواسية، اي في مساواة فيما بين الجميع، يعملون بحرية بدون إكراه وبدون تمييز، ويستهلكون ما ينتجونه بشكل مشترك، حيث يأخذ كل فرد حاجته الضرورية، بدون تمييز وبدون انانية، من ضمن ما هو متوفر من الصيد او الرعي او الزراعة. واذا كان احد افراد المجموعة (العائلة او العشيرة) ضعيفا جسديا او ذا إعاقة او مريضا، فكان يعمل بحسب قدرته، او ربما لا يعمل لأمد ما، ولكنه ـ كأحد افراد العائلة او العشيرة ـ كان يأخذ حاجته الاستهلاكية مثله مثل الاخرين وبشكل طبيعي تماما. وبالعكس اذا كان احدهم قويا بدنيا وذهنيا ويعمل اكثر او افضل من غيره، فقد كان ايضا يكتفي بأخذ حاجته مثله مثل الفرد الضعيف بدون اي تحاسد او انانية.
ونظرا لتدني مستوى الخبرة "التقنية" للانسان البدائي، وتدني المستوى "التقني" لادوات الانتاج، فإن الميزة الاساسية للمجتمع المشاعي البدائي، انه كان يستهلك كل او تقريبا كل ما ينتجه. ولكن هذا لا يعني البتة ان المجتمع المشاعي البدائي كان يدور في حلقة مفرغة ويجتر نفسه ولا يزيد كمية ونوعية انتاجه. بل بالعكس تماما: ان المجتمع المشاعي البدائي كان يتقدم بخطى حثيثة في مدارج الرقي والحضارة. وفي هذا الصدد نتوقف عند النقطتين التاليتين:
ـ1ـ ان المجتمع المشاعي البدائي يمثل الحلقة الاولى لتحول الانسان البدائي من مرحلة "الحالة الحيوانية" او شبه الحيوانية، القائمة على الوعي الحسي وتلبية الحاجات الجسدية الحسية مما تقدمه الطبيعة، اي مرحلة "التكيف مع الطبيعة"، والانتقال نحو مرحلة "الحالة الانسانية" القائمة على الوعي المركب الحسي ـ التجريدي وتلبية الحاجات الجسدية والذوقية والنفسية والروحية للانسان، وذلك عن طريق "التدخل في عمل الطبيعة"، اي مرحلة "التفاعل مع الطبيعة"، بـ"التكيف معها وبتكييفها" في الوقت ذاته.
وخلال هذه المرحلة الانتقالية من "الحالة الحيوانية" الى "الحالة الانسانية"، التي سميت مرحلة "المجتمع المشاعي البدائي"، فإن حاجات الانسان، الجسدية والذوقية والروحية، لم تتوقف عند نقطة معينة، بل انها كانت تزداد باضطراد. وكان يزداد معها استهلاك المجتمع الانساني للمنتوجات التي ينتجها. ومن هنا انه لم يكن يتبقى فائض من المنتوجات او من ساعات العمل. ولكن حاجات الانسان كانت ترتقي الى درجات ارقى. وكان عمل البشر، المتحسن بالتدريج، كميا ونوعيا وتنويعا، يفي بتلك الحاجات. وللمثال، فإن الانسان في مطلع المجتمع المشاعي البدائي كان يعيش في المغارات والكهوف الطبيعية، ثم اصبح يبني المنازل، اولا بالطين، ثم بالحجر. وكان "يلبس" اوراق الاشجار وجلود الحيوانات، ثم صنع الانسجة ومنها الالبسة، ثم صبغها بالالوان. وكان يأكل اللحم فور اصطياد الطريدة او ذبح الحيوان الداجن المخصص للغذاء. ثم تعلم كيفية تقديد اللحوم وقورمتها وحفظها الى اوقات اخرى. الخ.
ـ2ـ ان المنطقة التي تسمى "المشرق العربي" (اي سوريا الطبيعية، وما بين النهرين، واليمن وشبه الجزيرة العربية) هي المهد الاول للحضارة الانسانية. وافريقيا الشمالية، ومن ضمنها قرطاجة، هي امتداد جغرافي ـ ديموغرافي ـ حضاري، لهذه المنطقة. وقد عاشت هذه المنطقة في طور المجتمع المشاعي البدائي بضعة آلاف السنين قبل سقوط قرطاجة والاجتياح الروماني للشرق واستعباده. وخلال مرحلة المجتمع المشاعي البدائي الشرقي، انتجت هذه المنطقة الاسس الاولية وأمهات الحضارة الانسانية باسرها: الابجدية (الفينيقية)، والارقام، والمقامات الغنائية (الموسيقى)، وأوليات علم الفلك، وعلم الإبحار، والجبر، والجغرافيا، والطب، والهندسة المعمارية، وشق الترع، وحفر الآبار، وحفظ المياه، وتدجين المزروعات والاشجار، وتدجين الحصان والجمل والاغنام وغيرها من الدواجن، واكتشاف المعادن وصهرها، واكتشاف الطين الخزفي واستعماله، واكتشاف الدولاب واستعمالاته المتنوعة، واكتشاف التوقيت وتقسيم الزمن، وغير ذلك كثير من الانجازات الحضارية الانسانية، التي حققها المنتجون الاحرار في المجتمع المشاعي البدائي الشرقي. ومن الصعب جدا، بل من المستحيل ان نتصور ان مجتمعا غير مجتمع منتجين احرار، كما كانه المجتمع المشاعي البدائي الشرقي القديم، وبكلمات اخرى من المستحيل ان نتصور ان مجتمعا عبوديا (كالمجتمع الروماني) كان يمكن ان يحقق كل هذه الانجازات الحضارية، التي لا تزال الانسانية جمعاء تقطف ثمارها الى اليوم. وما يؤكد رأينا ان المجتمع العبودي الروماني لم يكن تاريخيا سوى مغتصبا ومستغلا ومستهلكا للانجازات الحضارية للمجتمع المشاعي البدائي الشرقي وللمجتمع الاغريقي.
وفي هذه المرحلة المبكرة ايضا أبطلت عادة الكانيبالية (اكل اللحم البشري) في الشرق قبل الغرب بآلاف السنين، واخذ المجتمع المشاعي البدائي الشرقي ينظر الى الانسان نظرة احترام وتقديس. وفي هذا المجتمع المشاعي البدائي الشرقي بالذات انبثقت فكرة الخلود (خلود الانسان او الروح الانسانية)، وصار ينظر الى الموت كلحظة انتقال من حياة الى حياة اخرى، وصار الانسان يدفن بإجلال واحترام ("انسان انطلياس" ـ قرب بيروت ـ كان مدفونا في جرار في حالة تقوقع بما يشبه حالة الجنين في بطن امه ـ وتعود تلك الجرار ـ التوابيت الى اكثر من 35 الف سنة). وفي هذه المرحلة المبكرة ايضا ظهرت الاشكال الاولى للاديان البدائية التي كانت تقدس العوامل الطبيعية جنبا الى جنب تقديس الانسان. وكل الآلهة الاكبر التي عبدها الشرقيون كانت تمثـَّـل في شكل انسان، ذكرا او انثى. وليس من الصدفة ابدا ان هذه المنطقة هي التي اعطت ايضا الديانتين التوحيديتين الثوريتين والاصلاحيتين: المسيحية الشرقية والاسلام.
توقفنا عند هاتين النقطتين الجوهريتين، كي نؤكد لجميع العنصريين الغربيين، الامبرياليين والصهاينة، وجميع انظمة الحكم الرجعية العربية واذنابها الموالية للغرب، ان التقدم الحضاري هو الميزة الاصلية للشرق العربي، وان التخلف هو مفروض فرضا على الشرق، بقوة التنين الاستعماري الغربي (وذيله اليهودي) منذ ايام روما الى اليوم.
xxx
ونعود للتوقف عند نقطة "انتاجية العمل": علينا اولا ان نلاحظ ما يلي:
ـ1ـ ان زيادة انتاجية العمل ليست وقفا على النظام العبودي، وان كان حجمها النسبي هو اكبر (وهو ما سنتوقف عنده لاحقا)، بل ان زيادة انتاجية العمل كانت تتم باضطراد ايضا في المجتمع المشاعي البدائي الشرقي، وهنا تحديدا القرطاجي. وهذا ما يفسر التقدم الحضاري الساطع للمجتمع الشرقي، في طوره المشاعي البدائي بالذات، وتفوقه الحضاري التام على المجتمع الغربي الروماني في طوره العبودي. وهذا ما يفسر ايضا انه حتى بعد انتصار روما على قرطاجة والشرق، فإنها ـ اي روما ـ لم تقدم اي اضافة حقيقية الى الحضارة الانسانية، بل انها لم تفعل، في احسن الحالات، سوى اجترار واغتصاب وتشويه الانجازات الحضارية الشرقية، وابرز ما نشير اليه على هذا الصعيد هو اغتصاب المسيحية ومصادرتها وتشويهها وتحويلها (في صيغتها "الملوكية" الغربية) من رسالة تحرير انسانية شاملة، الى "صليبية" استعمارية غربية معادية لشعوب العالم قاطبة وعلى رأسها الشعوب الشرقية المظلومة ـ مهد الحضارة والام الرؤوم للانسانية المعذبة.
ـ2ـ ومع ظهور الوفرة النسبية لدى المنتجين، ونمو التبادل، وتطور التجارة الخارجية، وظهور الحاجة الى الادخار، في المجتمع القرطاجي الذي كان يقوم فيه الانتاج الاساسي على عمل المنتجين الاحرار في المشاعات الانتاجية (العائلية والعشائرية)، ظهرت الحاجة الى النقود، كوسيلة للادخار والتبادل، كما ظهرت طبقة التجار الكوسموبوليتيين الاغنياء الذين اصبحوا يملكون ثروات كبرى لا تخضع للمشاعيات الانتاجية. وقد ساعد كل ذلك على نمو ظاهرة العبودية المنزلية (الفردية)، واخيرا ظهور الملكيات الزراعية الكبرى القائمة على عمل العبيد، ومن ثم ظهور طبقة الملاكين الكبار للعبيد. وقد نشب بين طبقة التجار الكوسموبوليتيين وملاكي العبيد، من جهة، والمنتجين الاحرار في المشاعيات الانتاجية، من جهة ثانية، صراع شديد من اجل سيادة اي من شكلي الملكية: الملكية الجماعية المشاعية، او الملكية الخاصة العبودية.
اي : ان ظهور الادخار (نتيجة زيادة انتاجية العمل) والنقود، وظهور التجارة الخارجية الكوسموبوليتية، وانفصالها التدريجي عن الانتاج المشاعي "الداخلي"، والتحول التدريجي لطبقة التجار الكوسموبوليتيين الى مالكين للعبيد، وتشغيل العبيد في المشاغل والمزارع الخاصة، كل ذلك قد وُلـد في قلب المجتمع القرطاجي، قبل وبمعزل عن الحروب مع روما. ولو لم تكن الحروب البونيقية (بين روما وقرطاجة)، فإنه كان من المحتم ان تنشب الحرب الطبقية داخل المجتمع القرطاجي بالذات، بين بقايا النظام المشاعي البدائي (مؤسسات المنتجين الاحرار في المشاعيات العائلية والعشائرية) وبين طبقة ملاكي العبيد والتجار الكوسموبوليتيين.
ومن زاوية نظر افضلية الانتاج العبودي على الانتاج المشاعي في انتاجية العمل، كان من المرجح، منطقيا، ان ينتصر في تلك الحرب المفترضة ملاكو العبيد والتجار الكوسموبوليتيون على المنتجين الاحرار المشاعيين:
اولا ـ لان المنتجين الاحرار كانوا سيخوضون تلك الحرب بأنفسهم، وكلما سقط مقاتل لن يحل محله آخر؛ في حين ان ملاكي العبيد والتجار الكوسموبوليتيين كانوا سيخوضون الحرب بعبيدهم، وكلما سقط عبد يأتون باثنين وثلاثة عوضا عنه.
وثانيا: لان المنتجين الاحرار لم يكونوا قادرين على الصمود طويلا، اقتصاديا ومعيشيا، في الحرب، على عكس ملاكي العبيد والتجار الكوسموبوليتيين الذين كانوا سيخوضون الحرب من قصورهم وليس باشخاصهم بل باموالهم وعبيدهم.
وثالثا ـ لان طبقة التجار الكوسموبوليتيين وملاكي العبيد كانت قادرة على "شراء" جيوش كاملة من المرتزقة، من الامازيغ وغيرهم، لمحاربة المنتجين الاحرار، تماما كما فعل الرومان في 202ق.م حينما استمالوا الملك الامازيغي مسينيسا الكبير للقتال الى جانبهم ضد هنيبعل، وسحق جيش هنيبعل بالخيالة الامازيغية، التي انقلبت من حليف سابق لقرطاجة الى "حليف" انتهازي لروما.
وقد جاءت الحروب البونيقية، كاستمرار او امتداد خارجي للصراع الطبقي الناشب داخل قرطاجة بالذات.
ومعلوم ان الطبقة الارستقراطية في قرطاجة (التجار الكوسموبوليتيين وملاكي العبيد) كانت تحالف روما فعليا ضد "الحزب الوطني" القرطاجي الذي كان يحارب روما. ولكن الموقف الخياني للطبقة الارستقراطية القرطاجية لم ينقذها ايضا من مصيرها المحتوم، وهو السحق التام على ايدي الغزاة الرومانيين، لان طبقة ملاكي العبيد الرومانيين لم تكن تبحث عن "شركاء" لها في قرطاجة او غيرها بل كانت تبحث عن عبيد لها وحسب في كل مكان تطأه "القدم الهمجية" الرومانية.
ـ3ـ لماذا انتاجية العمل في النظام العبودي هي اكبر حجما نسبيا منها في النظام المشاعي البدائي؟
ان مؤسسات الانتاج في النظام المشاعي البدائي كانت مؤسسات مشاعية (عائلية وعشائرية) للمنتجين الاحرار. وكان هؤلاء المنتجين يعملون بطريقة جماعية وتعاونية تتوفر فيها الشروط الدنيا للكرامة الانسانية والقدرات الفردية لكل شخص دون اكراه ودون تحميل الفرد فوق طاقته البدنية، وفي حد ادنى من المحافظة على صحة كل فرد وسلامته. ونتيجة هذه الطريقة الانسانية في العمل فإن الكلفة المتوسطة (المأكل والملبس والمسكن) لكل عامل (منتج حر) كانت فرضا (X)، اما حجم انتاجه فكان طبعا اكثر اي (X”).
في حين ان العبد، الذي كان يعمل بالقوة تحت لسع السياط والتهديد بالقتل في كل لحظة، فإنه كان يعمل بشدة كي يرضي سيده، اي يعمل فوق الطاقة المتوسطة لانسان يعمل في ظروف طبيعية. وفي الوقت ذاته فإن السادة كانوا ينفقون على طعام ولباس العبيد اقل القليل، وكانوا يجبرونهم على النوم في زرائب تأباها الحيوانات ذاتها. ولهذا فإن كلفة العبد العامل في هذه الظروف اللاانسانية كانت بطبيعة الحال اقل من كلفة العامل الحر في المؤسسات المشاعية، اي ان الكلفة كانت (-X). اما انتاج العبد فكان اكبر من انتاج العامل الحر في المؤسسات المشاعية اي كان مثلا (X””).
اي ان انتاجية عمل المنتج الحر الذي يعمل بكرامة وفي ظروف طبيعية هي(y”):
(X”) – (X) = y”
(اي حاصل: الانتاج ناقص الكلفة)
في حين ان انتاجية العبد كانت (y””):
(X””) – (-X) = y””
(اي حاصل: الانتاج الاكثر من انتاج العامل الحر
ناقص الكلفة الاقل من كلفة العامل الحر)
وهكذا فإن انتاجية عمل العبد هي ضعف واكثر انتاجية المنتج الحر في المؤسسات المشاعية، لان كمية انتاج العبد هي اكثر وكلفته هي اقل.
ـ4ـ ان طبقة ملاكي العبيد القرطاجية لم يكن لها اي حظ في مواجهة طبقة ملاكي العبيد الرومانية والانتصار عليها، لانها ـ اي طبقة ملاكي العبيد القرطاجية ـ كانت في الاساس طبقة تجار كوسموبوليتيين، اي طبقة طفيلية وسيطية، وكانت تشتري العبيد بالمال تبعا لاحوال سوق النخاسة، التي كان يتحكم بها خصوصا النخاسون اليهود "زبائن" الجيش الروماني الدائمين، وحلفاء روما القدماء. اي ان الطبقة الارستقراطية القرطاجية كانت مضطرة، في حال المواجهة بينها وبين روما، لان تشتري عبيدها من عدوها المفترض ذاته. في حين ان طبقة ملاكي العبيد الرومانية فكانت طبقة "اصيلة" و"نموذجية" لا تدفع لتشتري العبيد، بل تغتني عن طريق بيع العبيد، اي بيع الاسرى الذين يقعون في ايدي الجيش الروماني. والجيش الروماني، كالجيش الاميركي والجيش الاسرائيلي وأي جيش استعماري في عصرنا، لم يكن سوى مجموعة من عصابات القتلة والمجرمين الذين يغزون اراضي الغير ويقتلون السكان ويستولون على مؤنهم وألبستهم ومواشيهم، ويأخذون الاسرى منهم ويبيعونهم كعبيد لمصلحة الارستقراطية الرومانية، التي كانت تغتني على حساب دماء واراضي وثروات الاقوام والشعوب الاخرى. وهكذا فإن الحرب اصبحت هي "الوسيلة الانتاجية" الرئيسية لروما لاجل "انتاج العبيد" وبيع قسم منهم وتشغيل القسم الاخر بالسخرة المطلقة، واذا تقاعس اي عبد عن اي عمل فإن "كلفته" ليست اكثر من ضربة سيف على عنقه، ويحل آخر محله.
من هنا يمكن القول ان النظام الاجتماعي ـ الاقتصادي الذي فرضته روما هو النظام العبودي "الكامل"، الذي هو خطوة متقدمة جدا عن نظام المشاعية البدائية، من وجهة نظر الانتاج وانتاجية العمل. وليس من وجهة النظر الحضارية والثقافية والاخلاقية والانسانية. فمفهوم الانتاج وانتاجية العمل والمفهوم الحضاري اللذان كانا يلتقيان عفويا في النظام المشاعي البدائي الشرقي، وانتجا اساسيات الحضارة الانسانية كما اسلفنا، لم ولن يلتقيا في اي نظام قائم على التمييز والاستغلال الطبقي والقومي، لا العبودي ولا القناني ـ الاقطاعي ولا الرأسمالي ـ الامبريالي المعاصر. وهذان المفهومان لن يلتقيا الا في المدى التاريخي الابعد، الذي لم تصل اليه الانسانية حتى يومنا هذا، ونعني به المستقبل الشيوعي، الذي تتزاوج فيه العملية الانتاجية مع عملية الارتقاء الحضاري للانسان والمجتمع البشري. بحيث ان التطور الانتاجي ـ التكنولوجي يصبح قادرا على تأمين وفرة من المنتوجات اكثر من حاجة افراد المجتمع لكل منتوج بالذات، وبذلك يسقط مبدأ "التبادل" ويصبح "الاستهلاك الحر" هو السائد.
ونقدم مثالا ملموسا، ولكنه معكوس، عن الانتقال من مرحلة "الاستهلاك الحر" الى مرحلة "التبادل"، ومن ثم الانتقال الافتراضي مجددا من مرحلة "التبادل" الى مرحلة "الاستهلاك الحر": قبل عشرات السنين كان عدد السكان، في بلد معين مثلا، اقل بكثير مما هو الان، وكانت نسبة التلوث (تلوث التربة والمياه) اقل ايضا بكثير وفي بعض الحالات شبه معدومة، ولذلك كانت كل الينابيع ومياه الانهار غير المستخدمة صناعيا صالحة للشرب. فكانت مياه الشرب بالتالي مجانية، وكان كل انسان بامكانه ان يشرب وان يأخذ حاجته وحاجة عائلته من المياه الى البيت بدون ان يحاسبه احد.
وكانت "الاخلاق الشعبية" تحمي المياه من التلوث. والمثل الشعبي العربي كان يقول "ملعون من يشرب من بئر ويرمي فيه حجرا".
اما بعد ان ازداد عدد السكان، واصبح التناسب بين عدد السكان والمياه الصافية المتوفرة ضيقا، وبعد ان امعنت الرأسمالية المتوحشة في تلويث البيئة، وصار من الضروري تحديد الينابيع النظيفة ومعالجتها قبل تعبئتها في القناني والاوعية الخاصة، صارت مياه الشرب خاضعة لـ"الانتاج الرأسمالي" (اي التكرير والتعقيم والتعبئة والتوضيب والنقل والتخزين) ومن ثم خاضعة لـ"التبادل"، لان كميتها اصبحت محدودة، وصار الحصول على الماء مرتبط بالنقود والقدرة الشرائية، وصار بامكاننا ان نرى اصحاب قصر اغنياء يستخدمون المياه بدون حساب، وبقربهم تماما مجموعة عائلات فقيرة تتضور عطشا، لانها غير قادرة على شراء حاجتها تماما من المياه. فاذا استطاع المجتمع في المستقبل (لنسمه افتراضا: المجتمع الشيوعي) ان يقطع ايدي الرأسماليين المتوحشين وان يعالج معضلة التلوث، وان يعيد تأمين مياه الشرب بكميات تفيض عن حاجة افراد المجتمع، فستعود المياه مادة لـ"الاستهلاك الحر" وليست سلعة لـ"التبادل".
ان التاريخ كله، في جانب اساسي منه، هو تاريخ صراع مستميت بين المفهوم الحضاري (الحرية، الاخاء، العدالة، المساواة الخ) للمجتمع، وبين المفهوم الاقتصادي النفعي (تطوير الانتاج وانتاجية العمل والربح والريعية) في مرحلة وجود الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. وعلينا ان نعترف ان الانظمة الاستغلالية، منذ النظام العبودي الروماني الى اليوم، لم تفسد فقط العلاقات الاجتماعية بمعناها الاقتصادي فقط، بل وافسدت "الاخلاق" الانسانية ايضا. وان الحل الرئيسي لهذه المعضلة هو في تأمين الوفرة الكاملة في الانتاج، بحيث تسقط تماما "القيم" المادية و"الاخلاقية" العبودية والرأسمالية، وبحيث لا يعود من "جدوى تجارية" لاي منتوج ان يكون مادة للتبادل من قبل التاجر، او للسرقة من قبل المحتاج، حيث تسقط تماما ـ اقتصاديا ـ حاجة المجتمع الى وجود التجار، و"الحاجة" التي تدفع بعض الناس الى السرقة.
لقد كانت روما، موضوعيا، تحمل لواء التحول التام للمجتمع البشري الى النظام العبودي. وكانت قرطاجة المقاتلة تحمل، موضوعيا، لواء تطوير مستحيل للمشاعية البداية وتحويلها الى نظام انتاج حر يسود فيه التآخي والتعاون بين المنتجين بصرف النظر عن طبيعة مهنهم وعن جنسيتهم وعشائرهم الخ. وهو ما لم يكن مستوى التطور التكنولوجي والانتاجي يسمح به.
ومن وجهة النظر الحضارية ـ الانسانية (الطوباوية والمثالية) كان من الضروري انتصار قرطاجة. ولكن من وجهة النظر التاريخية ـ الانتاجية (الواقعية) كان من المحتم انتصار مشروع النظام العبودي الشامل وهو ما كانت تمثله روما، فانتصرت.
واذا تقدمنا بضع مئات السنين، ووصلنا الى مرحلة ظهور وانتشار المسيحية، نجد ايضا ان روما الوثنية المتوحشة وحاملة النظام العبودي، عادت ايضا وانتصرت على المسيحية (بكل مسحتها وتعاليمها الانسانية). وبعد ان قضت على المشروع المسيحي الاولي (الاخويات المسيحية او ما كان يسمى "الشيوعية المسيحية") عمدت روما الى "تبني" المسيحية شكليا ومصادرتها وتفريغها من محتواها الانساني وتحويلها الى "دين دولة" يبارك ويبرر ويدعم دولة نظام العبودية، ومن ثم النظام الاقطاعي الذي حل محله. وحتى في الشكل تم تغريب المسيحية ونقل مركز المسيحية الاول من الشرق الى الغرب وتحديدا الى روما التي سبق واصدرت حكم الموت على السيد المسيح ذاته. اي: اصبح الجلادون هم "المسيحيون". وبقيت الشعوب الشرقية، وفي مقدمتها المسيحيون الشرقيون، الى يومنا هذا، ضحية الجلادين الرومان واليهود، الذين صلبوا السيد المسيح وقتلوا تلامذته، بعد ان كانوا دمروا قرطاجة وباعوا اهلها الاحرار عبيدا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتصار روما على قرطاجة: انتصار للنظام العبودي -الغربي- على ا ...
- ظهور المسيحية الشرقية كظاهرة نضالية ضد الاستعمار والاستغلال ...
- معركة سوريا تتجه نحو الحسم في اتجاه واحد: تحطيم المؤامرة وسح ...
- قبل ان يرتفع العلم التركي فوق قلعة حلب...
- الاسباب الذاتية لهزيمة قرطاجة
- طبيعة الانتصار الروماني على قرطاجة
- تدمير قرطاجة والسقوط العظيم للمشاعية البدائية
- قرطاجة والطور الاخير للنظام المشاعي البدائي
- فلاديمير بوتين: قيصر شعبي عظيم لروسيا العظمى
- مسؤولية الغرب الاستعماري عن المجازر التركية ضد الارمن
- الكتل المالية العالمية المتصارعة في الغرب تصطدم برأسمالية ال ...
- الضرورة التاريخية لوجود حركة نقابية تعاونية جديدة في لبنان
- روسيا هي العدو التاريخي الاول لليهودية اليوضاسية
- بطريرك كل المسيحيين وكل العرب
- -المسيحية العربية- حجر الاساس للوجود الحضاري للامة العربية
- المسيحية قبل وبعد ميلاد السيد المسيح
- -الفوضى البناءة- ردة اميركية رجعية على هزيمة اسرائيل في حرب ...
- الحرب -الاسلامية!- الاميركية ضد سورية والنفط والغاز في شرقي ...
- معركة سوريا... مشروع افغانستان معكوسة، او الفخ الروسي للعصاب ...
- من التعددية الحضارية الى الآحادية القطبية الرومانية


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جورج حداد - الحتمية التاريخية لانتصار النظام العبودي لروما