أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نذير الماجد - الفلسفة.. حين تفكر بالجسد















المزيد.....

الفلسفة.. حين تفكر بالجسد


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 4159 - 2013 / 7 / 20 - 07:15
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في موازاة التثمين المعاصر للغة، تأتي محاولة الناقد البحريني الدكتور علي الديري، في كتابه "كيف يفكر الفلاسفة؟" الصادر مؤخرا عن دار مدارك، ليجعل من اللغة بوابة عبور لتحليل الخطاب الفلسفي والصوفي، معيدا الاعتبار لاتجاهات فكرية أثارت ولا تزال جدلا واسعا في أوساط المثقفين المعنيين بالتراث، خاصة مناطقه المعتمة والأكثر إشكالية وصخبا وتهميشا في الآن نفسه. يندرج كتاب الديري ضمن استعادة رائجة للخطاب الصوفي تحديدا. هذه الاستعادة التي شملت في المشهد الفكري العربي أسماء درجت على الاحتفاء بالخطاب الصوفي الذي يحوز أواصر شبه عديدة مع الفلسفة المعاصرة بمختلف اتجاهاتها، هي التي ستمنح محاولة الدكتور الديري قيمتها وأهميتها الراهنة.

خصص الديري كتابه الذي جاء في ثلاثة فصول ومقدمة لتحليل الخطاب الفلسفي ممثلا برسائل اخوان الصفاء وخلان الوفاء، وهي الرسائل الشهيرة التي تعتبر بمثابة تدشين نسقي لفلسفة عربية/ إسلامية تتسم بفرادتها وأصالتها، إضافة إلى الخطاب الصوفي ممثلا بالفتوحات المكية وفصوص الحكم للشيخ الأكبر محي الدين بن عربي.

التصوف مثار جدل لا يقل عن الفلسفة، كلاهما يستمد بنيته مما أسماه الديري وكرس له أطروحته: الجسد المجتاز. إنه كوجيتو الجسد، المكون من سلسلة من الإسقاطات أو الإحالات أو الإنزياحات الدلالية التي تتيحها اللغة من خلال نافذة المجاز. الفكر الفلسفي فكر إشكالي لأنه اشتغال على المجاز أو الاستعارة أو الصورة والتي هي كلها تراوح منطقة الجسد وتتخذ منه دون وعي لوغوسا حاضرا بكثافة، اللوغوس هنا هو الجسد المجتاز، هو جسر عبور بين ضفتي الأشياء والكلمات، وكل ذلك ضمن نص شاغر دائما، نص منفرج ومنفتح على إمكانيات لا نهائية للتأويل والأشكلة والتساؤل، الباحث هنا يتجاسر ليقيم مقاربته فوق منطقة رملية منزلقة، لبناء خطاب استعاري ينسف كل ثنائية متخشبة بين الحقيقي والمجازي، بين التقريري والأدبي، بين العبارة والإشارة.

الديري منذ البداية يفصح عن مهمته، فهو محلل خطابات، والفكر الصوفي أو الفلسفي هو خطاب يتعين على الباحث تحديده كخطاب. ما يهم الديري ليس ما يعنيه هذا الخطاب بل كيف هو. وكيفية الخطاب هي كيفية الفكر. الفكر عبور من ضفة إلى أخرى، كل علامة تحيل إلى أخرى. يقول دريدا: منذ اللحظة التي يوجد فيها المعنى، لا يوجد سوى علامات".. الفكر إذن مجاز مستمد من صور أو علامات يجتازها ويتجاوزها باستمرار. يقرأ الفيلسوف المجاز على أنه حرية العبور بين الصور. صور كثيرة يتكئ عليها الفكر الذي ينتجها في الآن نفسه. المعرفة مجاز فهي إذن خطاب مفتوح، أو بناء لنص موعود بتشظيات لا نهائية للمعنى.

يقيم الديري مختبرا لفحص الصور، لذلك فإنه يقسم الكتاب إلى إطار نظري يشرح فيه الإمكانات المعرفية للمجاز وآخر يجمع فيه أبرز الصور والمجازات التي تتخذ من الجسد مهمازا لها. الفلسفة تتخذ من الجسد جسرا للعبور، ولذلك فهي تعج بالصور والاستعارات والكنايات المستمدة من خارطة الجسد، الأطروحة الأساسية هي منح المجاز قيمة معرفية، ليس المجاز حيلة بلاغية، كما يريد أن يقول، بل هو "بنية مفهومية حية نرى من خلالها الأشياء والعالم وعلاقاته". ثم يقدم الديري أمثلة لهذه البنى ضمن معالجة تسعى في نهاية المطاف إلى أن تقارن بين الخطابين الفلسفي والصوفي، فمجاز العدد والموسيقى والطاقة والقبول والفيض والدائرة هي الصور الأبرز في خطاب أخوان الصفا، أما ابن عربي، فنجد مجاز النكاح الذي يمثل المجاز المركزي إلى جانب مجازات التجلي والتشجر (الخيال) والنور.

يكاد التحليل أن يكون، رغم غرضه الأكاديمي، خطابا موازيا. يأخذنا الديري إلى سحر اللغة وفتنة الصور وكون من المتعة والدهشة الفكرية. يتقصى الظلال الدلالية لحشد الكلمات التي تؤثث المضمون بمراوغات وانزياحات لا تنتهي. إنه يبدأ عند تناوله لكل كلمة مفتاحية أو مجاز بدراسة معجمية لينتهي بنا إلى متاهات تجريد الفلسفة المراوغ. لا تتجرد الفلسفة إلا حين تتجسد، تتمرغ في أوحال الشهوة وأرضية الجسد. لوغوس الجسد هو تعال بالجسد ومن خلاله للإقامة في الماوراء، إنها المعرفة التي تبدأ أولا من حيث تنتهي: أي من الذات. اعرف نفسك، النصيحة المكرسة على واجهة معبد دلفى، هي العناية بالذات التي تتخذ من المحسوس ميدان اشتغالها في الحقيقة كما في المجاز. أجد نفسي مرغما هنا على الربط بين هذه الأطروحة حول "الجسد المجتاز" وبين العناية بالذات كما صاغها الفيلسوف الفرنسي فوكو، ذلك أن نصيحة دلفى تتخذ زخما تأويليا منحازا لشكل روحاني للمعرفة، بحسب ما قدمه ميشيل فوكو في الكوليج دوفرانس.

وهنا أيضا عامل إضافي لراهنية العمل، فالأسبقية ليست للمعرفة المجردة، للمثل الأفلاطونية المتعالية، بل للذات المؤولة جسديا، هذه الذات هي الأرغانون الجديد، هي اللوغوس السابح في بحر الصيرورة والتغير، هي العقل وقد صار متصالحا مع ما كان يشكل النقيض، أي المعرفة التي هي ليست سوى حشد من الاستعارات، إن الأبتستمولوجيا التيوصوفية هي منطق السيولة التي يمكن إجمالها في: "هو ليس هو".. ليس فقط لصيرورة العالم وحسب وإنما أيضا لطبيعة التفكير البشري، كان على الديري أن يفتح العنوان على مدى تجريدي يستبطن كونية التفكير، حيث "إننا لا نفكر إلا على نحو مجازي" التفكير الأصولي نفسه وهو المتمسك بصنمية الحرف، ليس نقيا من لوثة المجاز ومرض الاستعارة، فالفكر هو قدر ناجم عن "بلبلة مقدسة" إنه نتيجة حتمية لانهيار برج بابل.
يعيد الديري بأطروحته الاعتبار للتصوف لأنه القادر على احتضان معرفة ريبية متعددة لا تعرف الوثوق ولا الطمأنينة البليدة ولا اليقين الحرفي، إنها المعرفة التي تدني الاحتمال وتسيح بالعقل في رحلة الانتقال الدائم بين الصور/ الحقائق، وتفتح النص على عدم تناهيه، إما لانعدام المركز أو الأصل أو لانسحابه أو لقصد أزلي: "لا يتجلى الله في صورة مرتين".

وهنا سلطة للغة، كما في كل مكان يحتفي بالنطق ذاته دون مجاوزته للمنطوق، السلطة هنا للغة تتخذ شكلا نبويا "إن كلمات ابن عربي نفسها تكتب العالم" بيد أن الشيخ الأكبر هو نفسه مكتوب، الجسد فاعل ومنفعل، إنه الجسد الراقص الذي يحيل المعرفة إلى مرح، والخطاب إلى رقص، والجنة إلى سماع أزلي، وهنا في أقصى تجليات الدرويش، بعد أن يصبح مكتوبا، بفعل الوجد، كما يقول السهروردي، يصير الجسد كله لسانا.



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوتوبيا البلاهة !
- التنوير في مدينة العمى
- الملائكة التي تشتهي ولا تجد
- دون كيخوته السلفي
- بومة منيرفا
- سبر العالم عبر الأسطورة
- الطير هو الطير
- فايدروس
- هكذا رقص زوربا
- رحيل أركون وبقاء الأركونية
- عبثية أن تكون حيا
- لا تبن لك بيتا
- البغدادي يلقي الضوء ويرحل
- سعودة الحداثة !
- المشروع التغييري والمسكوت عنه: الشيخ الصفار أنموذجا
- حين يكون -جان كالاس- سعوديا !
- التصوف كخطاب تنويري
- التشيع والشيرازي وفلسفة التاريخ *
- عندما يتحول التاريخ إلى دين -3-3-
- عندما يتحول التاريخ إلى دين (2-3)


المزيد.....




- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا
- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - نذير الماجد - الفلسفة.. حين تفكر بالجسد