|
شعشوع ، تائه الرأي
حسين علوان حسين
أديب و أستاذ جامعي
(Hussain Alwan Hussain)
الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 22:40
المحور:
الادب والفن
كان يا ما كان في سالف العصر و الأوان ، شاب شديد السمرة إسمه شعشوع ، يسكن المسجد ليل نهار متعبداً ربه ، و لا يغادره إلى أي مكان خشية أن تفوته أية فرصة متاحة للصلاة لربه و هو خارج المسجد فيخسر حسنة من حسنات الرب . عرف بقصته جيران المسجد ، فأشفقوا عليه ، و تكفلوا بالتصدق عليه بطعامه و شرابه اليومي . و لأنه كان يتوقع مجيء ربه في أي وقت لشكرانه على تبتله و تقواه ، فقد آثر البقاء عارياً ليلقاه ربه كما خلقه . في تلك السنة ، عندما حل رمضان ، شهر الطاعة و الغفران ، تزايد عدد المصلين و العباد الذين يؤمّون المسجد من مختلف المذاهب ، كما تزايد عدد من يريد منهم كسبه لمذهبه و التباهي بإيمانه و تقواه لنصرة جماعته . و في ليلة أول يوم جمعة رمضاني ، تحلق حول شعشوع كل من عباد الله المتقين : سوسي و شيشي و هوهي و خيخي و كيكي ، كلٌ يحبذ له مذهبه ، و يمنّيه بالغالي و النفيس إن هو إلتحق بجماعته . عرض عليه سوسي – و هو يحك ما بين فخذيه – رئاسة البرلمان ؛ و بالمقابل فقد عرض عليه شيشي – و هو يحك عجيزته – الإختيار بين رئاسة الوزارة أو وزارة الدفاع أو وزارة حقوق المرأة أو وزارة الإسكان ؛ غير أن هوهي مسَّد لحيته و هو يحك كرشه و عرض عليه السفارة في قطر أو السعودية ، أما خيخي فعرض عليه – و هو ينقب في أنفه بسبابتيه – الملحقية التجارية في تركيا ، كما عرض عليه كيكي - و هو يتجشأ و يحبق - رئاسة الجمهورية . و علاوة على ذلك ، فقد عرض عليه الخمسة أنواع الزيجات الربانية كالمتعة و الصدفة و الوناسة و النومة و القعدة و التطنيش و الانشقاق و التبليش و الاشتياق و المسياح و المسياق و الكفاح و المسرار و المصياع و المسيار و المصياف و المسفار و الفرند و المطيار و الجهاد و المصواب و الإستضهار و المهراب و المحجاج و الإستبضار و المقراض و النهاري و الظهري و الليلي و الشطي و البحري و الفضائي و الكامري و الهاتفي . ثم ما لبث الخمسة أن تخاصموا بشأن أصح الطرق في حلق الشوارب و اللحى و ضرب الجلق ، و عدد الخرطات بعد الإدرار ، و طرق الإستنجاء و الإستجمار . ثم تحول النقاش إلى خلاف في الرأي ، و الخلاف إلى صراخ ، و الصراخ إلى لباخ و سلاخ و طخاخ و فشاخ . هرول الناس للمسجد الذي سالت فيه الدماء ، و نقلوا المصابين الخمسة إلى غرفة العناية المركزة . ليلتها ، لم يذق شعشوع المحتار طعم النوم حتى أذان الفجر و هو يضرب أخماساً بأسداس في محاولة فهم كيف يمكن أن يكون رب سوسي و شيشي و هوهي و خيخي و كيكي رباً واحداً و ليسوا خمسة أرباب مختلفين . و شعر بالحيرة بخصوص ما يجب عليه قبوله من المناصب التي عرضوها عليه و التي لم يكن يعرف ما هو معناها الفعلي رغم كونه بأمس الحاجة إلى وظيفة لأنه كان قد سمع بأن العمل هو أيضاً نوع من أنواع العبادة . و تألم لأن ربه لم يزره يوماً ليرشده سواء السبيل فيتخلص من حيرته و يقر له قرار . بعد صلاة الفجر ، خرجت له الأفعى أم رأسين و أبلغته أن مشكلته تكمن في أنه قاعد في مكانه ينتظر مجيء ربه إليه ، في حين أم ما يجب عليه فعله هو أن يذهب هو إلى ربه ليعرف من اليقين ، لا أن ينتظر من ربه أن يأتي إليه باليقين ؛ لأن الأرباب تُزار و لا تزور . سمع شعشوع كلام الأفعى الحكيمة أم رأسين ، و خرج إلى الصحراء يبحث عن ربّه ، فصادفه أسد جائع حتّم عليه ربَّه العم سام عدم إفتراس إلا من كان تائه الرأي . سأله الأسد : - أين العزم يا أخا الحيوان ؟ - إني ذاهب أريد مقابلة ربي . - و لماذا تريد مقابلة ربك ؟ - كي أتأكد هل هو رب سوسي أم رب شيشي أم رب هوهي أم رب خيخي أم رب كيكي ، فأستطيع قبول المنصب المناسب لي من المناصب الكثيرة التي عرضوها علي . - و ما هي المناصب التي عرضوها عليك ؟ - عرض علي سوسي رئاسة البرلمان ؛ و عرض علي شيشي الإختيار بين رئاسة الوزارة أو وزارة الدفاع أو وزارة حقوق المرأة أو وزارة الإسكان ؛ و عرض علي هوهي السفارة في قطر أو السعودية ؛ و عرض علي خيخي الملحقية التجارية في تركيا ؛ و عرض علي كيكي رئاسة الجمهورية . - و أي من المناصب التي يسيل لها اللعاب هذه تحبِّذ ؟ - لست أدري . أصارحك القول بأنّي تائه الرأي تماماً بهذا الخصوص . - جميل ! و الشيء الأجمل هو أنك عار تماماً فلا أضطر لإزعاج أنيابي بتقطيع ملابسك . إسمع يا أخا الحيوان : ما دمت تعترف بعظمة لسانك بكونك تائه الرأي ، فقد آن لك الأوان لتحزم رأيك الآن حالاً ، و تستشهد ، فأني مفترسك الساعة كي تقابل ربك في الآخرة لتعرف منه اليقين .
العمارة ، 8 رمضان .
#حسين_علوان_حسين (هاشتاغ)
Hussain_Alwan_Hussain#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البومة زلومة المشؤومة و خماسي الحُكم
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 5
-
نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا
...
-
نمط الإنتاج الأنديزي ؛ الإشتراكية التوزيعية : من كل حسب إنتا
...
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 4
-
كابوس الدوّامة الإنفلاشية
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 3
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920- 1950 / 2
-
تطور الشعر الإنگليزي 1920-1950 / 1
-
الديك و عضو البرلمان
-
الحب الخريفي في ترجمة لقصيدتين عربيتين
-
الماركسية و الأخلاق / 2
-
ثلاثيات عتيقة
-
معالي الوزير السيادي الخطير
-
أحلام زنزانة الإعدام
-
العبقريون الثلاثة
-
الماركسية و الأخلاق
-
قصة حبيبين
-
الغربان و الحمير
-
قطاع الخدمات في النظام الرأسمالي من وجهة نظر ماركس
المزيد.....
-
“أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على
...
-
افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
-
بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح
...
-
سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا
...
-
جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
-
“العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
-
المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب
...
-
نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط
...
-
تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|