أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين عناية - عمارة لخوص والرّواية الأنثروبولوجية















المزيد.....

عمارة لخوص والرّواية الأنثروبولوجية


عزالدين عناية

الحوار المتمدن-العدد: 4157 - 2013 / 7 / 18 - 11:07
المحور: الادب والفن
    


عمارة لخوص والرّواية الأنثروبولوجية
عزالدين عناية

تكاد تكون الروايات العربية التي انشغلت بموضوع الجدل الاجتماعي المحتدم بين جموع المهاجرين القادمين إلى الغرب والأهليين من أصحاب تلك الديار منعدمةً، لكن الروائي الجزائري الإيطالي عمارة لخوص قطع مع ذلك التفريط. ومن هذا الباب يشكل مشروع الكتابة الروائية مع لخوص فرادةً وتأسيساً مستجدا لما يمكن أن نطلق عليه بالاستغراب الروائي المبني على التقصّي الأنثروبولوجي في ذلك الحقل الروائي المهمَّش.
تجلت معالم هذه المغامرة لدى لخوص منذ روايته "كيف ترضع من الذئبة دون أن تعضك"، الرواية التي حققت نجاحا منقطع النظير في إيطاليا وتحولت إلى فيلم ومسرحية، والتي أتبعها صاحبها بنص ثان "القاهرة الصغيرة" تُرجِم إلى عدة لغات؛ وها هو يتم ثلاثيته بروايته الصادرة هذه الأيام في روما بعنوان: "فتنةٌ جرّاء خنزير إيطالي قحّ" وذلك عن دار "إي/أو". وعلى طريقة لخوص المتفردة، فهو يشتغل بتدوين نصه بالإيطالية، ثم يتبعه بنسخة عربية من صياغته. قد يضيف شيئا هنا أو شيئا هناك، أو يبدل عنوانا أو قولا مأثورا، ولكن نصه يحافظ على روحه.
في روايته الأخيرة "فتنةٌ جرّاء خنزير إيطالي قحّ"، الصادرة بالإيطالية، وعلى غرار سابقاتها، تحضر المدينة الإيطالية بعجائبيتها وواقعيتها، ببهائها وضجيجها. يجرنا معه نحو خبايا مدينة تورينو، فتغدو هذه المدينة التي تعج بالمهاجرين، المغاربة والألبان والغجر، بيئةً وحضناً لأحداث الرواية. ليؤثث الكاتب روايته حول رمزية حضارية فاصلة بين حضارتين متمثلة في حيوان الخنزير.
يستدعي لخوص في روايته واقعةً اجتماعيةً، مفادها سعي ثلّة من الإيطاليين لتدنيس بيت الصلاة الذي يرتاده مهاجرون مسلمون، بواسطة خنزير، بقصد تحويله إلى ما يشبه الزريبة النجسة. وقد يكون الأمر بسفك دم ذلك الحيوان على عين المكان، أو بالتطواف به في المسجد، كما فعل العابثون في روايته، بقصد تنفير المهاجرين من التردد على ذلك المصلّى. والمسجد في حاضرة الكاثوليكية يستدعي أوهاما جمة، ويثير العديد من الكوامن. فالإيطالي ينطلق من مخياله الديني، على أساس أن المكان حين يغدو مدنَّسا لا تليق إقامة القداس فيه. والحال أن الأرض جعلت مسجدا وطهورا، على حد قول النبي الكريم. وفي الحقيقة ليست دور العبادة تلك مساجد، بل هي ما يشبه المغارات. فهي عادة تقع في أسفل البنايات وغير ظاهرة للعيان، يحسبها العابر مرآبا للسيارات، أو مخزنا للبضاعة.
يستعيد عمارة لخوص في روايته الصولات والجولات التي خاضها اليمين الإيطالي ولا يزال، للمطالبة بإغلاق ما يسمى بالمساجد المنتشرة فوق التراب الإيطالي، لأنها تمثل مصدرا للشر وفق منظور أنصاره. وهي في الحقيقة ملاجئ للمنهكين والمشرّدين والمتعبين ممن أضنتهم الغربة، ويغفل عن أن أعداد المسلمين تناهز المليونين فوق التراب الإيطالي، وأن دينهم الدين الثاني في هذه البلاد، لكن من بحوزتهم الجنسية فهم لا يتعدون المائة وخمسين ألفا، ولذلك هم مستضعَفون رسميا وإداريا.
في هذا النص الروائي إعادة بناء لذات المهاجر المهشَّمة، ولخوص بذاته مهاجرٌ شريدٌ طريدٌ، بيْد أنه من تلك الطينة الصابرة المصابرة. فقد وفدَ إلى إيطاليا شابا يافعا، لفَظَتْه سنوات المحن المعروفة بالعشرية السوداء في بلده الجزائر، كان حينها في مقتبل العمر، لمّا لاقيتُه. كان طالبا في قسم الأنثروبولوجيا في جامعة روما وكنت حينها أرتاد قسم اللاهوت في جامعة القديس توما الأكويني. روايته تشبه إعادة البناء الذي يشتغل عليه الأنثروبولوجي وهو يعيد نسج الأسطورة ليرممها بعد ما ألمّ بها من تشظّي جراء مكر الزمان.
بالأمس كان المهاجر داخل إيطاليا هو الإيطالي، ذلك القادم من الجنوب. وكأن وحدة اللغة والثقافة والدين واللون لا تكفي أحيانا لنزع سمة الغيرية والبرانية بين البشر. كان القادم من جزيرة صقلية أو من إقيلم كالابريا، عموما من جنوب إيطاليا، أجنبيا في مخيال الشماليين، الذين يرفعون اللافتات للسخرية "مرحبا بكم في إيطاليا-;-". هذا الحس تقهقر اليوم، ليس لأن إيطاليا مرّ على توحيدها أكثر من 150 سنة، ولكن لأن القادمين من وراء البحار، من الجنوب، هؤلاء السّمر أو "الملوّنين"، كما يسمون عادة، حلوا محل هؤلاء الأغيار. كان أطفال جنوب إيطاليا حين يحلون بالشمال، رفقة آبائهم العاملين في مصانع الشمال، يستحون من أسمائهم: سلفاتوري وكرميلو وروزاريو وبسكوالي وجنّارو. لكن هذا الصِّغَر والإحساس بالـ"حقرة"، في الحقيقة لا نعثر عليه لدى الصبية العرب من مواليد إيطاليا، ألمس ذلك في سيكولوجية أطفال عرب إيطاليا، بل أجده قويا لدى كثير من العمال المهاجرين ممن قدموا إلى إيطاليا بحثا عن اندماج لم يتحقق. وربما فات كثيرون كيف يخفي المسيحي، قبل المسلم، هويته الحميمة في عاصمة الكاثوليكية، وذلك شأن "عادل" القبطي الذي غدا "فرانكو"، رغم أن الصليب يتدلى من رقبته، طمعا في اندماج لا يأتي.
لم يعمد لخوص إلى الأسلوب الرخيص في عرض نصه، من خلال القدح في حضارته، وجذوره تمتد إلى أوغسطين وماسونيسا، بل نجده حليفا للمقهورين، للزنوج وللعرب وللغجر على حد سواء، ضمن انفتاح إنساني يأبى التصارع مع المكان. فنصه نصٌّ كوسموبوليتي فيه الحضارات السائدة والحضارات المستضعَفة جنبا إلى جنب تتحاور وتتعايش. ولذلك حين أقرأ لعمارة لخوص أجد نصا إنسانيا مدوَّناً بلغة إيطالية نقية، مشبعة بالاستعارة الشعبية وبحكمة الدارجة الإيطالية. ولعل لغته الإيطالية المنسابة هي التي ساهمت في رواج نصه بين الإيطاليين. وربما لا يعرف كثيرون أن نص عمارة لخوص قد حقق في إيطاليا ما لم يحققه نص نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل، فإحدى روايات لخوص قد بلغت 15 طبعة، في حين أفضل المبيعات لمحفوظ بالكاد تخطت الطبعة الأولى. فنصّ محفوظ، المورَّد على عجل، وكذلك نصوص كتاب عرب آخرين، جاءت ركيكة ثقيلة، تم التعويل فيها على طلاب ومترجمين مبتدئين، فحولوا نصوصا عربية جميلة إلى فضيحة لغوية، أساءت إلى الكاتب وإلى الثقافة الوافد منها.
حين تقرأ نص عمارة لخوص تجد نفسك في عالم حوار الحضارات الحقيقي، بعيدا عن تلك المؤتمرات أو الصالونات التي تدعي أنها تمارس الحوار، وتخاطب الناس بلغة متعالية فيها كثير من المخاتلة والزيف والرياء.
كاتب تونسي مقيم بروما



#عزالدين_عناية (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -جمل وسط قطعان الكنغر- رواية في أدب الرحلة موجّهة إلى الناشئ ...
- حاضرة الفاتيكان والإعلام الديني
- ما بعد البابا جوزيف راتسينغر
- مع البابا فرانسيس الأول: -طوبى للمحرومين- تتردّد في أرجاء ال ...
- حكاية الدّهان
- راتسينغر.. الكاثوليكي الأخير
- احتفاء في جامعة -الأورِيِنْتالي- في نابولي بأيقونة الثورة ال ...
- قراءة سوسيولوجية في أوضاع الغرب الدينية
- مخاطر تحوّل المشاركة السياسية إلى مشاهدة سياسية
- الفكر الجمهوري: حول سبل الحدّ من الفساد السياسي
- أوروك: أولى المدن على وجه البسيطة
- مؤلَّف -نحن والمسيحية- دراسة علمية وليس خطابا دبلوماسيا
- الكتب الممنوعة
- البابا وتويتر.. الشجرة التي تخبئ الغابة
- العلمانيون أقرب مودّة إلى المهاجر من رجال الكنيسة
- نحن والمسيحية في العالم العربي وفي العالم
- الإسلام في أوروبا: أنماط الاندماج
- الإسلام الإيطالي: رحلة في وقائع الديانة الثانية
- حركة النهضة والإخوان: لكم دينكم ولي دين
- الكنيسة وحركة النهضة: شقاق يعقبه عناق


المزيد.....




- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...
- رسميًا.. جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات ...
- بعد إصابتها بمرض عصبي نادر.. سيلين ديون: لا أعرف متى سأعود إ ...
- مصر.. الفنان أحمد عبد العزيز يفاجئ شابا بعد فيديو مثير للجدل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عزالدين عناية - عمارة لخوص والرّواية الأنثروبولوجية