أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حمودة إسماعيلي - إشكالية القراءة في العالم العربي : عزوف القاريء أم خيانة الكاتب ؟!















المزيد.....

إشكالية القراءة في العالم العربي : عزوف القاريء أم خيانة الكاتب ؟!


حمودة إسماعيلي

الحوار المتمدن-العدد: 4154 - 2013 / 7 / 15 - 19:47
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


أزمة قراءة .. أزمة قراءة .. هذا هو المصطلح الذي يتشبث به أغلب الكتاب إذا لم تحقق كتاباتهم النجاح المطلوب أو المرجو. وهذا فعلا أمر ممتع بالنسبة للكتاب ! فإذا نجحت كتاباتهم وانتشرت، فهذا بسبب عظمة منتوجهم الشخصي، نتيجة ثقافتهم ذات المستوى الذي لا يضاهى ! .. أما إذا فشلت فالسبب يعود للقارئ الذي لا يهتم بالثقافة، وحتى إذا وجد هذا الأخير أن مستواها رديء، فتبا له ! متى أصبح ل"القاريء" العربي الذي "لا يقرأ" مخزون فكري يمكنه من ادراك قيمة المنتوج المعرفي المُقدّم له ؟! متى أصبح لمُسبب الأزمة هذا فقير الثقافة امكانية تحليل الأعمال الكتابية ومقارنتها ؟!

فهل فعلا أن القارئ العربي هو سبب الأزمة الثقافية ؟ أم أن للكاتب دور كذلك ؟ أم أننا لا زلنا نزن الأمور انطلاقا من رؤية تقليدية ؟ رؤية تجرم الجاني ولا تلتفت للضحية والتي لها دور لا يساعد فقط في انجاح السلوك الاجرامي، بل هو ضرورة حتى تتم العملية. وكما يوضح الموسيقار محمد عبد الوهاب بأن المطرب والمستمع يقومان بمجهود متساوي الأول حينما يغني والثاني حينما يسمع. فالأمر لا يختلف بين الكاتب والقارئ. فهل هذا يعني أنهما هما الأزمة ؟! الأزمة التي تشل حركة التطور الثقافي بالمجتمع ؟! .

لكن السؤال الأهم والذي يحتاج لإجابة هو : هل يمتلك المجتمع ثقافة ؟! وما نوعها ؟ ما مستواها ؟ ما تأثيرها ؟

في المجتمع العربي، وبحسب تداخل عدة عوامل في تربية الإنسان وتشكيل وعيه، يظل الدين العامل الأبرز أو الأكثر تأثيرا. وبما أن الدين هو وعد بأكبر جائزة (إذا استثنينا العقاب) فإن الإنسان العربي يتربى على الوعد بالجائزة، سواء تعلق الأمر بالحصول على الوظيفة "الحياة السعيدة" بعد انتهاء المرحلة الدراسية، أو بالحصول على الأملاك والثروات التي تعد بها الكتب الدينية في حياة أخرى، بل حتى القراءة المتكررة للكتاب المقدس (القرآن) تزيد من قيمة الجائزة.
ومنه ترتبط الثقافة وعملية القراءة في العقل العربي بتحصيل الجوائز، أي يلزم عملية القراءة أن تثمر جائزة (دون اهتمام بتوسيع المجال الفكري)، وهذا ما نراه في انكباب القاريء العربي على كتب الدين وكتب التنويم (البرمجة اللغوية العصابية !) وأيضا الكتب التي تحمل عناوين مثل "كيف تصبح غنيا ؟" "كيف تتعامل مع النساء ؟" "كيف تحصلين على فارس احلامك ؟" وماشابه ذلك. فهذه النوعيات من الكتب تصل مبيعاتها لملايين النسخ ! .
وما مرد ذلك إلا لأن القاريء العربي مدفوع بانتظار تحقيق مبتغى بعد قراءة الكتاب، أي أن الكتاب يجب أن يعد بجائزة ! .

هنا نجد سبب انفصال العلاقة بين القاريء والكاتب. فهذا الأخير إما يعاني من الانفصام بسعيه لموائمة الأيديولوجيا الدينية بالفكر الغربي الحديث، أو يعاني من الخصاء بدفاعه عنها بوجه الأيديولجيات الغربية، وإما يعاني من الاضهاد بتفريغ ألمه وقصف هذه الأيديولوجيا للإطاحة بها. لتظل الانتلجنسيا مثلها من النحل تحوم حول خلية الإديولوجيا .. كتابات تفوح منها رائحة الصحراء والغبار وتلسعك عند قراءتها الرياح الصحرواية، كتابات تشتهي الفواكه والقاصرات ! وكتابات شيزوفيرينية تسبب الاكتئاب مهووسة بنظريات المؤامرة، وكتابات ترمي بكل المصائب على الدين ! دون الحديث عن الكتابات أو الروايات التي تكشف عن مراهقة مؤلفيها وحرمانهم الجنسي ! . وأين القاريء من كل هذا ؟! بل الأصح أين الجائزة ؟!! الجوائز الفورية التي صارت تغري (في المجتمع الاستهلاكي الحديث) أكثر من مثيلاتها الأخرى الموعودة !

عبارة "الإنسان العربي لا يقرأ" عبارة فضفاضة، فمن المعروف أن الجميع يقرأ الجرائد والمجلات والأغلبية تزيد عن ذلك بقراءة كتب الجوائز أو الجنس !. غير أن الفرق بين البيئة العربية والبيئة الغربية، أن في هذه الأخيرة يتربى الإنسان منذ صغره على اكتشاف متعة القراءة، ابتداء مع القصة المصورة التي يقتنيها له الأهل مرورا بمكتبة المدرسة وصولا للمكتبات العمومية. والفرق هنا يظل ضئيلا، فكما يقول راسل أن هناك دافعان لقراءة كتاب ما: الأول هو الاستمتاع به، والثاني هو التباهي بقراءته. فالأغلبية تتباهى بحكم أن الوضع الاجتماعي يفرض ذلك، والأمر شبيه ببعض الأوساط أو الطبقات العربية المدعية للثقافة. ولا تتجاوز عملية القراءة "لديهما" الروايات المسلية أو الجنسية والسيرات الذاتية. هذا نظرا لأن الناس لاترى عملية القراءة كضرورة بل كترفيه، والاختلاف هو أن هذه النوعية التي شملها الحديث هنا، تربت على اعتبار القراءة ضمن الأولويات الترفيهية التي تدخل بالبرنامج الأسبوعي كالرياضة أو التسوق ! .

بحكم الإنسان العربي المدفوع بالجائزة (ولا يختلف عن باقي سكان العالم)، وبما أنه يتشبّع بإشاعات مفادها أن كثرة المطالعة وزيادة المعرفة قد تؤذي العقل أو تسبب الجنون !! (وحقاً فإن بعض المعتوهين المتجولين بالأحياء إن لم يكن أغلبهم، يُرجِع الناس سبب جنونهم إلى دراستهم للفلسفة أو تعمقهم في الدراسات الجامعية !!!!!)، زيادة عن الإعلام الذي يخوّف من بعض الأسماء الفكرية اللامعة، بل حتى المنهج التعليمي لايدرجها ويرفضها ! وإن عدنا لسنوات للخلف سنجد أن هناك من قضى فترى زمنية بالسجن لأنه يمتلك كتابا لكاتب ما (مرفوض)، فقط لأنه يمتلك كتاب ؟! ـ فما الذي ننتظره ممن تربى في مثل هذه البئية ؟ من الطبيعي أن يرفض كل مايمث(ثقافيا) بصلة لتلك الجهة ! . وحتى عندما يحاول الكاتب العربي تقريب القاريء من تلك الأسماء أو يحاول تقديم فكر "شبيه" سواء بنقد تلك الأفكار أوتجاوزها ، فالكاتب يعتبر خائنا ! يتنكر لثقافته ويقرب القراء من ثقافات دخيلة قد تفسدهم !! .

وتعتبر عملية الترجمة من طرائف الكاتب العربي، فهو تارة يضع مقدمة تأخذ ثلث الكتاب كمحاولة للإيضاح، لكن حينما تنهي الكتاب تجد أن تلك المقدمة الطويلة والكافية حتى يمحي اسم المؤلف الأصلي وينسب لنفسه الكتاب ! تجد أن تلك المقدمة لا علاقة لها بالكتاب ! فإما أن الكاتب لم يفهم ماقام بترجمته ! أو أنه حاول أن يدرج كُتيّبا له ضمن الكتاب المترجَم !!! وكما قال فيدل كاسترو : "وصلت لاستنتاج؛ ربما متأخر قليلا، وهو أن الخُطَب يجب أن تكون قصيرة".
فالمقدمة لا تختلف عن الخطبة، لدى يلزمها أن تكون قصيرة ! .

نقطة أخرى كذلك وهي سعي بعض الكتاب والذين لا يجدون ما ينشرون، فينشرون كتبا عن شرح أفكار بعض الفلاسفة وتقريبها من القاريء، وكأن هذا الأخير يمتلك عجينة داخل جمجمته ! . فلا زال بعض الكتاب يرون القاريء كمغفل رغم أن قد يتفوق على الكاتب معرفيا. لكن الغريب في الأمر هو أن محاولة الكاتب التقريبية تجدها أحيانا أكثر تعقيدا من كتابات المؤلف الأصلي، فربما تجد كتابات هذا الأخير مفهومة ومكتوبة بطريقة بسيطة، لكن الكاتب يعقدها ويظهرها أكبر من حجمها حتى لتظن أنه صار يفهم تلك الكتابات أكثر من كاتبها نفسه ! . وكما يقول شيشرون بأنه "لا يمكن لأحد أن يعطيك نصيحة حكيمة أكثر من نفسك" ! فنحن ننصحك بأن تقرأ لمن تريد دون واسطة.
دون أن نحكي عن أساليب بعض الكتاب في الكتابة والتي لا يفهمها سواهم، لنشير هنا إلى أن سبب شهرة بعض الكتاب العربيين واقبال القراء على مؤلفاتهم هو اسلوبهم الذي يجعل القاريء يحس وكأنه يتفاعل مع شخصية يعرفها أو كأنه يحاور صديق. فعلاقة الكاتب والقاريء هي علاقة تشارك وتعاون كما أشرنا سابقا، علاقة صداقة. فالكاتب يلزمه أن يصادق القاريء، أن يفهمه، أن يهتم بما يشغله، أن يضطلع على اهتماماته، أن يساعده على تجاوز صعوبات الواقع، على رفع الاشكالات والتناقضات الفكرية، على ايجاد واحة لإرواء عطشه بدل التجوال في الصحراء القاحلة بشمسها القاهرة ! بدل تشجيعه على ايجاد خمية والسكن بتلك الصحراء منتظرا في الزمن اللانتظار !

لكن يجب على القاريء أن يعي أن الجوائز التي تمنحها القراءة، هي التحرر من الوهم. وحينما يتحرر الإنسان من الوهم يمتلك نفسه التي كانت تتملكها الأوهام ! . لكن كيف يمكن ذلك والكاتب يدافع عن الوهم ؟!
هذا مادفع الكثير من القراء المهتمين إلي انكباب على كتابات الكتاب الأجنبيين وترك الكاتب العربي الذي حتى لو تخلص من الوهم، فهو إما يحن له لأنه لم يجد أرضية جديدة آمنة ! أو انشغل بسب الوهم والندم على الوقت الذي ضاع في وصفه(الوهم) ! أو انفصم نهائيا حتى أنه لايرى سببا لوجود الحكومة إلا لمطاردته ! حتى لتجد المخبرين يتربصون بأغلب قصائده التي تئن من الألم ووتحكي عن الشعور بالاضطهاد ! .

اسأل أي شخص تعرفه (خصوصا لو كان مهتما بالقراءة) أن يعطيك عشرين اسما لكاتب عربي وعشرين اسما لكاتب غربي أو حتى عشرة .. قد تندهش من معرفة الناس للكتاب الغربيين أكثر من العربيين ! فهل هذا يعني أن القاريء العربي فقد ثقته في الكاتب العربي حتى انفصلت العلاقة بينهما ؟ أم أن الكتابات العربية لاتفي بمتطلبات القاريء العربي الفكرية ليتجلى الكاتب كخائن هنا كذلك ؟ الكاتب الذي يكتفي بوصف الواقع والقاريء يسعى لتجاوزه ! . أم أن السبب هو الإعلام الذي لا يعمل على تقريبهما واصلاح علاقتهما ؟ أم أن السبب هو تجار دور التوزيع المدفوعين بالربح المتهافتين على الاسماء المشهورة والمستعدين لنشر كل من يدفع أكثر حتى صارت الساحة العربية مليئة بالكتابات الرديئة والمتكررة ؟! أم أن الثقافة العربية هي بتاريخها ثقافة معتمدة على الترجمة وليست ثقافة خلق وانتاج ؟! لتظل معتمدة على الترجمة ويظل كتابها مجرد قراء ومفسرين ومترجمين !!



#حمودة_إسماعيلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإحتقار والإعجاب
- الفشل في الانتحار
- فضيلة الغرور
- خرافة الانحراف الجنسي
- الغريزة الزاحفة
- قراءة الأفكار
- الإغواء و رفض الرفض
- الإنسان ليس حراً مالم يتحرر من الآخر
- مابعد الدين والإلحاد
- الألم النفسي .. الألم الغامض
- علاقة الجنس والاقتصاد
- أصول الفوبيا
- سيكولوجية الفضيحة ودوافع الفاضحين
- عقدة المهاجر
- استعراض السادية
- صراع الوجه مع البثور
- الطفل والعلاقات الغير شرعية
- تشريح الكراهية
- الحسد اللاشعوري
- التطرف كمرض نفسي


المزيد.....




- هل تتعاطي هي أيضا؟ زاخاروفا تسخر من -زهوة- نائبة رئيس الوزرا ...
- مصريان يخدعان المواطنين ببيعهم لحوم الخيل
- رئيس مجلس الشورى الإيراني يستقبل هنية في طهران (صور)
- الحكومة الفرنسية تقاضي تلميذة بسبب الحجاب
- -على إسرائيل أن تنصاع لأمريكا.. الآن- - صحيفة هآرتس
- شاهد: تحت وقع الصدمة.. شهادات فرق طبية دولية زارت مستشفى شهد ...
- ساكنو مبنى دمرته غارة روسية في أوديسا يجتمعون لتأبين الضحايا ...
- مصر تجدد تحذيرها لإسرائيل
- مقتل 30 شخصا بقصف إسرائيلي لشرق غزة
- تمهيدا للانتخابات الرئاسية الأمريكية...بايدن في حفل تبرع وتر ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - حمودة إسماعيلي - إشكالية القراءة في العالم العربي : عزوف القاريء أم خيانة الكاتب ؟!