أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شيار يوسف - في ذكرى الثورة: عبد الرزاق الصافي يتذكر أحداث 14 تموز 1958















المزيد.....

في ذكرى الثورة: عبد الرزاق الصافي يتذكر أحداث 14 تموز 1958


شيار يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4152 - 2013 / 7 / 13 - 17:15
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الأستاذ عبد الرزاق جميل الصافي محامي وصحفي وسياسي عراقي مخضرم غنيّ عن التعريف. كان عضواً في المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي لسنوات طويلة (1976 - 1997) وشغل منصب رئيس تحرير جريدة "طريق الشعب" التي يصدرها الحزب بين أيلول 1973 ونيسان1979. في هذه المقابلة السريعة التي أجراها معه الصحفي السوري-العراقي شيار يوسف في لندن، يسترجع الصافي ذكرياته عن يوم ثورة 14 تموز (يوليو) 1958 والأحداث والسياقات التي حصلت فيها الثورة. أجريت المقابلة في الأصل من أجل فيلم قصير عن ثورة تموز ما زال قيد الإنجاز من قبل زميلتين بريطانيتين، سيماب ﮔ-;-ول وإيلويز تايلور. لكننا ارتأينا نشر النص الكامل للمقابلة هنا لما فيها من تفاصيل غنيّة ودروس تاريخية قد تفيد في الانتفاضات والثورات التي يشهدها العالم العربي اليوم.


البيان الأول

شيار يوسف: أين كنتَ يوم 14 تموز 1958؟

عبد الرزاق الصافي: كنّا نعيش في منطقة الكرّادة في بغداد، وهي مقابلة تقريباً للقصر الجمهوري آنذاك ولمبنى الإذاعة. كان جميع أفراد العائلة في البيت. كنّا أنا وأخوتي جميعاً لنا اهتمامات سياسية، وأكبرهم سناً كانوا شيوعيين. في الصباح الباكر سمعنا أصوات طلقات نارية متواترة، فخرجتُ من البيت إلى نهر دجلة، قبالة المكان الذي كانت تصدر منه أصوات الطلقات. سألت أحد المارّة – والذي بدا أنه كان يخدم في الجنديّة – عمّا يحصل، فقال إنها أصوات رشّاشات. عدتُ إلى البيت وكانت الساعة قد قاربت السادسة صباحاً. خرج عبد السلام عارف عندئذ على الراديو وقرأ البيان الأول للثورة.

ش. ي. ماذا جاء في البيان؟

ع. ص. أنّ جيشكم الوطني أخذ على عاتقه تصحيح الأخطاء وإزالة الحكم الموالي للاستعمار، من أجل تحقيق الاستقلال الحقيقي للبلد والحفاظ على مصالح الشعب.

ش. ي. ماذا كانت ردّة فعلك عند سماع البيان؟

ع. ص. فرحتُ بالطبع، لأننا كنا نتوقع حدوث شيء، وإن لم نكن نعرف أنه سيحصل بهذه الصورة تماماً. اندمجنا بالحدث، كبقية الجماهير التي خرجت إلى الشوارع بالملايين.

حالما انتهى عبد السلام عارف من قراءة البيان حتى قُرع جرس بابنا. كان رفيق لي ومسؤولي [في الحزب الشيوعي العراقي]، اسمه ثابت حبيب العاني. خرجنا من البيت، أخذنا سيارة أجرة وذهبنا إلى رفاق لنا في الأعظمية كنّا نعمل معهم حتى نبلغهم بالحدث.

تنقّلت من هنا إلى هناك واندمجت مع الجماهير. لا أعرف كيف قادتني خطاي إلى الباب الخلفي لوزارة الدفاع – باب قديم، ليس المدخل الأمامي الكبير. حوالي الساعة الحادية عشرة، على ما أذكر، جاءت سيارة "جيب" تحمل رجلاً أسمر يحتضن بندقية، على جانبيه جنديان اثنان. فُتح الباب ودخلوا جميعاً من ذلك الباب الخلفي إلى وزارة الدفاع. في اليوم التالي، حين نشرت الصحف صورة عبد الكريم قاسم، تذكرت أني كنت قد شاهدت هذا الرجل في اليوم السابق عند الباب الخلفي لوزارة الدفاع.


الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم

كان ثابت حبيب العاني يحمل معه البيان الحزبي الصادر قبل يومين، في 12 تموز. كان البيان يحتوي على توصيات الحزب الشيوعي لأعضائه بأن أحداثاً مهمة ستحصل قريباً وكيف يُفترض بجميع الرفاق التصرّف في هذه الحالة، بمعنى أنه يجب أن نركز على قضايا إطلاق سراح السجناء، الحريات الديمقراطية، الخروج من حلف بغداد وغيرها من المسائل، وأن لا نشخّص الأحداث، أي أن لا نهتف لشخصيات معينة. بعد اندلاع الثورة، تنحّى الحزب جانباً خدمةً للثورة، التي بدأت بانقلاب عسكري تحوّل إلى ثورة شعبية.

ش. ي. هل كان الحزب يعلم بالثورة قبل بدئها؟

ع. ص. أجل، الحزب كان يعرف أن ثورة تموز ستحصل، بالاتفاق مع عبد الكرم قاسم. أخبرنا فيما بعد الشهيد سلام عادل، سكرتير الحزب الشيوعي العراقي آنذاك، أن الحزب كان قد طلب من عبد الكريم قاسم أن يبدأ التحرك الجماهيري أولاً، ثم أن يساندونا هم [أي الجيش]. وكانت هناك آنذاك انتفاضة فلاحية في منطقة الديوانية. لكن عبد الكريم قاسم رفض وأصرّ على أن يخرج الجيش أولاً وأن يقتصر دورنا [أي الحزب] على تنظيم مظاهرات مؤيدة، وهو أقصى ما كان يطمح به. لكن ما حدث هو أن الجماهير التي خرجت لم تكن مجرد مظاهرات، بل مئات الألوف تملأ الشوارع.

ش. ي. وهل كنت أنت شخصياً على علم بذلك؟

ع. ص. أنا شخصياً لم أكن أعلم، لأنه كان سرّاً كبيراً محصوراً بقيادة الحزب.


فرح عارم وأحداث مؤسفة

ش. ي. ماذا كان يفعل الناس في الشوارع؟

ع. ص. كانوا فرحين، يهزجون ويهتفون تأييداً للثورة – لكن دون ذكر أسماء، لأنه كانت هناك خشية من أن يبدأ القوميّون والبعثيون بالهتاف لجمال عبد الناصر مثلاً. أناس من مختلف الطبقات والأديان والقوميات، لأن بغداد مدينة متنوعة ديموغرافياً. كان هناك مسلمون ومسيحيون وصابئة ويزيديّون وأكراد... إلخ. كلهم كانوا يدعمون الثورة، كما كانت قياداتهم الحزبية.

بقينا في الشوارع طوال اليوم، حتى الساعة السابعة مساء، لأن الجيش أعلن حظر تجول واستجابت الجماهير لهذه الدعوة وعاد الناس إلى بيوتهم فرحين. ومن التفاصيل الجميلة في ذلك اليوم أن سائقي الباصات لم يكونوا يأخذون أجرة من الركاب، تعبيراً عن فرحهم العارم.

في الوقت نفسه، وقعتْ أيضاً في ذلك اليوم بعض الأحداث المؤسفة، أقصد سحل جثة الوصيّ [الأمير عبد الاله بن علي بن الشريف حسين الهاشمي]، التي جلبها الناس إلى باب وزارة الدفاع وعلّقوها انتقاماً منه، لأنه كان قد علّق في ذلك المكان عام 1941 أربعة ضباط من الوطنيين القوميين (حركة رشيد عالي). ويُقال إن الملك والوصيّ والعائلة المالكة خرجوا يومها يحملون شراشف بيضاء دليل الاستسلام، لكن ضابطاً شهر سلاحه وقام بإطلاق النار عليهم وقتلهم جميعاً. ولأن الوصي كان مكروهاً أكثر من أي شخص آخر، سحل الناس جثته إلى هناك. كما قُتل كذلك عدد من ضيوف العائلة المالكة، إذ كان العراق يومئذ جزءاً من الاتحاد الهاشمي [مع الأردن]، وكان رئيس وزراء الأردن آنذاك يزور العراق، على ما أذكر، فألقي القبض عليه وتمت تصفيته.

بالإضافة إلى الأهازيح والهتافات والفرح، كان الناس أيضاً ينصتون إلى الراديوهات في المقاهي والشوارع ليسمعوا البيانات التي كانت تصدر. ومن أول البيانات الهامة كان بيان تشكيل الوزارة الجديدة، التي ضمّت ممثيلن عن جميع الأحزاب في جبهة الاتحاد الوطني، عدا الحزب الشيوعي – رغم أنها ضمّت عنصراً ماركسياً، وهو ابراهيم كبّة، لكنه لم يكن ممثلاً للحزب في الوزارة. ضمّت الوزارة ممثلين للقوميين (جابر عمر، صديق شنشل)، ممثلين للوطني الديمقراطي (هديوي الحاج يحمود، محمد حديد) وحزب البعث العربي الاشتراكي (فؤاد الركابي، الذي عُيّن وزيراً للإعمار). لم تبق جهة أو تيار سياسي وطني لم يدعم الثورة.

ش. ي. هل كان هناك نساء وأطفال في الشوارع؟

ع. ص. في اليوم الأول لا أذكر حضوراً كبيراً للنساء. لكن فيما بعد، ساهمت النساء الديمقراطيات والشيوعيات بمساهمات كثيرة، في المظاهرات والاجتماعات وما إلى ذلك، خصوصاً من خلال المنظمات النسائية التي كانت موجودة آنذاك، مثل رابطة الدفاع عن حقوق المرأة، وهي كانت منظمة سرّية تأسست عام 1951 وكانت ترأسها الدكتورة نزيهة الدليمي.

ش. ي. هل تذكر أية شعارات أو هتافات من ذلك اليوم؟

نعم، كانت هناك هتافات وأهازيج يرددها الناس في المظاهرات، أذكر منها "اتحاد فيدرالي، صداقة سوفييتية"، "مثل اليمن فيدرالي، مثل الصين شعبية"، "عاش نصير السلام عبد الكريم قاسم"...

ش. ي. هل كان الناس يحملون لافتات يومها، مثلما يفعلون عادة في مظاهرات وثورات هذه الأيام؟

ع. ص. في اليوم الأول لم يكن هناك شيء من هذا القبيل، لأن الناس لم يُتح لهم الوقت – سمعوا البيان الأول فخرجوا إلى الشوارع يهتفون. لكن فيما بعد، نُظمت فعاليات كثيرة وكان الناس يخرجون في مظاهرات مؤيدة للثورة وهم يرفعون شعارات ولافتات.

من مفارقات هذه المظاهرات أن البعثيين كانوا يرفعون شعاراً يطالب بالوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة [مصر وسورية]. في الأيام التي أعقبت 14 تموز، كان هناك كثير من الوفود من مدن ومنظمات مختلفة تذهب إلى وزارة الدفاع لتعرب عن تأييدها للثورة. فكان البعثيون يذهبون في كل مرة ويتصدّرون الوفود، التي لم تكن وفودهم، ويرفعون شعار الوحدة في المقدمة من أجل أن يظهروا في التلفاز ويبدو الأمر وكأن كل هذه الوفود تطالب بالوحدة. واستمرت هذه الوفود من 14 تموز (يوليو) إلى أوائل آب (أغسطس) على هذه الشاكلة – نحن ننظم وفوداً مؤيدة للثورة، ثم يأتي البعثيون ويحاولون تصويرها على أنها مؤيدة لهم.

من الوفود المتميزة التي أذكرها وفد قدم من النجف بأربعمائة سيارة. وأذكر أن الحزب [الشيوعي] قرر تنظيم مظاهرة حاشدة للتعبير عن الرأي الحقيقي للجمهور، وكنت يومذاك عضواً في قيادة منظمة بغداد في الحزب الشيوعي. فطلب منّا الشهيد سلام عادل تنظيم مظاهرة، وكان أن عُهدت إليّ مهمة إطلاقها من الباب الشرقي. قبل موعد المظاهرة في الخامس من شهر آب (أغسطس)، سأل سلام عادل عن التحضيرات، فقلت له إنها جيدة، فقال: هل ستكون مظاهرتكم أكبر من وفد النجف؟ فقلت له إن التحضيرات جيدة وسنرى في الغد. وحين جاء الغد، تفاجأ الجميع بالجمهور الذي حضر إلى الباب الشرقي، والذي كان يحمل شعارات مؤيدة للثورة، وكان الهتاف الأساسي في هذه المظاهرة، التي استمرت ساعات طويلة وقدّر عدد المشاركين بها بمائتين وخمسين أو ثلاثمائة ألف، هو "اتحاد فيدرالي، صداقة سوفييتية".

كان هذا الهتاف في الحقيقة ردّاً على شعار الوحدة الذي كان يرفعه البعثيون. ومع ذلك، ورغم أننا نحن من نظّم المظاهرة الضخمة – بحيث أن مدخل وزارة الدفاع امتلأ مرتين، ووصل رأس المظاهرة إلى وزارة الدفاع بينما لم تكن مؤخرتها قد غادرت الباب الشرقي بعد، مالئة شارعاً بطول ثلاثة كيلومترات، وخرج عبد الكريم قاسم أكثر من مرة يخطب بالجماهير – مع ذلك حاول البعثيون أن يسيطروا على المظاهرة، فجلبوا سيارة مع مكبر صوت ليهتفوا بشعاراتهم. وحين وصلنا إلى وزارة الدفاع، كان شعار الوحدة موجوداً أيضاً في مقدمة المظاهرة، تحت الشرفة التي كان عبد الكريم قاسم يخطب منها. لكن ذلك لم يكن ليخفى على الجماهير؛ كان الناس يعرفون من كان حاضراً وما هي أهدافهم وشعاراتهم.

من باب الطرفة أن الفقيد كامل الشادرجي اعتبر تقديرات أعداد المشاركين في المظاهرة (250 ألف أو 300 ألف) من " مبالغات الشيوعيين والصحافة"، فقال للفقيد عامر عبد الله، الذي كان آنذاك عضواً في المكتب السياسي للحزب: ما هذه المبالغات؟ كيف يتحمّل شارع الرشيد 300 ألف شخص؟ فداعبه عامر عبد الله وقال له: أبو رفعت، ما تقديرك أنت؟ قال: 150 ألف. فردّ عليه: حسناً، نعم الله! ذلك أنه لم يسبق أن خرجت مظاهرة بهذا الحجم. أذكر أن صحيفة "البلاد" قدّرت المشاركين بـ300 ألف، بينما قدّرتهم صحف أخرى بربع مليون.

ش. ي. على ذكر الصحف، كيف كانت تغطية الصحف للثورة أو الانقلاب في اليوم التالي لـ 14 تموز؟

ع. ص. جميع الصحف نشرت مانشيتات عريضة تحيّي الثورة وتؤيدها، ونشرت البيان الأول، إلخ. لم يكن هناك صحيفة تجرؤ على تحدّي الثورة أو التعبير عن جمود تجاهها. حتى الصحافة الحكومية آنذاك، مثل جريدة "الأخبار" وجريدة "الشعب" و"الزمان"، التي كانت الحكومة تسمح بها أو تغضّ عنها النظر في العهد الملكي، كلها حملت شعارات الثورة ومقتطفات من البيان الأول وصورة عبد الكريم قاسم وما إلى ذلك.


بين الأمل والواقع

ش. ي. ماذا كنت تأمل في ذلك اليوم أن يتغيّر في العراق؟

ع. ص. كان الأمل أن تقوم في العراق حكومة وطنية تخرج من حلف بغداد، تلبي مطالب الجماهير، تطلق سراح السجناء السياسيين – الذين كان غالبيتهم من الشيوعيين – وتنصف الفلاحين من خلال قانون إصلاح زراعي... إلى ما هنالك من مسائل كانت تشغل بال الناس يومذاك.

ش. ي. وماذا تحقق من هذه الآمال والمطالب؟

ع. ص. قسم كبير منها تحقّق. على سبيل المثال، فيما يخصّ موضوع إطلاق سراح السجناء، بدأت الحكومة الجديدة بعد 14 تموز بإطلاق السجناء من سجن الكوت، نقرة السلمان، سجن بغداد... أذكر أن عدداً من الرفاق الشيوعيين الذين أطلق سراحهم أتوا إلى بغداد لكي نوّزعهم على بيوت مختلفة. واستقبلت في بيتنا عدداً منهم، عشرة أو أكثر. كذلك الحال بالنسبة للإصلاح الزراعي. شكلّت الحكومة الجديدة على الفور لجنة للقيام بإصلاحات زراعية. وبالفعل، صدر قانون الإصلاح الزراعي في 30 أيلول من ذلك العام، أي بعد شهرين ونصف من ثورة تموز. وأنصف القانون في الحقيقة الفلاحين وقضى على الإقطاع – وإن كنّا نتمنى آنذاك أن يكون القانون أكثر جذرية، لكن هكذا كان ميزان القوى يومذاك.


دور القوى الأجنبية

ش. ي. ماذا عن القضايا الإقليمية والدولية؟ حلف بغداد، الاتحاد السوفييتي...

ع. ص. يومذاك استُقبل حدث الثورة من قبل القوى الإمبريالية برعب شديد، فأنزلت قواتها في لبنان والأردن. أذكر أن الأسطول الأمريكي السادس جاء إلى شواطئ لبنان. وكان ذلك تهديداً كبيراً للثورة. لكن القضاء على رؤوس النظام والتأييد الجماهيري الواسع للانقلاب جعلاهم يخافون ويترددون. أضف إلى ذلك الاعتراف الفوري بالحكومة الجديدة من قبل الاتحاد السوفييتي، وكذلك الجمهورية العربية المتحدة، أي جمال عبد الناصر، اللذين أعلنا تأييدهما للثورة، ما عنى أنهما لن يقبلا بأي تدخل عسكري أجنبي. وكان تدخل كهذا متوقعاً لولا الزخم الجماهيري الكبير الداعم للثورة، بالإضافة إلى الدعم العربي – أي الجمهورية المتحدة بشكل أساسي – والدعم الدولي من قبل الاتحاد السوفييتي ودول المعسكر الإشتراكي الأخرى.

للدلالة على هذا التأثير، أذكر أن السفير السوفييتي الجديد، الذي جاء إلى بغداد بعد الثورة، ذهب ليقدّم أوراقه لمجلس قيادة الثورة – الذي تشكّل في اليوم نفسه وضمّ شخصيات ثلاثاً: واحدة عربية، وهي نجيب الربيعي، الذي كان ضابطاً كبيراً؛ وأخرى كردية، خالد نقشبندي؛ والثالثة كانت محمد مهدي كبّة، الذي كان زعيماً قوميّاً. وكانوا يجلسون في البلاط ويأتي إليهم السفراء الجدد ليقدّموا أوراقهم. المهم، تعبيراً من العراقيين عن امتنانهم للسوفييت، حملت الجماهير سيارة السفير السوفييتي من شارع الرشيد إلى البلاط، أي مسافة كيلومترات عدة. كان تعبيراً واضحاً عن ماهيّة هذا الجمهور. من المؤكد أنهم لم يكونوا رجعيين أو قوميين من فعلوا ذلك، بل الناس الذين كانوا يتعاطفون مع الحزب الشيوعي.

ش. ي. ماذا كانت بريطانيا تعني بالنسبة للعراقيين آنذاك؟

ع. ص. كانت مستعمراً. كنّا خاضعين للاستعمار البريطاني، وإن كانت حكومتنا آنذاك حكومة واجهة وطنية منذ عام 1932، عندما انضمّ العراق إلى عصبة الأمم بدعم من بريطانيا نفسها وأصبح العراق دولة مستقلة ظاهرياً. لكن السفير البريطاني بقي صاحب النفوذ الأكبر على كلّ الحكومات التي تعاقبت على العراق حتى ثورة 14 تموز. وكان هذا شعوراً مشتركاً بين غالبية الناس.

ش. ي. هل تعتقد أن النفط كان نعمة أم نقمة على العراق؟

من الصعب إطلاق أحكام كهذه. فمن جهة كان النفط مورداً لدعم الميزانية العراقية وتمّت الاستفادة منه في توسيع كادر الموظفين والتعليم وغيره من مجالات القطاع العام. لكنه كان أيضاً سبباً في استمرار سيطرة الإنكليز في العراق، عبر شركة النفط البريطانية. ولهذا فقد كانت المشاعر المعادية لبريطانيا التي وصفتُها قبل قليل شائعة منذ الثلاثينيات. ويصف ذلك شعراء كثر مثل باقر الشبيبي، الذي يقول:
"المستشار هو الذي شرب الطلا / فعلام يا هذا الوزير تعربدُ؟"
والسبب هو أن الإنكليز فرضوا في كل وزارة مستشاراً كانت تسير الأمور بإمرته، أما الوزير فلا يستطيع أن يفعل شيئاً إن لم يوافق عليه المستشار. كذلك الشاعر الكبير معروف الرصافي، الذي قال في الثلاثينيات:
"علمٌ ودستورٌ ومجلس أمّة / كلٌّ عن المعنى الصحيح محرّفُ"
ويقول بيت آخر من القصيدة نفسها:
"للإنكليز مطامع ببلادكم / لا تنتهي إلا بأن تتبلشفوا"

ش. ي. هل كان الناس يعرفون هذه القصائد في ذلك الوقت؟

ع. ص. يعني، الناس المثقفون وذوو الاطّلاع كانوا يعرفونها. بالطبع لم يكن الفلاحون يعرفونها.



#شيار_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تملّك الشعبيّ: مسرح الرحابنة من الفولكلوري إلى الأوبرالي
- قراءة في -الدين أفيون الشعب-*


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شيار يوسف - في ذكرى الثورة: عبد الرزاق الصافي يتذكر أحداث 14 تموز 1958