أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - غازي الصوراني - في مفهوم الاغتراب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي















المزيد.....

في مفهوم الاغتراب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 4151 - 2013 / 7 / 12 - 16:41
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



(1)
مفهوم الاغتراب

الاغتراب، كمفهوم ذي دلالات، يمثل نمطا من تجربة يشعر فيها الإنسان بالغربة عن المجتمع من حوله وليس غربة عن الذات (جنون). ومعاني الاغتراب متعددة، اجتماعية ونفسية واقتصادية، ويمكن إجمالها في انحلال الرابطة بين الفرد والمجتمع،فيصبح المرء مرهونا له/ لها، بل مستلَبا. وهذا ما يولِّد شعورا داخليّا بفقدان الحرية والإحباط والتشيؤ والتذرِّي والانفصال عن المحيط الذي يعيش فيه.
حوَّل ماركس الاغتراب من ظاهرة فلسفية ميتافيزيقية، كما كان عند هيغل، إلى ظاهرة تاريخية لها أصولها التي تنسحب على المجتمع والعلاقات الاجتماعية والاقتصادية. وبهذا استعمل ماركس مفهوم الاغتراب لوصف “اللاأنسنة” التي تنجم عن تطور علاقات الإنتاج في المجتمع الرأسمالي، أو لوصف "اللا أنسنة" في مجتمع الاستبداد والقمع للحريات والتخلف.
ان البداية الصحيحة لنقاش أي مسألة كانت، تكمن في الاتفاق أولاً على ماهية المنهج السليم للنقاش ولإدارة الحوار ، وهذا ليس اختصارا للوقت ، بل الشرط الذي لا غنى عنه لكي يذهب البحث والنقاش صوب جوهر القضايا ولا يغرق في التفاصيل بما يضمن، تحقيق هدف الحوار ووظيفته التي تتحدد في استشراف الخطوط الرئيسية للمستقبل انطلاقا من الحاضر والماضي .
وفي كل الاحوال فإن الاغتراب من حيث المبدأ نتاج الإنسان، ورغم أن البشر بهذا المعنى هم الذين يصنعون العالم الاجتماعي الذي يعيشون فيه، فان هذا العالم يصبح فيما بعد غريبا عنهم لا يملكونه وإنما تملكه وتملك الإنسان معه أشياء أخرى صنعها الإنسان بنفسه ثم استقلت عنه وسيطرت عليه كما هو الحال في ظل علاقات السيطرة والاستغلال والقهر في المجتمعات الرأسمالية والمجتمعات التابعة والمتخلفة ، كما في بلداننا العربية ، حيث تسود هيمنة المؤسسات السلطوية وآلياتها السياسية والأمنية والاجتماعية بكل اجهزتها القمعية المتنوعة ، وهكذا يحدث الاغتراب الذي لا سبيل لهزيمته إلا بمزيد من المعرفة المتحررة المبنية على الإدراك الشامل لكل مظاهر وادوات الاستبداد والتخلف والتبعية والاستغلال الطبقي والنضال التحرري والديمقراطي من قلب الصراع الطبقي من اجل اجتثاث تلك المظاهر بما يضمن تحقيق اهداف وتطلعات الجماهير الشعبية الفقيرة في الحرية والمساواة وتكافؤ الفرص والتنمية المستقلة الشاملةوالتعددية الديمقراطية والعدالة الاجتماعية بافاقها الاشتراكية .


(2)
مخاطر الاغتراب على راهن ومستقبل احزاب وفصائل اليسار

الاغتراب لدى فصائل واحزاب اليسار يصبح له معنى أشمل عندما يرتبط بالتراجع والتفكك والهبوط السياسي والانتهازية والارتداد الفكري وفقدان المصداقية والتأثير في اوساط الجماهير، وحينما تشعر - هذه الفصائل -أن ثقافتها وشعاراتها السياسية ورؤيتها الفكرية وبرامجها لم تعد من ممتلكاتها وأن أسسها ومبادئها النظرية والفكرية والسياسية لم تعد تلهمها في شيء لفهم التحولات الجارية أو لفهم مقتضيات النضال السياسي والكفاحي والديمقراطي والصراع الطبقي ، فتنكمش على ذاتها وتنسحب من الواقع تدريجيا حتى تفقد تلك الصلة التي تربطها به، وذلك حينما تتكرس حالة الانفصام أو العزلة أو الفجوة بين الوثائق النظرية للحزب وبين ممارساته العملية ، بحيث تصبح هذه الممارسات بعيدة إلى حد كبير عن مضمون وأهداف الرؤية او المحددات النظرية كما وردت في وثائق هذاالحزب أو الفصيل او ذاك ، وفي مثل هذه الاحوال من التراجع يصبح الاغتراب مظهرا رئيسا لدى العديد من الاعضاء الثوريين المتميزين بوعيهم والتزامهم العملي والنضالي بالاهداف والمبادىء ، ولذلك يمارسون كل اشكال التحدي لازاحة الاغتراب ، لكن تراكم مظاهر وشخوص التراجع الانتهازي والشللي التي تكرس عوامل الانهيار الفكري والسياسي تجعل موازين القوى داخل الحزب او الفصيل لصالح قوى الارتداد والتراجع ، ومن ثم يصبح الحزب او الفصيل معرضا لمزيد من عوامل التفكك تمهيدا لانهياره واسدال الستار عليه وولادة القوى الثورية الجديدة من داخله ومن خارجه .

(3)
ما هي مظاهر الضعف الفكرية والسياسية داخل فصائل واحزاب اليسار التي يمكن أن تؤدي إلى سيطرة مناخ الاغتراب فيها ؟

سأحاول على هذا السؤال من خلال إبداء بعض الملاحظات .
الملاحظة الأولى: تتعلق بحالة الضعف التاريخي للوعي العميق بمفهومي القومية والماركسية ، حيث جاء انهيار الاتحاد السوفيتي وتحولات العولمة الرأسمالية ليضفي مزيداً من الارباكات والحيرة والفوضى الفكرية على جميع فصائل وأحزاب اليسار العربي ، وفي هذا السياق أشير إلى أن معظم هذه الاحزاب والفصائل لا ينطبق عليهم صفة اليسار الماركسي ، فمن يقبل بالمناهج الاصلاحية الليبرالية او باتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة واتفاق أوسلو أو يقبل بالتفاوض مع دولة العدو الإسرائيلي او الاعتراف بها ، ومن يقبل المشاركة في حكومات انظمة الاستبداد اوحكومة سلطة الحكم الإداري الذاتي، ومن وافق على الذهاب إلى ما يسمى بمؤتمر جنيف الذي استهدف شطب حق العودة وشطب الحقوق التاريخية ، فلا يجوز موضوعياً ان يندرج تحت مسمى اليسار، وبالتالي فإن هذه الأحزاب تعيش داخلياً حالة شديد من الاغتراب لدى عموم الاعضاء عندما يصعب على هذا المكون الأيدلوجي إيجاد مكانه الطبيعي ويعيش نوعا من التيه والحيرة معا على مستوى الموقع أولا وقد يمتد إلى ذلك ليشمل المرجعية أيضا.
الملاحظة الثانية: هي أن اليسار العربي عموما لم يعد قادرا على إنتاج معرفة جديدة للواقع السياسي ، الاجتماعي ، الاقتصادي ، الثقافي ، القانوني ، برؤية وطنية وقومية يسارية ثورية وديمقراطية واضحة المعالم ، ويعود السبب في ذلك إلى أزمة القيادة المستفحلة تاريخياً ، والتي انتشرت في أوساط الهياكل والمراتب الحزبية الاخرى ، إلى جانب غياب أو ضعف الوعي العميق بالأفكار المركزية التوحيدية لهذه الأحزاب والفصائل من جهة وتراجع حالة الشغف والدافعية الذاتية أو القناعة لدى الأعضاء بتلك الأفكار من جهة ثانية ، ليس بسبب عدم صلاحية الفكر أو المنهج الماركسي ، بل بسبب الضعف الفكري والبنيوي للقيادة وعجزها أو قصورها في تطبيق البرامج الفكرية والسياسية والمجتمعية التثقيفية لدى أعضائها ؛ إذ أن أغلب تساؤلات اليسار اليوم لا تزال حبيسة ماضيه دون أي ابداع أو تجديد يتناسب مع المستجدات والمتغيرات الراهنة ، بل إن اليسار الفلسطيني رهن عدد من القضايا والإشكالات السياسية والمقاومة على حساب الاشكالات المجتمعية ، وعلى الرغم من أهمية ذلك فإنه لا يمكن من الناحية العلمية أن نرهن كل المشكلات بالقضايا التحررية أو السياسية ، فلا بد من مقاربات علمية لكافة الظواهر الاجتماعية وإيجاد علاقات سببية وروابط واضحة بين التحرر الوطني وقضايا التطور الاجتماعي الديمقراطي ، وإعمال أدوات تحليل مناسبة قادرة على إظهار هذه العلاقات ، بما يمكن الحزب أو الجبهة من الاقتراب والتفاعل مع القضايا المطلبية واقناع الجمهور المعني بالعلاقة التفاعلية المتصلة بينه وبين الحزب.
الملاحظة الثالثة: عدم قدرة اليسار على بلورة الدور الطليعي مع متطلبات التغيير الجديدة في المجتمعات العربية اثناء وبعد الانتفاضات الثورية ،الأمر الذي عزز عوامل الاغتراب لديه.
الملاحظة الرابعة: اليسار بحاجة ماسة اليوم إلى مراجعة التنظيم وأسلوب العمل، بما يسمح له بإعادة ترتيب البيت الداخلي والفعل المباشر في المجتمع والالتحام بقضاياه، مما يطرح السؤال العريض أين اليسار من حلم تأطير الجماهير وتحريك الشارع...؟ إن احوال التراجع السياسي والجماهيري لدى أحزاب وفصائل اليسار ترك –إلى جانب أسباب أخرى- مجالا خصبا للإسلاميين للاشتغال دون مزاحمة عندما عجز عن الاشتغال الطبيعي في أوساط الفقراء وتجمعاتهم السكنية في المدن والمخيمات والقرى في الوطن والشتات .
والاشكالية هنا أن أحزاب وقوى اليسار ، اعتبروا على الدوام أن المشكلة الأساس تكمن في القضايا السياسية أو التحررية الكبرى، وهذا صحيح من حيث المبدأ ،لكن الفقير الذي لا يملك قوت اسرته أو علاج اطفاله أو تأمين دخل لائق له ولأسرته ، لا يمكن ، بل يستحيل أن يناضل من أجل القضايا السياسية الكبرى ، ولذلك فإن الموضوعية في مسيرة النضال السياسي لليسار الماركسي ، تقتضي ايلاء القضايا المجتمعية والاقتصادية للجماهير الفقيرة اهتماماً فائقاً يتوازى ويندمج مع القضايا السياسية التحررية، ذلك إن الضعف الشديد في هذه الممارسة اتجاه الشرائح الفقيرة جعل اليسار يفقد البوابة الرئيسية للنشاط السياسي والتوسع التنظيمي في أوساط الفئات الفقيرة والالتحام بها تمهيداً لتأطيرها في خضم النضال الوطني التحرري .



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رؤية أولية حول موقف القوى اليسارية والديمقراطية العربية من ح ...
- من وحي الثورة الشعبية في مصر العربية ... القوى اليسارية الثو ...
- الثورة الوطنية الديمقراطية من منظور يساري
- لحظة النهوض الثوري والديمقراطي لمصر وللوطن العربي كله
- على موعد مع انتصار الثورة الشعبية الديمقراطية في مصر........ ...
- قطاع غزة 1948 – 1957 دراسة تاريخية سياسية اجتماعية
- مصر العربية في خطر
- خمسة وستون عاماً من النضال واللجوء .. أما آن أوان المراجعة
- مقتطفات من كتاب رأس المال - تأليف د. فؤاد مرسي - اعداد غازي ...
- موجز رحلة لم تنته بعد
- الوضع العربي بعد 46 عاماً على هزيمة حزيران 1967.. مزيد من تر ...
- المقاييس الفكرية والتنظيمية والعملية والطبقية والنضالية والق ...
- السيرورات الثورية للانتفاضات العربية وتأثيرها على القضية الف ...
- هنيئا للعمال والفلاحين الفقراء وكل المضطهدين في فنزويلا بفوز ...
- مداخلة حول -الحملة الإسرائيلية لنزع صفة لاجئ عن ابناء وأحفاد ...
- أُمَّهات .!
- الفلسفة الماركسية موقف أخلاقي قبل أن تكون علما.............. ...
- مقارنة سريعة بين الرفيق هوجو شافيز ...وبين ما يسمى بزعماء ال ...
- الاقتصاد الفلسطيني وسبل الخروج من أزماته المستعصية
- إلى رفيقي أحمد سعدات في عيده السّتين


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب في نيويورك
- الاتحاد الأوروبي يعاقب برشلونة بسبب تصرفات -عنصرية- من جماهي ...
- الهند وانتخابات المليار: مودي يعزز مكانه بدعمه المطلق للقومي ...
- حداد وطني في كينيا إثر مقتل قائد جيش البلاد في حادث تحطم مرو ...
- جهود لا تنضب من أجل مساعدة أوكرانيا داخل حلف الأطلسي
- تأهل ليفركوزن وأتالانتا وروما ومارسيليا لنصف نهائي يوروبا لي ...
- الولايات المتحدة تفرض قيودا على تنقل وزير الخارجية الإيراني ...
- محتال يشتري بيتزا للجنود الإسرائيليين ويجمع تبرعات مالية بنص ...
- نيبينزيا: باستخدامها للفيتو واشنطن أظهرت موقفها الحقيقي تجاه ...
- نتنياهو لكبار مسؤولي الموساد والشاباك: الخلاف الداخلي يجب يخ ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - غازي الصوراني - في مفهوم الاغتراب وبؤس فصائل واحزاب اليسار العربي