أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟















المزيد.....


هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟


احمد عبدول

الحوار المتمدن-العدد: 4150 - 2013 / 7 / 11 - 13:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


من الحقائق التاريخية الثابتة والمدعومة بالأدلة والوثائق والكتب والمراسلات الرسمية الدولية ان الاتحاد السوفيتي السابق كان قد حشد كل قواه وإمكاناته العسكرية والاقتصادية والمعلوماتية في سبيل تدعيم أركان الأنظمة ذات التوجه التوليتاري والتي حكمت شعوب المنطقة ابتداء من عقد الستينيات من القرن المنصرم وهي الحقبة التي سطع فيها نجم السوفيت آنذاك .ولا شك ان نظام البعث في عهد الثنائي (البكر ـ صدام )كان قد حظي بقسم وافر من الدعم السياسي والعسكري المعلن والمباشر لغرض تدعيم توجهات ذلك الثنائي التوسعية في منطقة الخليج العربي وهي منطقة حساسة إستراتيجيا بل أنها كانت وما تزال تمثل ذلك العمق الاستراتيجي لمختلف السياسات العالمية التوسعية . الاتحاد السوفيتي السابق كان قد أبقى على أكثر من الفي خبير عسكري روسي داخل العاصمة بغداد كانوا يقومون بوضع الخطط العسكرية اللازمة لمواجهة القوات الإيرانية التي شارفت في أكثر من موقعة ان تجتاح القطاعات العراقية ابان حرب الخليج الأولى .لم يغادر بعض هؤلاء الخبراء العراق إلا بعد دخول القوات العراقية دولة الكويت وإعلانها المحافظة التاسعة عشرة في الثامن من آب من العام 1990 .
لقد وقف الروس مع نظام صدام حسين بشكل فعال ومباشر حيث شكلت المبيعات الروسية للمعدات العسكرية أرقاما مهوله بالنسبة لسائر البلدان التي كانت تزود العراق آنذاك بمختلف أنواع الأسلحة والذخيرة الحية مثل ايطاليا وفرنسا ويوغسلافيا بالإضافة الى أميركا التي وقفت هي الأخرى إلى جانب النظام العراقي , والتي تشير تقارير رصينة الى أنها كانت تورد الأسلحة لكلا الجانبين بشكل وأخر في بعض المعارك الحاسمة والحساسة , كما أنها استطاعت ان تضمن وقوف دول الخليج العربي الى صف النظام العراقي في حربه مع إيران آنذاك .لقد كان للروس دور مهم ورئيسي في تزويد العراق خلال حرب الثمان سنوات بترسانة حربية متعاظمة حيث شملت تلك الترسانة منظومات الدفاع الجوي المتطورة مع مختلف أنواع الصواريخ ذات المديات البعيدة والمتوسطة بالإضافة الى تزويد العراق بأسراب متقدمة من طائرات السيخوي والميغ 29 وهي طائرات كانت فعالة ومتطورة آنذاك هذا فضلا عن الدبابات والمدفعية العملاقة والتي كان لها الأثر الكبير في دك المواضع الرصينة التي تحصن داخلها جنود المشاة الإيرانيين في منطقة الفاو وقد أطلق عليها مثلث الموت في حينها وقد راهن الجانب الإيراني على الاحتفاظ بها لما كانت تشكله من عقبة كأداء أمام هجمات الجيش العراقي والتي كانت تمنى بالفشل والتقهقر عند أدنى تعرض لاستعادة بعض مواطئ القدم فيها .وللتاريخ فان اغلب الكتاب والمؤرخين الذين أرخوا لتلك الحقبة السياسية والتاريخية إي مرحلة الحرب العراقية الإيرانية كانوا قد اغفلوا دور الروس في دعم صدام في حربه والعمل على ضمان بقائه حاكما يمثل أهم وابرز الخطوط الخلفية الإستراتيجية للروس في المنطقة ,بينما ظل هؤلاء الكتاب والمؤرخين يصبون جل اهتمامهم وتركيزهم على ما لعبته أميركا من دور ليس بقليل بحال من الأحوال في دعم العراق بشكل واضح للعيان في حربه الضروس .عندما أفل النجم السوفيتي عام 1989 على يد الرئيس كرباتشوف انفردت أميركا بقيادة العالم وبعد ان كان العالم يدار من قطبين سياسيين عالميين متعادلين في موازين القوى أصبح يدار من قبل أميركا بمفردها عندئذ فقدت الأنظمة العسكرتارية أهم وابرز عوامل بقائها وديمومتها .لقد باتت مثل تلك الأنظمة أشبه بعالة ثقيلة على المجتمع الدولي لما كانت تحمله من أرث استبدادي قائم على مصادرة الحريات وقمع الشعوب والتلويح بتهديد السلم العالمي بين وقت واخر هذا بالإضافة الى ما تشكله بعض تلك البلدان من تجاوزات وخروقات واضحة ومتكررة بحق جيرانها كما في حالة (العراق )الذي بدأ متخبطا مضطربا لا يلوي على شيء لا سيما بعد خروجه بعد حرب الثمان سنوات متخما بأكثر من أربعة ألاف دبابة روسية الصنع .
الرئيس الأميركي جورج بوش الأب قبل ان يكون رئيسا للولايات المتحدة الأميركية وفي العام 1987 تحديدا قد صرح في احد لقاءاته مع احد وكالات الإنباء قائلا (ان الذي سيخرج من هذه الحرب منتصرا سوف نقوم بتقليم إظفاره في الوقت المناسب )وهذا ما حصل بالفعل عندما خرج العراق ليس منتصرا لكنه خرج موفور الجانب عبر ألاف القطع العسكرية وعشرات الأسراب للطائرات المقاتلة , مع وجود سبعة فيالق مدربة ومجهزة بأحدث الآليات والأسلحة الخفيفة والثقيلة كانت على استعداد لخوض معارك واسعة في المنطقة ,لكن كل تلك الإمكانات والطاقات التي كلفت العراق ما كلفته من أموال الشعب أصبحت في مهب الريح على إثر دخول القوات العراقية الى عمق الفخ الكويتي الذي تم نصبه بعناية فائقة والذي كان لتهور وهمجية وعدوانية صدام الدور الأكبر في الوقوع بلعنته ومتاهاته ، وهكذا تقلمت أظفار الآلة العسكرية العراقية والتي كان النظام يقبض على مقاليدها بكل قوة وجبروت .
لم تكتف أميركا بإخراج القوات العراقية من دولة الكويت كما كانت تدعي بل أنها تطرفت كثيرا في قسوتها المفرطة وغير المبررة عبر استهدافها لمجمل البنى التحتانية للعراق من خلال ضرب شبكات الكهرباء وخطوط الاتصالات وإمدادات الطاقة ومحطات التحلية , وتدمير الطرق والجسور وخطوط السكك الحديد العراقية والمباني العامة بل تعدى الأمر كل ذلك الى ملاحقة واستهداف جموع المدنيين العزل كما هو موثق عبر صور وأفلام فيديوية تؤرخ لما تخلل تلك الحرب من تجاوزات أميركية فاضحة بحق أبناء الشعب العراقي,هذا كله في سبيل ان يتحقق حلم أميركا في عودة العراق الى عصر ما قبل الثورة الصناعية كما عبر عن ذلك وزير الخارجية الأميركي (جيمس بيكر )لطارق عزيز قبل أشهر من اندلاع الحرب في نيويورك .
في تسعينيات القرن المنصرم أخذت أميركا وحسب تقارير وأقوال لخبراء وجنرالات ومحللين اميركان تعكس التوجهات الأميركية التي بدأت ملامحها تتبلور يوما بعد يوم ، أنهم بصدد إزالة كل تلك الأنظمة العسكرتارية التي كانت تمثل يوما الخطوط الخلفية للمعسكر الاشتراكي . لقد أرادت أميركا إعادة تشكيل رقعة الشطرنج حسب ما تملي عليها مصالحها ومشاريعها فوق الأرض عبر ما يسمى مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي يقوم على استبدال الأنظمة العتيقة والبالية في المنطقة العربية بأنظمة أخرى تعتمد الديمقراطية كسبيل للوصول للحكم ومزاولة مهامه ,أنظمة تقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة في منطقة غابت عنها هكذا مفاهيم لقرون من الزمن .لا شك ان الاميركان لم يحبذوا ولم يروجوا لهكذا أنظمة لسواد عيون شعوب المنطقة كما يقال لكنهم قد وجدوا ان مثل ذلك السعي سوف يعود عليهم بالمنفعة الكبرى في المرحلة الراهنة (المتوسطة والقريبة )على اقل تقدير . إي ان أميركا كانت تمتلك رؤية متكاملة لما سوف تقدم عليه من عمل يراد له الكثير من الجد والتحشيد العالمي العسكري والإعلامي .كانت المرحلة تتطلب ضرورة إعادة النظر بملفات الكثير من الحكومات التي كانت مدعومة من الجانب الروسي سابقا والتي كانت بنفس الوقت مقبولة من لدن الجانب الأميركي بمستوى من المستويات , لكن أميركا أخذت تؤسس لاقتلاع تلك الأنظمة التي باتت تئن تحت وطأة التفكك السياسي والاجتماعي والاقتصادي مع استفحال داء الفساد المالي والإداري والأخلاقي داخل مؤسساتها الرسمية فضلا عن ان بعضا من تلك الأنظمة أصبحت تشكل تهديدا واضحا ومستمرا للمصالح الأميركية (العراق ,أفغانستان) في منطقة يجب ان تحافظ فيها أميركا على دورها التقليدي كشرطي أوحد يمتلك الفاعلية والسيطرة على مفاتيح المنطقة سياسيا وامنيا وعسكريا.
شكل نظام صدام تهديدا سافرا لمختلف دول الجوار مدشنا تهديداته باجتياحه الكويت ومن ثم قصفه بصواريخ بعيدة المدى لدول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة الى استهدافه لإسرائيل بصواريخ السكود والتي كانت محاولات عقيمة يراد منها كسب مقدار ما من تعاطف الشعوب العربية في معركته الخاسرة امام التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية بمؤازرة أكثر من ثلاثين دولة . بقي نظام صدام يشكل تهديدا للمنطقة برمتها مما استدعى الإدارة الأميركية للتفكير الجدي بزواله كخطوة أولى لتحقيق مشروعها الشرق أوسطي الكبير لكن الإدارة الأميركية كانت قد ابتدأت بالحرب على أفغانستان تلك البلاد التي أصبحت اكبر واخطر حاضنة لجذب وتصدير أجيال من الإسلاميين المتطرفين والذين وقفت الى جانبهم أميركا أبان حقبة الحرب الأفغانية ضد قوات الاتحاد السوفيتي السابق .كانت احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2000 والتي استهدفت مبنى التجارة وبرج الاتصالات العالميين في مدينة جرف هار الأميركية بالإضافة الى استهداف مبنى وزارة الدفاع البنتاغون عن طريق طائرات تم اختطافها مع من يستقلها من ركاب تمثل الذريعة الرسمية لإعلان أميركا للحرب.,حادثة بهكذا حجم كانت المبرر الأقوى لتوجيه ضربة عسكرية حتمية الى العراق وأفغانستان على التعاقب ,وسواء كانت تلك الحادثة عبارة عن سيناريو هوليودي محكم التدبير أم لا فان الإدارة الأميركية كانت تبحث عن مبرر بهكذا حجم للتخلص من نظام طالبان والنظام العراقي كخطوة أولى في مسلسل تغيير الخارطة السياسية في المنطقة .لقد تمت الإطاحة بنظام طالبان عبر ضربات جوية مكثفة قامت بدك معاقل ما يسمى بالمجاهدين الأفغان والذين كانوا يضمون الى صفوفهم مختلف الجنسيات العربية الأخرى ,ليتكرر ذات السيناريو بعد ثلاثة أعوام على الأرض العراقية عندما أخذت البوارج والقاصفات الأميركية تمطر القطعات العسكرية المنتشرة على الأرض بدون إي خطط عسكرية مدروسة فكان ان اجتاح الاميركان العراق في غضون أربعة عشر يوما بعد قصف جوي مكثف استمر لخمسة وأربعين يوما عن طريق 150 إلف جندي أميركي كانت القوة المقاتلة تقدر ب(30 )إلف جندي أميركي لا غير أما البقية فقد توزعوا على مهام إدارية أو جهد هندسي وتأمين خطوط الاتصالات والإمدادات الخ تلك المهام التي لا غنى للجيوش عنها بحال من الأحوال .لقد كان غرض الاميركان من اجتياح العراق بالدرجة الأساس خلق وإقامة نظام ديمقراطي يكون أنموذجا متقدما في مجال احترام الحقوق وصيانة الحريات العامة .لقد عملت أميركا قبيل دخولها الى العراق الى بلورة رؤية واضحة ومشتركة بين أقطاب المعارضة العراقية في الخارج كما بقيت تلك الجهود قائمة على عروشها حتى بعد دخول القوات الأميركية للعراق وذلك لغرض إقامة نظام سياسي ديمقراطي متقدم على الطريقة الأميركية (استخدام القوة )والتي غالبا ما تتعارض في جوانب مهمة منها في صيرورة وبروز نظام ديمقراطي سليم من العاهات والتشوهات . ظل الاميركان حريصين كل الحرص للمحافظة على تلك التجربة الديمقراطية وصيانتها من الخلل والتراجع على الرغم من تلك الأخطاء المقصودة وغير المقصودة والتي ارتكبها الاميركان بعد دخولهم للعراق ,ولا شك ان قسما غير قليل من تلك الأخطاء إنما جاء على خلفية الانقسام الحاد في الرؤى والتوجهات بين حمائم الخارجية وصقور البنتاغون كما يصفهم الاميركان .
المولود الديمقراطي العراقي بنسخته الأميركية لم يسلم من جملة من التشوهات والعاهات الخلقية والتي رافقته بسبب تلك العملية القيصرية التي حتمتها جملة من الظروف والعوامل الطارئة والموضوعية ,.لكن هذا المولود كان نصيبه من الحياة والنمو والارتقاء نصيبا متقدما لولا تدخل عموم جيران العراق السافر والسلبي , فقد سارع هؤلاء الجيران الى خنق ذلك المولود في مهده وقد كان لكل منهم أسبابه ومبرراته التي يراها هو مقنعة الى حد كبير ,لقد سارعت معظم الدول القريبة من العراق الى استهداف مشروعه المتوافق مع إرادة أغلب أبنائه بما في ذلك الجمهورية الإسلامية في إيران ودولة الكويت علما ان تلك الدولتين كانتا الأشد تضررا من سياسات صدام الطائشة والعدوانية لكنهما مع كل ذلك قد وقفتا موقفا متشنجا إزاء تجربة الشعب العراقي المبتلى بثلاثة عقود عجاف من حكم الطاغية . لقد كان لوصول الإسلام السياسي الشيعي لسدة الحكم هاجسا مقلقا لدى حكام الكويت وهذا مما دفعهم الى اتخاذ مواقف سلبية من تجربة الحكم بعد التاسع من نيسان ,كذلك فقد كان لحضور وتواجد 150 إلف جندي أميركي على الأرض العراقية سببا مباشرا في تزايد القلق الإيراني الذي لم تنخفض مناسيبه حتى تم جلاء أخر جندي أميركي ضمن اتفاقية مشتركة بين الجانب الأميركي والعراقي ,لكن علينا ان لا ننسى ان الجمهورية الإسلامية في إيران كانت سباقة في مجال تمثيلها دبلوماسيا عبر افتتاح سفارتها في بغداد كما أنها كانت أول المعترفين بتجربة مجلس الحكم إضافة الى مباركتها للتجربة الديمقراطية في العراق بشكل مجمل .الجارة سوريا بالإضافة الى المملكة العربية السعودية كانتا الأشد والأكثر تطرفا في تعاملهما مع الوضع الجديد القائم في العراق ,فقد اخذ النظام السوري والنظام السعودي بالعمل على غض الطرف عن ضخ وتشجيع وتدريب وتجييش طوابير من الإسلاميين الانتحاريين منطلقين من أراضيهم مدفوعين بفتاوى تحريضية كانوا قد تلقوها عبر مؤسسات دينية رسمية وغير رسمية , مما أدى الى تصدير العنف والقتل وإعمال التفخيخ واستهداف المواطنين العراقيين العزل مع بث مفاهيم التكفير والتخوين والاتهام بالعمالة والتبعية لمكون عراقي أصيل لينتهي الأمر باستهداف مرقد الأماميين العسكريين في سامراء ليكون هذا الحدث إيذانا ببدء الحرب الطائفية عام 2006 ـ2007 . مع كل ذلك بقيت الجهود الأميركية على قدم وساق من اجل إنجاح مشروعها والذي يقوم بالأساس على وحدة ارض العراق برا وبحرا وسماءا وصيانة سيادته وحفظ أمنه وهذا مما حدا بالولايات المتحدة الى إنشاء مجالس الصحوات في المناطق الساخنة بالتنسيق مع الحكومة العراقية المنتخبة وقد كانت أميركا قد صرفت حتى ذلك الوقت مليارات الدولارات في سبيل اعمار البنى التحتية للعراق عبر جبايتها لأموال الضرائب التي تؤخذ من رجال الإعمال الاميركان .قطعت أميركا أشواطا بعيدة في سبيل استقرار العراق وضمان سيادته عبر تشكيل حكومات منتخبة تأتي من خلال صناديق الاقتراع حيث يتم تمثيل جميع مكونات الطيف العراقي بشكل عادل ومتساوي كمرحلة أولية حتى إذا ما تسنى للعراقيين ان ينجحوا بتجاوز أكثر من دورة انتخابية عاد صوت الوطنية وانسحب صوت الطائفة والعرق والمذهب. هذا باختصار ما كانت تصبو إليه أميركا ,إلا ان مجموعة من القوى الداخلية والتي كانت تمتلك رصيدا وامتدادات إقليمية غير محدودة كانت قد أصرت على تدمير التجربة الأميركية المتوافقة مع إرادة اغلب أبناء الشعب العراقي لذالك سارعت تلك القوى الى استخدام أقذر الوسائل وأفضعها في سبيل العودة بالعراق وأهله الى المربع ألبعثي الصدامي المقيت لتخوض مسلسل العنف والتفخيخ وقتل المدنيين الأبرياء العزل بالإضافة الى استهداف مفاصل الدولة الأمنية والخدمية والإنتاجية طيلة السنوات المنصرمة ,وهذا ما أدى بدوره الى تراجع البلد الى مربعات ما هو أسوء مما كان قبل التاسع من نيسان وهكذا نجح المخطط الإقليمي البعثي المتحالف مع جبهات إسلامية متطرفة (القاعدة ) في تغيير الكثير من القناعات لدى شريحة غير قليلة من أبناء الشعب العراقي من الذين اختلطت عليهم الأمور فأصبحوا لا يميزون بين ما كان يمثله فعل التغيير من ضرورة تصب في صالح العراق والعراقيين , وبين ما كان يجري فوق الأرض بسبب عصابات بعثية صدامية مدفوعة من الخارج تمتلك رصيدا في الداخل السياسي العراقي .وهكذا استغل هؤلاء ضبابية الأجواء وقتامتها ليضخوا ويروجوا لمفاهيم كان أبرزها ان أميركا إنما جاءت لتقسيم العراق ونهب خيراته الى أخر تلك الخزعبلات التي ما انزل الله بها من سلطان,علما ان صدام حسين كان قد عرض على الولايات المتحدة الأميركية كل الامتيازات الاقتصادية ، النفط على وجه الخصوص بعد ان قام بالسماح لفرق التفتيش بتدمير كل ما يمتلك من أسلحة محظورة دوليا وكان مستعدا ان يفعل كل شيء في سبيل بقائه في دفة الحكم إلا ان أميركا رفضت كل ذلك وأصرت على تغييره بالسرعة الممكنة .
ان أميركا لم تأتِ الى العراق لتقسيمه وتفتيت لحمته الوطنية والاجتماعية لعدة أسباب وعوامل لعل أبرزها ان تقسيم العراق سوف يؤدي الى ابتلاع الجنوب العراقي الشيعي من قبل إيران العدو التقليدي لأميركا والعكس صحيح ,بينما سوف يعاني الأكراد من تحديات كبيرة لا قبل لهم بها ، وبالتأكيد أنهم سوف يدخلون بصراع مع سنة العراق حول المناطق المختلطة أو ما يسمى بالمناطق المتنازع عليها هذا بالإضافة الى كركوك التي سوف تتجاذبها الأهواء والإطماع السياسية التي سوف تدفع الى حروب بين الجانبين العربي والكردي من جهة وبين السنة والشيعة من جهة أخرى إما المناطق الغربية فمن المؤكد ستكون عرضة لهجمات وتأثير عصابات القاعدة ومن ثم إنشاء إمارة إسلامية بخلاف ما يصبو إليه أهلنا هناك لمثل تلك الأسباب مجتمعة ولغيرها لم ترغب أميركا في تقسيم العراق .لقد جاءت أميركا لخلق عراق يتساوى فيه الجميع أمام القانون عراق فيدرالي ديمقراطي اتحادي كما نص على ذلك الدستور العراقي الذي صوت عليه أغلبية الشعب في العام 2005 .
ان المتتبع لمجمل إفرازات وتمظهرات المشهد السياسي العراقي على امتداد عقد من السنوات التي تلت سقوط الصنم يجد ان أميركا قد عملت ما بوسعها لإنجاح تجربتها السياسية في العراق وإنها كانت تحول دون انزلاق البلاد الى مفترق طرق وعرة ,بل أنها كانت تمثل العامل الحاسم والمهم لاجتماع الفرقاء السياسيين سواء بين قيادات المركز والإقليم أو بين الأحزاب السياسية للمكونين الشيعي والسني ..يذهب الكثير الى التشكيك بمثل ذلك الطرح عندما يستدلون بمشروع نائب الرئيس الأميركي (جو بايدن )بخصوص تقسيم العراق الى ثلاث دويلات (كردية ,شيعية ,سنية ) لكن هؤلاء المشككون لا يفقهون شيئا مع بالغ اعتزازنا بهم لا يفقهون شيئا عن الكيفية التي تدار بها بعض المقولات والتصريحات لبعض المسؤولين البارزين داخل الإدارة الأميركية , فلنائب الرئيس الأميركي ان يقول ما يراه مناسبا في وقت من الأوقات بكل حرية وبدون إي إحراج لكن مثل هذا الرأي لا يعني بالضرورة ما تذهب إليه الكابينة الحكومية الأميركية مجتمعة ,لا يعني مثل هذا الرأي والذي يذهب إليه هذا المسؤول أو ذاك ان هذا ما يعبر عن إرادة البيت الأبيض وتوجهاته بشكل قطعي ونهائي , كما لا يعني ذلك ان هذا ما تمخض عن قرار مركزي لا رجعة عنه في حال من الأحوال ,فمن المعروف ان القرار الأميركي لا سيما في المواطن الحساسة إنما يمر بعدة قنوات ومسالك قبيل إنضاجه وتبلوره ودفعه الى حيز الفعل والوجود .قبل اقل من شهرين كان قد التقى احد أهم وابرز السياسيين العراقيين بالسيد بايدن وقد كان هذا السياسي في زيارة الى أميركا فما كان منه إلا ان يذكر بايدن بمشروعه حول التقسيم لكن بايدن قد فاجأ ذلك السياسي انه اليوم ليس هو بايدن الأمس , انه اليوم يفكر بعقلية أخرى و أفق آخر وانه ابعد ما يكون عن هكذا توجه في هذا الوقت ,هكذا تدار الأمور لقد رأى بايدن في مرحلة من مراحل استعصاء المشكل السياسي العراقي ، ان الحل يكمن في التقسيم إلا ان مثل هذا الأمر لم ولن يمثل توجه إرادة البيت الأبيض الأميركي ولو كان الأمر كذلك لكان مشروع التقسيم قد رأى النور منذ أعوام وليس أشهر .ان العقل والمنطق السليم والوقائع على الأرض تشير الى ان الاميركان لا يريدون سوى عراقا امنا مستقرا مزدهرا في المرحلة القريبة والمتوسطة على اقل تقدير وذلك لعدة أسباب يأتي في مقدمتها ضمان تدفق وارداتها النفطية وسهولة انسيابيتها من قبل حكومات متزنة ومتوازنة تشكل معها خطوط اتصال قوية ومستديمة بالإضافة الى الخوف الأميركي من ابتلاع العراق من قبل أي دولة أخرى .
أخيرا علينا ان لا ننسى ان من يروج لأطروحة ان أميركا تريد التقسيم لن يمثلوا سوى قطاعات محدودة من الشعب العراقي فالأكراد لا يرون في ذلك الطرح سوى وهم لا حقيقة له على ارض الواقع ,كذلك لا يرى الكثير من الشيعة في هكذا طرح سوى غطاءا يتستر به اؤلئك المتصيدون بالماء العكر من عصابات البعث واذناب القاعدة واما العراقيون من السنة ، فهنالك الكثير من مثقفيهم ورموزهم ومحلليهم يتحفظون على هكذا طرح .
وللتاريخ نقول ان من يريد تقسيم العراق ويسعى لتفكيكه إنما هو المعسكر البعثي التكفيري والذي كشر عن نواياه الخبيثة بعد سقوط الصنم بأشهر من خلال ممارسة أبشع وأقذر أساليب القتل والتصفية واستهداف المدنيين العزل من نساء وشيوخ وأطفال ,ان من يريد تقسيم العراق هو من سارع الى وأد تجربته الديمقراطية الناشئة عبر إثارة النعرات المذهبية والحساسيات الطائفية ,ان من يريد تقسيم العراق هو من باشر باستهداف مراكز الاقتراع وقطع الأصابع البنفسجية في طريق اللطيفية أبان ممارسة أول تجربة انتخابية عام 2005 .ان من يريد تقسيم العراق هو من عمل على تفتيت اللحمة المجتمعية لأبناء الشعب العراقي عبر تثوير الحساسيات المناطقية والعرقية والاثنية ,وأخيرا ان من يريد ان يقسم العراق قد جاء بها صلعاء شوهاء بكل صلف ووقاحة عندما أعلنها عبر منابر الحقد والكراهية في بعض مناطقنا الغربية داعيا الى إقامة الإقليم السني فما كان من أهلنا هناك إلا ان قاموا برشقه بقناني المياه الفارغة ليولي هاربا حيث جحور الظلام والجهل والكراهية .سيلقي البعض بالمسؤولية كاملة على عاتق سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي التي قادت الى إعلان أمر التقسيم من قبل بعض المتطرفين حسب ما يذهب إليه الكثير هذه الأيام , ونحن هنا لسنا بصدد الدفاع عن المالكي أو غيره من القادة والسياسيين فالمالكي رجل مرشح من قبل التوافقات السياسية المبرمة تحت قبة البرلمان العراقي وهو ان بقي لدورتين أو أكثر وهو أمر لا يتمناه كاتب تلك السطور فسوف يغادر كرسي الوزارة وهذا هو لب النظام الديمقراطي لكن أمر التقسيم كان قد تمت المباشرة بتجسيده على ارض الواقع قبل ان يصل الى اسماعنا اسم السيد المالكي أصلا , وهذا ما دلت عليه جملة من الوثائق والكتب التي كان يبعث بها رموز القاعدة لإتباعهم من الظلاميين وهم يؤكدون على ضرورة إنشاء إمارة إسلامية سنية في غرب العراق ,ان مشروع التقسيم قد بوشر به حال سقوط هبل البعث (صدام )الذي يصر اذنابه وبقاياه ومن تحالف معهم ودار في فلكهم , على تقسيم العراق الى الف إمارة وإمارة على ان يروه بلدا واحدا موحدا وقد غادروا مركبه الذي لا يليق إلا بالشرفاء الذين طاب منبتهم وحسنت نواياهم وعلى شرفهم وعرفت أقدارهم هؤلاء هم من يحكم العراق . أخيرا لا توجد قوة في عموم الكون تستطيع ان تقسم هذا البلد أو ذاك إذا لم يكن مثل ذلك البلد يمتلك الأرضية القابلة للتقسيم ,لا توجد قوة في عموم الكون تستطيع ان تقوم بتجزئة هذا البلد أو ذاك وان تترك أهله شيعا وأحزابا يضرب بعضهم رقاب بعض إذا لم تكن هنالك أرضية اجتماعية وثقافية وسياسية خصبة لإمكانية وقوع أمر التقسيم ,لا تستطيع إي قوة في عموم الكون ان تقسم العراق إذا ما إصر أهله على الوحدة والوئام والتعايش السلمي المشترك .



#احمد_عبدول (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل من معجزة؟
- وماذا عن المرجعية ؟
- ما الذي يجري في العراق واقعا ؟
- هل تعيد المصافحة للعراقيين قتلاهم؟
- مزامير الاغنياء
- الصحابة في ميزان علي ( عليه السلام )
- الشعوب ليست قطيعا
- البعث مرة اخرى
- شعب الله الثرثار
- الطائفية السياسية ..بين الواقع والشعار
- علي بن ابي طالب رائد المصالحة التاريخية
- ثنائية الخوف والطمع
- موتانا وموتاهم
- النص والمرأة
- مطر السوء
- القوم الكافرون
- أضغاث أحلام
- الإنسان أم الأديان
- هل يمتلك العراقيون دينا خالصا
- طقوس كربلاء من منظار اخر


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - احمد عبدول - هل تقف امريكا وراء تقسيم العراق؟