أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخراز - ورد و خطايا















المزيد.....

ورد و خطايا


أحمد الخراز

الحوار المتمدن-العدد: 4146 - 2013 / 7 / 7 - 21:19
المحور: الادب والفن
    


حملت باقة ورد و زجاجة عطر و كيلو تفاح فاخر و زجاجة شمبانيا، و اتجهت إلى حانة النجمة بمرتيل تلك المدينة المعلقة على كتف الشيطان،انزويت في أقصى ركن، و طلبت بيرتين، واحدة لي و الثانية لها..كنت أعرف أنها آتية،لم يسبق أن خيبت ظني بها أو أخلفت موعدها معي،أعيد قراءة رسالتها القصيرة:"لا تقلق, سآتي و إن كنت في سابع أرض!"..أبتسم لوحدي و أقبّل فتحة الزجاجة..بعد نصف ساعة تقريبا..ألمح شبحها الممشوق عند مدخل الحانة فألوّح لها بيدي..و في طريقها إلي يعترض سبيلها بعض السكارى..أستشيط غضبا لكن سرعان ما أدرك أنهم من معارفها..يا للخيبة! توزع التحايا على أغلب الزبائن و تكتفي بالابتسام في وجوه البعض..أواه..حتى النادل أبو البطن المتهدل يعرفها..!! ما هذا..؟ انه يسجل رقم هاتفها..ربما تبحث عن عمل..أو ربما هو صديق العائلة..لا..أكيد أنها تبحث عن سكن..أعرف هؤلاء النّدل كيف يحصّلون المال من الحجر..لهم أنشطة متعددة..من سمسرة و بيع السجائر المهربة و الأعشاب الجنسية المهيجة و حتى الواقيات الذكرية إلى جانب التوسط في كراء الشقق المفروشة و..القوادة..أوه..ماذا؟ قوادة؟ هل يمكن أن تكون القوادة هي الدافع من وراء تسجيل رقمها؟..حسنا..سأعرف كل شيء حالما تصل..
أنهض من مكاني و أتجه نحوها..اشتقت لها كثيرا..تسرع خطوها نحوي..فنلتقي على قبلة حارة عميقة..من شفتيها القرمزيتين بمذاق أحمر الشفاه..أضمها إليّ بحنو..فأحس بتشنجاتها الشبقية..و بغنج ترسل ضحكة داعرة و تهمس لي:لا زلت رجلي الإفريقي الحار..بربك أيها الحقير..لماذا تغيب عني كل هذا الوقت و أنت تعرف أني حارة استوائية مثلك..؟ أجيبها ساخرا بصوت مسموع:أعرف أنك لا تقاومين الشوكولاطة و البيرة و التفاح و نداء السرير..فلا داعي للمخاتلة..ننفجر ضاحكين و ننتقل كعروسين إلى طاولتي،تجلس و أقترب منها قليلا..تسألني: - منذ متى غيرت ماركة سجائرك؟
- هه..منذ متى صرت دقيقة الملاحظة هكذا؟
لم تجبني..لا زلت مراوغا؟..-
حسنا..السجائر كالنساء..تشبه بعضها في الاحتراق و الدخان و الرماد لكنها مختلفة في المذاق...-
-ربما الرجال أيضا يشبهون الولاعات، هناك المعطلة تماما و المعطوبة التي تكتفي بالشرارة و هناك التي تعمل بشكل جيد لكن ينقصها الغاز.
أقاطعها:- لكن تبقى الولاعات روح السجائر..فلا تنكري هذا..
أشاحت بوجهها عني فجأة و أردفت: و يبقى إشعال السجائر تحديا وجوديا للولاعات!! فلا تنكر أنت هذا أيضا..
لم أجبها بل دعوتها لنخب هذا اللقاء..أتذكرين الشنشنة؟
ههه..طبعا..لنشنشن الكؤوس المترعة حتى يفيض الرغاء...-
أشعل سيجارة لي و أناولها أخرى،تضع عقبها الأشقر بين شفتيها الدقيقتين و تسخر: هيا اثبت وجودك! أنفجر ضاحكا و أشعل لها فتأخذ نفسا عميقا و تنفث في وجهي الدخان.
من أين لك بهذه العادة؟ أعرف انها من ويلات الحفر الطنجاوية"..-
ههه الوطن مليء بالحفر.. لدرجة اختلطت علينا الأحجام و الأشكال و درجات التصنيف....-
أهجس مع نفسي:ما اغباني! أحس بالعجز أمامها..هل انتهيت؟ منذ افترقنا تركتها في لجة محيط هادر يموج بالخطايا، أكيد قد مر من فوقها آلاف الخلق. و لامس بطنها كل أنواع البطون،.. و ها هي اليوم انبعثت من موتها أكثر قوة و صلابة..ما سر هذا البريق الغريب الساطع من عينيها و الذي يخطف الأبصار؟
-أحمد..ماذا بك؟ هل لازلت مأساويا كما عرفتك؟
لا..لا شيء..فقط أتمعن في ملامحك...-
تقاطعني:- تقصد في ماكياجي؟
أحاول مداراة ارتباكي: لا..إطلاقا..لا أهتم بالقشور..بصري يخترق طبقات المساحيق.. نفس الحزن الشارد لازال يستوطن عينيك يا سارة..
لقد غيرت اسمي يا أهبل...-
-لماذا؟
هروب..لا بل هرولة...-
ضعف...-
حسنا..لنقل: انمحاء....-
لا وجود لشيء ينمحي إطلاقا..حتى هذا الدخان المنفوث يرتفع عاليا لكنه لا يصير عدما....-
صح..لكن لم تسألني عن اسمي الجديد....-
لا يستهويني"المستعار ..-
إلى الجحيم إذن..و إن سمعتك تناديني بسارة..أقسم أن أقطع لك قضيبك من جذوره...-
-أنت الخاسرة..ثم لا أظنك تجرئين على ذلك..اسمعي ربما تغيرت، لكن ليس لدرجة تجعلك تتجاسرين على رجولتي بهذا الجرم البشع..
-لا تثق بي رجاءا..
-لا أملك خيارا آخر.
-ألا تخشى انتقامي؟
."تعلمت من البورديل شيئا واحدا: "لا تتعرى بشكل كامل في ضيافة أكثر من مومس
-و مع واحدة..؟
! -أتعرى من جلدي إن أمكن
-أحبك أيها الأخرق..هل يحق لعاهرة أن تعشق؟
-قد تفتح فخذيها ألف مرة..لكن قلبها مسدود..لا ينفتح إلا مرة واحدة..لعاشق محتمل و ليس لزبون..
-..ههه و هل أنت العاشق المحتمل؟
-و هل أنت تلك العاهرة؟
نعم..أنا هي....-
-تمزحين..؟
.....لا بل هي أنا..أبيع لحمي لاني لم أجرؤ على بيع شيء آخر..-
أطلب من النادل سطل بيرة مثلجة..و أشعل سيجارة أخرى..أناولها واحدة أخرى فلا تريد و تكتفي بابتسامة..لم يصدمني خبر اشتغالها في الدعارة لكنه فاجأني..بدوت كمن يتصنع الذهول، كان عليّ أن أعرف ذلك، كثيرات هنّ الباغيات اللائي يخفين جراحا عاطفية غائرة، الفشل و الخذلان و خيبات الأمل المتراكمة و الشعور المزمن بالرّخص هي دوافع نفسية غالبا ما تدفع لمهاوي الخطيئة..و رغم ذلك كان عليّ أن أسألها كي أبدو روتينيا أكثر، فبعض المواقف تستوجب منك طرح نفس الأسئلة المتداولة في مثل هذه الظروف، نكون متشابهين جدا و نحن نحاول طرح نفس الأسئلة الجاهزة على حبيبة سابقة حولتها صروف الأيام إلى عاهرة محترفة...كيف؟ و منذ متى؟ و لماذا..؟ كم أبدو غبيا..؟
-منذ متى..؟سألت.
-منذ أدركت أن جسدي قد يقيني قساوة الجوع..الفرق بيني و بين أكلة لحوم البشر، هو أني أكتفي بأكل لحمي أنا لأعيش..أما هم فيأكلون الآخرين ليعيشوا...من الاشرف بيننا في نظرك؟
و دون تفكير أجبتها: أنت الاشرف يا سارة..أنت..
استغربت من منطقها الصحيح في تبرير الخطأ..ألا يكفي الإقناع بالخطأ ليصير صوابا؟ للأسف كانت على حق..و لا يمكنني أن أدافع عن شيء فقد مبرره المنطقي.. أحسست بإفلاس قيمي و عجز حجاجي..حاولت إقناعها بمبرر أخلاقي، لاني أدرك أن الأخلاق جوكر المقامرين المفلسين..لكن وضعي لا يسمح بإسداء هكذا نصائح..ربما كان فراقنا سببا قويا في تعاطيها للدعارة..أعرف أنها مضطرة و لم تسقط بدافع الرغبة و الترف بل فقط لأنها دفعت لهذا دفعا..سقطت من الجرف، فما ذنبها إذا لم تكن فراشة لتطير..؟؟
كفكفت دموعها و أهديتها باقة الورود و تفاحة، فابتسمت شاكرة و سألتني: التفاح لا يحتاج إلى مناسبة لكن ما مناسبة الورود؟
حسنا..ربما ليست هناك مناسبة معينة..و استدركت: لكن غدا يوم عيد المرأة....-
تنتزع من الباقة وردة بيضاء و تتنشق عطرها و تقدح بيرتها و دون أن ترفع بصرها نحوي أردفت:لا عيد لي..فأنا لست امرأة..
انكتمت في جوفي الكلمات، و لا أذكر أني قلت شيئا..فقط تذكرت نصا جميلا لأرسكين كالدويل عنوانه:"آنياس، إنهم ينظرون إليك"..



#أحمد_الخراز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخراز - ورد و خطايا