أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - القرآن 2: مؤلف القرآن















المزيد.....


القرآن 2: مؤلف القرآن


سامي الذيب
(Sami Aldeeb)


الحوار المتمدن-العدد: 4146 - 2013 / 7 / 7 - 02:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كما ذكرت في مقالي السابق (http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=367340)، اقوم حاليا بإتمام طبعتي العربية للقرآن. وقبل وضعها في موقعي للتحميل، اود ان اعرض في الحوار المتمدن بعض ما جاء في مقدمتها للنقاش راجياً القراء إبداء رأيهم فيها. وأعطي هنا الفقرة الخاصة بمؤلف القرآن، ولكن دون ذكر الهوامش لأن برنامج الحوار المتمدن لا يسمح بذلك.

يعتقد المسلمون أن القرآن كتاب منزل من عند الله. وهذا كلام غيبي لا يقبله الباحث، ولكن عليه أن يأخذه بعين الحسبان كظاهرة بشرية تماما كما يفعل مع اساطير الإغريق والرومان. فالإنسان أسطوري بطبعه ويعشق الروايات المصطنعة تماما كما يعشق الصبيان حكايات جدتهم في الشتاء حول موقد النار. ومن البديهيات عند الباحث أن كل كتاب من تأليف بشري، حتى وإن جُهل مؤلفه. فالف ليلة وليلة كتاب لا يعرف مؤلفه ويتضمن مجموعة من القصص الشعبية تنتمي إلى بيئات مختلفة أهمها العراق وسوريا ومصر يُرجح أنها كُتبت بشكلها الحالي في القرن الثالث عشر والرابع عشر الميلادي، وهي من أصل هندي وفارسي إلا انها مع مرور الزمن وتعاقب الزيادات غلب عليها الطابع العربي. وفي الحضارة الإغريقية ملحمتا الإلياذة والأوديسة التي نسبت إلى هوميروس ولكن في حقيقتها تمثل تراكما لحكايات شعبية شفهية تعود للقرن التاسع قبل الميلاد. ورغم عدم معرفة مؤلفي ليلة وليلة والملحمتين الإغريقيتين على وجه التحديد، ليس هناك من ينسبها لله.

وإذا انتقلنا الى الثقافة اليهودية والمسيحية، فإن الكتاب المقدس اليهودي يتضمن مجموعة من الأسفار يختلف عددها عند السامريين واليهود والمسيحيون. وقد أطلق المسيحيون على الكتاب المقدس اليهودي اسم العهد القديم وأضافوا اليه مجموعة من الأسفار اسموها بالعهد الجديد. وأكثر هذه الأسفار يعرف من هم مؤلفوها، استغرق تأليفها قروناً عديدة. ولكن بعض نصوص العهد القديم تشير إلى أنها موحاة من الله مباشرة لموسى، لا بل مكتوبة بإصبع الله. ونعطي هنا ثلاثة أمثلة من هذه النصوص: "12وكَلَّمَ الرَّبُّ موسى قائلاً: 13 وأَنتَ فكَلِّمْ بَني إِسْرائيلَ وقُلْ لَهم: إِحفَظوا سُبوتي خاصَّةً، لأَنَّها عَلامةٌ بَيني وبَينَكم مَدى أَجْيالِكم، لِيَعلَموا أَنِّي أَنا الرَّبُّ مُقَدِّسُكم. 14 فآحفَظوا السَّبْت، فإِنَّه مُقَدَّسٌ لَكم، من آستَباحَه يُقتَلْ قَتْلاً. كُلُّ مَن يَعمَلُ فيه عَمَلاً تُفصَلُ تِلكَ النَّفْسُ مِن وَسْطِ شَعبْها. 15 في سِتَّةِ الأَمٍ تُصنَعُ الأَعْمال، وفي اليَومِ السَّابِعِ سَبْتُ راحةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبّ. كُلُّ مَن عَمِلَ عَمَلاً في يَومِ السَّبتِ يُقتَلُ قَتْلاً. 16 فلْيَحفَظْ بَنو إسْرائيلَ السَّبْت، حافِظِينَ إِيَّاه مَدى أَجْيالِهم عَهْداً أَبَدِيّاً. 17 فهُو بَيني وبَينَ بَني إِسْرائيلَ عَلامةٌ أَبَدِيَّة، لأَنَّه في سِتَّةِ الأَمٍ صَنَعَ الرَّبُّ السَّمَواتِ والأَرض، وفي اليَومِ السَّابِعِ آستَراحَ وتَنَفَّس. 18ولَمَّا آنتَهى اللهُ مِن مُخاطَبَةِ موسى على جَبَلِ سِيناء، سلَّمَه لَوحَيِ الشَّهادة، لَوحَينِ مِن حَجَر، مَكْتوبَينِ بِإِصبَعِ الله" (الخروج 31 : 12-18). يقول موسى مخاطباً شعبه: "7اُذكُرْ، لا تَنْسَ أنَّكَ أَغضَبتَ الرَّبَّ إِلهَكَ في البَرِّيَّة، فإِنَّكَ مُنذُ يَومِ خروجكَ مِن مِصرَ، حتَّى وُصولكم إِلى هذا المَكاَن، لم تَزالوا تَتَمَرَّدونَ على الرَّبّ، 8 وفي حوريبَ أَغضَبتُمُ الرَّبَّ، فغَضِبَ علَيكم وكادَ يُبيدُكم. 9 حينَ صَعِدتُ الجَبَلَ لآخُذَ لَوحَيِ الحَجَر، لَوحَيِ العَهدِ الَّذي قَطَعَه الرًب معَكم. فأَقَمتُ بِالجَبَلِ أَربَعينَ يَومًا وأَربَعينَ لَيلَةً، لم آكُلْ خُبزًا ولم أَشرَبْ ماءً. 10 ثُمَّ سَلَّمَ الرَّبُّ إِلَيَّ لَوحَيِ الحَجَرِ المَكْتوبَين بِإصبَعِ الله، وعلَيهما جَميعُ الكَلِماتِ الَّتي كَلَّمَكُمُ الرَّبُّ بِها في الجَبَلِ مِن وَسَطِ النَّارِ في يَوم الاِجتِماع . 11 وفي نِهايَةِ الأَربَعينَ يَومًا والأَرَبَعينَ لَيلَةً، كانَ أَنَّ الرَّبَّ سَلَّمَ إِلَيَّ لَوحَيِ الحَجَر، لَوحَيِ العَهْد، 12 وقالَ ليَ الرَّبّ: قُمْ فانزِلْ على عَجَلِ مِن هُنا. لأَنَّه قد فَسَدَ شَعبُكَ الَّذي أخرَجتَه مِن مِصر، وِابتَعَدَ سَريعًا عنِ الطَّريق الَّتي أَوصَيته بِها وصَنعَ لَي تِمْثالاً مَسْبوكًا" (تثنية 9 : 7-12). ولكننا نقرأ في فقرة أخرى: "27 وقالَ الرَّبُّ لِموسى: أُكْتُبْ لَكَ هذا الكَلام، لأَّني بِحَسَبِه قَطَعتُ عَهْداً معَكَ ومع إِسْرائيل. 28 وأَقامَ موسى هُناكَ عِندَ الرَّبِّ أَربَعينَ يَوماً وأَربَعينَ لَيلَةً، لا يأكُلُ خُبزاً ولا يَشرَبُ ماءً، فكَتَبَ على اللَّوحَينِ كَلامَ العَهْد، الكَلِماتِ العَشْر" (الخروج 34 : 27-28). وهنا واضح أن الوصايا العشر من كلام الله ولكن الذي كتبها بإصبعه ليس الله بل موسى ذاته.

وإن كان السامريون واليهود والمسيحيون يستعملون كثيرا عبارة "كلام الله" عندما يتكلمون عن كتبهم المقدسة، إلا ان التيار الغالب يرى أن هذه الكتب التي لم تكتب بلغة واحدة، ليست كلاماً اوحى به الله حرفيا، بل أن مؤلفيها كانوا تحت تأثير الهام الهي. فهم يفرقون بين الوحي (بالفرنسية révélation ) والإلهام (بالفرنسية inspiration ). فعلى سبيل المثال هناك اربع اناجيل تختلف في الطول والتفاصيل، ولكنها تُعتبر كلها من الهام الروح القدس. ولتقريب فهم هذا الاختلاف بين الوحي والإلهام بالنسبة للمسلمين، يعتبر المسلمون القرآن موحى بلفظه ومعناه من عند الله، بينما الحديث فمعناه موحى من عند الله ولكن لفظه من عند محمد. فيمكن هنا ان نسمي القرآن موحى، بينما الحديث ملهم. وإن كان التفريق بين الوحي والإلهام يحل بعض المشاكل الشكلية المرتبطة بالكتب المقدسة، إلا أنها تُبقي على مشكلة شائكة جداً تتعلق بمضمون الكتب المقدسة. فهذه الكتب تتضمن كلاماً منسوباً إلى الله يعتبر اليوم مخالفاً لحقوق الإنسان، لا بل بمثابة جرائم حرب يعاقب عليها القانون الدولي والوطني، نذكر منها على سبيل المثال النص التالي: "1وقالَ صَموئيلُ لِشاوُل: أَنا الَّذي أَرسَلَني الرَّبُّ لأَمسَحَكَ مَلِكًا على شَعبه، على إِسْرائيل. فأسمعَ الآنَ قَولَ الرَّبّ. 2 هكَذا يَقولُ رَبُّ القُوَّات: سأَفتَقِدُ عَماليقَ لِما صَنَعَ بِإِسرائيل، حينَ وَقَفَ لَه في الطَّريق، عِندَ صُعودِه مِن مِصْر. 3 فهَلُمَّ الآنَ واضرِبْ عَماليق، وحَرِّمْ كُلَّ ما لَهم، ولا تُبقِ علَيه، بل أَمِتِ الرِّجالَ والنِّساءَ والأولادَ وحتَّى الرُّضَّعَ والبَقَرَ والغَنَمَ والإبلَ والحَمير" (صموئيل الأول 15 : 1-3). والحل الوحيد لهذه المشكلة هو اعتبار الكتب المقدسة كلام البشر عن الله، وليس كلام الله للبشر. وكلام البشر فيه الغث والسمين ويحتمل الخطأ والصواب، وهكذا ننزه الله من عيوب الكتب المقدسة.

ونجد فكرة تكليم الله لموسى وكتابته للألواح (وليس اللوحين) في القرآن: "وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا" (92-4 : 164)؛ " قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ" (39-7 : 144-145). ونقرأ في آية أخرى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (م73-21 : 105).

ولنعد الآن للقرآن. فالمسلمين يعتقدون ان القرآن منزل من عند الله بليلة القدر التي يشير اليها في الآيات 25-97 : 1-5، باللغة العربية (أنظر مثلاً الآية 45-20 : 113)، لفظه ومعناه. ويستعمل القرآن في هذا المجال عبارة أنزل "إلى" محمد (انظر مثلاً آية 38-38 : 29) وانزل "على" محمد (أنظر مثلاً آية 59-39 : 41). كما يستعمل القرآن عبارة أوحى "إلى" محمد (أنظر مثلاً الآية 4335 : 31). ولن ندخل هنا في كيفية النزول أو الوحي والتحليل النفسي لهذه الظاهرة التي عرفت عند كثيرين قبل وبعد محمد في جميع بقاع الدنيا، كما هو الأمر في عصرنا هذا مع الظاهرة الشامانية. ونكتفي هنا بذكر ما يقوله ابن خلدون عن عوارض النبوة بصورة عامة، ونبوة محمد على وجه الخصوص:
وعلامة هذا الصنف من البشر أن توجد لهم في حال الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيط كأنها غشي أو إغماء في رأي العين وليست منهما في شيء، وإنما هي في الحقيقة استغراق في لقاء الملك الروحاني بإدراكهم المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلية. ثم يتنزل إلى المدارك البشرية: إما بسماع دوي من الكلام فيتفهمه، أو يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عند الله. ثم تنجلي عنه تلك الحال وقد وعى ما ألقي إليه. قال صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الوحى: "أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول". ويدركه أثناء ذلك من الشدة والغط ما لا يعبر عنه. ففي الحديث: "كان مما يعالج من التنزيل شدة وقالت عائشة: "كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً". وقال تعالى: "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" (3-73 : 5). ولأجل هذه الحالة في تنزل الوحي كان المشركون يرمون الأنبياء بالجنون، ويقولون: له رئي أو تابع من الجن .

وأصل القرآن في اعتقاد المسلمين هو أم الكتاب (96-13 : 39) في لوح محفوظ عند الله (27-85 : 22). ونعيد القارئ إلى الفقرة التي سنتكلم فيها عن الناسخ والمنسوخ فيما يخص مدى تطابق اللوح المحفوظ مع ما تبقي بين يدينا من القرآن المنزل.
ونشير في هذا المجل إلى ما يسمى في التاريخ الإسلامي بمحنة خلق القرآن، اذ قال المعتزلة وغيرهم قبلهم أن القرآن مخلوق وليس كلام الله الأزلي، فاقتنع بهذا الرأي الخليفة المأمون وطالب بنشره وعزل كل قاضي لا يؤمن به، بينما مخالفيهم يرون ان القرآن كتاب غير مخلوق وكلام الله الأزلي. وقد ابتدأت هذه المحنة عام 833 وانتهت عام 861. وكانت المحنة تتلخص في سؤال واختبار أشخاصا بعينهم، فيما يرونه من وجهة نظرهم، حول ما إذا كان القرآن مخلوقا أم لا. وقد أجابت كل الطوائف أن القرآن هو الكلمة التي لم تمسها شائبة منسوبة إلى الله العلي، بما يعنى أن القرآن كلام الله ولم يخلق. وكانت المسألة: هل القرآن مخلوق أم أنه هو كلام الله؟ وكان هذا الجواب الأخير لا يخلو من العواقب بما فيها الفصل من الوظيفة العمومية، والسجن، وحتى الجلد والقتل أيضا. فقد تم قتل ما يقارب ألف شخص في هذه المحنة. ومن بين الذين عُذبوا في هذه المحنة الإمام احمد بن حنبل. وقد اعتبر المعتزلة أن القرآن يحوي نصوصا متنوعة ومختلفة ومتعارضة أحيانا، ففيها من الأوامر والنواهي والوعد والوعيد والكلام التشريعي والكلام الإخباري والكلام الوضعي، كما يجمع بين المسائل الروحية والدنيوية في آن. وإذا كان ليس جائزا تنسيب التناقض في القول إلى الله، يصبح من الضرورة إذا اللجوء إلى النظر العقلي لتفسير ما ورد في القرآن، مما ينزع عنه الأبدية أو عدم الاجتهاد في نصوصه. ولم يكتف المعتزلة يتجاوز المألوف في الجدل اللاهوتي بقولهم بخلق القرآن، بل تجاوزوا ذلك إلى نفي صفة الإعجاز عنه، وهو ما نُظر إليه مساّ بمقدسات أجمع عليها المسلمون، وكانت مصدر فخرهم وتميزهم بأنّ كتابهم العظيم يستحيل الإتيان به من حيث النظم والبلاغة والفصاحة. وفي هذا المجال، كما في خلق القرآن، كان المعتزلة منطقيّين مع أنفسهم وأمناء لمنهجهم العقلاني في النظر إلى الأمور وعلى الأخصّ منها النص الديني، برفض كل ما لا يقبله العقل مهما أهدلت عليه صفات القدسية .

ورغم ضراوة الخصومة بين المؤيدين لفكرة خلق القرآن والمخالفين لهم فإنهم لم يتعرضوا لموضوع مؤلف القرآن. فهم جميعا متفقون على أن القرآن ليس عملا بشرياً، بل منزلاً من عند الله. وقد دحض القرآن فكرة أنه نتاج بشري: "وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ" (70-16 : 103)؛ "وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" (85-29 : 48)؛ " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاؤُوا ظُلْمًا وَزُورًا. وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا" (42-25 : 4-6). وكان خط الدفاع الذي تبناه القرآن لإثبات مصدره الإلهي هو التحدي بأن يأتوا بمثله (50-17 : 88) أو بعشر سور (52-11 : 13) أو بسورة واحدة (87-2 : 23-24 و 51-10 : 38) أو حتى بحديث واحد (76-52 : 33-34). وهذا ما يعرف بإعجاز القرآن كبرهان على أنه موحىً من عند الله. ويضيف المسلمون أن محمد كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، ليعززوا فكرة الإعجاز (أنظر هامش الآية 39-7 : 157) التي سوف نعود لها لاحقا. ومن المعروف أن من يجرؤ فعل ذلك يتعرض للمخاطر ويُمنع كتابه، كما حدث مع كتاب أنيس شوروس المعنون "الفرقان الحق" .

ويشذ عن هذا الموقف أحمد القبانجي، وهو شيخ شيعي عراقي ينتمي إلى مدرسة العرفاء. فقد خطا خطوة جريئة في محاضراته معلناً بصراحة أنه يجب أن ننزه الله من نسبة القرآن له. فهو يرى أن القرآن كلام إلهي (أي يتكلم عن الله) ولكن ليس من الله، والقرآن يعكس ثقافة النبي محمد ولهذا وردت فيه الأخطاء البلاغية والأخلاقية، وكلها تحمل الطابع البشري. والنبي كان يجلس مع اليهود والنصارى وهو حتماً سمع قصص الأنبياء وهي نفسها تم تجديد انتاجها بصيغة أجمل في القرآن. فمثلا داوود في التوراة زنا بزوجة قائد الجيش أوريا ، إلا أن هذه الصيغة غير مذكورة في القرآن . ووفقا لكلام الشيخ أحمد القبانجي، فإن القرآن هو نتاج ما سمعه النبي، وليس من تأليف شخص آخر غير النبي. وهو يهزأ بالأسلوب الذي جُمع به القرآن ولكنه يبقى في نطاق التقليد الإسلامي في كيفية تدوين القرآن الذي بين أيدينا. وبطبيعة الحال، يرفض رجال الدين عامةً القول بأن القرآن ليس كلام الله، وهناك من يتهم الشيخ أحمد القبانجي بالزندقة ويحذر منه، كما هناك من يخاف أن يذهب ضحية أفكاره كمرتد. ومنهج القبانجي يصل إلى نفس النتيجة التي توصلنا لها فيما يخص الكتب المقدسة اليهودية والمسيحية كما ذكرنا أعلاه، مما يعني أن القرآن ليس كلام الله للبشر، بل كلام البشر عن الله.

وإن قبلنا فكرة القبانجي أن القرآن "هو نتاج ما سمعه النبي، وليس من تأليف شخص آخر غير النبي"، فإن هذا يعني أن النبي كان ذو معلومات واسعة ومتنوعة، وهو امر مستغرب خاصة إن قبلنا بفكرة انه كان امياً لا يعرف الكتابة والقراءة كما يقول التيار الغالب بين المسلمين . ولكن حتى وإن قبلنا بمقولة انه كان يعرف الكتابة والقراءة، فهذا يعني انه كان مثابراً على القراءة ومنتمياً إلى حلقة دراسية كما هو الأمر عند رجال الدين المتبحرين. وهو امر لا ذكر له في كتب السيرة أو التاريخ الإسلامي. ولنفرض ان المعلومات تنقصنا حول هذا الحدث المهم، أو تم تغييبها لسبب أو لآخر، فهذا يعني انه كان إما يهودياً أو راهبا ينتمي إلى احدى الطوائف النصرانية قبل ان يقرر انتاج دين جديد. وقد يدعم هذه الفكرة الأخيرة تكرار كلمتي "الذكر" و "الذكرى" في القرآن التي تشير في اللغة السريانية (دوكرون) إلى الصلوات التي يرددها الرهبان في التقليد الشرقي حتى يومنا هذا. وقد استعملت هذه الكلمة كمرادف لكمة القرآن التي هي ايضا من أصل سرياني وتطلق على الفصول من الكتاب المقدس التي كان يجب ان تقرأ في الكنائس . وفي تلك الصلوات يتم عامة سرد اسماء الأنبياء كما يتم في عدة سور من القرآن دون الدخول في التفاصيل. هذا ويرى البعض أن محمد قد يكون نصرانياً من خلال عدة دلائل، وخاصة أن امه آمنة بنت وهب كانت من قبائل النصارى العرب وماتت على نصرانيتها، وقد عقد زواجه الأول من خديجة بنت خويلد ابن عمها القس ورقة، وكلاهما ينتميان إلى قبيلة أسد النصرانية. والقس ما كان ليقبل إتمام مراسم الزواج إلا اذا كان العريس نصرانيا أو تنصر قبل زواجه . ويوم فتح مكة دخل محمد الكعبة فامر بمحي كل الصور إلا صورة يسوع وامه . غير أننا نرجح ان يكون مؤلف القرآن يهودياً نظراً للكم الهائل من المعلومات اليهودية التي تضمنها، كما سنرى لاحقاً.

وإذا تركنا جانباً نظرية احمد القبانجي بأن القرآن من تأليف محمد فإن المصادر الاسلامية المتأخرة تشير إلى بعض الأسماء المرشحة لأن يكونوا مؤلفي القرآن مثل القس ورقة بن نوفل والراهب بحيرى والحاخام عبد الله ابن سلام الذي أسلم قبل وفاة محمد والحاخام كعب الأحبار الذي أسلم بعد وفاة محمد، وسلمان الفارسي الذي دان بالمجوسية وألتقى بالرهبان والقساوسة ثم أسلم بعد تعرفه على محمد. وهذا لا يعني ان هؤلاء هم الذين كتبوا القرآن، بل من المحتمل أن المعلومات التي تضمنها القرآن قد تم اقتباسها منهم على مراحل مختلفة. فورقة بن نوفل قد توفي قبل هجرة النبي محمد الى المدينة، وانقطعت العلاقة بين محمد والراهب بحيرى مع انتهاء رحلات محمد التجارية. مما يعني أن القرآن لم يعتمد على مؤلف واحد، بل على عدد من المؤلفين. ولكن المعلومات المتوفرة لدينا لا تسمح لنا بتحديد أسماء مؤلفي القرآن بصورة أكيدة ومدى مشاركتهم في تأليفه.

ونشير هنا إلى أن البعض يشك فيما إذا كان النبي محمد ذاته شخصية تاريخية أم مختلقة. فالقرآن لم يذكر اسمه إلا في الآيات المدنية التالية 89-3 : 144 و 90-33 : 40 و 95-47 : 2 و 111-48 : 29 ، بينما ذكر اسم عيسى 25 مرة و 11 مرة بلقب المسيح. والمصادر التاريخية الإسلامية المكتوبة تعود إلى قرابة قرنين من وفاة محمد (عام 632) ولا يمكن التحقق من مدى صحة تلك المصادر. وكذلك الأمر فيما يخص كتب الحديث. فابن هشام، مؤلف السيرة النبوية، توفي عام 833، ويعتقد أن كتابه مجرد اختصار لسيرة ابن اسحق التي فقدت، وقد توفي ابن اسحق عام 768. والبخاري، صاحب الصحيح الشهير، توفي عام 870.

--------------------------------------
أطلبوا كتبي: http://www.sami-aldeeb.com/sections/view.php?id=14
حملوا كتابي عن الختان http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=131
حملوا طبعتي العربية للقرآن بالتسلسل التاريخي http://www.sami-aldeeb.com/articles/view.php?id=315
موقعي http://www.sami-aldeeb.com
مدونتي http://www.blog.sami-aldeeb.com
عنواني [email protected]



#سامي_الذيب (هاشتاغ)       Sami_Aldeeb#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القرآن 1: جمعه وفقاً للتقليد الإسلامي
- لماذا تهجمك الغامض على الاسلام؟
- توقفوا عن صيام رمضان لمكافحة الجوع
- جريمة الختان 154: رأي موسى بن ميمون
- حد الردة: لقد وصل السيل الزبى
- وزراء عدل عرب اولاد عاهرات
- جريمة الختان 153: رأي القاضي الليبي مصطفى كمال المهدوي
- جريمة الختان 152: فتوى سعودية
- جريمة الختان 151: غباء الشيخ يوسف القرضاوي
- جريمة الختان 150: فتوى الشيخ محمّد سيّد طنطاوي
- جريمة الختان 149: فتوى الشيخ محمود شلتوت
- جريمة الختان 148: فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق
- بنفع اصير نبي؟
- جريمة الختان 147: هل هناك ضرورة لقانون لمنعه؟
- جريمة الختان 146: منع الختان بين التدرّج والتسرّع
- جريمة الختان 145: منع الختان بين المُثُل والإمكانيّات
- جريمة الختان 144: إذن ممارسة العمل الطبّي
- جريمة الختان 143: تدخّل السلطات الدينيّة
- جريمة الختان 142: حدود سلطة الأهل على القاصرين
- فتوى انتهاء الديانات السماوية والكتب المقدسة


المزيد.....




- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامي الذيب - القرآن 2: مؤلف القرآن