ماركس والتحليل النفسي/تجربة فيلهلم رايخ..نموذجا(7)

ماجد الشمري

الحوار المتمدن-العدد: 4143 - 2013 / 7 / 4 - 15:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

منذعام1947والصحف الامريكية تنشر التحقيقات المصورة عن اعمال رايخ،ومعهد الطاقه الاوركونيه،ولكن كان وراء هذه الريبورتاجات،مؤامرة صحفيه،وقفت ورائها وقادتها،امرأة من كاليفورنيا تدعى(ميلدريد ايدي برادي).فقد ادعت برغبتها التعرف على رايخ،واهتمامها بأبحاثه ونظرياته حول الاوركون،فخدع بها رايخ،واطلعها على كثير من المعلومات المفصله والكافيه حول طبيعة ابحاثه وتجاربه،في علاقات العمل المتحرر،والتربيه الجنسية للاطفال،وما ان جمعت الصور والمعلومات المطلوبه،حتى نشرت في نيسان1947 مقالا في مجلة هاربر عن مركز الطاقه الاوركوني بعنوان(العيادة الجديدةللجنس والفوضويه)!وتبعته بعدة مقالات اتهامية،وهاجمته كمروج للاباحيه والهوس والفوضوية!وحرضت(ادارة الغذاء والدواء الفدرالية)الامريكيةf.d.a.لاجراء تحقيق حول نشاط رايخ العلمي وبطاريات الطاقه الاوركونيه،اثمرت الحمله الاعلاميه،فأرسلت الادارة المذكورة محققين خاصين،قاموا بطرح الاسئلة على العاملين في المعهد ومرضاهم،وعن بطارية اللذة الجنسية وحقيقتها،لكن رايخ كعادته عندما يتعرض لاستفزاز وهجوم،يزداد عنادا وتصلبا،بل وعدوانيه،فقد عقد مؤتمرا عالميا حضره 35متخصصا،مما دفع بالجمعيه الامريكية للتحليل النفسي لاعتبار المؤتمر تحديا لها،فوضعت العراقيل امام مشروعه للمعالجه بواسطة الاوركون،واشتدت الحرب الباردة بينه من جهه،وبين المؤسسات الرسمية من جهه ثانيه،والصحافه كطرف ثالث يؤجج الصراع بتهيج الطرف الرسمي.في بدايه صيف1950 بعد افتتاح رايخ لمعهد جديد هو(معهد الطاقه الاوركونيه للدراسات والابحاث حول الطفل من الروضة الى المراهقه)داهمت الشرطة الفدرالية المعهد،واخذت بالتحقيق داخل مجاميع الاطفال،ولكن التحقيق لم يسفر عن شيء،واستئنفت الحمله الصحفيه من جديد عام1952وجرت المطالبه بمعرفه حقيقة مايجري داخل المعهد.قام ثلاثة من محققي(ادارة الغذاء والدواء الفدرالية)بزيارة المعهد الا ان رايخ رفض اانها لاتملكستقبالهم،مما اوقعه بمخالفات قانونية،بلغت ذروتها في شباط 1954عندما دعت الادارة المذكوره رايخ للمثول امام المحكمة ومعه فريق عمله بتهمة الاحتيال بأدعاء وجود الطاقة الاوركونيه واستخام البطاريات للعلاج ولكن رايخ رفض المثول امام المحكمة بحجة:انها لاتملك ادلة ضده،وانها غير مؤهلة للحكم في قضايا علمية،فأصدر القاضي وبتحريض من الصحافة،وبعض المسؤولين حكما يقضي:بسب كل البطاريات الموجودة في السوق وتدميرها،حرق كل الكتب والمنشورات الخاصة بأستخدامها وصناعتها.نفذت قرارات المحكمة،وتم احراق معظم مؤلفات رايخ،وسحب اغلبها من التداول،سبب هذا الامر صدمة قاسية اشد حدة مما عاناه في النرويج،وازدادت وضعيته النفسية تأزما،منذعام1947ورايخ يزداد هياجا وتوترا وكآبة،فكل حملة سواء من الصحافة او من ادارة الغذاء كانت تزيده شراسة وعدوانية ازاء الجميع،وفي مقدمتهم زوجته المخلصة ايلز اليندورف،وعاد ينظر اليها وكأنها ممثلة لهذا العالم المعادي بكل تأمره وسوء نيته،وكرر سلوكه السابق مع عشيقته السابقة الزا ليندنبرغ،بل واعنف قسوة ضد الزوجة الصابرة.تعرض رايخ لازمة قلبيه اضطرته للرقاد،ورفض استدعاء اطباء للعنايه به،فأشرفت ايلز على علاجه،ولكنه تحت تأثير الشك المرضي بعدم اخلاصها له،رفضها ايضا،واستدعى ابنته ايفا للقيام بذلك،وكانت ايفا قد انهت دراستها العلمية وحصلت على الدكتوراه في الطب.ازدادت معاملته لزوجته سوءا،وتفاقمت عدائيته تجاهها،وانغمس بتناول الكحول،الذي لم يكن من عادته سابقا،فأصبح كحوليا مدمنا،وكان يهين ايلز ويشتمها،وتصف ايلز في كتابها غن حياة رايخ:نوبات السكر والعدوانية والغضب،وحين ينهكه الخمر والتعب يستسلم لنوم عميق،وحين يستيقظ يكون صامتا وكئيبا،وعندما اصبحت حياتها معه مستحيلة،فكرت بالطلاق،رغم انها ترددت كثيرا بسبب طفلهما بيتر،ولكنها حسمت امرهافي عام1954وتم الطلاق،مما زاد حدة عدوانية رايخ وضاعف من نوبات غضبه،فقد كان الطلاق مؤلما له،وهو يعاني من اسوء ظرف مر في حياته،وفي هذه السنة توفي صديقه الحميم تيودور وولف،فعاش وضعا قاتما على الصعيد الفردي،اذ بلغت عزلته ذروتها،هذه العزلة التي شرنقت وعيه قبل ذلك بسنوات،ولم يصرح بها الا لأعز اصدقاءه الكسندر نيل،عندما كتب له عام1950 قائلا:بأنه وحيد بشكل عميق،وان الاحساس الذي يلازمه على الدوام هو التشائم.ونستطيع ان نلمس البعد المأساوي لتصريح كهذا،ونحن نعرف ان حياة رايخ مليئة بالنشاطات والمشاريع العلمية والعلاقات الاجتماعية،ولكن هنا تبلغ كلمات الوحدة والتشائم حدودها الدلالية القصوى!انه التوحد واليأس والغربة داخل المجتمع،توحد انطولوجي يخترقه نزوع ميتافيزيقي حائر،يحاول ايجاد الحلول اوتصورها او استيهامها!ولعل سنواته اللاحقة بعد1954 كلها كانت توزيعا وتنويعا شكليا لمضمون الوحدة التي عاشها رايخ في اغوار ذاته.افرط في الكحول كنوع من خلاص او تغيبا للوعي،ولكنه اجتاز الادمان،عندما حاول نمطا جديدا من العلاقات النسائية،والتي كان الاثر الايجابي على وضعه النفسي-الافيون الجنسي!!-فقد شرع بعلاقة جديدة مع عشيقة تدعى جريث هوفGrethe hoffوهي شابه تصغره كثيرا فقد كانت من طالباته،وبدأعلاقته بها عام1955 وفي خريف نفس العام اقام علاقة اخرى مع شابة تدعى اورورا كاريرaurora karrer التقى بها في احد المؤتمرات،ومارس معها الجنس،وسافر معها الى واشنطن وقضا معا الشتاء هناك،الا ان اورورا تركته لصعوبة التعايش مع شخصيته المزاجية والانفعالية الحادة لطبعه.ورغم انفصاله عن زوجته السابقة ايلز الا انها كانت تراسله،وتتعاطف مع معضلته مع القانون،وتأسى على كبريائه الجريح،وهو يستعد للجولة الثانية من المحاكمة-لااعرف وانا اكتب هذا المقال ،كيف قفزت الى ذاكرتي رواية (المحاكمة)لفرانز كافكا،وربطت بين المصير المأساوي لجوزيف ك،ومصير رايخ المشابه!!!انه التداعي لا اكثر!!-فالقضية لم تنتهي بعد،وكانت جميع المؤسسات الرسمية قد قررت تحطيمه نهائيا.باع رايخ محتويات مختبره لدفع نفقات محكمة.برتلاند تحددت الجلسة في نيسان عام1956،ولكن رايخ ومعاونه المتهم معه ميشيل سلفتر رفضا الحضور فقررت المحكمة القاء القبض عليهما،فأحضرا مكبلين،استمرت الجلسات من3 الى7 ايار(مايو)1956وتروي ايلز التي استدعيت كشاهدة:ان المحاكمة كانت مدبرة ضد رايخ في الكثير من"سيناريوهاتها"!وقد رفضت ايلز الشهادة ضده لانها كانت تؤمن بانه على حق.لكن الحكم جاء قاسيا:السجن لمدة سنتين،وغرامة10آلاف دولار،وحرق وتدمير معهد الطاقة الاوركونية،وان يطلق سراحه لمدة عشرة اشهر،ليعود بعد ذلك الى السجن.في صيف ذلك العام قامت قوة من الشرطة تحت اشراف المباحث الفدرالية،بتدمير معهد الطاقة وكل الادوات المختبرية والملفات التي تحوي اهم البحوث والنتائج العلمية والمحفوظات والمكتبة الضخمة فيه،كانوا يخرجون صناديق كبيرة مليئة بالكتب ويضرمون فيها النيران-كما فعلت النازية هولوكوست الكتب ،كتبه وكتب ماركس وغيرهم!!!-.يصف الحارس الذي كان يعمل في حراسة المعهد عملية التدمير الضخم التي تمت امامه:ان رجال المباحث الفدرالية لم يسمحوا لاحد ان يأخذآلة او جهاز او كتاب من المعهد،بل دمروا واحرقوا كل شيء فيه حتى النهاية.سنوات من الجهد والاعداد والعمل المضني والمستمر،كان حارس المعهد يراها امامه تحترق وتدمر في يوم واحد!!!في اذار195دخل رايخ السجن لتنفيذ مدة عقوبته،ولكنه رغم ما حصل لم يفقد الامل بالحرية والعمل من جديد،حيث قدم طلبا الى رئيس الولايات المتحدة لاعفائه من تنفيذ مدة العقوبه،واستجيب لطلبه،وحدد يوم5 تشرين الثاني(اكتوبر)1957 لاطلاق سراح،ولكنه توفي يوم2منه ومثل بطل المحاكمة لكافكا جوزيف ك الذي يقول اخر كلماته:"كالكلب تماما"!!!ولكن رايخ كان متعلقا بالامل!!!!..............................
................................................................................................................................................
يتبع المقال الاخير..

وعلى الاخاء نلتقي

#ماجد_الشمري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات