أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - العراق بين الآمال والقلق















المزيد.....

العراق بين الآمال والقلق


جواد بشارة
كاتب ومحلل سياسي وباحث علمي في مجال الكوسمولوجيا وناقد سينمائي وإعلامي

(Bashara Jawad)


الحوار المتمدن-العدد: 1187 - 2005 / 5 / 4 - 12:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


امتزجت دموع الحزن والفرح في يوم الخميس 29 نيسان وماتلاه من الأيام الدامية المليئة بالغضب والصمود، الخوف والإصرار،العزيمة والتعب. في هذا اليوم حصلت حكومة الدكتور إبراهيم الجعفري على ثقة البرلمان العراقي أو الجمعية الوطنية حسب التسمية الشائعة بنسبة 180 من مجموع 185 صوتاً ممن حضروا إجتماعها التاريخي لتبنثق بذلك أو حكومة عراقية شرعية منتخبة في اقتراع حر في تاريخ البلاد الحديث منذ الرابع عشر من تموز 1958 .قدم رئيس الوزراء قائمة حكومته المؤلفة من 36 عضواً بعد فوز لائحة الإئتلاف العراقي الموحد التي ينتمي إليها بأغلبية مريحة وبالتحالف مع لائحة التحالف الكردستاني في الثلاثين من يناير المنصرم 2005 عندما تحدى ملايين العراقيين الموت والمخاطر والتهديدات الإرهابية وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع إذ أن تشكيل هذه الحكومة ، رغم ما عليها من مآخذ ، يمثل انعطافة مهمة في سيرورة التحول الديموقراطي في العراق. ومن مفارقات القدر ن يكون اليوم السابق لهذا التاريخ هو يوم نحس في حياة العراقيين الذين يتذكرونه رغماً عنهم منذ عقدين من الزمان حيث يحتفل النظام المقبور بعيد ميلاد رأس النظام المنهار صدام حسين وهم يسمعون الخطب والأغاني والأهازيج والمديح والقصائد التي تمجد ذلك الطاغية المستبد ، وها هو اليوم الشعب العراقي يقدم للصنم الساقط هدية من نوع آخر لذكرى ميلاده وهو قابع في السجن وهي تشكيلة وزارية ديموقراطية كما قال الصديق بختيار أمين وزير حقوق الإنسان في حكومة الدكتور اياد علاوي المنتهية ولايتها ديموقراطياً.

تابع الدكتاتور المخلوع للمرة الثانية من زنزانته وقائع اختيار أول رئيس عراقي منتخب في 6 نيسان عدوه اللدود الأستاذ جلال الطالباني ووقائع منح الثقة لأول حكومة عراقية شرعية .
بيد أن العراق رغم هذه الخطوات الجبارة لم يشف تماماً من أمراضه ومشاكله العويصة ولم يستعد توازنه بعد. فالتجربة الديموقراطية مازالت فتية ويعتورها الكثير من الوهن وفقدان التجربة وانعدام الممارسة وغياب التقاليد الديموقراطية الراسخة.
فلم ينجح العراقيون لحد الآن في التخلص من آفة المحاصصة والتوافق الطائفي والقومي مما عطَل عملية الاختيار لأعضاء الحكومة ثلاثة اشهر وتفاقم مخاطر الإحباط الذي بدأ ينتشر في أوساط الشارع العراقي القلق والمتلهف مما اضطر الدكتور إبراهيم الجعفري إلى الإعلان عن تشكيلة حكومية ناقصة تخلو من تسمية نهائية لوزارة الدفاع ووزارة النفط وهي وزارات سيادية ووضع عليها وزراء بالوكالة لأن الطرف السني العربي لم يحسم أمره في اختيار من يمثله داخل الحكومة في خمس وزارات واحدة منها سيادية وهي الدفاع. إلى جانب بعض الاعتراضات التي برزت هنا وهناك حيال بعض الأسماء التي تسلمت مناصباً وزارية .
العراق مازال في حالة حرب وحكومته مازالت بحاجة إلى قوات متعددة الجنسيات لفرض الأمن والنظام وإعادة البناء، متحصنة في منطقة محمية ومعزولة تدعى المنطقة الخضراء وهي تضم المواقع الرئاسية السابقة ، فيما يتعرض أعضائها ومنتسبيها إلى ضربات وهجمات الإرهابيين وقطاع الطرق وفلول النظام السابق والمتسللين الأجانب من شبكات الإرهاب الدولية كالقاعدة وعيرها.ففي كل يوم تتناقل وسائل الإعلام ووكالات الأنباء أخبار التفجيرات للسيارات المفخخة وأعمال الخطف والاغتيال والقتل العشوائي.
يتعين على الحكومة العراقية الحالية أن تجد السبل الناجعة لحكم البلاد وتهيئة الظروف الملائمة لكتابة الدستور الدائم وتنظيم الانتخابات القادمة قبل نهاية هذا العام وهي في حالة حصار ومطوقة بالأخطار لداخلية والتحرشات الخارجية من قبل دول الجوار.
كيف يمكن أن تستمر العملية الديموقراطية وتتجذر في ظل مثل هذه الأوضاع الصعبة والشعب يعاني من صدمة مابعد الحرب؟
ينبغي أولا أن يطلع العالم برمته على حقيقة ما كان يجري في العراق في زمن النظام الديكتاتوري وحجم الكوارث التي خلفها صدام حسين وأعوانه لأنه السبيل الوحيد الذي يمكن أن يجعل الرأي العام العالمي والعربي والعراقي على السواء أن يفهم ويتفهم ما آلت إليه أوضاع العراق اليوم وانسداد الأفق السياسي والاقتصادي والأمني أمامه لأن الإرهاب الدولي قرر تحويل العراق إلى ساحة مواجهة دامية وتصفية حسابات وإبقائه داخل النفق المظلم ، وكيف يمكن البدء بوضع أسس جديدة لمجتمع عراقي سليم ومعافى .
فصدام حسين أوجد مجتمعا مشوهاً على شاكلته يقوده نظام فريد من نوعه في قسوته وبطشه واستبداد وتهوره وخرقه للقيم الإنسانية ،نظام يخضع لرؤية الزعيم الأوحد المحكومة بالعقدة الأمنية ليجعل من المنظومة الأمنية والمخابراتية الدعامة الرئيسية لوجوده وبقائه في السلطة وتصفية منافسيه من حزبه ومعارضيه من الأحزاب الوطنية الأخرى.
إن احتياجات ورغبات النظام السابق في الهيمنة والتوسع تجاوزت حدود العراق وإمكانياته وهي التي صاغت سياسته الخارجية الرعناء. وهي السياسة التي اتسمت بالحروب والمؤامرات وتبديد ثروات العراق في الخارج على حساب الشعب العراقي وحقوقه الطبيعية في العيش بكرامة ورفاه.فلا يخفى على أحد تمويل صدام حسين لأحزاب وشخصيات ومنظمات خارج العراق في العالم العربي وفي الغرب وتمويل حملات انتخاب بعض الرؤساء ومنح كوبونات النفط بالملايين حتى في أشد الأوقات قتامة في تاريخ العراق أي فترة الحصار والمقاطعة. بنى صدام حسين آلة حربية ضخمة في مظهرها وهشة في جوهرها عفى عليها الزمن . واشترى الضمائر والمتواطئين معه في جميع أرجاء العالم.
بقي كابوسه مسلطاً على البلد 35 عاماً ويتربع على سلطة منخورة بالفساد ومريضة سياسياً ومنهارة اقتصادياً من جراء استنزافها بحروب فتاكة.وقد انعكس هذا الكابوس وتداعياته السلبية على العالم العربي برمته الذي بات يدفع ثمنها الآن لتعرضه لضغوط داخلية وخارجية تطالبه بالانفتاح والديموقراطية والإصلاح كما ورد ذلك مفصلاً في تقرير الأمم المتحدة بشأن التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في العالم العربي الصادر في تموز 2004 الذي شخص العلل السياسية والركود الاقتصادي والجمود الثقافي السنوات العشرة الماضية واقترح إجراء إصلاحات جذرية حقيقية وجوهرية لإنقاذه.
أما فترة حكم صدام حسين وعواقبها من زاوية التحليل الغربية فقد كانت مدعاة لأن تدفع الديموقراطيات الغربية لكي تراجع تاريخ تعاونها السابق مع هذا المسخ الذي صنعته وحمته وتطرح تساؤلات حول مسؤوليتها في موت وإبادة الملايين من الضحايا لهذا النظام المستبد وقد اكتشفت الأنظمة الغربية بالفعل مدى وحشية نظام صدام حسين وطبيعته الحقيقية.فلم يعد خافيا على بل وأصبح أحد وأصبح من البديهيات في علم التحليل الاستراتيجي أن الغرب ساعد وحمى نظام صدام حسين لمنع انتشار الإنموذج الإيراني في تجربة الإسلام السياسي في الحكم داخل الشرق الأوسط . وحتى لو كان هذا الافتراض صحيحاً فذلك لم يمنع بتاتاً فيما بعد ظهور وتفاقم ظاهرة الإسلام السياسي المتطرف بيد أن الوقت بات متأخرا لأن الغربيين خلقوا بأيديهم فرانكنشتاين العراق على حد تعبير كنيث تيمرمان في كتابه المعنون"الولوج إلى الموت أو كيف ساعد الغرب في تسليح العراق".
وفيما عدا مسألة الحرب مع إيران ودوافعها فإن العراق مثًل في نظر الغرب مصدراً لاينضب في تزويده بالطافة وسوقا استهلاكية هائلة . البعض من الدول الغربية اكتفت بشراء النفط من العراق والأخرى عززت ترسانته العسكرية وباعته السلاح سراً أو علناً إلا أن البعض الآخر ساهم بشدة في تقديم الحماية السياسية له في المحافل الدولية وتقديم الضمانات له ولمخططاته العدوانية.في نفس الوقت الذي كان فيه مكتب شؤون العراق في المنظمات الدولية لحقوق الإنسان حافل بالوثائق ومتخم بالأدلة بشأن انتهاكات حقوق الإنسان الصارخة في العراق وبالرغم من ذلك ظلت بعض الدول الأوروبية تأمل في تكيف صدام حسين مع قواعد اللعبة السياسية الدولية الجديدة في أعقاب تحرير الكويت سنة 1991 حتى بعد أن انكشفت جرائم صدام في حربيه ضد إيران والكويت بل وضد شعبه في كردستان العراقية عندما استخدم الأسلحة الكيمياوية لإبادة سكان حلبجة.
انقسم العالم داخل أروقة الأمم المتحدة بين من يريد معاقبة صدام وإطاحته ومن يريد الصفح عنه وإرغامه على الاستسلام وبدء صفحة جديدة معه. لكن المنظمة الدولية كانت عاجزة عن إنقاذ الشعب العراقي من مخالب هذا الجلاد الذي أطبق علىعنقه طيلة 35 عاماً.واليوم تكشف المقابر الجماعية في كل يوم مدى بشاعة هذا النظام وفشل تلك الأنظمة المتهاونة معه كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري في مداخلتة في مجلس الأمن أواسط ديسمبر 2004 التي أعتبرها الكثير من العراقيين خطاباً تاريخياً. ولكن مما يؤسف له أن نلاحظ أنه في الوقت الذي يواجه العراقيون مشاكلهم الضخمة ويتصدون لها ويصرون على إعادة بناء وإعمار بلدهم ولئم جراحه وهم يخرجون ألاف الجثث من ضحايا صدام حسين في كل يوم من المقابر الجماعية ماتزال بعض الدول تحاول بطريقة أو بأخرى تبرير تعاونها ومواقفها الدنيئة المتواطئة مع ذلك النظام.لقد أبدى الكثير من الديبلوماسيين الغربيين المعنيين بالأمر حرجهم وتحسسهم من تقرير وزير خارجية العراق هوشيار زيباري . من هؤلاء سفير فرنسا في الأمم المتحدة جون مارك دو لا سابلييه الذي حاول تحوير مغزى كلام الوزير العراقي ولفت الأنظار عنه قائلاً :" لا أريد تقديم تلك الملاحظات عن الماضي" وعقب عليه أمين عام المنظمة الدولية كوفي عنان قائلاً" هذا ليس وقت تقديم اللوم وعض الأصابع ندماً مع أنه من حق السيد هوشيار زيباري بالطبع عرض وجهة نظره بيد أنه ليس وقتاً مناسباً لتقديم اتهامات والإتهامات المضادة."
والعكس هو الصحيح فقد حان الوقت لكي يعرف العالم بأسره ما آلت إليه أوضاع العراقيين بسبب تلك السياسات الداعمة لذلك النظام المجرم لذا يجب أن تخدم عملية تقويم مرحلة صدام حسين وتذكر العالم وبالأخص الأوروبيين والأمريكيين والعالم العربي أن الإدانة الجماعية للعنف السياسي المنظًم الذي تمارسه الأنظمة القمعية هو الذي يسرًع نشر القيم الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان ويمنحها دفقاً كبيراً .



#جواد_بشارة (هاشتاغ)       Bashara_Jawad#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نشاط اللوبي الصدامي ـ الفرنسي في باريس ودمشق
- الإسلام والغرب وفن صناعة العدو
- مقابلة مع د. جواد بشارة
- إيران وسورية في مرمى الإصابة الأمريكية
- الخرائط الأمريكية للعراق والشرق الأوسط
- يوميات عراقية من مدينة بغداد الجريحة
- السينما العراقية بين الممكن والمستحيل
- الخرائط الأمريكية اللعينة للعراق والشرق الأوسط
- من أجل معالجة وانهاض النشاط السينمائي في العراق
- رأيت نهاية العالم القديم
- مراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية من المفاهيم النظرية الي ...
- - فقه العنف المسلح في الاسلام
- التشكيلة الهلامية للميليشيات المسلحة في العراق
- محاولات التجديد للأثر الفيلمي ضوئياً
- رؤية تحليلية للسياسة الفرنسية إزاء الاستراتيجية الأمريكية -ا ...
- مراجعات في السينما التاريخية - التحول من نصوص التاريخ الي ال ...
- حوار مع جواد بشارة
- التيار الديني معضلة واشنطن في العراق
- جدلية القوة والضعف في أعمال المخرج الألماني فيرنر هيرزوغ
- على مفترق الطرق : العراق وآفاق الحل


المزيد.....




- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر
- جمعية مغربية تصدر بيانا غاضبا عن -جريمة شنيعة ارتكبت بحق حما ...
- حماس: الجانب الأمريكي منحاز لإسرائيل وغير جاد في الضغط على ن ...
- بوليانسكي: الولايات المتحدة بدت مثيرة للشفقة خلال تبريرها اس ...
- تونس.. رفض الإفراج عن قيادية بـ-الحزب الدستوري الحر- (صورة) ...
- روسيا ضمن المراكز الثلاثة الأولى عالميا في احتياطي الليثيوم ...
- كاسبرسكي تطور برنامج -المناعة السبرانية-
- بايدن: دافعنا عن إسرائيل وأحبطنا الهجوم الإيراني


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جواد بشارة - العراق بين الآمال والقلق