اسطورة 1900 جوسبي تورانتوري1999:حكاية شخص لم تلمس قدميه أرض اليابسة ولو مرة واحدة في حياته...

بلال سمير الصدّر

الحوار المتمدن-العدد: 4140 - 2013 / 7 / 1 - 23:15
المحور: الادب والفن
    

اسطورة 1900 جوسبي تورانتوري1999:حكاية شخص لم تلمس قدميه أرض اليابسة ولو مرة واحدة في حياته...
أكثر ما يشدنا طبعا في مسيرة تورنتوري هو سينما براديسو وعلى العموم لازال اسم تورانتوري مرتبطا ملتصقا بهذا الاسم،ولكن هناك شيء يلمع خلف الاقنعة وبالتاكيد من خلف سينما براديسو أيضا...انه اسطورة 1900
هناك شخص ما يروي القصة،قصة 1900 مستخدما اسلوب الاسترجاع (فلاش باك) و يبدو لنا بان تورانتوري الذي بالاضافة إلى انه قام باخراج الفيلم قام بكتابته ايضا قد عمد الى استخدام هذا الاسلوب السردي للاستفادة من عنصر التشويق...
إذا تحدثنا عن عنصر التشويق فالفيلم من السهل جدا روايته وحكايته...ببساطة فنحن لسنا في مواجهة فيلم لأنتونيوني أو لتاركوفسكي أو حتى للكوري كيم كي دك...
ماكس تويني الذي يروي الحكاية كان يعيش على متن السفينة(فيرجينان) في أوائل القرن المنصرم تحمل المهاجرين إلى امريكا وهن مشبعين بفكرة الحلم الأمريكي.
عندما صعد على متن السفينة كان الشيء الوحيد الذي يهمه-كان عمره وقتها خمسة وعشرون عاما-هو العزف على الة الترومبيت،وهو يبيع الترومبيت الآن الذي يحتضن في داخله كل حياته مقابل تسعة جنيهات ونصف.
يعزف لحنا على الترومبيت لحنا يميزه صاحب المتجر العجوز....هو يمتلك اسطوانة عليها نفس اللحن ...يبدأ بسرد القصة...قصة 1900:
الباخرة فيرجينان في العام الأول من القرن المنصرم وعامل زنجي بالصدفة يجد طفل رضيع في جناح الطبقة الأولى:
لقد وجته في الشهر الأول من السنة الأولى في هذا القرن لذلك سوف اسميه 1900،كما أنه وجده في صندوق ليمون لذلك سوف يكون اسمه:Danny Bodmann Td Lemon
هل هذه التسمية تصلح ككناية ...كأن نقول أن Tim Roth الذي سوف يلعب شخصية 1900 بحزنه وألمه الداخلي هو كناية عن هذا القرن...
الفيلم ابسط من ذلك بكثير،على الرغم من أنه يحمل معطيات كثيرة من الناحية البشرية والانسانية،إلا أن الفيلم أيضا هو مجرد اسطورة أو حكاية،وعلينا فقط أن نأخذها على معطياتها دون اللجوء إلى الكنايات...
لحظة القاء جثمان داني بودمان كان 1900 في الثامنة من عمره...يستمع 1900 إلى صوت الموسيقى لأول مرة في حياته،والفكرة المركزية التي سوف تحيط الآن بكل أحداث وجزئيات الفيلم سوف تسيطر على كل أحداث الفيلم بالمعنى الحرفي للكلمة،ليست هي أن 1900 سوف يصبح عازف بيانو مشهور وبارع بقدرة ربانية،بل هي أن 1900 لم تلمس قدميه أرض اليابسة ولو مرة واحدة في حياته...
شاهد الكثير من المرافئ لكنه لم يترك الباخرة أبدا،لم يكن لديه بلد أو شهادة ميلاد أو عائلة...كان في الثامنة من عمره لكنه رسميا لم يولد بعد...
يتعمد تورنتوري عدم التتابع في السرد أو كسر السرد،فعندما نكون في النهاية يعود بنا إلى البداية في فلاش باك مخلوق أساسا في قصة ماكس تويني الذي يروي القصة كما قلنا لبائع الألات الموسيقية المستعملة،ثم نراه يقطع السرد ليعود بنا إلى النهاية وهو يبحث عن 1900 والسفينة فيرجينان على وشك الانفجار...
تورنتوري لا يتعمد أن يقلد أو حتى أن يكون غودار...تورنتوري يتعمد أن يخلق مساحة أكبر لعنصر التشويق في الفيلم وهذا بحد ذاته ليس سيئا ...
1900 باختصار يعتبر نفسه ليس من هذا العالم والموسيقى التي يخترعها ماخوذة عن تصوراته عن مغامرات وحياة الآخرين...موسيقاه مطبوعة على شيء ما يخص الحياة...
وهو يتمتع بمشاعر بدائية وخالية من التوقعات اتجاه الآخرين،وهذا ربما يفسر سر ارتباطه بالمكان وخوفه المجهول من النزول إلى الأرض وعدم اصطدامه بالحياة..
الخوف فقط هو محرك 1900...هو خائف من القدر وخائف من مواجهة أي مصير،وبعد أن يسجل موسيقاه ويسمعها يرفض أن تذهب موسيقاه إلى أي مكان بدونه ولاحقا بعد أن تخونه الظروف في ايصال القرص إلى حبيبته يقوم بتحطيمه وكان هذا الحب هو محاولته الكبرى للنزول من السفينة التي اصبحنا نعرف مسبقا بانها سوف تبوء بالفشل.
يقرر فجاة النزول...نيويورك...عندما ينظر إلى نيويورك...شوارعها...دخانها...ناصحات سحابها والطيور التي تحلق من فوقها....يتراجع ويمي قبعته في سلام عابر إلى ي بقعة على الأرض ويهم بالرجوع.
هذه النظرة...هي نظرة النهاية...نظرة تقرير المصير...نظرة الخائف من المصير
هذه الفكرة هي التي يجب أن نركز عليها في الفيلم وليس عزفه العبقري على البيانو..
يقرر 1900 عدم النزول إلى اليابسة حتى النهاية...يقرر أن يبقى في السفينة مختبئا حتى عندما يهمو بتفجيرها
في مقابلة أخيرة مع ماكس تويني يرفض1900 تماما أن يغادر السفينة وحجته باختصار على ذلك أن العالم بلا نهاية فهو يفضل أن يغادر جسده على أن يغادر السفينة ...أي الانتحار
الفيلم هو سرد وحكاية قبل كل شيء،وتورنتوري حقق فيلما سينمائيا حرفيا بكل ما تعنيه الكلمة،متكاملا باللغة السينمائية المتبعة ومن الممكن تقييم الفيلم من خلال الحكم على شخصية وتصرفات 1900 التي أدى دورها تيم روث ببراعة متناهية..

#بلال_سمير_الصدّر (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات