أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - -عندما -نستوردنا















المزيد.....

-عندما -نستوردنا


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 1186 - 2005 / 5 / 3 - 09:34
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


كتبت مقالا تحت نفس هذا العنوان منذ عدة سنوات وكنت أقصد به ما أصبحنا نستورده من الصين وكوريا الجنوبية وغيرها من بلاد الشرق، من سلع كانت مصرية أصيلة قبل ذلك بداية من فانوس رمضان، وفول التدميس (الذي أصبح بعضنا يشتريه الآن مستوردا معلبا) .. وحتى التماثيل والتذكارات الفرعونية، وكنت كتبت الموضوع بمناسبة صدمتي عندما حاولت أن أحمل معي عند سفري للخارج بعضا من تذكارات مصرية، فوجدت معظم ما في السوق منها مستوردا من بلاد الشرق.
لكن العنوان قفز إلى ذهني مرة أخرى وأنا أسمع أصواتا غريبة تصم بعض التحركات الديمقراطية في مصر، وما تبعها من استجابة أو شبه استجابة من الحكومة بأنها "شمس العراق تشرق على مصر وبقية المنطقة"، بل ويصل البعض إلى حد مطالبتنا بشكر الحكومة الأمريكية على أن ما يسمونه "ضغوطها" هي التي شجعت المصريين على المطالبة بالتغيير، ودفعت الحكومة إلى إظهار تجاوب ما..
يا إلهي!! هكذا الحكومة الأمريكية هي التي أصبحت ملهمة الشعب والحكومة معا، للانطلاق في مسيرة الإصلاح والتغيير؟؟ وأين؟ في مصر التي شكل مجلس شورى النواب فيها منذ 1866 عندما كانت الولايات المتحدة مازالت في طور النشأة؟؟ مصر التي علمت العالم كلها حرية التعبير منذ حكاية "الفلاح الفصيح" في نهاية الألف الثالثة قبل الميلاد؟؟ مصر التي لم يسكت شعبها على ضيم أصابه منذ وحدها مينا "موحد القطرين" سنة 3200 قبل الميلاد، وقامت فيها أول ثورة اجتماعية شعبية في أواخر عهد الأسرة السادسة (2420 ـ2280 قبل الميلاد) كان لها نتائجها وأثارها على تعاقب السنين؟

سر مصر
أم أن السر يكمن في أنها مصر، التي كانت منذ فجر التاريخ الصخرة التي تتحطم عليها أطماع القوى العظمى في منطقتنا كلها قبل الأديان وقبل العروبة؟ ولعل هذا هو الدرس الذي تعلمته القوى الطامعة في هذه المنطقة.. فما من استعمار نجح في السيطرة على منطقتنا إلا في عصر ضعف الدولة في مصر، حيث كانت جيوش الغزاة تجتاح منطقتنا كلها بسهولة طالما كانت مصر ضعيفة (سواء كانوا الهكسوس أو التتار أو المغول، أو الصليبيين، أو الاستعمار الحديث في القرن التاسع عشر)، وما أن تستعيد الدولة المصرية قوتها وتنتفض لتنفض عنها المستعمر حتى تلاحقه طاردة له من كامل منطقة الجوار.. نعم.. هذا بالضبط هو جوهر القضية.. مصر هي المستهدفة، وباحتوائها يسهل احتواء المنطقة بأسرها.. وهم يعملون لذلك منذ انتهاء عصر الاستعمار الأوروبي، بنشر ثقافات معينة في وعي أبنائنا، لم تبدأ فقط مع أفلام الغرب الأمريكية وصياغتها لعقول الكثيرين منذ منتصف القرن الماضي، ولن تنتهي مع انتشار أنماط الموسيقى السريعة والأكلات السريعة، وصرعات الملابس المكشوفة والسلوكيات المكشوفة.
ورغم كثرة ما كتب وماقيل عن سياسة "فرق تسد"، التي تحاول دائما أن تنهش في الجسد الواحد لتحيله فتاتا، إلا أن هذه السياسة للأسف مرت ومازالت تمر من تحت أنوفنا دون أن نلحظها. وقد باتت تؤتي أكلها منذ أن نجحت في فرط العقد العربي ، وعزل مصر تدريجيا عن موقعها الطبيعي داخله. وأصبحت الخلافات بين القيادات العربية تجد صداها بين الشعوب، فما من شعب عربي إلا ولديه من الاتهامات لأشقائه الشعوب الأخرى ما يعجز عن الحصر.. ورغم أن الكثيرين لا يملون من تصديع رؤوسنا بفكرة الحوار مع الآخر، ورأب الصدع معه، إلا أن هذا الآخر عادة ما يقصدون به آخر معينا بالتحديد ـ إما الغرب أو إسرائيل بوضوح ـ ولا يقصد به أبدا مد جسور الحوار الحقيقي والبناء مع الشقيق العربي.. فما اجتمع مجموعة من العرب إلا وكان الحوار بينهم أشبه بالردح الصريح "نحن من علمناكم الحضارة والمدنية" فيرد الآخر" نحن الذين نمنحكم أموالا، ونوظف أبناءكم"!! وينسحب الأمر بالتالي على آخر صورة شكلية لاحتمال ظهور موقف عربي موحد، فينال الجامعة العربية ما ينالها يوميا من اتهامات ودعوة للإلغاء
بل أن سموم سياسة "فرق تسد" تتسلل إلى داخل البلد الواحد، فتنشأ بين الحين والآخر في مصر، فتنة طائفية بين المسلمين والمسيحيين، وفي الطريق إرهاصات عن مطالب انفصالية في النوبة، أعدت لها منظمات (لابد أن يكون منشأها بالطبع في الغرب) تطالب بفصل إقليم النوبة عن مصر والسودان معا.. فهل نعي الدرس قبل فوات الأوان؟ مصر لديها إرث حضاري وديمقراطي وتعددي بدأ منذ كان كل إقليم في البلاد يتعبد لإله مختلف ومع ذلك لم يكفر أحدهم الآخر.. فهل نحاول أن ننظر داخل أنفسنا لنستلهم الشخصية المصرية الحقيقية، بدلا من أن ننصاع وراء استيراد دعاوى تسعى بكل جهدها إلى إقناعنا بعجزنا على أن نرسم طريقنا بأنفسنا، وبحاجتنا إلى فلان أو علان ممن تلقوا تمويلا ومعه تعليمات من الخارج بكيفية تعليمنا الحرية والديمقراطية؟؟
ضرب الحبيب
نحن يا سادة لا نريد لشمس الديمقراطية أن تسطع علينا من العراق، فنحن في غنى عن ديمقراطية أدت إلى ضرب المتظاهرين في كاليفورنيا (حيث قبلة المنادين بالديمقراطية التفصيل) من معارضي الحرب ضد العراق بالرصاص المطاطي، واعتقال حاصلين على جائزة نوبل لمجرد أنهم احتجوا على الحرب..في غنى عن ديمقراطية تعرف حرية الصحافة، بتكميم كل وسائل الإعلام ومنعها من نشر إلا ما تريد الإدارة الأمريكية، بل وقتل صحفيين ومراسلين ومصورين لمجرد أنهم قاموا بواجبهم في نقل الأحداث.. لا نريد ديمقراطية أبو غريب، التي تسربت فضائحها بالصدفة، رغم كل القيود المشددة، فما كان من إدارة بوش إلا أن أعادت تعديل التقرير الذي أعد عنها مرات عديدة قبل أن تسمح بظهوره للعلن. و لانقبل ديمقراطية جوانتانامو التي يمضي فيها الأبرياء ومنهم أطفال السنوات في سجن وتعذيب ثم يطلق سراح البعض منهم دون اعتذار.. وفي غنى عن الديمقراطية التي جعلت جندي أمريكي يهين نائبا في البرلمان العراقي ويضربه بقدمه ويصفعه، مثلما حدث قبل يومين (وهي المرة الثالثة التي يتذوق فيها حكام العراق طعم الديمقراطية التي أوصلتهم إلى مقاعدهم في صورة صفعات هنا أو ركلات هناك على أيدي جنود أمريكيين) حتى أن "النائب" الشهير أحمد جلبي رئيس المؤتمر الوطني العراقي قال لوكالة الأنباء الفرنسية "الاعتداء على فتاح الشيخ يعد ثالث اعتداء ضد عضو في البرلمان العراقي بعد الاعتدائين على النائبين شذى الموسوي وسلام عودة المالكي".وكان النائب فتاح الشيخ قال" استوقفني جندي أمريكي في إحدى نقاط التفتيش وقام بركل سيارتي بقدمه وبما أنني لا أتحدث الإنجليزية قمت بإخراج البطاقة التي تشير إلى أنني عضو في الجمعية الوطنية". وأضاف "أخذ الجندي البطاقة مني وضربها بوجهي" موضحا أن الجندي أهانه كلاميا من خلال مترجم. وتابع أن "الجندي قام بعدها بتقييد يدي وعندما حاولت التحدث وضع يده على عنقي وقام بخنقي ثم أراد إنزالي في الأرض". وقالت النائبة هناء تركي عبد الطائي العضوة في الائتلاف العراقي الموحد إن "فتاح الشيخ تعرض للإهانة أمامنا وضرب أكثر من مرة أمامنا من قبل الجنود الأمريكيين.
وأقول لكل من يبشرون بسطوع شمس الديمقراطية من العراق "يفتح الله!" لانريد هذا النوع من الديمقراطية التي ينكل فيها بالنواب القادمين على ظهر الدبابات الأمريكية فماذا إذا يكون حال عموم الشعب؟. ولعل أكثر ما يثير القرف أن يرد عليك أحدهم "ألم يكن يحدث مثل هذا أيام صدام؟ ألا تحدث انتهاكات للديمقراطية في جميع الدول العربية؟" وهذا تنطع يثير الغثيان بالفعل، فمادام هذا هو الحال، وأحمد هوالخالق الناطق الحاج أحمد، فلماذا إذا نستبدل مهانة محلية بمهانة أجنبية؟ أم أنه ضرب الحبيب الذي هو مثل أكل الزبيب؟".. ما الذي يدفعنا لاستيراد ديمقراطية من الخارج لتذيقنا نفس ما كنا نتذوقه وأقسى؟ ويأبى هؤلاء أن يجعلوننا نصدق أن هناك في العراق من كانوا يعارضون ديكتاتورية صدام لكنهم يرفضون في نفس الوقت الاحتلال.. كما لو كان قدرا مقدرا أن تكون ضمن أحدى الجبهتين، إما مع صدام، أو مع الاحتلال.. لقد كان الشعب العراقي العريق الضارب بجذوره في عمق التاريخ قادرا على أن يحدث التغيير بيده ويولي أمره حكاما يدينون بالفضل للعراقيين وتضحياتهم من أجل التغيير، وهذا بالضبط ما خشيت منه أمريكا وعملاءها، فقررت استباق الأحداث، وإجراء التغيير الذي يضمن سيطرة عملائها الذين لن يقفوا في طريق نهبها لثروة العراق وسيادته.. ونحن ياسادة لا نريد ببساطة هذا الحل المعلب.. نحن نريد الإصلاح الذي نتطلع إليه قادما من طينة هذا البلد، ولصالحها فقط.. نحن ياسادة لسنا بحاجة لاستيراد من يعلمنا الحرية والديمقراطية من الخارج، فلدينا من تاريخنا ما يكفينا، ولدينا من تضحيات أبنائنا ما يجعلنا مستحقين.. نريد إصلاحا لا يهدر كرامتنا ولا مواردنا لصالح آخرين من خارج الحدود.. ونريد تعديلات تعيد انتماء مصر إلى محيطها الطبيعي، ولا تتسول انتماء ليس لنا به أي علاقة.. نريد أن نستعيدنا لا أن نستوردنا!!



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية -هوم دليفري-
- العصيان المدني سلاح لايجب ابتذاله


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - -عندما -نستوردنا