أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عبد اللطيف - افضل شعراء في اللغة الانجليزية في القرن العشرين















المزيد.....



افضل شعراء في اللغة الانجليزية في القرن العشرين


سعدي عبد اللطيف

الحوار المتمدن-العدد: 4137 - 2013 / 6 / 28 - 12:40
المحور: الادب والفن
    


غذاء الروح: من أليوت الى راهب مدينة هل

كيف تختار افضل شعراء في اللغة الانجليزية في القرن العشرين؟ والادهى من ذلك كيف تنتقي من شعرهم افضل ما كتبوا؟

هذا ما آخذته على عاتقها مؤخراً صحيفة (الغارديان) اللندنية اليومية التي نشرت أسماء سبعة شعراء لهذا الغرض وعملت، منذ فترة، على اصدار كراس شعري يومي، كهدية، مع الجريدة. وبين اسماء الشعراء كان كل من: تي. أس. اليوت ( أمريكي الاصل )، دبليو.أج. اودن، سيلفيا بلاث ( امريكية الاصل )، فيليب لاركن، تيد هيوز، شيموس هيني ( آرلندي الاصل، حائز على جائزة نوبل ) واخيرا شاعر الحرب العالمية الاولى سيغفريد ساسون.

وقدم لكل كراس منها شخصية مرموقة في مجال الادب منهم الشاعر المعروف كريك ريني الذي كتب موجزا جميلا عن شعر اليوت قال فيه:" تمتلئ شخصية اليوت وقصائده بالمفاجآت، اذ كتب مرة، مثلا، ان الفنان يتوق الى تقمص دور الكوميدي في مسرح المنوعات. وكان يتحدث، هنا، حول الشعبية وحضور الجمهور الغفير، لكن هذا القول اشبه بالنكتة، اعادة صياغة مرحة للبديهية الجمالية التي كان يرددها ولتر باتر ( 1839 – 1894، ناقد وكاتب انجليزي معروف، سادت مفاهيمه الجمالية في بريطانيا ثمانينات القرن التاسع عشر ) والتي تفيد ان جميع الفنون تطمح الى الارتقاء الى مستوى الموسيقى.

فلقد كان اليوت واحدا من أعظم المحدثين الكبار، الذين تمتعوا بشهرة كونهم عقلانيين بتحفظ ومبدعين لفن في غاية الصعوبة. فالقراء عبروا عن حيرتهم، على الدوام، تجاه كل الشعر المعاصر. واعتبر شعر براوننغ في القرن التاسع عشر صعبا جدا مما ادى الى تشكيل جمعية براوننغ لتحليل شعره وتوضيحه. وحتى قصائد وردسورث الغنائية المعروفة ببساطتها بدت مبهمة في عصرها. لكن شهرة اليوت بدأت كالحة. فعندما بدأ بنشر قصائده اعتبر بعض النقاد شعره عقلانيا تماما ولا يمتلك من العاطفة ما يكفي لأعتباره شعرا. اما الآن، وبعد قرن تقريبا من نشر اولى قصائده، فالأمر يختلف تماما. اذ نستطيع، على سبيل المثال، رؤية أي شاعر للطبيعة رائع ومدهش كان اليوت! رغم شهرته المبررة كشاعر للمتروبوليس. فشعر اليوت ينبع من حقيقة الذات، بكل تعقيداتها، وجميع تناقضاتها الداخلية وصراحتها الوجودية. ذات بمنأى، تماما، عن الذات الناشئة عن العالم، وكاريكاتور عفوي نتعرف عليه منعكسا في عيون الآخرين، " عيون تثبتك في عبارة مصاغة ". وحول هذا، ايضا، بمقدور اليوت ان يكون كوميديا بشكل جاد: " كم هو أمر بغيض ان تلتقي السيد اليوتِ!/ بملامح قصة شعر كاهن،/ وانحناءة مقيتة جدا/ وفم مزموم بتكلف تام... ". * وفي مقطع من " ما قاله الرعد " في قصيدة " الأرض اليباب " جاء (بالترجمة االرائعة للدكتور عبد الواحد لؤلؤة):

لا ماء هنا بل مجرد صخر
صخر ولا ما والطريق الرملي
الطريق المتلوي صعدا بين الجبال
التي هي جبال صخر بلا ماء
لو كان ثمة ماء لوقفنا وشربنا
بين الصخور لا يستطيع المر ان يقف أو يفكر
العرق جاف والاقدام في الرمل
لو كان ثمة ماء بين الصخر
فم جبلي ميت باسنان نخرة لا يقدر ان يبصق
هنا لايقدر المرء ان يقف أو يستلقي أو يجلس
حتى الصمت لا يوجد في الجبال
بل رعد جاف عقيم بلا مطر
حتى الوحدة لا توجد في الجبال
بل وجوه حمراء عابسة تشخر وتنخر
من أبواب طين متصدع
لوكان ثمة ماء

ولا صخر
لو كان ثمة صخر
وماء كذلك
وماء
نبع
بركة بين الصخور
لوكان ثمة صوت الماء وحده
لا الزيز
و يابس العشب يغني
بل صوت ماء فوق صخرة
حيث الحسون الناسك يغرد في اشجار الصنوبر
سقسق سقسق سقسق سقسق سقسق سقسق
لكن ليس ثمة ماء.

من جانبه اوضح رئيس اساقفة كانتربرري روان ويليمز ( رأس الكنيسة الانجيليكية الرسمية في بريطانيا والعالم )، وهو شاعر متميز وناقد ادبي، دوافع تعلقه بعالم اودن قائلا: " هناك أمران غالبا ما يقالان حول الشعراء العظماء، أولا: هم يخلقون الذوق الذي يقيمون على اساسه وثانيا: هم يمتلكون القدرة، على الدوام، على اعادة اختراع انفسهم. واعتقد ان اودن يجسد هذين الامرين تجسيدا دراماتيكيا اكثر، ربما، من اي من الاسماء الكبيرة في القرن العشرين. فمنذ اعماله المبكرة الاولى خلق اودن مشهدا بصريا مميزا. لكن بينما بقيت بعض جوانب النبرة والقدرة الموسيقية متماسكة بشكل مطلق، الا ان المشهد توسع باستمرار عبر اكتسابه طاقة صارمة، ومهارة خاصة تزداد بثبات في انتاج احساس بصلابة مفعمة بالحكمة، ومنظور محدد لانهائي، عنيد، حنون ونزيه، احيانا، الى حد الوجع.

حين كنت اسير ذات مساء

حين كنت أسير ذات مساء
أسير منحدرا في شارع بريستول،
كانت الحشود على الارصفة
مثل حقول القمح في موسم الحصاد.

وعند النهر الطافح
سمعت عاشقا يغني
تحت السكة الحديدية:
’’ ليس للحب نهاية.

’’ سأحبك، عزيزتي، سأحبك
حتى تتلاقى الصين وافريقيا،
ويقفز النهر فوق الجبل
ويغني سمك السلمون في الشارع,

’’ سأحبك حتى يطوى المحيط
ويعلق في الهواء كي ينشف
وتبدأ النجوم السبعة بالصراخ
كالأوز احتجاجا على السماء.

’’ ستركض السنون مثل الأرانب،
لأني احتضن بين ذراعي
وردة العصور،
وأول حب في العالم. ‘‘

لكن جميع الساعات في المدينة
بدأت تطن وترن:
’’آه لاتدع الزمن يخدعك،
أنت لن تقدر على الحاق الهزيمة بالزمن.

’’ في جحور الكابوس،،
حيث العدالة عارية،
يراقب الزمن من الظل
ويسعل حينما تهبيني قبلة.

’’ في فترات الصداع والقلق
تتسرب الحياة بشكل مبهم،
وسيمتلك الزمن الخيال
غدا أو اليوم.

’’ وفي وديان خضراء عديدة
يتراكم الثلج الرهيب
ويكسر الزمن الرقصات المتشكلة
وانحناءة الغواص الرائعة.

’’ غطس يديك في الماء
غطسها حتى الرسغ؛
حدق في حوض الماء، حدق
وتسآءل عن ماذا افتقدت.

’’ نهر الجليد يهدر في الصوان،
والصحراء تصعد الحسرات في السرير
ويشق التصدع في كوب – الشاي
ممرا الى أرض الأموات.

’’ حيث يبيع الشحاذون الاوراق النقدية باليانصيب
و المارد مفتون بجاك،
ويقهقه الفتى الناصع البياض بلا انقطاع
وتقوم جل بالتمدد على ظهرها.

’’ آه تطلع في المرآة، تطلع،
آه تطلع الى شقائك؛
الحياة تبقى نعمة
ولو انك لا تستطيع منحها البركة.

’’ آه قف قرب النافذة،
حين تبدأ الدموع الحارقة بالتساقط ؛
ستحب جارك المحتال
بقلبك المخادع.‘‘

كان الوقت متأخرا، مساء متأخرا،
والعشاق قد ذهبوا؛
والساعات قد توقفت عن الرنين،
والنهر العميق مازال يجري.



اما الروائية الشهيرة مرغريت دريبل فقد كشفت عن الجذور التراجيدية التي القت بظلالها على شعر سيلفيا بلاث التي تزوجت تيد هيوز وانتحرت وهي في الثلاثين من عمرها وتركت بصمة واضحة على مسار الشعر الانجليزي. تقول مرغريت ان سيلفيا هي " اول شاعرة تكتب قصائد عظيمة عن المخاض. أما انتحارها فقد حولها الى اسطورة، غير انها خلفت ارثا شعريا أكثر ثراء من موتها التراجيدي. فشعرها مروع لكنه، أيضا، منعشا. فسيلفيا تجسد انتقالة زلزالية في الوعي مكنتنا من الاحساس والتفكير كما نفعل اليوم وكانت اسيرة هذا الوعي بامتياز وضحيته من تلقاء
ذاتها.
وسدد موت ابيها، وهي في الثامنة من عمرها، صدمة سيكولوجية ظلت تداريها، تحفر فيها وتضرم النار فيها لتتحول الى قصائد مرعبة واحتفالية بانتصاريتها طوال بقية حياتها. فثيمات العمليات الجراحية، علم الامراض، الموت والفقدان الذي لا حل له تصطخب في شعرها لتتوج في واحدة من اكثر قصائدها شهرة " أبي " حيث يمتزج الأب الراحل مع الزوج الخائن في سلسلة استثنائية من الصور مستلاة من الهولوكوست. ففي شعر بلاث، يتغلغل الشخصي في الكوني و يتفجر المحلي في القضية الكلية ".

كلمات
فوؤس
يرن الخشب من ضرباتها،
والاصداء!
تسافر الاصداء من المركز كالخيول.

النسغ
ينبجس مثل الدموع، مثل
ماء يناضل
لأعادة تثبيت مرآته
على الصخرة

التي تسقط وتدور،
جمجمة بيضاء،
نهشتها الحشائش الضارة.
وانا بعد سنين
صادفتهم على الطريق-
.
كلمات يابسة لادعامات لها
نقرات – حافر لايكل.
بينما
من قعر النهر، نجوم راسخة
تسوس حياة.

أما اندرو موشن، شاعر البلاط الملكي فقد كتب عن الشاعر فيليب لاركن، وسبق له ان الف كتابا عن سيرة حياته واشتهر لاركن بتزعمه مدرسة " الانكلشنس " الشعرية في فترة الخمسينات الى جانب الشاعر الكبير توملنسون. يقول اندرو: " جرى اعتبار لاركن في الجزء الاخير من حياته (1922-1985 ) كافضل شاعر في البلاد. وبرغم شهرته ك ( راهب مدينة هل ) الا انه اثار الاعجاب، عموما، بأناقتته الشكليه في بناء قصائدة، الجمال الذي لاينسى في تعابيره والصدق في تحديقته. كان يوحي لقراءه بحقائق صعبة عن حياتهم – ان الحب سيذوي، سيضيعون في حياتهم الكثير من الفرص وان الموت قادم لامحالة – لكنه كان يقول ذلك بطريقة تبعث على السلوان بشكل غريب لمصداقيتها. لقد لعبت تعابير السخرية دورا حاسما في شعره مما افسح المجال لظهور عناصر الاستفزاز المتعمد في شعره الذي اصر على وجوب الفصل بين الآراء الخاصة والكتابات العامة. وتشتبك بشكل معقد جذور شعر لاركن بالرمزية وقصائد الشاعر الكبير ييتس، وكذلك الى شعر توماس هاردي والتجريبيين. وغالبا ما يتخذ شعر لاركن شكلا متميزا لا من تصميمه على طرح الحقيقة العارية ل ( أنا ) غنائية، بل من ابراز الجدل المحتدم بين الاطراف المختلفة لذاته. ( وهذا يعود بنا الى مقولة ييتس ومفادها اننا ننحت الفن عبر شجارنا مع انفسنا، اما في معاركنا مع الآخرين فليس هناك غير الجعجعة اللفظية. ) وبمقدورنا رؤية ذلك في نسيج لغة لاركن وكذلك الشكل الاجمالي لقصائده.

المنظر *

المنظر بديع من سن الخمسين
هكذا يقول متسلقو الجبل الخبيرون
لذا ببدانتي ودهائي
التفت ورائي لأنظر الطريق
الذي أدى بي الى يومي هذا.

بيد اني بدلا من الحقول والققم المغطاة بالثلوج
والطرقات المزهرة المنعرجة
وجدت دربي يتوقف عند مقدمة حذائي
ويتهاوى متلاشيا في الضباب.
المنظر لاوجود له.

اين ولى العمر؟
لست أدري. ولكم ما تبقى كثيب
بدون زوج ولا ولد
أرى ذلك بوضوح
نهائي وقريب
(ترجمة د. محمد مصطفى بدوي)

وعرضت الروائية جانيت ونترسون لتأثير عناصر الطبيعة على شعر تيد هيوزوقالت ان:" تيد هيوز نشر عام 1998 ، قبل وقت قصير من موته، مجموعة شعرية بعنوان " رسائل عيد الميلاد " مهداة الى زوجته الراحلة سيليفيا بلاث التي انتحرت عام 1963. واثار صدور المجموعة موجة من الا حتجاجات من انصار الحركة النسوية الذين وجهوا اصابع الاتهام الى تيد هيوز على اساس انه السبب وراء انتحار سيليفيا .

وتضيف جانيت ان " هيوز يعتقد ان القصيدة تولد من لقاء/تلاقح بين عناصر مختلفة من الطاقة – البدائية النقية لحياة الغرائز والامكانيات الكامنة عميقا في الوعي. وهناك اصداء لشعر هيوز تعود الى كولردج حين تدخل القصيدة والشاعر في حوار مع الروح الحارسة للطبيعة. ومثل كولردج و وردسورث، فان علاقة هيوزمع الطبيعة مفعمة بالحيوية وضرورية تماما. وهيوز، كشاعر وليس كواعظ، يترك للقصيدة، ذاتها، الحرية في ان تلعب دور الطباق، لتذكر العالم بوجود نوع آخر من الحياة حيوي في طاقته. وتلتقط عضلات لغته الأشياء العادية او التجربة التي لا ينتبه لها احد، تستدير بها ثم ترفع بها عاليا باتجاه الضوء، تحملها الينا وتحط بها، بعدئذ، في مكان لن ننساه ابدا. لكن يضل من يظن ان هيوز شاعر للطبيعة ليس الا، توصيف كالتوصيفات الاخرى يؤدي الى خنق حقيقة ديناميكية شعره، فهو شاعر يحاول اعادة التماس مع قارتين للتجربة جرى فصلهما معماريا. فهيوز يعتقد ان عالم الطبيعة وايقاعاته ضروري للأنسانية مثل اي كم للتقدم، لذلك فهو يستخدم جسده ذاته كجسر، شاعرا باي شيئ يكتبه عبر صدمة وجوده هناك – فهو يصطاد الاسماك في الانهار، يربض تحت الاشجار ويدخل في مغامرة روحية كاي رجل بدائي، وبعدئذ يترجم لغة الطبيعة السحرية الى قصيدة نستطيع قراءتها. ويقول هيوز " لنتذكر اننا خلقنا من التراب ". لذلك بدأ مبكرا في اعادة كتابة علاقة الانسان مع الطبيعة، لأعادة الوشائج معها حقا، دون اللجوء الى النزعة العاطفية او المرواغة. فقصائده ليست عبارة عن تراتيل تبسيطية تخاطب الماضي، بل انها بالاحرى قصائد تستشم سلسلة الاسلاف المباشرين لأرثنا. وكان هيوز يؤكد قائلا: ( لنتذكر اننا نهضنا من التراب ) ".

وتوجه جون بانفيل بتوجيه تحية نقدية الى رفيق وطنه ايرلندا الشاعر شيموس هيني قائلا: " قلة من الشعراء وجدوا طريقة للنفاذ في التغلغل الى آذان الجموع. فمن كا يتصور ان فنانا بجدية هيني، نخبويته و رقته سيروق مباشرة تماما لا الى رعاة الأيائك المهمومين فحسب بل وحتى ابسط القلوب ايضا. وساعدته معرفته باللغات اللاتينية، الآيرلندية والانكلو- ساكسونية بموسيقاها الارضية، الحنجرية واصواتها الساكنة على العثور على صوته الشعري الخاص. ويريد هايني منا ان لا نرهف السمع الى الاغنية التي يغزلها الشاعر داخل تجاويف راسه بل الى انغام العالم المألوفة، أي الى "موسيقى مايحدث" كما كتب مرة. وتحدث هيني في ختام كلمته بعد تسلمه جائزة نوبل للأدب عن "قدرة الشعر، دوما، في عمل الشيء الذي يعتبر شرفا القيام به"، "الا وهو قدرته على اقناعنا بان جزءا حساسا من وعينا يؤمن بعدالة الشعر برغم شواهد الظلم في كل ما يدور حولنا، سطوة الشعر في تذكيرنا اننا صائدوا القيم وجامعوها، وان وحدتنا وعذاباتنا بالذات جديرة بالاكبار، وهي بالتالي عربونا لوجودنا الانسانس الحقيقي".

وكتب الروائي وليم بويد مقدمته عن حياة سيغفريد ساسون وشعره ( سيغفريد اسم البطل الآري في اوبرا فاجنر) الذي كان جنديا اثناء الحرب العالمية الاولي عامي 1914-1918 والذي اسس لما يعرف اليوم بشعر الحرب قائلا: " ان الحدث الذي ترك جرحا نازفا طول حياته واحدث تحولا في في تفكير ساسون يتمثل في الحرب العالمية الاولى. فالشعر الذي كان يكتبه قبل الحرب كان يدور حول القبرات المغردة بين الشجيرات والتجوال في الحقول وتناول البيرة في حانات الريف... الخ. لكن جحيم الجبهة الغربية والمذبحة التي وقعت فيها كشفا له عن واقع بديل مرعب ودراماتيكي. كان ساسون رجلا شجاعا في أتون الحرب ومنح جراء شجاعته الصليب العسكري، وقاتل في معركة سوم المشهورة ببشاعتها وجرح جرحا خطيرا عام 1917، وعصفت به فكريا وعاطفيا حرب الخنادق، فطبع شعره بواقعية اكثر كآبة وتهكمية وهجائية فقد شاهد بأم عينيه عبثية الصراع وجميه الشباب يتساقطون ميتيين من حوله.

وبعد اندمال جروحه عام 1917 تعرض لأنهيار عصبي ورفض مواصلة القتال في الحرب التي ادرك انها " يجري اطالتها عمدا ". وبتدخل، في الوقت المناسب، من الشاعر الضابط روبرت كريفس تم ارساله الى المستشفى بدلا من احالته الى المحكمة العسكرية لرفضه الالتحاق بوحدته. هناك التقى سيجفريد وألهم شاعر ضابط آخر كان جريحا هو شاعر الحرب المشهور وليفريد اوين الذي تحمس لشعر سيجفريد الى حد انه ( اعتبر شعر شكسبير " مضجرأ " بالمقارنة لشعره ). وخلق لقاء هذين الشاعرين شيئا ما استثنائيا وطويل الامد في الشعر الانجليزي. وهكذا ولد شعر الحرب كما نعرفه الآن.

ورغم ان شعر أوين اكثر تعقيدا من شعر سيجفريد ومكتوبا بشكل افضل، الا ان هناك نقمة وحشية ومرارة قاسية في قصائد سيجفريد. فشعر سيجفريد عن الحرب كانت الدعامة التي بني أوين عليها قصائده. فسيجفريد هو القابلة الوحيدة التي ولدت صور الخراب والمجازر في الحروب التي تدور في ارجاء العالم. وكنا عبر فيليب لاركن مرة بان قناعات سيجفريد وأوين والتي عبرا عنها في شعرهما تغلغلت في كامل وعينا الوطني. وما تزال.

وضم كل كراس مقالات قصيرة نشرت في صحف تلك الايام عن هؤلاء الشعراء الذين لم يبق منهم على قيد الحياة غير الشاعر شيموس هيني.

وجدير بالذكر انه رغم توطد سمعة هؤلاء على اعتبارهم من الشعراء الكبار، الا ان ثلاثة منهم وهم: هيني، لاركن واودن لم يتلقوا في بداية حياتهم الشعرية الا مديحا باهتا من جريدتي الغارديان والاوبزرفر. واهدت " الغارديان " لقرائها مجانا قرص سي دي ضم قصائد بأصوات هؤلاء الشعراء.

ولم تبد الشاعرة الانجليزية فرانسيس ليفستون أي دهشة أو سخط للأعتراف بشاعرة واحدة فحسب بين هؤلاء الشعراء الكبار في القرن العشرين. وعللت ذلك بأن ّ% بالمائة فقط من النساء الشاعرات جرى ادراجهن ضمن آخر طبعة لأنطولوجيا نورتون للشعر الحديث والمعاصر. أما نسبة الشاعرات التي يجري تدريسهن ضمن المنهج الوطني للمدارس الثانوية فلا يتعدى نسبة ال 21% بالمائة فقط. أما الشعراء الأكثر شعبية للفترة مابين جيوفري تشوسر ( 1340- 1400 ) وتوماس هاردي (1840 – 1928) فلم تحز في الاستطلاع مرتبة الشعبية الا الشاعرة الامريكية اميلي ديكنسون (1830- 1886 ). وابدت ليفستون رضاها عن الاسماء لكنها أعربت عن تفضيلها استبدال الشاعر سيغفريد ساسون بالشاعرة اليزابيث بيشوب واستبدال فيليب لاركن بالشاعر الآيرلندي ييتس. وبررت فرانسيس أهمية سيليفيا بلاث بسعة الخيال في شعرها وقدرتها على لجم وتوجيه طاقاتها المثيرة للجدل عبر استخدام نظام تقني صارم. أما بالنسبة لاليزابيث بيشوبن فان فرانسيس اعلنت صراحة بالنفور من شعرها بادئ الأمر، لكنها تعلقت بها لاحقا لأن شعرها كشف لها عن اعتبار اخلاقي عميق بالدقة البالغة: فشعرها يصور التجربة كما تحصل بالضبط. فهي مثل بلاث فعلت كما ينصح المهاتما غاندي المصلحين القيام به: " يجب ان تجسدوا التغيير الذي ترغبون في ان تروه في العالم ". وقصائد بيشوب مليئة وواضحة وعوالمها مترامية الاطراف كما نرغب في ان يكونه الشعر سواء كتبه رجل أم أمرأة. فهي تكتب الشعر بـ "برود" تام كاي رجل أو بأي طريقة ترتاح لها. وشرحت فرانسيس طريقتها الخاصة في كتابة شعرها بالقول: اضع اعتبارات القصيدة قبل مشاعري الشخصية سواء في مجالي السياسة او الدين او لكوني أمرأة.

وهكذا فعلت بيشوب حتى انها رفضت ادراج قصائدها في أي انطولوجيا أقتصرت على الشعر النسوي فقط. فهي رفضت ان تحط من كلانية شعريتها.

انتهى

* سعدي عبد اللطيف: كاتب وناقد واعلامي عراقي مقيم في المملكة المتحدة واستاذ سابق للادب الانكليزي في العراق والجزائر. ترجم ونشر عشرات النصوص الفلسفية والشعرية والوثائق السياسية الى جانب ما له من دراسات ومحاولات في النقد الادبي المعاصر والفن.



#سعدي_عبد_اللطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معرض تشيكلي روسي في لندن ولوحات لبيكاسو و سيزان و غوغان
- هارولد بنتر، الغائب الكبير في الفن المسرحي البريطاني
- ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد ا ...
- ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد ا ...
- ميخائيل باختين ومفهوم الحوار عند دستوفسكي بترجمة لسعدي عبد ا ...
- سعدي عبد اللطيف يحاور شاكر لعيبي عن قصيدة النثر المقفاة
- حضارة بابل اضفت على لندن بهجة عميقة
- الكتابة واللغات في العراق القديم
- في ذكرى معرض بابل: الاسطورة والحقيقة في المتحف البريطاني
- نبذة موجزة عن تاريخ المتحف البريطاني
- الشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف
- لماذا تجاهل العالم.. الآثاري العراقي الكبير هرمز رسام
- زمن لا تستيقظ فيه الطيور
- ابنة -تشي- تجاهد للحفاظ على صورته كثوري مثالي !؟
- الموسيقى توحد العراق دائما...
- كتاب : كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ ترجمة س ...
- كتاب : كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ الفصل ا ...
- كتاب : كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ ترجمة س ...
- كتاب : -كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين/ الفصل ...
- كتاب : -كارل ماركس - قصّة حياة- - تأليف: فرانسيس وين


المزيد.....




- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعدي عبد اللطيف - افضل شعراء في اللغة الانجليزية في القرن العشرين