أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية















المزيد.....


من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية


خالد سالم
أستاذ جامعي

(Khaled Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4136 - 2013 / 6 / 27 - 18:14
المحور: الادب والفن
    


من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية*
خالد سالم

مما لاشك فيه أن قليلاً من حقول السميوطيقا، خلال العشرين سنة الأخيرة، عاش تطوراً سريعاً وخصباً مثل مجال الصور. ويمكننا اليوم الأخذ بعين الاعتبار بوجود علم صور حقيقي، له طروحاته وطرقه ونماذجه، أسفر إلى جانب ذلك عن نتائج أكيدة (عن علم الأيقونات وعن اللغة التشكيلية إلخ)، رغم أن لا يزال هناك الكثير يفتقر إلى الإثبات. وهذا التطور يعود إلى النماذج المقترحة من قبل مدرسة غريما Greimas وبشكل خاص المقترحة من قبل فلوش Floch و تورلمان Thurleman، من ناحية، ومن ناحية أخرى من قبل مجموعة يو Groupe u (انظر سونسون 1987, 1988, 1992سي, 1993, 1996 بي), وكذلك تنظيم علم نفس جيستالت Gestalt واللامقدارية الرياضية topologia matematica لمدرسة كيبك Quebec وتطبيق وظائف اتصال الصورة لمدرسة بيرث Perth، ويضاف إليها، حسب سان-مارتن (1994:2)، عمل مدرسة لوند Lund الذي ي يتميز بالتشديد على إسهامات التقاليد الأخرى، على أساس منظور نقدي وتأليفي، بضمها في إطار نفسي واجتماعي في الوقت ذاته. والاعتبارات التي يتبعونها ذات طابع منهجي ونظري وهو خط رئيس لهذا المفهوم الأخير.

1- تربيع الدائرة التأويلية
في نقطة الخروج من مدينة ليون المكسيكية توجد لوحة مكتوب عليها "أيها المواطن، من الضروري أن تعرف القراءة. فامحِ أميتك!"
بفضل هذا التناقض الظاهري الذي يحتمل أن يكون قد طرح رغماً عنه، يجب أن يفوز المؤلف المجهول لهذه اللوحة بحق الإشارة إليه كأحد كبار هذا الجنس إلى جانب كل من إبيمينونداس Epiminondas، لويس كارول Lewis Caroll، غوديل Godel، راسيلRussell وباتيسون Bateson. وفي رأي غريما يمكن القول إن هذه اللوحة، كجزء من الإعلان، دعوةٌ لتحقيق برنامج يقوم على اكتساب عمل تأويلي. إلا أن هذا العمل التأويل، أي القدرة على القراءة، فرض مقدماً من جملة الإعلان نفسها. أو بالأحرى إنه افتراض لحضور المعلن، أي القارئ في هذه الحالة، داخل الرسالة. وهو كمركب ناتورب Natorp الشهيرة المشيدة في عرض البحر فالرمز يجب أن يستخدم ويصنع في آن واحد.

1.1 طرق تربيع الدائرة
ولوحة مدينة ليون، سالفة الذكر، تحمل تناقض الدائرة التأويلية إلى أقصى حدوده. ففي الأصل انضم تقليد موازٍ، وهو الهيرمنيوطيقا –علم التأويل-، حسب طريقته، إلى السميوطيقا- علم الدلالات- أولاً عن طريق معرفة الحوار حسب باختين Bachtin، ثم عبر جدلية القواعد حسب مدرسة براغ، وفي وقت لاحق على شكل التعاون التفسيري لإكو Eco ، وفي روايات أخرى أكثر. وبصفة عامة فإن الدائرة طبقت على الأدب، رغم أن التأويل يمكن أن يقوم في هذه الحالة، على الأقل جزئياً، على قانون من أكثرها تماسكاً وثباتاً، وهو قانون اللغة الشفهية. وبالمقارنة فإنه يبدو أكثر خطورةً في حالة الصورة. فقد سبق أن قال بارت Barthes إن الصورة رسالة بلا قانون. وحسب جان –لوي شيفر Jean-Louis Schefer فإن اللوحة تكوِّن نظامها الخاص. ويرفض بنفنيست Benveniste الطابع الدلالي للفن لعدم وجود قانون سابق لإبداع العمل. وحتى تورلمان Thurlemann، في الدفاع عن سميوطيقا نقد بنفنيست، يلاحظ أن طريقة إنتاج المعنى في الصورة طريقة مختلفة عن طريقة اللغة الشفهية. ومفهوم بازوليني Pasolini الخاص بالكلمات بلا لغة واللغة بلا لسان أو بلا إشارات حسب ميتزMetz وميتري Mitry هي وصفات كثيرة أخرى تشير صوب الغموض نفسه لا أكثر.
وقد طُرِح سؤال حول ما إذا كانت الدائرة يمكن أن تكون في الواقع حلزوناً. لقد بُحث عن طريقة دخول الدائرة –أو بالأحرى الدخول بشكل سليم-. وبمقارنته بذلك فإن طريقة تربيع الدائرة تكون أكثر جذرية. ومعروف أن تربيع الدائرة التأويلية، مثل تربيع الدوائر الأخرى، لا يمكن إثباته. ولكن يمكن تحديد الدائرة.
وحسب بول ريكير Paul Ricoeur يمكن اعتبار نماذج غريماGreimas وليفي ستراوس Levi-Straus طبقات بديهياً، تقارن بنماذج كانتKant بهذا الصدد، وقد قُبل هذا الوصف من قبل المهتمين بالأمر. ومع ذلك نعتقد أن النماذج، بالنسبة للدلاليين، يجب أن تفهم على أساس افتراضي ومؤقت أكثر. وتربيع الدائرة التأويلية، حسب غريما على وجه الخصوص، عبارة عن المربع الدلالي. وفي حالة ليفي ستراوس فإنه، بين أشياء أخرى، التناسب الذي يكون على أساسها لـC العلاقة نفسها مع B ومثل علاقة C مع D.
ويؤكد عالم النفس الأمريكي هوارد غاردنر Howard Gardner (1973)، بعد مضاهاة من يسميهما بأكبر بنويين، بياجيه Piaget وليفي ستراوس Levi-Straus، أن الأول يبحث عن الكونية في العلاقات في حين أن الثاني يلح على الخواص. وفي موقع آخر حاولنا إثبات أن في كل مرة يدلي فيها ليفي ستراوس بتصريحات نظرية فإنه يلح بالفعل على الشكل، أي على العلاقات، في حين أنه يؤكد أن الخواص التي لديها تزداد بحرية. ومع ذلك يمكن التأكد من أن ما يميل إلى التكرار في الممارسة التحليلية عند ليفي ستراوس هي الخواص في الكثير من الحالات. وهذه الخواص، كما سبق أن استعرضنا في مكان آخر (سونسون a1989)، كثيراً ما تكون أهلة لتقليصها إلى تصنيفات لاكمية، بالمعنى الرياضي للفظ.
وفيما يلي سنبدأ دراسة العلاقات، ولكن ليس المربع الدلالي ولا التناسب لدى ليفي ستراوس، بل المعارضة الثنائية، المقام على أساسها الإثنان الآخران، ويظهران في سياقات أكثر في إطار علم الإشارات الحالي، السميوطيقا.

1.2 السميوطيقا كدراسة قياسية
إن منهج مدرسة لوند Lund يقوم على تحليل الصور في حد ذاتها بشكل أقل مع التعمق أكثر في تحليلات الصور على غرار ما هي التحليلات التي قامت بها مدرسة غريما ومجموعة يو وآخرون. ومع ذلك فإن هذه الممارسة تلزم باللجوء إلى نماذج هذه التيارات لتحليل صور جديدة والتوفيق بين عناصر من نماذج متنوعة، والبحث عن صيغة لتعديل النماذج للأخذ بعين الإعتبار البقية دون تحليل النماذج نفسها. وبعيداً عن هذه الطرق والنماذج فإن هذا المفهوم يتطلب عزل العناصر المكررة التي تخص المعاني بصفة عامة والصور بصفة خاصة، وبصفة أكثر خصوصيةً مختلف الطبقات الدنيا للصور.
وطبقاً لوجهة نظرنا هناك على الأقل نقطة يجب على السميوطيقا فيها أن تقلد علم اللغويات، فإذا أرادت أن تسهم في شئ لا تتيح العلوم الإنسانية القديمة، وهو أنها علم مشرع (رغم أنه نوعي)، علم يبحث عن قوانين أو عموميات أخرى (انظر سونسون Sonesson1989a، 1992b، c، 1993). وبالنظر إليها من هذه المنظور فإن سميوطيقا الصور أمامها مهمة بناء الذات كعلم عام للتمثيل عبر الصور. وفي السنوات الأخيرة اشتكى عالم نفس الإدراك جيمس جيبسون James Gibson من الافتقار إلى "علم وصفي" Science of depiction يقارن بعلم اللغويات. وبما علم نفس اللغويات ليس كل علم اللغويات يجب الإفتراض أن جيبسون كان يفكر في شئ أكثر من علم نفس إدراك الصور الذي أسهم في تأسيسه في الفترة ذاتها.
ويقول فليكس ترولمان (1990) Felix Thurleman إن على السميوطيقا أن ترسي قواعد تاريخ الفن فقط. ومع ذلك توجد صور كثيرة ليست فنية، ولكنها بلا شك تتقاسم الكثير من الخواص. ويتراوح جان ماري فلوش (1986c) بين فكرة أن الصورة الخاصة هي التي يجب تحليلها في السميوطيقا أيضاً، ومفهوم أن السميوطيقا يجب أن تعزل أشكال تنظيم أكثر تجريداًَ وشيوعاً من الصورة وأنواع معانٍ أخرى. والهدفان مشروعان: فمن المؤكد يمكننا تقديم طرق ممتازة لتحليل تاريخ الفن، وهو فقير في هذا المجال: ومما لا شك فيه ستكون هناك مستويات أكثر تجريداً في تنظيم المعنى من مستويات الصورة.
إلا أن الصورة معرفة لها معنى عند مستخدميها في المجتمع الحالي، مثل معارف اللفظ والجملة. ومهمة سميوطيقا الصور هي شرح هذه المعرفة المنطقية، على غرار ما قامت به اللغويات في حالة المعارف المذكورة سابقاً. لا يمكن إنكار وجود معرفة صورة، مع اختيار شئ أكثر حسية وأكثر تجريدية على غرار ما يقوم به فلوش Floch. ولا يمكن الاستعاضة عنها بمعرفة صورة أخرى يحكم عليها بأنها أكثر تماسكاً، مثلما يفعل نيسلون غودمان Nelson Godman، ولا بالتخلي عن السميوطيقا من أجل الفلسفة القديمة (سانسون a1989).
وعلى سميوطيقا الصور بأن لا تكتفي بتعليمنا ما هو خاص بالصورة بصفة عامة، بل أيضاً بعض تصنيفات الصور. ولهذا نرى أن من الممكن عزل ثلاث من طبقات الصور على الأقل: تصنيفات الإنشاء التي تُحدد عبر الطريقة التي يرتبط فيها التعبير بالمحتوى (على سبيل المثال: تصوير، رسم، ورق مقصوص، صورة)، وتصنيفات الوظيفة التي تنتج عن الآثار المرجوة اجتماعياً (وهي أحياناً جلية مثل الدعاية أو المطبوعات الجنسية، وأحياناً أخرى تكون محددة أقل مثل طبقات التداول، التي تعتمد على قنوات التداول الإجتماعي للصور (وهي مختلفة بالنسبة لملصق أو لوحة إعلانية أو بطاقة بريدية إلخ). وحقيقي أن هناك اليوم إسهامات قليلة ترمي إلى التعمق في ما يتعلق بمختلف طبقات الصور، باستثناء الدراسات الكثيرة المتعلقة بما هو خاص بالصورة (من ليندكينس Lindekensإلى شيفر Schaeffer، انظر: سونسون b1989).
هذا بالإضافة إلى إمكانية فهم وضع طبقات الصور حسب طريقتها في التنظيم، رغم أن الطبقات المناسبة ليس لها اسم في اللغة الاعتيادية. وهذه المشكلة سنعود إليها فيما بعد.

1.3 السميوطقا علم للنماذج
وإذا ما تحولنا إلى خاصية أخرى فيبدو أن السميوطيقا تختلف من فروع تقارب أخرى إلى العلوم الإنسانية لأنها تقوم على بناء النماذج. فالسميوطيقا تفترض، حسب كلمات غومبريتش Gombrich، أن العين العارية عمياء أو على الأقل خاضعة لتخيلات بصرية. وهذا هو مسار الإدراك يومياً: فعبر نظرة نقيم نموذجاً يجب أن يُجرب أو يعدل أو يُرفض في المواجهة بمظاهر أخرى من الواقع. وفي العلم هذا النهج يصبح واعياً. والمقابلة الثنائية، المربع السميوطيقي، التناسب لدى ليفي شتراوس، التمييز بين ما هو تشكيلي وما هو أيقوني، بين النظم الرمزية وشبه الرمزية، بين القاعدة والانحراف، كلها نماذج مجردة أو معقدة تقريباً، يجب ثبوتها، تعديلها أو تركها في مسار البحث.
وعليه فقد رأينا أن السميوطيقا يمكن أن تتميز بهدفها للدراسة ولبناء النماذج. وعلى عكس ذلك لا تختلف لامتلاكها منهج خاص إلا في حالة إقصاء الكثير مما يعد دلالي من السميوطيقا. وعلى سبيل المثال فإن بيرس Peirce وإكو Eco يلجآن إلى تعليلات مجردة، ذات أسلوب فلسفي. وهناك آخرون، مثل لينديكنس Lindekens وكرامبن Krampen وإسب Espe قاموا بتجارب تقارن بتجارب علم النفس. ومنهج تحليل النصوص، الذي يحسب كثيراً أنه أبرز طريقة سميوطيقية، له لائحة ليست مؤكدة تماماً: فعلى الأقل ليست مماثلة لمنهج اللغويات، ولا يمكن أن يقدم لنا نوع الإثبات نفسه. وهذا لا يعني أنه ليس قيماً: فمن المحتمل أن يكون أهم مصدر للاكتشافات الجديدة في السميوطيقا البصرية.
وهناك في اللغة عدة عناصر تتكرر: وعند فحصها في نصوص مختلفة، يمكننا تحديد مكان تواجد حدودها، وما الوحدات الجديدة بينها أو تنوعات الوحدات المعروفة مسبقاً. وهذا يعني أن نتيجة تحليل يمكن أن يكون لها نتائج لتحليلات سابقة. وعلى عكس ذلك لم يُشاهَد سميوطيقي يراجع تحليلاته المترتبة على ضوء نتائج أحدث. على أية حال فإن ما يتكرر في حالة الصورة لا يبدو ذا طبيعة يسمح بها هذا النوع من العمل. ولكن إذا اهتممنا بقياسات من نوع أكثر تجريداً فقد يمكننا أن نتصرف بطريقة مقارنة، على غرار ما سنقترحه في دراسة التقابلات الثنائية التالية.
وهناك مفهوم آخر موروث عن علم اللغويات أضر كثيراً بالسميوطيقا الأوروبية وهو مبدأ الإستقلال الذي أدخله سوسير Saussure. وبجهل أجزاء كبيرة من المعارف التي يتم الحصول عليها من هدف الدراسة في علوم أخرى مثل علمي النفس الإدراكي والمعرفي، الفلسفة وعلم الإجتماع إلخ.، أو بالإشارة إلى نتائج قديمة لهذه العلوم، فإن السميوطيقا تقوم غالباً بالدفاع عن مواقع عبثية. ومن ناحية أخرى يوجد في أمريكا اللاتينية من يرى في السميوطيقا فضاء اجتماع أو تبادل لمختلف العلوم الإنسانية. وعلى عكس هذين النقيضين، يجب التأكيد هنا أن على السميوطيقا أن تكون مفتوحة أمام نتائج كافة العلوم التي تعالج المواضيع نفسها، ولكن عليها أن تقيمها وتعيد تفسيرها وتعديلها إنطلاقاً من وجهة النظر المحددة من قبل مشكلها ذاته.

2 بنى في السميوطيقا البصرية
بينما نطرق موضوع النماذج لا يمكن تفادي التطرق إلى النموذج اللغوي الذي كان مهيمناً في سميوطيقا الستينات. فكل من اللغويين وممثلي علوم إنسانية أخرى من هذه الفترة أعربوا عن عدم موافقتهم. وكان موقف علماء اللغة هكذا لأن هذا يعني سوء استخدام المفاهيم اللغوية، أما الآخرون فكان موقفهم بسبب التشويه الذي كان يسببه لأهدافهم المرجوة من الدراسة. وبعد ذلك كان هناك تراجع تدريجي للنموذج اللغوي لصالح نماذج أخرى، أو بالأحرى، حدث تراجع عن النمذجة بصفة عامة، بإفساح المجال أمام العودة إلى دراسة سابقة للسميوطيقا، يطلق عليها أحياناً ما بعد البنيوية أو ما بعد الحداثة.
ومما لاشك فيه فإن السميوطيقا تحتاج إلى البحث عن نماذجها الخاصة، وهو ما فعلته إلى حد ما مع نظرية غريما Greimas ومع نماذج السميوطيقا البصرية المطروحة على يد فلوش Floch وتورلمان Thurleman، ومجموعة يو Groupe u وسان مارتن Saint Martin. إلا أن استخدام النموذج اللغوي في السميوطيقا يتطلب مقارنات غاية في التعقيد، على مستويات مختلفة، ويجب تقييمها كل على انفراد. ورفضها كلها أمر ساذج مثل قبولها كلها. وفي بحوثنا السابقة درسنا سبب أن النموذج اللغوي ليس مرضياً لتحليل الصور. والأسباب التي تفسر عدم ملاءمته يمكن أن تلقي بالضوء على ما هو محدد من المعاني البصرية. وعلى عكس ذلك، في مستويات أخرى مثلما نكون أمام نوع علم السميوطيقا فلا يوجد سبب للتخلي عن سابقة اللغويات. وأخيراً فحقيقي أن في النظريات الحالية تبقى هناك رواسب من الإلهام اللغوي وهو ما يحدث في التقابلات الثنائية وعنها لا نعرف جيداً ما إذا كانت تبرر خارج المجال اللغوي. وما يهم أيضاً هو البحث في ما إذا كان لديها الحق في التواجد، وفي حالة امتلاكها له فمن الضروري مراجعة هوية طبيعتها في الحالتين.

صورة 1a. قناع سوايهوي
2.1 بنية وأقنعة ليفي ستراوس
من المعروف أن ليفي ستراوس هو الذي أدخل صيحة البنيوية في باريس في الستينات. والتناقض يكمن في أن كلمة "بنيوية" إذا قُصِرَت على أساس لغوي بحت فإن ليفي ستراوس لم يكن بنيوياً. أو بالأحرى فإن البنى التي يريد اكتشافها في أقنعة السكان الأصليين في الساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك في العديد من الأساطير، ليست بنى بالمعنوى اللغوي البنيوي. وللتعرف على ذلك يكفي دراسة حالة الأقنعة المشار إليها من قبل (صورة 1a .b/)

صورة 1b. قناع دزونوكوا
وقناع سوايهوي Swaihwe، حسب ليفي ستراوس، (1975،ff1.32) لديه الخواص التالية: اللون المهيمن هو الأبيض، وهو مزين بالريش، والفم مفتوح عن آخره، والفك السفلي ساقط مما يفسح المجال لرؤية لسان ضخم، وأخيراً العينان جاحظتان. وأمام هذه الخواص فإن من الممكن استنتاج وجود قناع آخر له الخواص نفسها، حسب ما يقوله لنا ليفي ستراوس (ص. 34، f102). وهذا القناع يجب أن يكون ذا لون أسود له الهيمنة، وفيه شعر بدلاً من الريش، والعينان غارقتان، وشكل الفم يجب أن يمنع مرور اللسان. وبعد وصف القناع احتاج ليفي ستراوس فقط للبحث عنه في الواقع وبالصدفة وجده في قرية مجاورة. اسمه دزونوكوا Dzonokwa. ولاحقاً يقترح علينا هذا المؤلف (ص.ff105) أيضاً وجود مقابلة رئيسة أكثر بين تحدب قناع سوايهوي وتجويف قناع دزونوكوا (صورة 2).




صورة 2. مقابلات في قناعي ليفي ستراوس

الآن تصوروا عالم لغويات يقابله صوت مماثل تماماً لصوت حرف "R" في اللغة الإسبانية. وباتباع طريقة ستراوس سيكون عليه أن يقول إن، بسبب بعض خواصه، يقابل وحدة أخرى، هي حرف "L" التي يجب أن توجد في النظام، ولخواص أخرى له يتعارض مع حرف "RR" سيكون عنده حق إذا كان يحلل نظام علم صوت للغة الإسبانية. إلا أن صوتاً له الخواص المادية نفسها يوجد في لغات أخرى كثيرة. يوجد في اللغة السويدية، لكنه لا يعارض حرف "RR" لأن تبديل حرف بآخر لا يسفر عن تغيير في معنى الكلمات. والأكثر من هذا يوجد في اللغة اليابانية، لكنه لا يتضاد مع حرف "R" ولا مع حرف "L"، لأن تبديل حرف "L" بحرف "R" في كلمة يابانية يمكن أن يؤدي إلى نطق غريب لكنه لا يؤدي إلى معنى مختلف.
ومن أجل إبصار –حرفياً- الفرق بين منهج ليفي ستراوس والبنيوية يمكننا اللجوء إلى نموذج بصري: إشارتان مجردتان للغاية لدورة مياه النساء والرجال (صورة 3). هنا لا يوجد أكثر من اختلاف بين الإشارتين، وجود الخط السفلي أو عدم وجوده. ولسبب أكبر في قناعي ليفي ستراوس فإن المقابلة يمكن أن تبدو بنيوية. إلا أن معرفة إحدى الإشارتين فقط لا يمكننا من معرفة الأخرى. وبمعرفة الثانية يمكن تبرير إزالة أيٍ من الخطوط الأخرى. وإذا لم تكن هناك قواعد تمنعنا من إضافة خطوط أو تحريكها فإن الإحتمالات تصبح لا نهائية.
شكل 3. رمز دورة المياه
إن وجود بنية واحدة فقط يمكن أن يحدث في عالم مغلق. فإذا عرفنا عنصرين يمكننا استنتاج خواصهما عبر المقابلة. ولكن البدء عبر عنصر أوحد لا يمكننا من الحصول على نتيجة مبررة بنيوياً. وبالفعل فإن إشارتي الحمام تشكلان بنيةً، ولكن فقط داخل السياق الذي يظهران فيه: على بابين متجاورين عادةً وفي عالم مقسم بين جنسين.
حري أن نسجل وجود خطأ مزدوج في منهج ليفي ستراوس: ليس فقط لأن عنصراً لا يمكن أن يستنتج من الآخر بنيوياً، ولكن دون معرفة مسبقة للاثنين معاً (أو أكثر، لا يمكن معرفة أي خواص عنصر قادرة على التنوع في إطار البنية. وبمعرفة عنصر وقاعدة عامة، على العكس، يمكن إستنتاج عنصر آخر وكالعادة نطبق في هذه الحالات القواعد التي تسود في العالم كل الأيام، يمكننا القول مع بيرس Peirce إننا ننحي جزء، وعليه سنطلق تسمية "تنحية" على التقابلات التي ليست "بنيوية".
إننا لا نقول إن تحليل ليفي ستراوس خطأ، بل فقط إنه ليس بنيوياً. إذ أن ليفي ستراوس يقوم بشئ مختلف للغاية: جزء من نموذج وجه الإنسان، وبعد العثور، في قناع سوايهوي، على بعض الإنحرافات بالنسبة للنموذج، طلب وجود قناع آخر سيحمل الخلافات إلى أقصى حد مقابل.



#خالد_سالم (هاشتاغ)       Khaled_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأليف الموسيقي في خدمة الصورة السينمائية (الخطاب الموسيقي ...
- توظيف وتطبيق العلامات المسرحية
- حركة الإستعراب الإسبانية من الداخل
- مكان الطقس في سميوطيقة العرض
- السارد في المسرح
- سميولوجيا العمل الدرامي
- الشاعر أوكتابيو باث في ذكراه:على العالم العربي أن يبحث له عن ...
- المسرح والخيال
- عبد الوهاب البياتي محلقًا عبر أشعاره وحيواته في العالم الناط ...
- مسرحية -القبيحة- وتقاليد إسبانيا العميقة عبر إقليم الأندلس
- الصراط المستقيم وتخلف العرب المبين: الهنود الحمر نموذجًا
- ألفونصو باييخو: التقاء الكتابة والطب في البحث عن الواقع المع ...
- نصر أبو زيد الغائب الحاضر وتجار الشنطة الجدد
- شعر المنفى عند عبد الوهاب البياتي ورفائيل ألبرتي: إلتقاء وإل ...
- هوية مصر العربية بين أصالة الصفر واستلاب -الزيرو-
- إطلالة على الحضور العربي في شعر رفائيل ألبرتي
- قصة ابن السرّاج نموذج للأدب الموريسكي في إسبانيا
- حلم ربط ضفتي البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق بين الواقع السي ...
- مسرحية -رأس الشيطان- نموذجًا للتعايش في الأندلس العربية تأمل ...
- لاهوت التحرير وموقفه من الشعب: الشاعر والأب إرنستو كاردينال ...


المزيد.....




- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...
- فنانة لبنانية شهيرة تتبرع بفساتينها من أجل فقراء مصر
- بجودة عالية الدقة: تردد قناة روتانا سينما 2024 Rotana Cinema ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد سالم - من البنية إلى البلاغة في السميوطيقا البصرية