أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - النهضة والمشروع النقدي















المزيد.....

النهضة والمشروع النقدي


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4135 - 2013 / 6 / 26 - 20:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لا يمكن الحديث عن مشروع نهضوي عربي جديد دون الاستناد إلى ثلاثة عوامل أساسية، أولها إعلاء شأن الحرية، استناداً إلى حرية الفرد والمجتمع، وثانيها إعادة النظر في مفهوم الهوّية، لا سيّما العلاقة بين الهوّية الجامعة العامة الموحّدة، وبين الهوّيات الفرعية، بالاعتراف بقيم التنوّع والتعددية والتمايز والاختلاف، وثالثها الإقرار بالحقوق الإنسانية بما تتطلبه من مبادئ المساواة والمواطنة الكاملة وعدم التمييز .

ولعل الحديث عن مشروع النهضة لا ينفصل عن القراءة النقدية الأبستمولوجية، ابتداءً بالتراث ووصولاً إلى شروط التغيير، وذلك من خلال النقد العقلاني التاريخي بما فيه الديني والتأويلي التي تشمل نقد المسلّمات والفكر اليومي والسائد .

أما القراءة الثانية فتقوم على نقد الأيديولوجيا السائدة سواءً كانت دينية أو قومية أو يسارية في منطلقاتها ومرجعياتها، خصوصاً لما عفا عليه الزمن ولم يعد صالحاً .

أما القراءة الثالثة فهي قراءة تستند إلى الثقافة خصوصاً من زاوية القيم الإنسانية التي تقوم عليها، في إطار عملية التنمية الثقافية السوسيواقتصادية، بما فيها وسائل الاتصال والمعرفة الحديثة وعلاقتها بقضية العدالة الاجتماعية .

ومثل هذه القراءات تحتاج إلى مراجعة نقدية واضحة وصريحة لمشروع التغيير لمرحلة ما بعد الاستقلال، لا سيّما لنكوص العديد من أركانه، خصوصاً مع عودة العلاقات القديمة والولاءات ما قبل الدولة: الدينية والطائفية والمذهبية والعشائرية والجهوية وغيرها، تلك التي أسهمت في تبديد المشروع وتشتيت القوى القائمة عليه، بل ودفعتها باتجاه تناحري إلغائي وإقصائي .

والمسألة الثانية التي تحتاج هي الأخرى إلى إقرار، هي تراجع القوى والجماعات التي حملت لواء الحداثة والتقدم، بل وارتدادها أحياناً إلى جماعات محافظة، وتحوّلها من قوى راديكالية إلى قوى محافظة، بل إلى قوى رجعية في الكثير من الأحيان، لا سيّما عندما تسلّمت مقاليد السلطة، وتحت مبررات الدفاع عن وجودها والحفاظ على مواقعها، قمعت كل رأي معارض بما فيه حلفاؤها .

والاعتراف الثالث الذي ينبغي إعمال النقد فيه هو فشل المشروعات الثورية الخمسينية والستينية، بل وارتدادها بحيث انقلبت الثورات إلى نقيضها، إلى درجة أن البعض كفر فيها، في حين كان يمكن للتطوّر التدريجي والتراكم التاريخي والإصلاح المؤسسي الطويل الأمد، أن يؤدي إلى إنضاج عوامل التغيير من دون الحاجة إلى عمليات قيصرية وانقلابات عسكرية وأخرى مضادة وهكذا .

وإذا كانت هذه المراجعة ضرورية، لأن العديد من القوى والشخصيات الفكرية والثقافية والسياسية بدأت تقتنع بها وتميل إليها، فإنها بحاجة إلى تأصيل وحوار مجتمعي يحرّم العنف ويضع التغيير السلمي لعقد اجتماعي جديد، وهو ما فعلته بعض قوى دول أمريكا اللاتينية، التي استبدلت بشعار الثورة عبر الكفاح المسلح، شعار “الثورة من خلال صندوق الاقتراع”، خصوصاً بعد أن أصبح الارتداد على الماضي، بل وتقهقر خطط التنمية والتغيير، سمة مميّزة للثورات السابقة، والأمر لا يقتصر على المشروعات التغييرية العربية فحسب، بل إن له أبعاداً عامة، لا سيّما انهيار أنظمة أوروبا الشرقية وانحلال الكتلة الاشتراكية، بعد نهج شمولي استبدادي بالضد من الشعارات التي روّجت لها وحملتها لسنوات تبشّر فيها بالثورة والتغيير، بحيث عادت مسألة الهوّية إلى الانبعاث على نحو عكسي لما هو قائم من وحدات ظهرت قسريتها وسلطويتها على نحو واضح .

وهنا يمكن لفت الانتباه إلى أن بعض المراجعات ذهبت أبعد من ذلك حين “أثّمت” جميع محاولات التغيير، على الرغم من ضرورتها واضطرارها أحياناً، دون نسيان أخطائها وارتكاباتها وهدرها حقوق الإنسان، كما “مجّدت” الماضي بكل عيوبه ومثالبه .

المسألة الرابعة التي ينبغي الإقرار بها هي أن مشروعات الإصلاح التي رفع لواءها عدد من الروّاد مثل: رفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي ومحمد عبده وجمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي وحسين النائيني وشبلي شميل وفرح أنطون وسلامة موسى وعلي عبد الرازق وغيرهم، لاتزال تحتاج إلى مراجعة وتجديد انسجاماً مع التطور الدولي، لا سيّما في مفاهيم حقوق الإنسان، وذلك استناداً إلى بناء الدولة، أو إعادة بنائها باعتمادها على الديمقراطية والتنمية والعدالة ومبادئ المساواة، ولا يمكن الحديث عن إصلاح دون التنمية، وهذه تحتاج إلى تربية وتعليم، كما تحتاج إلى الديمقراطية، التي هي الأخرى تستوجب إقراراً من جانب الناس، وتأييداً من قوى المجتمع وتياراته المختلفة ونقاباته واتحاداته المهنية الحرّة، أي بتوفّر الإرادة السياسية للتغيير، كي يكون قاعدياً ومن خلال قناعة الناس .

لقد انتهى أو انحسر مفهوم الانقلاب المفاجئ العسكري، الثوري، الذي تقوم به نخبة فوقية بهدف تغيير المجتمع وإحقاق الحق وإقامة العدل، فالتغيير بحاجة إلى دور أساسي من جانب المجتمع وقواه وهيئاته، وإلى إشراك أوسع سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً للقوى التي تستهدفها عملية التنمية الشاملة بجميع أبعادها الإنسانية .

وقد أظهرت حركة التغيير في العالم العربي على الرغم من تأخّرها لنحو عقدين من الزمان عن الموجة العالمية التي بدأت مرحلتها الثانية في أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية في نهاية الثمانينات، أن العالم العربي غير معزول عمّا يجري في العالم وأنه جزء من أرخبيل مفتوح وليس بركة مغلقة، وأن القيم الإنسانية واحدة في ما يتعلق بكرامة الإنسان وحقوقه وحرياته، وهناك مشتركات إنسانية عامة تخص بني البشر بغض النظر عن قوميتهم ودينهم ولغتهم وجنسهم وأصلهم الاجتماعي وأفكارهم السياسية وغير ذلك .

فالحق في الحياة واجب، والحق في التعبير والتنظيم والاعتقاد والمشاركة السياسية هي حقوق أساسية تخص الإنسان أينما كان، ومثل هذه الحقوق تتعلق بالحق في العمل والسكن والتطبيب والضمان الاجتماعي والراحة والتمتع بأوقات الفراغ وكذلك بمنجزات الثقافة، مثلما هو الحق في عدم التعرّض للتعذيب وأي عمل يحطّ من كرامة الإنسان أو ينتقص منها، كما هو الحق في شخصية معنوية قانونية، بما فيها المساواة أمام القانون والحق في الجنسية والحق في التنقل والإقامة وغير ذلك من الحقوق .

وتلك أمور لها علاقة بالحداثة وما أفرزته من تطوّر، لا سيّما في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات وتكنولوجيا الإعلام والمعلومات والثورة الرقمية “الديجيتل”، خصوصاً بإقرار تنوّع واختلاف البشر وتعدد أعراقهم وأديانهم وجنسياتهم وأجناسهم وألوانهم ومستوياتهم الاجتماعية وأفكارهم السياسية .

إن التغيير الذي حصل في العديد من البلدان العربية هو جزء من تغيير عام سيصل إلى بلدان أخرى بطرق مختلفة حتى وإن انثلم أو تصدّع أو تعرّض لمحاولات الهيمنة عليه، فالماضي أصبح ماضياً، ولا يمكن إعادته بأي شكل من الأشكال، وليس بوسع الناس الذين خرجوا إلى الميادين وفرضوا التغيير إعادتهم إلى القمقم من جديد، كما لا يمكن لأحد عزل نفسه عن حركة التغيير والتحديث، خصوصاً أن أفق الحرية المجتمعية واسع، لا سيّما في ظل ارتفاع شأن الحرية الفردية، وصعود الهوّية، سواء على المستوى العام، الجماعي، أو الفردي، وذلك جزء من الحقيقة الاجتماعية الجديدة، فلم تعد الشعارات ذات الطبيعة الأيديولوجية هي التي تحرّك النخب، بل وتقودها، إنْ لم تُقد من قبلها، خارج نطاق الحرية، الضرورة، الحاجة التي لا يمكن إحداث النهضة المنشودة، والتنمية المنشودة، والعدالة المنشودة من دونها .

وإذا كان الحديث عن استراتيجيات وثوابت وطنية، فلعلّ الاستراتيجي المستمر والثابت المتواصل، هو الحرية وليس غيرها، والحرية هي غاية الإنسان، التي ينبغي أن يخضع لها كل شيء، لأنها تمثل القيمة العليا، وتلك هي التي تمثل الديناميكية الحركية، الاجتماعية والفردية التي تجسّد الهوّية ذات الأبعاد الإنسانية بمضمونها الجماعي أو الفردي، والتي مثلت الفاعلية التاريخية لحركة التغيير العربية اليوم، من دون نسيان محاولات المعاكسة والتراجع والتحدّيات التي تواجهها، والمنزلقات التي يمكن أن تُدفع إليها .



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزيوغانيفية ولعبة الكراسي
- الاختفاء القسري قضية إنسانية
- بصمات الفوضى وإرث الاحتلال
- السويد والآذان !!
- عن العدالة الانتقالية
- الدستور مليء باختلالات وألغام انفجرت بعضها وستنفجر غيرها
- عن الكرد والنجف والثقافة
- الطائفية وانعكاسات الجغرافيا السياسية
- التفكير الديني وفقه المعرفة
- حكاية الحوار العربي- الكردي
- المثقف ونقد الثورة
- -إبادة- التعليم!
- بول وولفويتز ورسائله المثيرة
- حقوق الإنسان: سلاح ذو حدين
- بغداد عاصمة الثقافة العربية!!
- الثورة ومبادرة حكم القانون
- حلبجة ورائحة التفاح
- التغيير والتنوير
- 10 سنوات على احتلال للعراق العملية السياسية على الحافة
- سلاح أميركا ضدها!


المزيد.....




- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...
- دراسة ضخمة: جينات القوة قد تحمي من الأمراض والموت المبكر


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - النهضة والمشروع النقدي