أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - حقيقة الأشياء - قصة قصيرة















المزيد.....

حقيقة الأشياء - قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4132 - 2013 / 6 / 23 - 18:42
المحور: الادب والفن
    



صباحَ كلِّ يومٍ في مثلِ ِ هذا الوقت يصادفُ وجودُهما معاً في محلِّ البقالةِ والمعلباتِ الكبيرِ و الوحيدِ من نوعهِ في الحي الشرقي، في البدايةِ لم ينتبها لتشابهِ طلبهما شراءَ قطعةٍِ من جبنةِ اللومبركر شديدِ الحرافةِ لكنّ بائعة َالأجبانِ قد لاحظت مداومتـَهما على شراءِ ذلك النوعِ الحريفِ من الجبنةِ ولاحظتْ أنهما يصلان عند نافذةِ البيع بوقتٍ متقاربٍ وهما الوحيدان اللذان لم يُغيرا طلبـَهما منذ وقتٍ طويلٍ وفي إحدى المراتِ قالتْ العاملة ُعلى سبيلِ المجاملةِ والترويج للجبنة ِ:-
_ يا لكما من شابين ذواقين فهذا النوعُ من الجبنةِ لا يطلبهُ إلا ذو ذوقٍ راقٍ ، أحس هو بإطراء مبطن وشعرت هي بشيء من التميز وبينما كانا يعالجان هذا الشعور التقتْ نظراتهما بشكل خاطف فارتسمتْ على شفتيهما شبحا ابتسامةٍ ، كان ذلك شيئا عاديا لولا تكرار ذلك في صباحات أخرى ولكن الذي جرى في هذا الصباح يختلف قليلا فقد وقفا معا أمام النافذة الزجاجية ينتظران العاملة التي كانت منشغلة بأمر ما ، توفرت لهما فرصةٌ كافيةٌ ليبتسما لبعضهما بشكل أفضل مما كان يحصل في المرات السابقة وجرى الحديث بودٍّ بالغٍ عن جبنة اللومبركر وحين أقبلت العاملة إلى النافذة الزجاجية لم يكونا قد أكملا حديثهما عن جبنة اللومبركر، دُهِشَ من سيل المعلومات التقنية والتاريخية التي تحدثت هي بها حول ذلك وعندما ناولتهما العاملة ما طلبا بوقت واحد ودفعا ما عليهما بوقت واحد استمرا يثرثران حول جبنة اللومبركر و أنواعَ أخرى من الجبنة الإيطاليةِ طويلا وهما في طريقهما إلى بيتيهما مما انتج وقائع مهمة على غرار تبادل عناوين البريد الألكتروني وماشابه وعندما وصل إلى البيت سألته والدته عن تأخره غير المألوف إذ أن محل بيع الأجبان كان قريبا فراح يشرح لوالدته الأمر ويبالغ في وصف سجايا صديقته الجديدة وإعجابه بسعة اطلاعها وعذوبة كلامها ،كان مستلقياً على الأريكة حين ارتسمت على شفتي والدته ابتسامةٍ ذات مغزى وقالت: آه يا ولدي جعلتني أتحمس لهذه الفتاة كثيرا و أتشوقُ للقائها وراحت تطلق لأمنياتها العنان ثم قالتْ: ليتكما تتفقان وليتها تكون من نصيبـِكَ وإنه لفألٍ حسن أن ترغبا بالجبنةِ ذاتها ، آه ٍ هل أرى الساعةَ التي تصحبني فيها ذات يوم لزيارة عائلتها والتحدث مع والدتها ومن الطبيعي حين ذاك أن لا نتدخل بشؤونكما ولن نضغط عليكما ولكننا بالتأكيد أنا و أمها نُسَر لو اتفقتما على الزواج نفرح لفرحكما ..آه يا ولدي أمنيتي أن يأتي اليوم الذي توجه فيه الدعوة للأقارب والأصدقاء لحضور حفل قرانكما وعند ذاك لابد أن تكون بطاقات الدعوة من النوع الفاخر، سأحثك عند ذاك على الذهاب بنفسك لتقديم بطاقة الدعوة لكل الجيران وأصدقائك الذين برَدَتْ علاقتُك بهم مؤخراً أما أنا فسأحمل بطاقت الدعوة لصديقاتي وسيرينَ مدى فرحي بزواجك ياعزيزي وفي ذلك اليوم سأرتدي أحلى فساتيني تلك التي كان يفضلها المرحوم والدك..وكأني أراكما في عصر ذلك اليوم و أنتما تبالغان قليلا في ابتساماتكما وتهشان وتبشان للجميع بسعادة واضحة على محياكما و أراك وأنت تفتح لها باب السيارة المزينة بالشرائط وإكليل الورد الذي استقر على مقدمة السيارة على شكل قلب جميل..آه يا ولدي .. واستمرت والدته بسرد تصوراتها ووصلت بعيدا ربما إلى الصباحات التي ملأها صياح الأحفاد وكركراتهم في حين غفا ابنها على الأريكة في اللحظة التي كانت تقول فيها وأراك وأنت تفتح لها باب السيارة وراح في نومٍ عميق ، تحركت السيارة في الحلم بين التهليل والتصفيق و إشارات الوداع الموقت وعبارات سعيدة أخرى وكانت هي توزع القبل على الجميع عبر تقبيل أطراف أصابعها وقذف تلك القبلات نحو الجميع بالتساوي وكان هو يحيي الجميع بحركات غاية في اللطف والكياسة وسط إعجاب الجميع، بعد ذلك وجد أنهما لوحدهما في السيارة على الطريق يتبادلان الإبتسامات ذاتها التي طالما تبادلاها في محل جبنة اللومبركر وعلى الطريق إلى البلدة التي سيقضيان فيها شهر العسل أراد أن يُبهر عروسه ويخرج عن طبيعته الهادئة فبعد إن طوى سقف السيارة الجلدي المتحرك راح يضغط على عتلة الوقود فانطلقت السيارة بسرعة جنونية واشتد تيار الهواء الذي قذف بإكليل العروس الموشى بخيوط ذهبية وورد أبيض من الدانتيلاّ بعيدا مستقرا في ترعة سقي على جانب الطريق ، راحت العروس تصرخ وهذه أول مرة يسمع فيها صراخها الهستيري وانقلاب سحنتها الهادئة الى رعب ارتسم على ملامحها وغير مظهرها الجميل بعينيه إلى ما يشبه وحشاً مستفزاً مستهجنا كل ذلك في سريرته وبينما هو منشغل بتهدئتها وتهدئة سرعة السيارة انغرز شيء ما في إطار السيارة الخلفي مما أدى إلى انفجاره بصوت فرقعة عالٍ وحين وضع قدمه على الفرامل مالت السيارة بشدة على جانب الطريق واحتكت بأغصان شجرةٍ واطئةٍ فأطاحت الأغصان بإكليل الورد الذي كان على شكل قلب وبقي متدليا بشكل مقلوب تحت الفراغ بين الغصن والأرض المعشبة وعندما توقفت السيارة راحت العروس تصرخ بوجهه وتوجه له أقذع الكلمات وهي تصرخ تبا لجبنة اللومبركر التي ورطتني معك أما هو فقد كان مذهولاً من هذا التحول في سلوكها حتى تجرأت على صفعه بشدة فاستيقظ من نومه على أثر الصفعة ووجد أن والدته قد دثرته ببلانكيت منقوش بورد أحمر، في اليوم التالي ذهب كعادته ليشتري ما يحتاجه من جبنة اللومبركر ، ابتسمت له فتحسس خده بكفه مستعيدا شعوره حين صفعته أثناء حلمه ، ابتسم لها باقتضاب وعندما وصل أمام نافذة قسم الأجبان قال للعاملة لقد مللت جبنة اللومبركر هل لي بالحصول على نوع آخر قالت البائعة وهي ترمق الفتاة بنظرةٍ ذات مغزى : إنه لمن المؤسف أن تخسر جبنة اللومبركر زبونا وسيما، بعد ذلك غادرت الفتاة المحل وحيدةً بل كانت تشعرُ أنها أكثر وحدةً من أي وقتٍ آخر بينما شغل هو نفسه بالطواف على البضاعة وفي البيت سألته أمه عن صديقته التي تحب جبنة اللومبركر فأجابها دون مبالاة : لم أرها اليوم يا أمي كما إن جبنة اللومبركر قد نفذت في محل الأجبان لذلك سأجرب نوع آخر من الجبن يا أمي وكان جوابه هذا في كل مرة تسأله فيها أمه حتى جاء اليوم الذي لم تعد تسأله أمه عنها واسترد روحه قبل تلك اللحظة التي رآها فيها أول مرة وبقيت أمه تتمنى أن ترى اليوم الذي سيجد فيه نصفه الثاني لتقر عينها به ولا زالت تنتظر.



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مطر أحمر قصة قصيرة
- طقوس - نص مدور
- الخندق الأخير - قصة قصيرة
- بان كي مون
- زمن ميّت- قصة قصيرة
- الطين
- ثلاجة الموتى- قصة قصيرة
- ليلة القبض على المدينة- قصة قصيرة
- قلبي على وطني -نص مدور
- شطرنج - قصة قصيرة
- حلول
- مقهى بوحي
- سُبل مقفلة
- جُنَّ خيطُ الريح
- أعداء المثقف أعداء الثقافة
- الأقزام- قصة قصيرة
- أنابيب فارغة-قصة قصيرة
- حكاية- قصة قصيرة
- قابيل- تهويمات
- ثمن الحرية البخس


المزيد.....




- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...
- فنانون يتدربون لحفل إيقاد شعلة أولمبياد باريس 2024
- الحبس 18 شهرا للمشرفة على الأسلحة في فيلم أليك بالدوين -راست ...
- من هي إيتيل عدنان التي يحتفل بها محرك البحث غوغل؟
- شاهد: فنانون أميركيون يرسمون لوحة في بوتشا الأوكرانية تخليدً ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - حقيقة الأشياء - قصة قصيرة