أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض ذاتية جان بول سارتر















المزيد.....

نقض ذاتية جان بول سارتر


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 4131 - 2013 / 6 / 22 - 16:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


نقض ذاتية جان بول سارتر
هيبت بافي حلبجة
في مؤلفه المعنون – الوجودية مذهب أنساني – يعرض جان بول سارتر أهم الأنتقادات التي وجهت إلى مذهب الوجودية من قبل الشيوعيين الفرنسيين ، من قبل أفراد في المجتمع الفرنسي ، ويدحضها كلها ، حسبه ، بطريقة موضوعية من خلال توضيحه لأهم مبادىء هذا المذهب .
سارتر الذي يمتاز بقوة التبصر الحاد في شجون وبواعث وخبايا الحياة ، وفي نوازع النفس البشرية ، وفي تعمقه في أدراك ( الوجودية ) ، يتمتع بثقافة عالمية عالية ذات أختصاص ، ويدرك تمام الأدراك محتوى مقولات ونظريات الفلاسفة والأدباء واالمفكرين الآخرين ، الأمر الذي يمكنه من تدارك أي نقص أو إنحراف في أي شرح بصدد أي موضوع أجتماعي ، فلسفي ، فكري كان .
مع سارتر يمكنك أن تلعب الشطرنج ، أو البينغ بونغ ، أو التنس ، أو حتى لعبة الغميضة ، أو حتى لعبة السكرابل ، فهو يترك لك الخيار أن تقول ما تشاء وتحلل كيفما أتفق ، بل أنه يحبذ الحديث في الجنس ، في التابو ، في المواقف ، في الشروط ، لكنه يعيدك إلى الموقع الذي يريد ويفرض عليك المفردات التي يود أن تستخدمها حتى لو كنت جاهلاُ في ذلك الموضوع .
ورغم أننا لسنا من أنصار هذا التقسيم ، فإن هناك الكثيرون ( ومنهم سارتر نفسه ) من يقسم الوجودية إلى تيارين ، أحدهما ألحادي ، والثاني إيماني ، الأول يمثله بأمتياز كل من جان بول سارتر ، ومارتن هيدجر ، وألبر كامو ، والثاني يجسده الكاثوليكيان ، جابرييل مارسيل ، وكارل ياسبر ، لأن هذا التقسيم لايغير شيئاُ جوهرياُ من محتوى المبدأ الفلسفي الأساسي الذي يحوم حول الوجود ومفهومه الذي هو المشكلة والمعضلة القاتلة في كل أطروحات فلاسفة الوجودية ، من التشاؤم ، الذعر والقلق ، اليأس ، التحدي ، الأختيار ، المسؤولية ، العاطفة ، الأنفعال .
ولكي ندرك محتوى الذاتية لدى جان بول سارتر لامناص من أن نعي هذه الأطروحة أولاُ: من خلال المبدأ ، كمبدأ قائم من حيث المحتوى النظري ، كمبدأ يحدد العلاقة ما بين محتويات أفكار الوجودية ، وثانياُ : من خلال علاقة الفرد بنفسه وعلاقته بالمجتمع ، وكلاهما مرتبطان أشد الأرتباط في ذهنية ، وفي منظومة سارتر ، لكننا نفصل فيما بينهما ، لرؤية الذاتية السارتيرية عارية كما هي ، كما نحن نريد من الزاوية الموضوعية وليس كما هو يريد من الزاوية الشخصانية : والمبدأ العام كما أكده سارترهو: الوجوديون عموماُ ، سواء المسيحيين أو الملحدين ، يؤمنون جميعاُ أن الوجود سابق على الماهية ، أو أن الذاتية تبدأ أولاُ .
فيما يخص الجانب الثاني ، ينتقد نافيل الوجودية على أنها مذهب ذاتي خالص ، وأنها تستند في جوهرها على الكوجيتو الديكارتي ( أنا أفكر أذن أنا موجود ) وكأن ثمة أنغلاق داخلي للفرد على نفسه ، الأمر الذي يسعى سارتر إلى تفنيده من خلال زعمه إن هذه الذاتية ذات بعدين أحدهما يتعلق بالفرد نفسه ، والثاني يمتد إلى المجتمع ، إلى علاقة الفرد بالآخرين حيث يبرز الوجه الحقيقي الفعلي للوجودية من خلال مواضيعها الأساسية ، المسؤولية ، القلق ، الأختيار .
تلك المواضيع التي حسب طبيعتها ، ووفقاُ لدلالاتها ، تضفي على المجتمع بعده الفردي ، وتضفي على الفردي بعده الذاتي ، وكأن المجتمع جوهر متحرك ( معاناة ، شقاوة ، قساوة ، كبد ) ضمن ذاتوية الفرد ، ضمن هيكلية أعظم ، وأوسع ، تخص الفرد الذي هو في الحقيقة غائب قسرياُ وبالرغم عن إرادة سارتر ، لأننا كلنا ، الفرد ، الأنسان ، سارتر ، المفاهيم ، الأبعاد ، الفلسفة ، العلوم ، نمثل ( مشروع الأنسان ) الذي قذف ( بضم القاف ) إلى الوجود ( ألأنساني ) ليحل الأنسان ومشروعه محل الإله الذي ينفي سارتر وجوده لكن لاينفي بعده الأخلاقي وتأثيره الإيجابي على المجتمعات ( سنعود إلى هذه النقطة الحرجة بمزيد من التفصيل في الحلقات القادمة ) .
وفيما يخص الجانب الأول يؤكد سارتر : لو تناولنا أياُ من الأشياء المصنوعة – الطاولة مثلاُ – نجد إن الطاولة قد صنعها حرفي ، وإن هذا الحرفي قد صاغها طبقاُ لفكرة لديه عن الطاولات .... وإن الصانع كان يعرف لأي شيء ستستخدم الطاولة وأنه صنعها طبقاُ للغاية المرجوة منها ... إذأ ماهية الطاولة ( مجموعة صفاتها وشكلها وتركيبها ) كلها سبقت وجودها ... وهكذا نجد أن فكرة الإنسان في التاريخ أسبق على حقيقته ... أي إن الماهية تسبق الوجود ...لكن الوجودية الملحدة ، والتي أمثلها أنا ( سارتر ) تعلن في وضوح وجلاء تامين ، إذا لم يكن الإله موجوداُ ، فإنه يوجد على الأقل مخلوق واحد قد وجد قبل أن تتحدد معالمه وتتبين ، وهذا المخلوق هو الإنسان ... أو أنه كما يقول هيدجر الواقع الإنساني بمعنى أن وجوده قد سبق ماهيته ... وهكذا فإن الإنسان وجد أولاُ ثم تعرف على نفسه وصنع ذاته .. إن الإنسان يوجد ثم يريد أن يكون ، ويكون ما يريد أن يكونه بعد القفزة التي يقفزها إلى الوجود ... هذا هو المبدأ الأول من مبادىء الوجودية ، وهذا ما يسميه الناس ذاتيتها .
نود هنا أن نلفت الأنتباه إلى أمر في غاية الأهمية : عندما ننتقد ذاتية سارتر فأننا لسنا من أنصار إن الماهية قد سبقت الوجود ، ولايمكن لها أن تسبقه إطلاقاُ إلا في جزئية صغيرة قد تتشابه لدى البعض مع هذا التصور ، وهذه الجزئية التي سنعود إليها بالضرورة وهي إن الكائنات الدقيقة هي صاحبة هذه الأجسام الكبيرة التي تتحرك وفق برامجها الخاصة ، ونضرب مثلاُ عاديا بات معروفاُ للجميع ، المورثات أو الجينات ، وكذلك الحيوان المنوي .
بعد هذا التوضيح ، نؤاخذ على سارتر في أطروحاته السابقة المعاني التالية :
المعنى الأول : إن من يدقق ويتمعن في بواطن الأمور لدى سارتر ، يدرك واضحاُ أنه يفترض الوجود كما لو أنه غاية نهائية مطلقة ، وهو لايفترض الوجود العام أو الموضوعي في هذا التصور ، إنما ينحصر طرحه في الوجود البشري ، وهذا بشكل عام ليس عيباُ قاتلاُ ، لو درس ( بضم الدال ) ضمن مفهوم التكامل ، أو مايسمى عادة بدورة الكمال التاريخي ( هيحل ، ماركس ، أوغست كونت ، توما الأكويني ، المذهب المسيحي ، المذهب الإسلامي ) ، إنما عندما نحشر الوجود البشري غصباُ في مرحلة معينة ( المرحلة الرأسمالية ) ونلغي المراحل الأخرى وأمكانية ولادتها فهذه هي الطامة الكبرى في التصور سيما إذا قورن ذلك بتغافل الوجود العام .
المعنى الثاني : هو يصادر الوجود العام ، أو الوجود الموضوعي ، وكأن الإنسان قد حل محل الإله في ذهنيته ، وليته حل محله حقيقة ، إنما حل محله بطريقة سخيفة ، لأن سارتر في إلحاده يتمسك بفحوى الأخلاق الإلهية ومحموديتها في السلوك البشري ، وكأن بدون تلك الوضعية أو ذلك الشرطية يخسر الأنسان وجوده الخاص ، وهذا عيب حقيقي ، بل عيب لايجوز لسارتر أن يرتكبه ، فإذا كان ألإنسان لايملك القوامة السلوكية إلا من خلال أخلاق الإله ، فكم هو سخيف هذا الإنسان ، وكم إن الواقع البشري حسب هيدجر مزيفاُ سلبياُ مائعاُ .
المعنى الثالث : لدى سارتر يبدو الكوجيتو الديكارتي ( أنا أفكر أذاُ أنا موجود ) ليس مجروحاُ فقط أو معكوساُ ، بل يغدو جزءاُ خاصاُ في تصور خاص يتجاوز مفهوم ( أنا مذعور إذاُ أنا موجود ) ليغدو ( أنا موجود إذن أنا قلق ، مذعور ، مسؤول ، مختار ) .
المعنى الرابع : أنه يلغي الشعور البشري كله لمصلحة الواقع البشري الوجودي ، ولايتردد أبداُ في حصر ذلك في الأنفعال السلبي الذي على أثره ، ربما ، وسم نافيل الوجودية بالتشاؤمية ، اليائسة ، البشعة . أو كما قالت السيدة مرسبيه إن الوجودية تتغافل عن حتى تلك البسمة البريئة على وجوه الأطفال . وهذا ما بدا واضحاُ في مؤلفات سارتر نفسه ، الأيدي القذرة ، الغثيان .
وإذا قسمنا الأنفعال السلبي إلى قسمين ، الأول : الأنفعال السلبي المقبول والمعقول ، والثاني : الأنفعال السلبي المرضي ، فإن سارتر يقذفنا في مجمل مؤلفاته بالضرورة إلى مجال الإنفعال السلبي المرضي الذي نغدو جميعاُ ، حتى سارتر نفسه ، فريسة له بل جزء منه .
نعم إن الوضع الإجتماعي والسياسي المأساويين في فرنسا كانت توحي بأطروحات من هذا الشكل ، لكن ان نطرح منظومة فكرية تستند كلها على فترة تاريخية معينة وتقتات من بواعثها وشجونها وسوداويتها ، فتلك لعمري مصيبة حادة .
المعنى الخامس : عندما يتحدث سارتر عن الواقع البشري ، مثلما فعل ألبر كامو وهيدجر وملرسيل وياسبرز وأبانيانو وباريت ، فإنه لايكترث بمفهوم التجربة البشرية ولا حتى بمحتوى الواقع البشري الطبيعي ، ولايبالي بمحتوى التطور ولا بمسألة القوانين ، وكأن مفهوم الواقع البشري لديه هو الرضوخ المطلق لمحتوى الأستسلام بعيداُ عن معطيات الكفاح ، النضال ، المشاعر النبيلة .
المعنى السادس : في الحقيقة إن الوجود البشري هو وجود كاذب لديه ، وجود واهم ، وجود يستند إلى واقع بشري مريض سلبي تماماُ ، وجود لايعرف سوى ذاتية منغلقة مدحورة . ولقد حاول سارتر أن يعتمد في بعض تصوره على فحوى التناقضات ( سنرى ذلك لاحقاٌ في مؤلفه الوجود والعدم ) إلا أنها كانت ، في أعتقادنا ، تناقضات كاذبة . ( إلى اللقاء في الحلقة التاسعة عشر ) .



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض مفهوم الذرية المنطقية لدى برتراند راسل
- نقض بسيكولوجية المعرفة لدى أرنست ماخ
- التناقض الداخلي في حكم المرتد
- رؤية نقدية في جدلية الثورة السورية
- السرعة ومفهوم المكان والزمان المكثفان
- نقض أداتية جون ديوي
- نقض فلسفة الطبيعة لدى هيجل
- برهان غليون ... درويش على باب محراب مهجور
- نقض النقض ، هل مات الإنسان ؟ الحلقة الثانية
- نقض النقض ، هل مات الأنسان ؟
- الثورة السورية والمعادلات الصعبة
- المجلس الوطني السوري ... عام من الفشل
- لماذا نلتزم بمنهجية البارتي الديمقراطي الكوردستاني
- الليبرالية .... مأساة الثورة السورية
- بقرادوني .... والخطاب القاصر
- برهان غليون ... والمفهوم الضائع
- مابين الأخضر الأبراهيمي وميشال سماحة
- الحق الكوردي .... منطقة حمراء
- خان الثعالب ...
- جيل دولوز وإشكالية مفهوم الأفهوم ..


المزيد.....




- نتنياهو لعائلات رهائن: وحده الضغط العسكري سيُعيدهم.. وسندخل ...
- مصر.. الحكومة تعتمد أضخم مشروع موازنة للسنة المالية المقبلة. ...
- تأكيد جزائري.. قرار مجلس الأمن بوقف إسرائيل للنار بغزة ملزم ...
- شاهد: ميقاتي يخلط بين نظيرته الإيطالية ومساعدة لها.. نزلت من ...
- روسيا تعثر على أدلة تورّط -قوميين أوكرانيين- في هجوم موسكو و ...
- روسيا: منفذو هجوم موسكو كانت لهم -صلات مع القوميين الأوكراني ...
- ترحيب روسي بعرض مستشار ألمانيا الأسبق لحل تفاوضي في أوكرانيا ...
- نيبينزيا ينتقد عسكرة شبه الجزيرة الكورية بمشاركة مباشرة من و ...
- لليوم السادس .. الناس يتوافدون إلى كروكوس للصلاة على أرواح ض ...
- الجيش الاسرائيلي يتخذ من شابين فلسطينيين -دروعا بشرية- قرب إ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض ذاتية جان بول سارتر