أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - تفاحة الذاكرة














المزيد.....

تفاحة الذاكرة


فيحاء السامرائي

الحوار المتمدن-العدد: 4130 - 2013 / 6 / 21 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


عند بائع حلويات ومثلجات، تقف الى جواره لاهثة مكتنزة تنّز عرقاً، تنمّ ابتسامتها وعيناها عن رغبة واحدة، الاستحواذ فحسب، تطقطق أساور ذهب رصّت على معصمها، حينما تمدّ يدها نحو علبة حلويات يشتريها لها، سرعان ما تضعها في سلتّها دون تردد:
- لا والقرآن ما أقبل، شنو هلزحمة؟ خجلتني خوية
تعود ثانية الى لعق مثلجات طلبتها بالفواكه وهي تسحب طرف عباءتها نحو رأسها جذلة.
أخته الصغرى، جميلة ونحيفة، تطلع خلفه على دراجته ويطوف معها شوارع مدينته الصغيرة، يجعلها تتقدم عليه في سباق الجري، يصطاد لها (بنت السقا) ويبتهج لضحكتها حين تدغدغها الدعسوقة ماشية على يدها، يجعلها تمسك طائرته الورقية وهو يقوم بدلها بأداء واجبات مدرسية، يتصفح معها أول كتاب تقرأه، ويخبئ عندها أوراقاً ممنوعة، تذرف دموعاً غزيرة حين يودعها الى منفاه...
في سوق مزدحمة وعراق جديد، أكداس غير مرتبة من بضاعة مستوردة صوت ينادي عن حاجة بألف دينار، نساء عابسات يقلّبن بضاعة في عربانة مكدّسة بأشياءً رخيصة، ذباب يتجمع على صينية حلوى يبيعها صبي نعسان، ناس متجهمة تسير دون قصد، توهان يسود المكان، متعبون يمعنون النظر في فاكهة وخضر مكوّمة على عربات متنقلة، يقلبون بين أيديهم ثمرة كيوي لايعجبهم شكلها، رجال ببشرة سمراء ترك عليها زمن ذكرى أخاديد، يقطعون السوق بتمهل، مرتدين دشاديش وخفافات تبرز من أقدامها أظافر طويلة غير مشذّبة، يكسو رؤوسهم شعراً فضياً، ويعتلي ذقونهم زغباً أبيضاً...
ينظر طويلا متفحصاً نفسه في المرآة، يعيد الى شعره نظامه بمزيد من (بريل كريم) ويرش عطر (ريفدور) مرة أخرى على ملابسه قبل خروجه لأصحابه الشباب عند باب دارهم، ولو يذهب الى موعد أو مكان عام، يحلق ذقنه ويكوي ملابسه ويتأكد من هيئته في المرآة مرات عديدة، أناقته تعكس شخصيته كما تعلّم من أهله وزمنه...
يتبضع أخوه معه مرتدياً بذلة رياضية فضفاضة لا تتلاءم مع سيارة حديثة أشتراها مؤخراً...سيارة آخر طراز، يهتم بنظافتها أكثر من اهتمامه بتنظيف بيته، لم يمتلك هو يوماً مثلها هناك، لأنه ببساطة لا يملك ثمنها...
يضطر للعمل ليلاً بأجور أعلى، يغمض عينيه عن رفاهية عيش، يفرح حين يوفر مالاً يرسله لأخته وأخيه في البلاد، يحمل حقيبته تشتته وقلقه وثقل أحلامه وعبء أمانيه في أعوام طويلة من التغرب، ينام عند التلفزيون والقنابل تقصف مدينته، يجمع تبرعات وينقطع عن لين عيش في أيام حصار، يخرج في تظاهرات ضد قرارات لكبار في شنّ حرب...وفي أول زيارة لبلده بعد زمن، يقبّل ثرى أرضاً فارقها...يبتسم من يجيء لاستقباله في المطار بسخرية، يخرج صوت أخيه هامزاً وهو يفتح له باب سيارته الفارهة:
- ما همّك أنت؟ لم تمرّ بفترة حصار ولم تدمن مثلنا على طعم أو حنطة سوداء ولا روائح غبار وحرائق قمامة وأصوات انفجارات، تعيش خارج جحيم الوطن، هنيئاً لك
يا أرضاً، يانخلات، يا حنياً، يا أماكن عشعشت في ذاكرة تعفنت، يا ذباب هذه البقعة المباركة من العالم، يا أخاً لايرى فيه الاّ بنكاً يسحب منه نقوداً وبقدر ما يسجب أكثر منه" زايد خير" ، يا أختاً تستغله وتضحك على غفلته وضعفه في سرّها...يا زمنَ ذاكرة فائتة وفائقة لم يعد جميلاً، يتشوّه ويغشاه سخام واقع كسيح يمتثل أمامه الآن!! لم تعد جميلاً يا زمن الذاكرة...يا حسرتي! كيف يتسرب دود دمامة وينخر حتى تفاحة للذاكرة أخذت تتعفن؟
يحمل أخيه ما اشتراه هو لهم الى سيارته الفخمة، دافعاً بكرش كالبطيخة الى الأمام...
من كان هو سابقاً؟ من هو اليوم؟
أيّ أرض هذه؟ لماذا جاء الى هنا؟
أين وجداً أضناه؟ أين حلماً ظلّ يراوده ثلاثين عاماً؟
تدخل أخته السيارة قبله بعباءتها ومنديلها وثوب أسود طويل تحجب تحته لحمها وشحمها، تنشغل بعزل مشترياتها عن حاجيات أخيها دون ان تلتفت الى وجه خائب ومندهش له...
هل هذه أخته حقاً؟



#فيحاء_السامرائي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فصل
- 1979
- جهشات الفراشات
- في الطريق
- مسرحية (ليالي عربية) بسماء ثورية
- عاتم أنوار
- سينما من اجل التغيير
- هلاوس
- المقامة الدمشقية 2-3/3
- المقامة الدمشقية
- المضطرمات في العُقد
- كل النساء جميلات
- روميو وجوليت في بغداد، مسرحية تثير الجدل
- شعارنا، لا حرامي ولا اوبامي
- آنيت هينمان...صوت يعلو على أصواتنا
- حمندي
- و...يحمل آلام القصيدة
- العودة الى الوطن
- السينما العراقية بعد 2003...رحيل وتذكر - الرحيل من بغداد
- سيدة الشرفة


المزيد.....




- أحمد عز ومحمد إمام.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وأفضل الأعم ...
- تيلور سويفت تفاجئ الجمهور بألبومها الجديد
- هتستمتع بمسلسلات و أفلام و برامج هتخليك تنبسط من أول ما تشوف ...
- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيحاء السامرائي - تفاحة الذاكرة