الفراشة والمملكة الزرقاء/ العزلة والعالم الافتراضي

أسماء بنعدادة

الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 18:02
المحور: الادب والفن
    

قراءة أستاذة علم الاجتماع أسماء بنعدادة
لرواية "مملكة الفراشة" لواسيني لعرج


الفراشة والمملكة الزرقاء/ العزلة والعالم الافتراضي


يجعل واسيني في أغلب رواياته القضايا الإنسانية في صلب القضايا السياسية حيث يجد القارئ نفسه يتابع الواحدة من خلال الأخرى، “مملكة الفراشة” أخر رواياته لا تخرج عن هذه القاعدة. رواية تكشف عن مخلفات ونتائج الحرب التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي. حرب سميت بالأهلية، وسماها واسيني في عمله الأخير حرب ضد الأهالي "حرب مربكة ومميتة وبآلاف الأقنعة" ص114. مخلفات لخصها في حالات الانتقام، الجنون، انعدام الثقة والتوجس الدائم، حالات تنتج عنها رغبة الإنسان في العزلة والانطواء والابتعاد عن العالم الخارجي، وضعيات مأساوية يرى الكاتب أنها لازالت مستشرية في النسيج المجتمعي سنوات بعد توقف آلة القتل الدموي ومؤشرات زوالها غير واضحة. تتكلم الرواية بصيغة الماضي أي فترة الحرب وتستمر في رصد الوقائع والأحداث إلى السنوات الأخيرة. فالحدث الأبرز في الرواية هو قصة حب افتراضية تعيشها البطلة ياما على صفحات الفايسبوك، واحد من أشهر مواقع التواصل الاجتماعي الحديثة العهد. يعود اكتشافه لنهاية 2006 وبدأ استعماله يتسع في 2008. وظف واسيني التواصل عبر هذا الموقع الاجتماعي كواحد من الحلول التي لجأ إليها الجيل الثالث ما بعد الحرب كمنفذ لامتصاص حالة الانطواء والابتعاد عن الآخر والعالم الخارجي. عزلة اجتماعية ونفسية وجد الكثير من الأفراد والجماعات أنفسهم مجبرين على التواجد داخلها بعد العشرية السوداء بالجزائر.
الرواية هي أجوبة مقتضبة عن أسئلة يطرحها الكاتب ويدعو قراءه إلى الانخراط في فهمها ومحاولة الإجابة عنها. ما هي الحرب الأهلية؟ لما تنشأ ومتى تتوقف؟ ما هي تداعياتها؟ وكيف يحاول كل فرد الخروج منها أو مقاومتها؟

العزلة والعالم الافتراضي
تدور أحداث الرواية حول حدثين بارزين هما:
1- حالة العزلة التي يعيشها الشعب الجزائري بعد انتهاء الحرب الأهلية.
2- التواصل عبر الفايسوك كموقع للتواصل الاجتماعي الذي يمكن أن ينحرف عن وظيفته التواصلية ليسقط مستعمليه في عالم من الأوهام(ياما) أو التلاعب(فاوست).

تراجيديا الموت أو العزلة كموت بطيء
لم تكن حالة العزلة اختيارا بقدر ما كانت قدرا محتوما و اضطرارا عاشته فئات عريضة من المجتمع الجزائري كانعكاس لوضعية اجتماعية ونفسية هشة محاطة بالتوجس والخوف وعدم الاطمئنان. هي هروب من حالة الرعب المستمرة وبحث عن ملاذ أو"خلاص" منها. فبعد توقف الحرب الفعلية، تظل الحرب النفسية قائمة تنهش دواخل الإنسان، يلزمها كما قال واسيني ثلاث عقود على الأقل، أو ثلاث أجيال لكي تنتهي. لم يتوقف القتل بعد، بل ظهر في أشكال وصيغ جديدة، تتجلى في تفاصيل حياة الناس ومعاناتهم اليومية ومحاولاتهم الخروج منها كل حسب إمكانياته الفكرية وتركيبته النفسية، وموقعه داخل المجتمع. تتعدد الحلول بتعدد وتنوع مظاهر القهر والانكسار. أسرة ياما بطلة "مملكة الفراشة" هي أسرة تنتمي إلى الطبقة المثقفة تقدم نموذجا عن أشكال المعاناة كما أشكال المقاومة. تصور الرواية كيف عاش كل فرد من أفراد الأسرة حالات الخوف والضياع والتيه العاطفي والاجتماعي وكيف عاش هذه الثنائية، المعاناة/المقاومة.

أبرز منفذ ركزت عليه الرواية هو العالم الافتراضي الذي انغمست فيه ياما الشخصية الرئيسية في الرواية، حيث وجدت فيه متنفسا للهروب من حالة الإحباط والعزلة ومسلكا للتواصل مع الآخرين والإطلال على العالم الخارجي، يتطور هذا الهروب ليتجسد في نشوء قصة حب جارفة بينها وبين كاتب جزائري مسرحي يعيش في إسبانيا وينوي العودة بعد عشر سنوات من النفي, علاقة شبيهة بحالة تورط لم تعرف كيف تنسلخ منها، علاقة حب افتراضي اعتبرته البطلة لمدة ثلاث سنوات وعشر أشهر وخمس أيام وسبع ساعات وثلاث ثوان... حبا حقيقيا علقت عليه آمالها وانتظاراتها. لكن ياما كان شيء بداخلها يضعها أمام حقيقة فاوست التي رمتها وضعيتها الهشة إلى الثقة به، فكانت تعيش حالات من الشك والغيرة من حين لآخر " ألوان أجنحتي تتطاير كلما لمع اسم فاوست أمامي. لكن هذه المرة لم يحدث شيء من ذلك أمامي، كأن الألوان والدوائر تثبت بقوة فجأة لدرجة الاستكانة. إحساسي هذه المرة كان غريبا وملتبسا وغامضا أيضا. أحبه، أنتظره. لكن بي إحساسا غريبا بأنه ينساني من حين لآخر لحساب أخريات" ص 43.
كل شخص من شخوص الرواية يشكل حالة من الاغتراب عن الذات وعن المجتمع. إلى جانب شخصيات أخرى مثل سيرين أم الخير صديقة ياما التي تنغمس في الفكر الغيبي وتنتظر لأزمتها قدرا محتوما وحلا تأتي به الملائكة، وديف الصديق الرائع الذي يموت في ظروف غامضة وغيرهم..
الفراشة ولعبة الأسماء
ياما وماريا اسمان لتوءمين هما بطلة الرواية (ياما) وأختها (ماريا). مشتقين من اسم مريم أو مارياما، الاسم الذي أحبه الأب ولم يستطع التخلي عنه فقسمه عليهما، كما أحبه واسيني فأعطاه لأغلب بطلات رواياته.
كانت ياما قارئة نهمة توزع حياتها بين الكتب والكلارينيت آلتها الموسيقية المحببة والصيدلانة. تأثرت بقراءاتها لدرجة أنها أصبحت مولعة بشخصيات من الأدب العالمي من قبيل مدام بوفاري، شهرزاد، غريغوري سامسا، كارمن، زوربا، فاوست، دون كيشوت..
غيرت ياما أسماء كل أقربائها وعلى لسانها يشرح لنا واسيني أسباب استبدالها لكل اسم على حدة، لماذا غيرت اسم الزبيرالصحابي المقاتل باسم زوربا الذي يرمز للفرح وحب الحياة، ولماذا غيرت ماريا بكوزيت، وفادي بفاوست و فريجة بفيرجي وهكذا ..
لا أحد يختار اسمه واقعيا، بينما في الأدب يختار كل كاتب أسماء شخصياته. في مملكة الفراشة، منح واسيني نفسه حرية إضافية هي استبدال الأسماء الممنوحة لشخصيات الرواية بأسماء شخصيات أدبية وفنية عالمية. لا تنحصر أهمية هذه العملية في إضفاء طابع جمالي على الرواية فحسب، بل وأعطت لأحداثها وشخوصها أبعادا رمزية إما بإضفاء طابع إنساني على حالة بعض الشخوص كفيرجي/فرجينيا وولف أو الخروج بالبعض الآخر من حالة السلب والإحالة إلى القتل كزبير/ زوربا.. كما عمل على اختيار أسماء أصلية تسمح بالدخول في هذه اللعبة من الناحية الفونتيكية/ الصوتية، بحيث تكون الاسم الأصلي والاسم المستعار من عدد متشابه من الحروف( زبير/ زوربا، فريجة/ فيرجي فادي / فاوست..) في كل اسم يضعنا واسيني أمام دواعي التغير ودلالات الاسم الجديد في علاقته بالشخصية الأصلية. لما يقترح علينا أسماء مستعارة لشخوصه يدخلنا معه في عملية بحث دائم عن أسباب التغيير واختيار أسماء مستعارة من الأدب العالمي، عملية مغرية فنيا وأدبيا تمر في جو من المتعة والرغبة في عملية كشف مدهشة. فرغم أن واسيني يقدم لنا شرحا أوليا عن أسباب تغيير كل اسم وأسباب تعويضه بالاسم الذي منحه إياه، فهو يترك للقارئ مساحة خاصة به ليجد بنفسه أسبابا أخرى مرتبطة بدرجة إدراكه لطبيعة الشخصيات الحقيقية وتركيباتها النفسية وكذا الشخصيات المستعارة وطبيعة استعابه لكينوناتها داخل نصوصها الأصلية (فرجيينيا وولف، زوربا، فاوست ومارغريت ..)
تقول ياما البطلة عن حبيبها "أنا من سماه فاوست لأني كنت مولعة بغوته ورأيت شبها غريبا بينهما أعجبته التسمية فأصابته عدواي، سماني لحظتها مارغريت، اختزلها في ماغي، لم أمانع رغم أنني لا أحب سلبيتها. "ص91

الحرب لغة الخسارات
يقدم لنا النص الكثير من المعطيات السوسيولوجية التي تساعدنا على إدراك حجم الخسارات التي لحقت بالبلاد وبالناس من جراء حرب سماها قاتلة وليس أهلية. سأكتفي ببعض الأمثلة. اظطرار الناس إلى بيع ما يمتلكونه من ذهب أو رهنه للخروج من حالات الضيق المادي، وضعية الجسر المهدم الذي يقسم المدينة إلى جزء شمالي وجزء جنوبي، وضعية التلاشي التي أصبحت توجد عليها قاعة الأوبرا التي هي في الأصل معلمة تاريخية، شخصية سيرين أم الخير والغرق في تفكير خرافي، الفساد، بيع الأعضاء والأدوية المتهالكة، البطالة،
هذه المعطيات المعبرة عن ما أصاب البلاد والناس من خراب وما تلاها من مآسي يقدمها لنا واسيني في قالب لغوي فني جمالي ينسي القارئ قسوتها وحجمها وتداعياتها ويجعله يعيشها في بعدها الإنساني الوجودي. كل قارئ قادر على قراءة انتكاساته وخيبات مجتمعه من خلال انتكاسات وخيبات ياما وأفراد أسرتها.
كما أن الرواية تقدم نفسها وأحداثها داخل غنى معرفي ممتع، في كل فصل يجد القارئ العديد من أسماء الأدباء وكتاباتهم والفنانين والموسيقيين والآلات الموسيقية واللوحات الفنية والأماكن والوقائع التاريخية مع شرح أولي في الهوامش يساعده على التعرف عليهم وإدراك أسباب الإشارة إليهم وتوظيفهم داخل النص الروائي.

شخوص الرواية، المعاناة والمقاومة
عاشت كل شخصية من شخوص الرواية أثناء وبعد الحرب الأهلية حالة من الانكسار وقد حاولت كل منها وبشكل من الأشكال أن تجرب حالة من حالات المقاومة الممكنة والمتاحة.

1 حالة الأم فريجة التي أطلقت عليها ياما اسم "فيرجي" المستعار من اسم "فرجينيا وولف" الكاتبة البريطانية التي أنهت حياتها بطريقة انتحارية غريبة. الأم امرأة متعلمة مثقفة، محبة للفن والموسيقى، نتيجة تراكم الخيبات وبعد موت الزوج ودخول ريان الابن للسجن ستدخل في حالة عزلة مخيفة تنتهي بها إلى انفصام في الشخصية قربها من حالة جنون ووهم حب الكاتب الفرنسي المشهور بوريس فان وكأنه شخص على قيد الحياة وانتحال شخصية معشوقته. الانغماس في عالم من الخيال وابتعاد شبه كلي عن العالم الواقعي، عاشت على وهم حب تنتقم من خلاله من الإحباطات المتتالية التي عاشتها وآخرها اكتشافها أو تخيلها ل"خيانة" زوجها لها مع حبيبته اليابانية قبل موته. وجدت فيرجي في خيالاتها ولوحاتها المرسومة وقراءاتها منفذا نحو عالم حاولت أن تجعله خاليا من القسوة، لكن رقعة جنونها وعزلتها اتسعت أكثر حتى انتهت بموت مفجع.
2- ماريا/كوزيت، أخت مايا التي هاجرت لمنتريال بعد أن تجمدت عواطفها اتجاه بلدها وعائلتها.

3 – زوربا/ زبير، الأب الذي أدى الثمن غاليا بسبب عدم قبوله الدخول في لعبة الفساد المستشري في قطاع الصحة وصناعة الأدوية. كان يعمل في واحد من أجود المخابر في فرنسا وألمانيا وفضل الرجوع للعمل في وطنه، بدا يشتغل في مخبر صيدلية واظطر لمغادرتها بسبب الاتجار فياأعضاء البشرية واللعب بالأدوية الفاسدة، كان مصيره القتل بشكل تراجيدي في باب بيته أمام ياما..

4 – حالة ريان حالة ماساوية ضبابية تنتهي في التيه والمصير المجهول، ريان الشاب المتعلم الطويل القامة يرمز في الرواية إلى وضعية الطبقة المتعلمة المتوسطة التي لم تنجو من الضربات الموجعة التي تلقاها أغلب الناس..
حالة مشاهد الرعب والتقتيل التي عايشها ريان أخ البطلة لما كان في الخدمة العسكرية تنخر دماغه وتمنعه من العودة لحياة طبيعية وتعمق أزمته النفسية. قسوة وظلم تركا بداخله جراحا لم تندمل أبدا. عاش خوفا مرضيا جره إلى عالم المسكنات التي طار مفعولها بسرعة، فانتقل إلى عالم المخدرات وبمجرد ما حاول الخروج والشفاء منها بالانخراط في مشروع تربية الخيول حتى حرق ملعب والصقت به تهمة قتل منافسه مربي الخيول انتهت إلى السجن والأمراض العصابية ثم التيه والضياع والمصير المجهول بعد نشوب حريق في السجن وهروب البعض من السجناء . دوامة تشبه العاصفة ن بمجرد ما تحاول الخروج من وضع مأزوم حتى يجد نفسه في وضع اشد قساوة. ريان لم تكن له قوة ياما لمواجهة أشكال الجحيم التي حلت به، فكانت نهايته ضبابية درامية مؤلمة لابعد الحدود..
5 - ثم أخيرا حالة البطلة ياما التي انغمست في تجربة حب افتراضي وهمي أضفى بعدا تراجيديا على نهاية أحداث الرواية، لكن ياما تحمل بداخلها كثير من نقاط القوة تتجلى في إحراقها لمخطوطة 777 رسالة التي رمتها بكل قوة في النار، هديتها الجميلة التي كانت تنوي تقديمها لحبيبها لحظة خروجهما من الافتراضي للواقعي. النار هنا هي عملية حرق لتلك الأوهام والإعلان عن القدرة على الاستمرار في درب الحياة.
حالة الحب الافتراضي الكاذب هي حالة يمكن أن يعيشها العديد من مستعملي هذا الموقع الاجتماعي أو مواقع مشابهة من النساء والرجال..مايا لا تشكل استثناء وليست حالة معزولة، الارتماء في علاقات وهمية افتراضية أصبحت واحدة من الظواهر الاجتماعية النفسية المصاحبة لاستعمال الفايسبوك. لكن في حالة مايا بطلة مملكة الفراشة وجدت ياما في التواصل عبر العالم الافتراضي ما هو غير متوفر في العالم الواقعي، لغة الحب، حيث تمارس اللغة سحرها اللامتناهي، هي سيدة الموقف في جعل بعض المتواصلين يحولون الأوهام إلى "حقائق" يعوضون بها ما لم يتمكنوا من تحقيقه واقعيا والشعور بالحرية وغياب الرقابة.
أشكال التواصل على الفايسبوك ظاهرة جديدة تعم أغلب المجتمعات، استطاع واسيني توظيفها كمخرج لحالة العزلة والخوف اللتين عمت المجتمع الجزائري في فترة ما بعد الحرب. وفي نفس الوقت للتعرض لواحدة من أحدث الظواهر الاجتماعية التي أفرزها الاستعمال المتزايد للفايسبوك، خاصة في المجتمعات التي تعيش نفاقا اجتماعيا وتفتقد إلى حرية التفكير والتعبير، والمجتمعات العربية واحدة منها. تعطي الحرية الممنوحة عبر التواصل الفايسبوكي وهما لذيذا للكثيرين ينساقون نحوه ويعوضون به بعض أشكال القمع والكبت الناتجين عن هيمنة ثقافة استبدادية أحادية ومنغلقة.
مثل هاته الحالات تحدث كثيرا في إطار ما أصبح يعرف بالجرائم الإلكترونية، فتقمص شخصيات واستعمال أسماء مستعارة أو أسماء شخصيات معروفة أصبحت ظاهرة في التواصل الفايسبوكي اساءت للكثيرين وأفرزت العديد من الضحايا.

مايا و المملكة الزرقاء
إذا تعاملنا مع المقاطع التي هي عبارة عن رسائل كتبت عبر الشات بين مايا وفاوست خلال أزيد من ثلاث سنوات وجداناها تختزل الكثير من الحب والعشق يجعلان القارئ يستبعد أن فاوست سيكون في النهاية شخصية وهمية.
شخصية فاوست شخصية مزدوجة، فاوست الحقيقي الذي هو الكاتب المسرحي الذي كان يحمل مبادئ ويدافع عنها، هو نفسه الذي سيقبل بمغازلة السلطة وقبول دعوتها التي تجعله في نهاية المطاف يخدم أغراضها الشخصية. ثم فادي الشخص الافتراضي الذي انتحل شخصية قريبه المسرحي ووظف معلوماته وأنشطته وكتاباته في تواصله مع ياما.
أريد الوقوف عند هذه الواقعة التي هي مستقلة عن حالة الحرب ومخلفاتها. أي ظاهرة استغلال مجال الحرية اللامحدود الذي يمنحه التواصل عبر الفايس من طرف بعض مستعمليه وممارسة أشكال متعددة من الكذب والتزييف ينجحون بواسطتها بالتوقيع بآخرين. الفايسبوك هو فضاء للتواصل الحر المفتوح على كل الاحتمالات وعلى كل التداعيات، فبقدر ما هو قادر على فتح المجال للكثيرين للتعبير بحرية عن آرائهم ومواقفهم والتواصل مع أكبر عدد من الأصدقاء، بقدر ما هو قادر على الدفع بآخرين إلى مخاطر ومنزلقات مجهولة العواقب. فقدرته العجيبة في التبليغ عن طريق الكلمة والصوت والصورة تمارس إغراءا لا يقاوم عند الكثيرين يجعلهم ضحايا وياما واحدة من هؤلاء الموجودون في كل أنحاء العالم. هي ظاهرة جديدة وجدت ونمت مع وجود وتنامي استعمال الفايسبوك، ففي 2013 وصل عدد مستعمليه إلى مليار منخرط. حتى في غياب دراسات دقيقة وأرقام حول مثل هاته الحالات، يمكننا بشكل افتراضي أن نتصور أنها ظاهرة موجودة وفي تزايد مستمر، انتحال اسماء وصور شخصيات عمومية من أسماء في عالم الأدب والفكر والسياسة والفن والرياضة ... إلخ والتواصل باسمها. أحيانا تكون بدافع الإعجاب بهؤلاء وأحيانا أخرى تكون بدافع منح المنتحلين موقعا اجتماعيا تواصليا مهما يمكنهم من جلب أكبر عدد من المهتمين والمعجبين والمحبين. فاوست يمثل حالة من هذه الحالات الأخيرة. انتحل صورة الكاتب وموقعه الأدبي وتكلم بلغة لا يتكلمها العوام من الناس برهافة إحساس وبشاعرية منمقة جعلت ياما تجد فيها ملاذا لتعويض حالات الضياع التي عاشتها فانخرطت معه في لعبة اللغة والكلمات وشجعتها على مجاراته وتصديقه رغم أن الشكوك كانت تحوم بها من حين لآخر طيلة الثلاث سنوات والنصف من التواصل الفايسبوكي الذي عاشتها كتجربة حب قوية امتدت إلى منحها الشعور بلذات متعددة. لكن ياما وبعد كل الانكسارات التي عاشتها من موت أمها ومقتل أبيها أمامها وتشرد ريان أخيها ودخول أختها التوأم في حالة من الانفرادية والبرغماتية والجفاء، ورغم خيبتها في حب علقت عليه آمالا، نلمس بداخلها قوة استثنائية وطاقة مستمرة للاستمرار في حب الحياة (قبولها دعوة الفرقة الموسيقية التي تنتمي إليها للذهاب إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في تظاهرة فنية) تستمدها من تكوينها الثقافي وحسها الفني وإيمانها بقيم الحب والتضامن التي تؤمن بها ( رغم الصعوبات المادية تبرعت بمبلغ مالي لفرقة ديبو جاز) وفي معانقة أمل جديد "لأول مرة أحس بنفسي خارج كل قيد، وأني أصبحت امرأة من مطر وكلمات وحرائق" ص501. أمل يفتحه لقاء الصدفة الجميلة مع ديادالوس المهبول... الطيب والرشيق" ص 444، الشاب الذي التقته ياما صدفة، لحظات قبل اكتشاف حقيقة فاوست. شاب له حضور واقعي يعوض مباشرة اندثار فاوست الافتراضي الوهمي.. يحملان نفس الانكسارات، يتطلعان لنفس الأحلام، ويرددان معا أغنية الحياة:
"تسرق منا الأحلام
عبثا نبحث عن سفن تقتلنا
عن رياح تعصف بنا بحواسنا بشمسنا
في بلادنا نحب الرقص أيضا
نحب التانغو كثيرا
التانغو ليس للاغنياء فقط
نشرب بيرة تانغو وننتشي
ونرقص مع الاشباح على جسر الموتى"

#أسماء_بنعدادة (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات