أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - مطر أحمر قصة قصيرة















المزيد.....

مطر أحمر قصة قصيرة


عبد الفتاح المطلبي

الحوار المتمدن-العدد: 4128 - 2013 / 6 / 19 - 02:27
المحور: الادب والفن
    


مطر أحمر
قصة قصيرة
عبد الفتاح المطلبي
تحتَ قُبّةٍ من غبارٍ تتسعُ كخيمةٍ هائلةٍ على طولِ الصحراءَ و عرضِها واصلتْ ذكور الضِبابِ في الباديةِ الوقوفَ الطويلَ متماهيةً مع الرمال المحيطةِ بها مثلَ بحر أصفرَكواحدٍ من الحلول لدرء الأخطار المحتملة وعندما أدركتها الشمسُ من خلفِ حراشفِها المسننةِ التي تُغطي ظهورَها والتي لم ترَ لها ظلاًّ بوضوح كما رأته اليومَ مما جعلها تظنّ أنها قد رأتْ مخلوقاً آخرَ بحراشفَ سود ٍ قد شذ َّ عن تلك القاعدةِ عازفاً عن مجاراة لون الصحراء فقررتْ أن تنتظرَما يبدرَ منه وبقيت طويلاً على هذا الحال وهكذا بقي ظلّها ينتظر أيضاً جرّاء انتظارها الطويل لهُ بينما إناثُ الضِباب تحرسُ بيضَها حتى الفقسِ خوفاً من شراسة ذكورها التي لا تميز بين بيضها و حصيات يهبط عليها ندى الليل فتلحسهُ في الصباح و حين يستشرسُ الجوعُ يدرك كل ساكنٍ في الصحراء أن للجوع قانونهُ الناسخ لقوانينها وقد حلّ محلها حين حط في فيافيها مادا سوطه اللاسع إلى بطونها غير عابيء ٍ بجلودها القاسية ولا بحراشفها الحجرية لذلك فهي لا تكتفي بما حباها الرب من صبرٍ على العطشِ ولا بد لها أن تواصل الحياة ولو بالتهام أبنائها ، الضِباب لا تأكل بعضها بفضل حراشفها القاسية لكنها لا تتورع عن أكل الدويبات التي خرجت للتو من بيوضها ولازالت أجسامها رطبة رغم أن صغار العضاءآت تولد مع حسها بالخطر الماثل من أقرب أقاربها لذلك ففرصتها الوحيدة تمثلتْ دائما في الهروب من وجه الآباء ذوي الحراشف القاسية المنتظرين عند فوهات الأعشاش التي غادرتها الإناث بحثا عن ذكرٍ آخر ليلتهموا أولئك الأبناء الذين لا يختلفون عن دبابات الرمال الأخرى قبل أن يمنحهم الزمن وناموس الصحراء درعا يأويهم ويردع الطامعين ، كل شيء في الصحراء يتدرع بدرع ملائم ومهارات يتطلبها البقاء لذلك كانت مخلوقات الرمل تتدرعُ دائماً بشيءٍ ما ، شجيرات العرفج بأوراقها الجلدية السميكة والعاقول بأوراقه الإبرية ، الشجيرات الصبارية بجلودها السميكة ، قطرات الندى مثل الذهب لا تحصل عليها تلك المخلوقات بسهولة و إن حصلت عليها ينبغي أن لا تفقدها بسهولة فالغيمُ لا يمر فوق الفيافي وإن فعل فهو شحيح باخلٌ لا أمل فيه ، الرجال اليابسون كما كل ما يؤثث الصحراء يتدرعون بعباءآت عربية مذهبة الحواشي فتبدو حواشيها من فوق الأكتاف وعلى الصدور مثل حراشفَ ذهبيةٍ لعضاءآتٍ عملاقة تجعل الرائي يتسائل عن مغزى أن تكون الحواشي مذهبة تبرقُ فوق أكتافهم ، وهم متيقنون أن الماء في هذه الأنحاء أغلى من الذهب ، أهي رغبة طاعنة في القِدم لاستعادة مجد ضائع أم هو بعض من مجاراة الوهم المتوطن في الصحراء الذي يجعل من الرمال غدرانَ ماءٍ عذبٍ في لحظةِ اليأس و من عمق هذا المشهد تجمع الحشد مهددا ومتوعدا السماء وغيمها لتجاهلها عطشهم أومناصبتهم العداء كما يظنون.
أدرك الرجل الثلاثيني الواقف أمام المشهد أنه عاجزٌ تماما عن الفصل بين العباءآت والحراشف فكلها تخفي عيوباً وجبَ إخفائها ،لكن إدراكه الصارم أن السماء تستعد لشيء ما ، كأن تكون قاتمة مثلا جعله يتجاهل عجزه عن التمييزغارقاً بحالةٍ من الترقب ، اليرابيع جائعة وهي في مكانها تماما تود لو أنها تستطيع أن تكون بأقصى كينونتها وذلك يتطلب رائحة شيء تشتهيه تلك اليرابيع لتباشر سلوكها الطبيعي ومهارتها في خطفِ ما ليس لها مؤثثةً المكان بالدهشةِ من سرعتها الفائقة إلا أن ذلك كله لم يكن إلا افتراضات لا غير فلم تشم اليرابيع رائحة ولا استطاعت أن تمارس سرعتها في الخطف واكتفت بلفت الإنتباه إلى سرعة حركاتها ونفاقها المستمر أمام الرائي حين طفقت تدخل من نفق إلى نفق آخر وقد حفرت أنفاقها بطريقة يصعب على المرء أن يتنبأ بمكانها الحقيقي، المتدرعون بالعباءآت العربية المذهبة ، راودتهم الأفكار ذاتها التي راودت اليرابيع والعضاءآت وذلك يبدو طبيعيا لمن يعرف الصحراء وعاداتها ففي هذا الشأن ليس من المستغرب أن تحرضك الحصاة أو الضب أو اليربوع على الفكرة ذاتها التي قدحت في رأسك ويُفهم من ذلك أن جميع الرؤوس تحت خيمة الصحراء تتجول فيها الفكرةُ ذاتها و هناك ما يستدعي ذلك، هذا ما سمعته مرارا من أدلاءَ صحراويين أفذاذٍ كانوا يحمون رؤوسَهم بعمائمَ يلفونها كيفما اتفق متذرعين بأن الأصل ليس في طريقة لف العمامةِ إنما في قدرتها على منع الشمس من الوصول إلى الرؤوس العارية على الأغلب من الشعور ، بدت العمائم التي فوق رؤوس الرجال المتدرعين بالعباءآت العربية وكأنها ألصقت على تلك الرؤوس أو أنها أكبر من مقاساتها حينَ راحت تهتز وتتمايل على أنغام خليط من الحداء و(الجوبي) يتخلل كل ذلك زخّات من الرصاص المصوب نحو السماء وعند كل زخة رصاص تهرع العضاآت واليرابيع إلى جحورها ثم يحملها فضولها السليقي على الظهور ثانيةً ، لا أحد ينظر باتجاه السماء رغم إطلاق الرصاص نحوها وتلك دربةٌ سنتها السحالي التي أدمنت الزحف على بطونها ، حشد من مخلوقات الهواء غير المرئية ربما كان يتساقط جراء زخات الرصاص الكثيف ، ربما هناك ضحايا من ملائكةٍ قد مروا من هناك مصادفةً يسقطون على رؤوس المحتشدين دون أن ينتبه لذلك أحدٌ، المحتشدون يبغون شيئا ما والسماء تحتقن في الجوانب البعيدة من الأفق تبغي ما يتعلق بها من شؤون هذا الكون الملتبس ، يتضائل الفرق بين الحقائق و الأوهام حد العجز عن التفريق بشكل أكيد بين عضاءة تنتصب فوق حجر رملي وبين رجل كالضب نافخا صدره رافضا إطلاق زفيره بحركةٍ تشبه حركة ضب مستثار ، الأناشيد تنوعت بين التغني بقطع الرؤوس وقطع الأطراف من خلاف ، ثمة خزقٍ للصدور وبقر للبطون ، الرجل الثلاثيني يفغر فاه مأخوذا بالمشهد ، الصحراء مقترة شحيحة لذلك تنتظر الضباب سقوط الندى من سماء قريبة وقت الفجر لتلحس رطوبة الحصى وهي تعلم جيدا أن السماء وحدها من يعطي ولكن بمزاجها ورغبتها لذلك فمن غير المجدي أن تطمع بأكثر من ذلك بيدَ أن المتدرعين بالعباءآت لا يملكون صبر العضاءآت فيفضحهم الغضب، لا زال لون العمائم أبيضَ مغبرّاً ،العضاءآت والسحالي تنتظر غير قلقة فهي في كل الأحوال يكفيها لحس الندى وقت الفجر، الغيم المكفهر الآتي من جهة الغرب لازال يحرضهم على الصراخ بوجه السماء وأكفهم المقبوضة ترتفع نحوها ، سأل الرجل الثلاثيني رفيقه بإلحاح لكن رفيقه لم يكن يحفلُ بأسئلتهِ، لكزهُ بمرفقه فأجابه باقتضاب: قحولة وهبوب رياح ليس إلا!
هل يستسقون المطر ؟
أجابه الجليس: نعم يا أخي يبدو أن الريح الآتية من الغرب تدفعهم إلى ذلك !
ولم عيونهم حمر مثل عيون ذئاب؟
ذلك لأنهم غاضبون ، الغيم لا يستجيب !
كيف يغضب الناس على الغيم وهو يبرق ويرعد ؟
هممم كما تقول!
ولم هم يصطفون على هذه المنصة؟
يعتقدون أنهم سيكونون أقرب إلى الغيم!
و بإشارة من أحدهم وكان مبتورَ كفٍّ رفعو أذرعهم نحو الغيم وأكفهم مقبوضة
لم أكفهم مقبوضة وعيونهم حمر؟
قلت لك الغيوم عنيدة وهم غاضبون
أمطر الغيمُ مطرا أحمرَ بعد لحظات كانت عمائمهم قد صبغها اللون الأحمر ، أكفهم حمر يقطرُ منها سائلٌ بلون الدم .
استنكر الناس أن تكون العمائمَ حمر فهم لم يعهدوا ذلك من قبل، لم يكن لذوي العمائم التي اصطبغت بلون أحمرإلا خلعها والإنسلال إلى الحشد والإختلاط به، الحشد يرفع قبضاته نحو كل الإتجاهات وحين تكونت بركة صغيرة من سائل أحمر كالدم تحت المنصة ، انفضّ الناسُ من حولها فغالب الناس يكره لون الدم . قال الرجل الثلاثيني وقد كفّ عن الأسئلة يُكلم نفسهُ: أعوام طويلة مرت ونحنُ ننتظر المطر ، بات الحديث عن المطر مجلبا للقرف ومحركا لدودة اليأس التي هجعت قليلا ، طويلا تخيلنا لحظة انهماره منا من تصور ذلك على طريقة السحر وغيرهم على طريقة السيل و آخرون على طريقة أول الغيث قطر ثم ينهمر، لكننا جميعا لم نتوقع أن ينهمر أحمرَ بلون الدم علّق أحدهم قائلاً ربما كان كذلك من كثرة الرصاص الذي أطلقناه نحو السماء، ربما قتل الكثير من السكان هناك ، من يعلم؟ فهناك الكثير من فوقنا ،اليأس يدفع المتجمهرين إلى الشرق و الريح الغربية لا زالت تدفع نحوهم بغيمٍ مطرُه أحمرَ سال من هطوله نهرٌ من دم لكن السحالي والعضاءآت لا زالت تنتظر سقوط الندى على الحصى لتلحسه في الصباح .



#عبد_الفتاح_المطلبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقوس - نص مدور
- الخندق الأخير - قصة قصيرة
- بان كي مون
- زمن ميّت- قصة قصيرة
- الطين
- ثلاجة الموتى- قصة قصيرة
- ليلة القبض على المدينة- قصة قصيرة
- قلبي على وطني -نص مدور
- شطرنج - قصة قصيرة
- حلول
- مقهى بوحي
- سُبل مقفلة
- جُنَّ خيطُ الريح
- أعداء المثقف أعداء الثقافة
- الأقزام- قصة قصيرة
- أنابيب فارغة-قصة قصيرة
- حكاية- قصة قصيرة
- قابيل- تهويمات
- ثمن الحرية البخس
- أمانٍ عاريات


المزيد.....




- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...
- فنانة لبنانية شهيرة تكشف عن خسارة منزلها وجميع أموالها التي ...
- الفنان السعودي حسن عسيري يكشف قصة المشهد -الجريء- الذي تسبب ...
- خداع عثمان.. المؤسس عثمان الحلقة 154 لاروزا كاملة مترجمة بجو ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الفتاح المطلبي - مطر أحمر قصة قصيرة