أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد ولد الفاضل - أزمة مالي وتداعياتها على منطقة الساحل والصحراء















المزيد.....


أزمة مالي وتداعياتها على منطقة الساحل والصحراء


محمد ولد الفاضل

الحوار المتمدن-العدد: 4127 - 2013 / 6 / 18 - 02:58
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


محمد ولد الفاضل
باحث في العلاقات الدولية والقانون الدولي
عنوان المقال:
أزمة مالي وتداعياتها على منطقة الساحل والصحراء
أصبحت منطقة الساحل والصحراء أمام تحديات أمنية بفعل تنامي الجماعات الإسلامية وأنشطتها المتطرفة في المنطقة التي أصبحت مسرحا لعمليات التهريب ونقطة عبور للمخدرات ومركز إيواء للخارجين على الأنظمة والفارين من العدالة .
إن كل تلك الفوضى ساهم فيها عدم استقرار المنطقة حيث أصبح أمن دولها مهددا خصوصا بعد الأنشطة المكثفة لما بات يعرف ب تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، هذا التنظيم الذي نفذ عدة عمليات ضد حكومات المنطقة وضد مصالح غربية فوق أراضيها .
إن عملية مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والصحراء مكلفة جدا خاصة بالنسبة لدول المنطقة والتي تعاني أغلبها من ضعف وعجز كبير في جميع المجالات خصوصا العسكرية منها، فالوضع في دول الساحل يبعث على القلق بسبب ما يطرحه هذا الوضع من تحديات كبيرة أمام حكومات تلك الدول كون هذه الأخيرة تعد من أكثر الدول فقرا وفشلا في العالم بسبب عدة عوامل منها تداعيات الحقبة الاستعمارية السابقة التي مرت بها وكذلك انتشار مظاهر التخلف والأمية وغياب بنية تحتية تساعد على تحسين الوضع الاقتصادي فضلا عن كونها منطقة تعرف بعدم الاستقرار السياسي وتشهد العديد من النزاعات .
-;- التحديات الأمنية في منطقة الساحل والصحراء
تواجه دول منطقة الساحل والصحراء وكذلك أوروبا تحديا أمنيا كبيرا ازداد عقب نهاية حكم العقيد الراحل معمر القذافي التي تسببت في تدفق كبير للأسلحة والمقاتلين عبر جنوب ليبيا إلى منطقة تعج بخليط من المتمردين المحليين والمهربين عابري الحدود والإسلاميين المتشددين . كانت الدبلوماسية الأوروبية والأمريكية والتعاون العسكري مع دول المنطقة قد حققت تقدما في كبح نمو المخاطر الأمنية في المنطقة، لكن ذلك يحتاج الآن إلى المزيد من التفعيل . فالمخاوف من ظهور تمرد جديد للطوارق ونمو جماعات تنظيم القاعدة المحلية في دول مالي وموريتانيا والنيجر الضعيفة تستوجب تضافر المساعدات من أوروبا وأمريكا، باجتماعات نشطة ومكثفة بين رؤساء ووزراء خارجية دول المنطقة، بالإضافة للجزائر.
يقول المحلل آندرو ما كغريغور في تقرير له إن السلطات التقليدية في كل من القبائل العربية وقبائل الطوارق في شمال مالي تواجه تحديا من قبل تنظيم القاعدة والمهربين وزعماء المتمردين، الذين يتنافسون على كسب ولاء الشباب في منطقة يعاني أهلها من فقر مدقع . ويضيف المحلل قائلا إذا اندلع تمرد آخر للطوارق في مالي، فإن قوات الأمن ستضطر لمواجهته، الأمر الذي يفتح الباب واسعا للقاعدة في شمال إفريقيا لتوسع نفوذها وقوتها على حساب الدولة المالية . والحدود سهلة الاختراق وتوفر الأسلحة ستجعل من منطقة الصحراء واحدة من أكثر النقاط الساخنة المحتملة كمصدر قلق وتحد للحكومة الانتقالية في ليبيا . إن القضايا العديدة في المنطقة وعدم الثقة المستمر بين دولها تجعل التقدم بطيئا على الأرض ويقول أليكس ثورستون في إحدى مقالاته في مدونة الساحل "ربما تدفع الموارد الجديدة والمصالح المشتركة دول الساحل إلى تعاون أوثق، لكن المفاوضات والمال ليست هي المكونات الضرورية الوحيدة في هذا الاتجاه " بالإضافة إلى حركات التمرد ذات الطابع السياسي، فإن منطقة الساحل والصحراء ـ التي ظلت لفترات طويلة تستخدم لتهريب السجائر والأسلحة والبشرـ أصبحت الآن ممرا لسلعة المخدرات من أمريكا اللاتينية إلى أوروبا، الأمر الذي يزيد من أهمية وخطورة المنطقة لكل الأطراف المعنية . ويقول آندرو ليبوفيتش في مدونة الوسط " إذا حدث عنف في الوقت الراهن أو اندلعت معارك لاحقا، فمن الواضح تماما أن التدفقات الكبيرة من الأسلحة لا يمكن أن تتسبب إلا في تفاقم الصراع في الساحل ".
-;- تداعيات الأزمة المالية على الشمال الإفريقي
تواجه المنطقة المغاربية في دوائرها الجيوسياسية المختلفة تحديات أمنية متشابكة تمثلت تاريخيا في عدد كبير من التهديدات الصعبة المتمثلة في الجريمة وتجارة وجمع أنواع السلاح وصولا إلى تنامي ظاهرة الهجرة غير الشرعية وانتشار الأمراض المختلفة، وهذه الأزمات الأمنية المهددة لمنطقة الساحل، أعادت النظر في مبادئ ومفاهيم الرؤية الأمنية الجماعية، العقيدة الأمنية المشتركة والتعاون والاعتماد المتبادل أمنيا .
إن الترابط المتنامي بين شبكات التهريب بجميع أنواعها الإرهابية يخلق فضاءات للفوضى بمنطقة الساحل والصحراء، حيث أضحى تواجد هذه المجموعات يمتد من الواجهة الأطلسية إلى القرن الإفريقي، بما يشكل تهديدا جوهريا للمنطقة برمتها، بالإضافة إلى التهديدات الإيكولوجية المرتبطة بالتصحر والتعرية الساحلية، التي تهدد الأمن الغذائي للمنطقة، وذلك في سياق الأزمة الاقتصادية العالمية غير المسبوقة . فلم يسبق للمنطقة ـ حسب بوريطة ـ أن "واجهت تحديات كبيرة في آن واحد، من قبيل عدم الاستقرار السياسي، والأزمات الإنسانية والغذائية والتحديات الإيكولوجية والبيئية فضلا عن الأزمة المالية ".
ومن ثمة فإن التجمع مطالب بالعمل بشكل جماعي من أجل مواجهة هذه التحديات . وحسب المسؤول المغربي، فإنه ينبغي على تجمع الساحل والصحراء " مواجهة الأزمات السياسية الجسيمة ورفع مختلف الرهانات الكبرى في مجال تعزيز المؤسسات، وفي أحيان أخرى، مواجهة الحركات الانفصالية التي تهدد استقرار محيطها الإقليمي برمته". لقد حان الوقت بأن يمتلك التجمع الوسائل المؤسساتية الكفيلة بجعله قادرا على مواجهة مجموع هذه التحديات، وكذا الآليات الملائمة التي تتيح تقديم أجوبة شافية، وكذا الطموح الضروري لكي تأخذ ( سين ـ صاد) مستقبلها بيدها . إن هذه التحديات يمكن أن تختلف من بلد إلى آخر أو بيئة سياسية إلى أخرى، لكنها تظل مرتبطة من الناحية البنيوية والجغرافية في ظل سياق إقليمي يتدهور ويتطور بكيفية سريعة .
إن الهدف الأساسي يكمن في جعل منطقة الساحل والصحراء فضاء سياسيا آمنا ومستقرا، وسليما من الناحية الإيكولوجية ومندمجا على المستوى الاقتصادي، أي منطقة للسلم والازدهار والتنمية البشرية والمستدامة لفائدة جميع شعوب المنطقة . ومنطقة الساحل تشكل جغرافيا منطقة حساسة بالنسبة لشمال إفريقيا ككل والدول ذات المصلحة فأي تدهور كارثي ستخيم تداعياته على جل المنطقة، وتعتبر الهجرة السرية في اتجاه أوروبا وما تتبعه من مخاطر على مناطق العبور وبلدان الوصول تعتبر من الأساسيات التي تغذي الجماعات المتطرفة في المنطقة حيث تزايدت أعداد اللاجئين والمهاجرين المنحدرين من أصول إفريقية الراغبين في العبور إلى أوروبا عبر مضيق جبل طارق وهذا يزيد من تحديات المراقبة عبر الحدود البرية والبحرية، غير أن المشاكل الحقيقية التي تعاني منها منطقة الساحل تتمثل أساسا في محاربة المجموعات الإرهابية، التي أصبحت أكثر قوة بسبب انتشار الأسلحة، حيث ضاعفت نشاطها من خلال عمليات الاختطاف المتكررة، للمواطنين الأوروبيين، تمثلت في عملية خطف الرهائن في منشأة للغاز بموقع عين أميناس بالجزائر بدأت بهجوم شنته مجموعة إسلامية مدججة بالسلاح قدمت في ثلاث سيارات واستطاعت السيطرة على رهائن جزائريين وغربيين وسط تبادل لإطلاق النار مع قوات الأمن .
وكانت فرنسا دخلت يومها السادس من التدخل في مالي في حين سمحت الجزائر للمقاتلات الفرنسية بعبور أجوائها . وقد يرد فرع القاعدة المغاربي بالقول إنه يلجأ إلى خطف الرهائن مقابل الفدية لأن ذلك يساعده على جني الأموال لشراء الأسلحة التي ستمكنه من قتال الأنظمة "المرتدة"، إلا أن الواقع يشير في الوقت عينه إلى أن الأموال صارت اليوم مصدرا جاذبا ـ ربما أكثر من المبررات الأيديولوجية ـ كي تلجأ جماعات مسلحة إلى تبرير الخطف باسم الدين . إلا أن الصورة الموجودة حاليا لنشاط جماعات الخطف توحي بأنها كلها تبدو مشغولة بنيل "حصة من كعكة" خطف الرهائن في دول الساحل . وعلى الرغم من أن الرئيس الفرنسي صرح بأن " فرنسا ليس لها أي مصالح في مالي، بل هي ببساطة تخدم السلام، وحدد أهداف العملية العسكرية هناك بوقف اعتداءات المتمردين، وتأمين العاصمة باماكو". الحفاظ على وحدة أراضي تلك البلاد، وتحرير الرهائن المحتجزين فيها، مؤكدا أن بلاده ستنهي تدخلها في مالي وستسحب قواتها من هناك بمجرد أن يعود الاستقرار والأمان لها ويصبح بها نظام سياسي راسخ، ولكن واقع الأمر يؤكد وجود مخاوف فرنسية وأوروبية من " إقامة دولة إرهابية على أبواب أوروبا وفرنسا تحكمها مجموعات تستهدفنا علنا، وعلى رأسها القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، بحسب ماصرح به وزير الدفاع الفرنسي جان إيفل ودريان .
وأكد رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بلندن فواز جرجس أن الصراع في مالي بدأ يأخذ أبعادا إقليمية ودولية ولن يبقى صراعا محليا، وأوضح أن الاختطاف هو بداية التداعيات، لأن هناك علاقة عضوية بين ما يجري في مالي ودول المنطقة. وأضاف أن العزوف الأمريكي عن التدخل في أزمة مالي يعود إلى اعتقادهم بأن تدخلا غربيا سيؤدي لنتائج عكسية وإلى عدم التنسيق الاستراتيجي بين باريس وواشنطن ولندن، لأن قراءتهم تفيد بأن هذه التنظيمات هي محلية لا أممية، ورغم ارتباطهم فكريا بتظيم القاعدة فإن إمكاناتهم وطريقة عملهم بعيدة عن التنظيم الأم .
-;- جذور التمرد وسقوط النظام
تضافرت عوامل متجمعة على تغذية وتحريك التمرد في شمال مالي وأضعفت النظام في باماكو، ويمكن إجمال تلك العوامل في ما يلي:
أولا : شهدت مالي نمطا متكررا من الانتفاضات التي قادها الطوارق ضد الحكومات في باماكو، في مواجهة ردود غير فعالة من قبل الدولة المالية، شعر الطوارق بأن باماكو أهملتهم وهمشتهم، خصوصا في أوقات الجفاف، وقد دفعتهم تلك الأوضاع ـ وهم تاريخيا بدون حل ـ إلى شن ثورات متعددة، في تسعينيات القرن التاسع عشر والعقد الأول من القرن العشرين ( في عام 1962 و1990 و2006 ) . وقد أدى عدم حل هذه المظالم التي كانت سببا في تلك الثورات إلى بقاء جذوة الصراع متقدة، فعلى سبيل المثال، ترك رد الحكومة القاسي ـ على حركة التمرد عام 1962، والذي شمل إبادة قطعان الماشية وتسميم الآبارـ ذكريات مريرة بين طوائف الطوارق. أما اتفاقيات السلام ومبادرات اللامركزية التي توصل الطرفان إليها في تسعينيات القرن العشرين وخلال العقد الأول من القرن الحالي، فإنها لم تنفذ على نحو فعال، وظلت حبرا على ورق . كما ظلت كيدال وغاو وتمبكتو، والمناطق الصحراوية المحيطة بها فقيرة وهشة، ولم تمض سنة على اتفاقيات السلام في أكتوبر 2009 التي أنهت تمرد عام 2006 حتى ضرب جفاف ماحق الشمال المالي، مما دفع وكالات الإغاثة إلى دق ناقوس خطر كارثة تلوح في الأفق، وجاء قرار تورى بتخصيص 69 مليون دولار "للبرنامج الخاص للسلام والأمن والتنمية في شمال مالي" في أغسطس 2011 متأخرا جدا وكان المبلغ المرصود ضئيلا للغاية، وبحلول أكتوبر 2011 تاريخ تأسيس MNLAوكان سخط الطوارق قد تفاقم من جديد .
ثانيا: برزت للعلن وشائج علاقة بين الناشطين في الجريمة وبين الجهاديين في شمال مالي وبعض مناطق الساحل المجاورة لها خلال فترة الرئيس تورى في السلطة، رغم أن تاريخ التهريب في منطقة الساحل يعود لقرون، فإن ثمة مشاريع إجرامية لم تكن معروفة إضافة إلى بروز بعض اللاعبين الجدد، فقد زاد نشاط تهريب الأسلحة والسجائر والبشر عبر الصحراء باتجاه شمال إفريقيا، منذ ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي فيما شهدت تجارة الكوكايين والقنب نموا خلال العقد الأول من القرن الحالي وبالتوازي مع تجارة المخدرات برزت إلى الوجود فصائل جهادية أنتجتها الحرب الأهلية التي شهدتها الجزائر المجاورة لمالي منذ العام 1992 . وفي سنة 2003، بدأت الجماعة السلفية ـ التي تأسست في الجزائر وعرفت بالجماعة السلفية للدعوة والقتال قبل أن تغير اسمها في سنة 2007 لتصبح "القاعدة في بلادي المغرب الإسلامي" بدأت في عملية خطف السياح الغربيين وعمال الإغاثة في منطقة الصحراء والساحل، وبالتوازي مع اهتمامها المتزايد بضرب أهداف في منطقة الساحل، كما كثفت جهودها لتجنيد شباب ومقاتلين موريتانيين وماليين وجزائريين ونيجيريين، وغيرهم كما خطف هذا التنظيم والجماعات المنشقة مواطنين أوروبيين وأمريكيين في الجزائر وموريتانيا والنيجر ومالي، كما ساعدت ـ في الآونة الأخيرة ـ المجموعات الإسلامية المسلحة في نيجيريا في تنفيذ عمليات خطف في شمال هذا البلد. وفضلا عن ذلك شارك هذا التنظيم وشركائه المحليون في تجارة المخدرات، ومثل الخطف من أجل الفدية وتسهيل تهريب المخدرات مصدر دخل أدر على القاعدة ما يناهز 100 مليون دولار، بالإضافة إلى مسار الخطف، هاجم التنظيم وحدات عسكرية وسفارات أجنبية في موريتانيا، ورغم صعوبة تتبع الاتجاهات الحديثة في التوجهات الدينية لمسلمي شمال مالي والمنطقة المحيطة بها، فإن من الواضح أن تضافر عوامل عدة مكن الجهاديين من تجنيد عدد صغير ولكنه بالغ الأهمية من العناصر المتشددة في منطقة الصحراء والساحل، وقد شملت تلك العوامل :
ـ الوعظ والدعاية الدينية من قبل المتشددين
ـ الإغراء بالمال وبثواب الجهاد
ـ الإحباط المتفاقم في صفوف الشباب بسبب الفقر والتهميش
ثالثا: أضعف الفساد ـ الذي تفشى خلال حكم الرئيس تورى ـ مؤسسة الدولة، وقوض الثقة الشعبية في النظام السياسي، وفتح الباب أمام ممارسة الجماعات الإجرامية والجهادية في الشمال هدامة، وقد كان تعليق الصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا منحتين إلى مالي وإنهاء الثالثة في عام 2010 دليلا واضحا على القلق المتزايد بشأن الفساد الذي كان ينخر جسم النظام المالي، وقد أكد الصندوق أن أموال المنح التي قدمها لمالي انتهى بها المطاف في جيوب المسؤولين، وقد أدت هذه الفضيحة إلى تحقيقات رسمية مع وزير الصحة، إبراهيم تورى عمر، وحوالي أربعة عشر موظفا آخر من موظفي الحكومة في العام 2011 . كما أضعف الفساد مؤسسة الجيش كذلك، وهو ما كانت له انعكاسات سلبية على شمال البلاد، إذ لم يترك سوى عدد قليل من الجنود بعد اتفاق السلام عام 2009، مما أدى إلى تزايد عمليات الاختطاف والهجمات الإرهابية في الشمال .
رابعا: فاقمت الأزمة الإقليمية المشاكل في مالي، وموريتانيا والنيجر، فالجزائر، لقد بذلت مالي جهودا معتبرة لصياغة إطار مشترك لمكافحة الإرهاب، لكن سياسات دول الجوار ظلت متباينة ومختلفة ـ رغم إنشاء مركز قيادة مشتركة في تمنراست، جنوب الجزائر في عام 2010، وعلى الرغم من عقد قمم إقليمية عديدة ـ حيث انتهجت هذه الحكومات مقاربات متباينة تجاه هذا التنظيم، فعلى سبيل المثال، سحبت الجزائر وموريتانيا سفيريهما من باماكو احتجاجا على إقدامها على التفاوض لتبادل الأسرى مع التنظيم في فبراير 2010 .
-;- السياقات الدولية والإقليمية للعملية الفرنسية
ومن الواضح أن من أهم أهداف فرنسا من هذه الحملة العسكرية في مالي حماية مصالحها في منطقة الساحل الإفريقي الغنية بالثروات، وكذلك الحد من تمدد نفوذ تنظيم القاعدة في تلك المنطقة التي تعتبر منطقة نفوذ فرنسية، بعدما كانت في الماضي محميات استعمارية لها . وتزامن انفراط عقد التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب وتعثره مع تدفق المقاتلين والأسلحة، إثر اندلاع الحرب الأهلية في ليبيا في العام 2011، وهكذا عاد الطوارق بعد أن قاتلوا من أجل الزعيم الليبي الراحل القذافي ذلك الرجل الذي تلاعب كثيرا بالسياسة في منطقة الساحل . ويرى أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر الدكتور سليم قلالة أن الهدف الأول للتدخل العسكري الفرنسي في مالي هو حماية مصالحها الاقتصادية والسياسية، مؤكدا أن فرنسا كقوة استعمارية سابقة في إفريقيا، لم تقبل أن تفقد مناطق نفوذها السابقة لصالح قوى أخرى بدأت تتغلغل إليها كالصين وإيران، لذلك رأت أن الوقت والظروف مناسبان لتدخل يحقق لها هذه الأهداف . وأكد اللواء المتقاعد عبد العزيز مجاهد، أن سبب انهيار دولة مالي يتمثل في تأثرها بعوامل داخلية وخارجية، وكذا الضغط الذي تمارسه بعض الدول الإفريقية التي تخدم المصالح الفرنسية في المنطقة والتي تعتبر أداة فعالة في يد فرنسا لتحقيق ذلك . وأثبتت التجارب في أفغانستان والعراق والصومال، أن التدخل الأجنبي يتحالف عضويا ووظيفيا مع جماعات الجريمة المنظمة، وبالتالي فإن خصوصية الجزائر تكمن في اطلاعها بمهام مكافحة الإرهاب في الداخل، ويقينها أن التدخل الأجنبي إنما يغذي الأزمات ولا يجد لها حلا . ويبدو أن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق الغربي في الصحراء الإفريقية هو ما عبر عنه عيسى نداي وزير التعليم والثقافة في مالي بقوله " إن علينا بناء عالم جديد يقوم على الحرية والعدالة والتضامن بين الشعوب، عالم يسوده السلام والتقدم الاجتماعي، ولتحقيق هذه الغاية ينبغي التخلص من المخططات الحالية ووقف الأكاذيب التي تلوث أسماعنا ليل نهار، وعوضا عن ذلك نقوم بتصميم سياسات وطنية بعيدا عن هيمنة الغرب بحيث تصبح غايتها هي الإنسان قبل البنيان". وباعتقادي أن هذه الغاية التي تنوء بحمل تبعاتها الجبال سوف تمثل تحديا حقيقيا للأجيال القادمة . أما الاعتماد على الحل العسكري وحده، حتى إن كان بدعم دولي ومشروعية ممثلة في قرار مجلس الأمن 2085 بتشكيل قوة إفريقية لوقف المتمردين، فسوف يؤدي إلى إطالة أمد الصراع وإيجاد ساحة جديدة وبيئة ملائمة للإرهاب، لن يقتصر مداها على مالي،بل سيشمل دول الجوار وساحات كثيرة في العالم وهو ما يعني أننا أمام أفغانستان جديدة لن تؤدي سوى التدمير والقتلى وزيادة اللاجئين في منطقة شاسعة لا توجد فيها حدود أو وجود للدولة .

الهوامش :
1ـ محمد مطر، الساحل والصحراء ومكافحة الإرهاب والجريمة أهم الأولويات، جريدة الأهرام اليوم 2012 .
2ـ توفيق المدني، الربيع العربي واليقظة العنيفة لمنطقة الساحل الإفريقي، الوحدة الإسلامية، العدد 128، يوليو 2012 .
3ـ إيمان أحمد عبد الحليم، عوائق التدخل الفرنسي في شمال مالي، مجلة السياسة الدولية، العدد 191، يناير 2013 .
4ـ محمد بن امحمد العلوي، مجموعة 5 +5 التحديات الأمنية والآفاق، جريدة الديار اللندنية، الأحد 1 ديسمبر 2012 .
5ـ خالد حنفي علي، أبعاد وتداعيات التدخل الفرنسي في شمال مالي، المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية، القاهرة .
6ـ عز الدين خمريس، خلفيات الموقف المغربي من أزمة مالي وتداعياته على قضية الصحراء، العدد 2036، الخميس 11 إبريل 2013 .
7ـ لحسن مقنع، الملتقى الرابع للأمن بأفريقيا يبحث في مراكش أزمة الساحل والصحراء، جريدة الشرق الأوسط، العدد 12476، الخميس 24 يناير 2013 .
8ـ صحيفة لوموند الفرنسية 22 ـ 23 نيسان 2012 .
9ـ صحيفة الحياة، 9 حزيران 2012 .
Tarik Ramadan, "Le Mali, la France et les Extrémistes", Tarik Ramdan s blog, 17/1/2013, 10-viewed 6/2/2013 http://www.tariqramadan.com/spip.php?article12693&lang=fr
11-Tanguy Berthemet, “Comment l’Aqmi a pris place dans le desert malien,” Le Figaro, 22 September 2010, http://www.lefigaro.fr/international/2010/09/22/01003-20100922ARTFIG00669-comment-l-aqmi-a-pris-place-dans-le-desert-malien.php
ـ 12- Aljazeera Centre for Studies, “French Intervention in Mali: Causes and Consequences’, 20 January 2013
ـ 13- Finian Cunningham, “Preplanned Mali Invasion reveals France s Neo-colonialistic Agenda”, January 2013, http://presstv.com/detail/2013/01/14/283503/france-invasion-of-mali-preplanned
"François Hollande à Dakar : ‘Le temps de la Françafrique est révolu ", Le Monde, 12/10/2012, viewed 20/1/2013 http://www.lemonde.fr/afrique/article/2012/10/12/hollande-exprime-sa-grande-confiance-dans-le-senegal-et-l-afrique_1774886_3212.html
Touaregs au Mali et au Niger, analyse géopolitique : articles dans l Encyclopédie universelle
• دراسة للكاتب الصحفي المختص في الحركات الإسلامية: الأستاذ محمد محمود أبو المعالي.

* تشيع كتابة الاسم "طوارق" في عدد من الدول العربية، ويُكتب في أخرى "توارق"، وبالبحث في أصل الكلمة، تشير المراجع إلى أنها التسمية التي أطلقها العرب على شعب أمازيغ الصحراء الكبرى من دون أن تحدّد هذه المراجع مصدر التسمية بصورةٍ قطعيّة، إذ هناك روايتان منتشرتان؛ إحداهما تقول إنّ التسمية تحريف لعبارة "توارك" - أي المتروكون أو التاركون - باللغة العربية، والثانية تشير إلى ارتباط التسمية بمدينة "تارقة" (تعني باللغة الأمازيغية: الساقية) في منطقة "فزّان" في جنوب ليبيا التي يُعتقد أنّ الطوارق ينحدرون منها.. ويجدر هنا أن نذكر أنّ "الطوارق" يسمّون أنفسهم "كَلْ تاماشاك" (أو "من يتكلّمون "تماشاك" وهي النطق الطوارقي لاسم لغة "تمازيغت" أي الأمازيغية).
ـ "أنصار الدين" حركة انفصالية طوارقية ذات نهج ديني سلفي، أسّسها إياد آغ غالي وهو من أبناء أسر القيادات القبلية التاريخية لقبائل الإيفوغاس الطوارقية، وكان قائد التمرّد الطوارقي في مالي في عام 1990، ولم يُعرف عنه حينها أيّ توجّهٍ إسلامي بل كان أقرب إلى الفكر اليساري القومي، وشارك في حركات التمرّد سنوات 1995 و1996 و2006. وبعد اتفاقية مع الحكومة المالية أنهت التمرد، عُيّن آغ غالي قنصلًا لمالي في جدّة في السعودية، وعاد إلى بلاده بعد ذلك وجمع حوله الكثير من الأنصار من قبيلته ومن أبناء الطوارق ممّن تشبّعوا بالفكر الجهادي بعد أن أعلن تبنّيه النهج السلفي.
ـ مع اختلاف التقديرات من مرجع إلى آخر، إلا أنّ الثابت أنّ أكبر المجموعات الإثنية في مالي عددًا هي "الماندينغ" (نحو النصف. وتضمّ قبائل وإثنيات فرعية مثل "البامبارا" و"المالنكي" و"السنونكيين") والتي تحتكر السلطة السياسية منذ الاستقلال، وبعدها "الفولان"، وهناك عدد كبير آخر من الأعراق مثل "السونغاي" و"الونينكيين" و"البوبو" و"المينيوناكا"، في حين تُجمع التقديرات على أنّ الطوارق الأمازيغ مضافًا إليهم العرب ليسوا سوى أقلّية (10% على أكثر تقدير) مثل الكثير من الأقلّيات في مالي.
ـ أجمعت القوى والنخب السياسية الفرنسية بيمينها ويسارها على الوقوف جبهة واحدة وراء الرئيس فرنسوا هولاند في القرار الذي اتّخذه بإرسال القوّات الفرنسية إلى مالي، ولم يسمع صوت معارض لهذا التدخّل باستثناء صوت النائب في الجمعية الوطنية الفرنسيّة وأحد أقطاب تيّار الأيكولوجيين، نوال مامير، الذي رأى أنّ التدخّل هو استمرار لسياسة فرنسا- أفريقيا ذات الخلفية الاستعمارية.



#محمد_ولد_الفاضل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - محمد ولد الفاضل - أزمة مالي وتداعياتها على منطقة الساحل والصحراء