أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن - ما بعد التأثيرية(فان جوخ)















المزيد.....


الفن - ما بعد التأثيرية(فان جوخ)


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4126 - 2013 / 6 / 17 - 16:25
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



بحلول عام 1886م، أصبح النقاد والكثير من الجمهور متقبلين للرسامين التأثيريين، كفنانين حقيقيين. ولم تعد لوحاتهم تبدو كأعمال ساذجة أو خام أو ناقصة.

إلا أن قطاعا من التأثيريين والفنانين الشبان الذين تبعوهم، أصبحوا يعتقدون أن التأثيريين الأوائل، لم يفعلوا ما فيه الكفاية بالنسبة للفن. لقد اهتم التأثيريون الأوائل بالضوء وتأثيره على المشاهد، وأهملوا في سبيل ذلك الكثير من القواعد والعناصر المتعارف عليها في فن الرسم.

منذ عام 1880م، كان الفنانون يقومون بدراسة الفن بطريقة منهجية. دراسة عناصره الفنية مثل، الخط، النمط (Pattern)، النموذج الشكلي(Form)، واللون. من هؤلاء، "فينسنت فان جوخ"، هولندي المولد، والفرنسي "بول جوجان".

أيضا "جورج سورا" و"بول سيزان"، كلاهما من فرنسا، إلا أن أسلوبهما كان تحليليا أكثر من الباقين. ولأن جذور فن كل هؤلاء، لا تزال تأثيرية، أصبحوا يعرفون ب "ما بعد التأثيريين". أي الذين أتوا بعد التأثيريين.

هنري دي تولوز-لوتريك (1864-1901م)، الفرنسي، هو الأقرب إلى التأثيريين. كان شديد الإعجاب بالفنان التأثيري "ديجا"، وكان يشارك التأثيريين في الاهتمام بحياة المدينة والحضر. لكن أعماله، أضافت بعدا ساخرا أو كاريكاتيريا للفن التأثيري.

لعيب في جيناته أوقف نموه، وأصابه بشلل جزئي، أصبح تولوز-لوتريك، شبه منبوذ من المجتمع الراقي، الذي كان يشفع له اسمه دخوله. لكنه، بدلا من ذلك، أصبح عضوا دائما في عالم باريس الليلي، القريب من قاع المدينة.

رواد الحانات والسكارى والبلطجية والمومسات والخارجين عن القانون، إلخ. موضوعاته مستوحاة من موسيقى الحانات الرخيصة والمقاهي وبيوت الدعارة.

مولان روج.
http://cms.eabsinthe.net/wp-content/uploads/Toulouse-Lautrec-At-Moulin-Rouge-1892.jpg

في لوحة "مولان روج"، يظهر التأثر بالفنان التأثيري "ديجا"، وبفن الرسم الياباني، وكذلك بانحرافات الصور الفوتوغرافية الناتجة عن استخدام البعد البؤري للعدسة غير المناسب. فقد كان تولوز-لوتريك يضخم هذه العناصر في لوحته، لكي تأتي بالتأثير المطلوب.

قارن هذه اللوحة، بلوحة "رينوار" التي تصور الجو الطبيعي لتجمع الباريسيين بعنوان "لو مولان دي لا جاليه"، والتي تحدثنا عنها في المقال السابق.
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/2/21/Pierre-Auguste_Renoir%2C_Le_Moulin_de_la_Galette.jpg

في لوحة تولوز-لوتريك، المشهد يصور حياة الليل، أضواء صناعية صارخة، موسيقى صاخبة، قسوة، تشكيلة مفاسد وخطايا، ووجوه تشبه الأقنعة.

هو نفسه موجود في خلفية اللوحة، يقف بجوار ابن عمه طويل القامة. الألوان الفاقعة والخطوط الواضحة الخارجية للأشكال، تزيد تأثيرها في عقل المشاهد.

الأسلوب الذي اتبعه "جورج سورا" (1851-1891م) في لوحاته، هو أيضا أسلوب لا يختلف عن الفن التأثيري، بالرغب من كونه أسلوبا مميزا. لقد استخدم طريقة منضبطة مضنية في الرسم تركز على تحليل الألوان.

أسلوبه معروف بالتنقيطية (Pointillism). يقوم بتصوير الضوء وانعكاساته باستعمال لطخات صغيرة متضادة الألوان. أي أنه يحلل الضوء إلى مكوناته الأصلية.

أبدع سورا في استعمال هذه الطريقة بتوليفاتها الضخمة، ولطخات الألون الصافية المنفصلة عن بعضها، والتي يصعب على المشاهد فهمها، إن لم ينظر إلى اللوحة من على بعد كاف.

خلط الأصباغ لا يتم قبل الرسم، ولكن يأتي عن طريق وضع نقط من الألوان بجوار بعضها البعض على الكنفا نفسها. مثال ذلك، يمكن خلط اللون الأزرق باللون الأصفر لكي نحصل على اللون الأخضر على لوحة الألوان. أو وضع نقط من اللون الأزرق بجوار نقط من اللون الأصفر على الكنفا، فيراها المشاهد من مسافة مناسبة لون أخضر.

أسلوب التنقيطية، ظهر في المعرض الثامن والأخير للتأثيريين عام 1886م، عندما عرض سورا لوحته، "يوم أحد على جزيرة لاجراند جات".
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/7/7d/A_Sunday_on_La_Grande_Jatte%2C_Georges_Seurat%2C_1884.jpg

اختار سورا موضعا ترفيهيا تأثيريا، وهو هنا يشارك التأثيريين في تحليله للضوء والألوان. لكنه يستخدم التنقيطية (الرسم بالنقط)، بعناية وحسابات دقيقة لرسم الأشكال.

يستخدم التكرار لخلق نماذج مسطحة توحي بالمساحات والعمق. إذا تأملت اللوحة سوف تكتشف أن لها عمق أو بعد ثالث. الأشكال مرتبة بعناية حتى تبدو كأنها تماثيل منحوته، وليست مرسومة.

أشعة الشمس تملأ اللوحة، الأشكال تمثل رتم وإيقاع بديع. يقول سورا: "هم يرون لوحة شعرية، أما أنا فلم أقم إلا بتطبيق أسلوبي، وهذا كل ما في الأمر."

في القرن التاسع عشر، تقدمت علوم فيزياء وكيمياء الألوان تقدما عظيما. وتفرعت العلوم إلى دراسة عين الإنسان ودرجة تأثرها بالضوء بموجاته مختلفة الطول والشدة.

قام بعض العلماء بدراسة تأثير الألوان السيكولوجي على الإنسان (مستشفي المجانين يطلى باللون الأصفر لأسباب سيكلوجية). لا شك أن هذه المعارف الجديدة، ساعدت سورا في تطوير أسلوبه.

فمثلا، وجد أن الألوان الرئيسية ثلاثة، هي: الأحمر، الأصفر، الأزرق. الألوان الثانوية ثلاثة أيضا، هي: البرتقالي، البنفسجي، الأخضر. والألوان المكملة لبعضها هي: (الأحمر والأخضر)، (الأصفر والبنفسجي)، (الأزرق والبرتقالي).

وضع الألوان جنبا إلى جنب يؤثر في العين ودرجة احساسها بكل لون. على سبيل المثال، لو وضعنا لون أخضر فاتح، بجوار لون أخضر غامق، لظهر اللون الفاتح أفتح، والغامق أغمق.

كما أنه لو ظل شخص ما يبحلق لمدة في لون ما، وليكن الأخضر مثلا، ثم نظر إلى مساحة بيضاء، العين المجهدة سوف ترى اللون المكمل، وهو الأحمر في هذه الحالة. حاول تجربة هذه المعلومة بنفسك.

على النقض من سورا، قام فينسنت فان جوخ (1853-1890م)، باستكشاف قدرة الألوان والأشكال المشوهة في لوحاته، على التعبير عن عواطفه في مواجهة الحياة.

لم ينجح فان جوخ إلا في بيع لوحة واحدة من أعماله في حياته. منذ وفاته وإلى اليوم، أخذ فنه وسمعته والإعجاب بعبقريته في الازدياد المطرد وبشكل كبير.

الفنانون الذين أتوا من بعده، "الفوفية" أو الفن الوحشي، والفنانون التأثيريون الألمان، بنوا تعبيراتهم واستخدامهم للألوان على فن "فان جوخ".

مثل هذا التأثير هو الذي يحدد أهمية الفنان. ولن نبالغ عندما نقول، إن "فان جوخ" اليوم، يعتبر، من أكثر الفنانين تقديرا واحتراما في تاريخ الفن كله. لهذا سوف استعرض قصة حياته باختصار، وهي قصة فريدة مثل فنه الفريد.

ولد فينسنت فان جوخ في جروت زندرت بهولندا عام 1853م. ابن قس بروتستانتي هولندي. التحق بمدرسة داخلية في زيفينبيرجين لمدة سنتين، ثم التحق بمدرسة الملك ويليم الثاني الثانوية في تيلبيرج لمدة سنتين أخريين.

كانت عائلة "فان جوخ"، تعمل بتجارة الفن. أمضي أخوه الأصغر "ثيو فان جوخ حياته" كتاجر فني، يعرف الكثير عن فن الرسم. لذلك، كان له تأثير كبير علي فينسنت الفنان.

في عام 1869م، عندما بلغ السادسة عشرة من عمره، التحق بمؤسسة جووبيل وسي، وهي شركة لتجارة الفن في لاهاي. بدأ فان جوخ يتعرف على عالم الفن، وينحاز لبعض الأعمال ولبعض الفنانين.

بقي فان جوخ مع مؤسسة "جووبيل وسي" سبع سنوات. في عام 1873م، نقل إلي فرع الشركة في لندن، وبقى هناك مدة سنتين.

خلال تلك الفترة، زار العديد من المعارض الفنية والمتاحف، وأصبح معجباً كثيراً بالكتاب البريطانيين أمثال جورج إليوت وتشارلز ديكينز. كان فان جوخ أيضاً معجباً بالنقاشين البريطانيين. أعمالهم ألهمت وأثرت في حياة فان جوخ الفنية اللاحقة.

أحب الفتاة أرسيولا، عندما طلبها للزواج، هزأت به وصدته في خشونة شديدة. مما جعله يصاب بما يشبه الهوس الديني. وبدأ يتكلم عن تجارة الفن باعتبارها سرقة منظمة. وكان يتشاجر مع الزبائن الذين يشترون أردأ اللوحات بأغلى الأسعار.

مما جعل الشركة تنقله إلي باريس. هناك تدهورت حالته النفسية، وأصيب بالاكتئاب. عندما علم على أنه على وشك الفصل من الوظيفة، قدم استقالته عازماً علي تكريس حياته للخدمة الدينية.

بعد فترة قصيرة، قرر أن يعمل مبشرا بين عمال المناجم والفلاحين في إحدي قري بلجيكا. هناك لاحظ الجحيم الذي يعيش فيه عمال المناجم. (قصة إميل زولا الرائعة، "جيرمينال"، تصور بؤس الطبقة العاملة وعمال المناجم في فرنسا في ذلك الوقت.)

حاول فان جوخ مساعدة العمال، استأجر لهم علي نفقته بيتا، للعلاج والتعلم. عندما حدثت كارثة انفجار أحد المناجم، هم فان جوخ إلي مداواة المصابين، وعايش المرضى بالتيفود. كان يتبرع لهم بملابسه وأغطيته. مما أثر في مظهره وجعله يعاني من البرد والجوع والهزال والحمى.

في غمرة هذا البؤس، كان يقف فان جوخ وسط العمال، وهو يلف جسده بالخيش. مما زاد من تعلق هؤلاء العمال به، حتي طردته السلطات الدينية قبل أن يمر عام واحد علي تسلمه لهذا العمل.

زادت أزمته النفسية، وكان يشعر بالفشل في كل ما أسند إليه من أعمال، بجانب فشله في حبه. لكنه قرر ألا يستسلم. كتب لأخيه ثيو ليقول له: سوف أنهض وأتناول من جديد فرشتي وأعود للرسم.

منذ ذلك الحين، آمن ثيو بأخيه فان جوخ، وأعطاه الفرصة لكي يخرج أعظم أعماله الفنية. لم ينقطع ثيو طيلة السنوات العشر التالية عن المعونة المالية لأخيه، وتشجيعه ومساعدته بكل استطاعته.

ببلوغ فان جوخ السابعة والعشرين من عمره، التحق بأكاديمية الفنون في مدينة انفري حيث بدأ حياته في عالم الألوان. استهل فان جوخ، الذي ينتمي لمدرسة ما بعد التأثيرية، رسوماته بتصوير مشاهد حزينة من الحياة الريفية الهولندية.

عكف فان جوخ علي رسم الفلاحين الهولنديين، وعمال المناجم والبؤساء. وهي المرحلة الهولندية، (1854-1855م). من هذه اللوحات، "آكلي البطاطس" عام 1885م. http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/b/b1/Van-willem-vincent-gogh-die-kartoffelesser-03850.jpg

كتب فان جوخ كمًا هائلا من الرسائل والخواطر إلي شقيقه (ثيو). التي جُمعت في كتاب من ثلاثة أجزاء. أخبرتنا الكثير عن فنه ونفسه.

بعد ذلك، ذهب لكي يعيش مع أخيه ثيو في باريس، الذي سعد كثيراً بصحبتة. كذلك سعد بحياته الجديدة في باريس. انعكس ذلك على ألوانه، التي أصبحت زاهية براقة. تعرف خلال هذه الفترة علي عدد من الفنانين الشبان، منهم: تولوز-لوتريك و بول جو جان .وتأثر أيضا بالرسوم اليابانية.

استمرت إقامة فان جوخ الأخيرة في باريس مدة عامين، إلي أن قرر فجأة في فبراير عام 1888م، السفر إلي بلدة أرل بمقاطعة بروفانس في جنوب فرنسا، حيث الشمس الساطعة طوال النهار والألوان المتوهجة.
http://uploads2.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/the-langlois-bridge-1888.jpg


عكف خلال العامين التاليين علي الرسم في سعادة و حماس لدرجة أن لوحاته في تلك الفترة تشع حيوية في ألوانها وأشكلها. مع انه كان يرسم بأسلوب لمسات الفرشاة المتعددة الألوان، إلا أن لمساته في تلك الفترة كانت أعرض وأقوي.

شرح طريقته في خطاب لأخيه يقول فيه: انني بدلاً من محاولة نقل الطبيعة بأمانة، استخدمت الألوان بحريه ودون تقيد، من أجل التعبير عن نفسي تعبيراً قوياً .

بعد الإنتقال إلى جنوب فرنسا عام 1888م، رسم فان جوخ لوحة "قهوة ليلية". بالرغم من أن الموضوع بسيط، إلا أن فان جوخ رسمه بطاقة متدفقة. في خطاب له لأخيه ثيو، قال فان جوخ، أنه يريد أن يدل الرسم على مناخ متعارض رافض.
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/5/5e/Vincent_Willem_van_Gogh_076.jpg

القهوة، مكان يذهب إليه الإنسان، كما يقول فان جوخ، لكي: إما ليدمر نفسه، أو لكي يصاب بالجنون، أو لكي يقترف جريمة. صاحب المقهى يقف كالشبح بجوار حافة طاولة البلياردو، التي تدل أبعادها على عمق الصالة. جنون المكان يدل عليه جنون الألوان. الفاقعة، المتجاورة، والتي تشعر بحدتها ولهيبها.

يقول فان جوخ وهو يصف هذه اللوحة: "أنا أحاول وصف مشاعر الإنسان المرعبة باللونين الأحمر والأخضر. الصالة حمراء بلون الدم، اللون الأصفر الداكن والأخضر، يصبغان طاولة البلياردو في الوسط.

هناك أربعة مصابيح ترسل الضوء البرتقالي والأخضر. أينما تذهب تجد تصادم وتعارض بين الأحمر والأخضر في الأشكال الهمجية، في المساحة الشبه خالية، في الصالة الكئيبة، في اللونين البنفسجي والأزرق.

الأحمر الدموي والأصفر المخضر لطاولة البلياردو، يتعارضان مع الأثاث الأخضر في المواجهة، الذي توضع عليه باقة زهور وردية اللون. المعطف الأبيض لصاحب المقهى، تحول إلى اللون الأصفر أو الأخضر الباهت."

لوحة أخرى تبين أسلوب فان جوخ في الرسم، هي لوحة "ليلة مضيئة بالنجوم". رسمها قبل وفاته بعام واحد. عندما كان لاجئا في سانت ريمي.
http://uploads2.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/the-starry-night-1889%281%29.jpg

فان جوخ، لم يصور لنا النجوم كما يراها المشاهد العادي. لكنه يشرح لنا احساسه بهذا الكون الفسيح والفضاء الرهيب. الكون ملئ
بالدوامات والنجوم المتفجرة وبلايين المجرات والنجوم. الأرض والناس تبدو أقزام تحتها.

الكنيسة في مركز القرية أسفل اللوحة، تبين لنا موقفه من الدين. أشجار السرو، هي نفسها التي تظهر من نافذة فان جوخ في "سانت بول دي موسول". اللون الأزرق الداكن الذي يصبخ اللوحة كلها يدل على هدوء النفس. لكن، ضربات الفرشة المضطربة تدل على شئ من الاكتئاب. هذه بعض لوحته المشهورة.

المنزل الأصفر، عام 1888م،
http://www.parisprovencevangogh.com/wp-content/uploads/2010/09/Van_Gogh_Yellow_House.jpg

حقل قمح به غربان، عام 1890م. لاحظ الطريق المسدود وسط حقول القمح. التي تذكرنا بأغنية عبد الحليم حافظ (طريقك مسدود مسدود ياولدي).
http://upload.wikimedia.org/wikipedia/commons/f/f8/A_Vincent_Van_Gogh.jpg


خلال حياته القصيرة، كتب العديد من الخطابات لأخيه ثيو، تاجر اللوحات الفنية، يناقش فيها أمورا دنيوية وفلسفية، تعكس حياته المتقلبة. تبين وجهة نظره الفنية.

في أحد الخطابات، قال فان جوخ: "في حياتي وفي أعمالي الفنية، قد لا أحتاج إلى عون الرب، لكنني لا أستطيع ذلك، عندما أريد التغلب على قوة الخلق التي لا تطاوعني وتعصي أمري". قوة الخلق التي يعنيها فان جوخ، هي قوة التعبير بالألوان.

"بدلا من محاولة تقليد الألوان الطبيعية كما أراها، أنا أستخدم الألوان للتعبير عما يدور في نفسي بقوة". فان جوخ هنا يستكشف قدرة الألوان وتشويه الأشكال على التعبير عن إحساسه الداخلي. السمك والشكل واتجاه ضربات فرشة الألوان، تخلق نظير آخر لقوة ألوان في التعبير.

هو دائما يحرك فرشته إلى الأمام وإلى الخلف، أو بزاوية قائمة، حتى يحصل على سطح يماثل النسيج. يضغط النقاط أو الخطوط مباشرة من أنابيب الألوان. ضربات الفرشة الجسورة التي تشبه الطرطشة، تحسن من شدة الألوان وقوتها.

في هذه المرحلة دعا "بول جوجان" إلى الإقامة معه وهو يحلم بإنشاء رابطة للفنانين. إلا أن هذه لم تكن فكرة صائبة. فهما شخصيتان مختلفتان.

جاء جوجان وجاءت معه المتاعب. احتدم الخلاف في الرأي بينهما بسبب جدوى إنشاء الرابطة. واتسع والصخب والضجيج الذي يثيره جوجان، مما أدى إلي توتر أعصاب فان جوخ، الذي كان في أمس الحاجة للراحة والسكينة.

رحل جوجان تاركاً فان جوخ، يعاني من حالة الهياج الجنوني التي أصبحت تعاوده من حين لآخر. في أحد النوبات، قام بقطع أذنه، وأرسلها إلى محبوبته، دلالة على أنها لا يغلى عليها شئ.

بالطبع يمكننا تخيل مقدار الهلع الذي أصاب المحبوبة عندما وصلتها الرسالة. إنها فقط كانت تداعبه عندما طلبت أذنه. لم تكن تتصور أن المسكين سوف يلبي طلبها بصدق وأمانة.
http://uploads7.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/self-portrait-with-bandaged-ear-1889-1.jpg

نقله أخوه ثيو إلى مستشفى للأمراض العقلية بالقرب من أرل. مكث هناك عام، سمح له خلاله بالرسم. لوحاته في هذه المرحلة، تعكس شيئا من عنف نوبات الصرع التي كان يتعرض لها.

عندما نجح أخوه في بيع إحدي لوحاته بمبلغ 400 فرنك، ساعد هذا المبلغ على نقله إلى مصحة خاصة قرب باريس. يشرف عليها طبيب يدعى دكتور جاشيت. هو من هواة الفن، أمضى أوقاتاً طويلة في صحبته. لكن نوبات الصرع راحت تتوالى بانتظام. زادت حدة الإكتئاب وسئم فان جوخ الحياة.

دكتور بول جاشيت.
http://uploads0.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/dr-paul-gachet-1890%281%29.jpg

في مساء يوم الأحد الموافق 27 يوليو 1890م، أخذ فينسنت فان جوخ مسدساً وأطلق علي صدره رصاصة. رغم إصابته، استطاع العودة إلي داره، قبل أن ينهار علي السرير.

مات فينسنت فان جوخ، من تداعيات تلوث الجرح، يوم 29 يوليو 1890م. في سن لم يتجاوز السابعة والثلاثين من عمره، رسم أكثر من 700 لوحة، وحوالي 1000 اسكتش.

كتب فان جوخ إلى أخيه ثيو قبل أن يموت يقول: "ربما لا يكون الموت هو أصعب الأشياء في حياة الفنان. عندما أنظر إلى النجوم، أشعر دائما بأنني أحلم.

أسأل نفسي، لماذا لا تكون هذه النقط المضيئة في السماء، مثل النقط السوداء التي تمثل مدنا على الخريطة. كما أنني أستطيع أن آخذ القطار إلى "تاراسكون" أو إلى "روين"، أستطيع عن طريق الموت، أن أصل إلى هذه النجوم."

مات فان جوخ لكي يحي العالم ذكراه وكتابة اسمه في سجل الخالدين. ظل نكرة في حياته، لم يكن أحد يعرف شيئا عن فنه فيما عدا أخوه ثيو.

الفنان الذي كان يعيش أياما بأكملها علي رغيف خبز واحد، والذي مات معدما هزيلا مهووسا، كتب اسمه في سجل الخالدين، وأصبحت لوحاته لا تقدر بملايين الدولارات. هذه بعض لوحات فان جوخ.

رجل يحرث وامرأة تزرع البطاطس.
http://uploads3.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/ploughman-with-woman-planting-potatoes-1884.jpg

حطابون وقت سقوط الثلج.
http://uploads0.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/wood-gatherers-in-the-snow-1884.jpg

شارع يطل على مونتمارتر.
http://uploads0.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/belvedere-overlooking-montmartre-1886%281%29.jpg

زوج أحذية.
http://uploads1.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/a-pair-of-shoes-1887%281%29.jpg

فان جوخ.
http://uploads5.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/self-portrait-with-felt-hat.jpg

شرفة قهوة.
http://uploads1.wikipaintings.org/images/vincent-van-gogh/cafe-terrace-place-du-forum-arles-1888%281%29.jpg

ولحديث الفن والفنانين بقية، فإلى اللقاء إن شاء الله.
[email protected]



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفن التأثيري
- الفن الفرنسي – القرن 19
- الفن الفرنسي – القرن 18
- الفن الفرنسي – البداية
- الإخوان وحكم مصر
- الفن الإنجليزي – القرن 19
- الفن الإنجليزي – كونستابل - تيرنر
- الفن الإنجليزي – جينزبورو
- الفن الإنجليزي – رينولدز
- الفن الألماني – هانس هولباين
- الفن الألماني – دورير
- الفن الهولندي – العصر الذهبي
- الفن الهولندي – رامبرانت
- الفن الفلمنكي – فان دايك
- الفن الفلمنكي – روبينز
- الفن الفلمنكي – فان آيك
- الفن الإسباني – موريللو
- الفن الإسباني – فيلازكويز
- الفن الأسباني – عمارة الأندلس
- الفن الإيطالي – رسامو البندقية


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - الفن - ما بعد التأثيرية(فان جوخ)