أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - (كتاب الحج ب 6 ف 4)قبيل مذبحة كربلاء:مراسلة الكوفيين الحسين وقتل مسلم بن عقيل















المزيد.....



(كتاب الحج ب 6 ف 4)قبيل مذبحة كربلاء:مراسلة الكوفيين الحسين وقتل مسلم بن عقيل


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 4125 - 2013 / 6 / 16 - 20:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب السادس :مذبحة كربلاء وإنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل الرابع : قبيل مذبحة كربلاء : مراسلة الكوفيين الحسين وقتل مسلم بن عقيل

مقدمة : تقول الرواية عن ارسال مسلم بن عقيل للكوفة ( :‏ وكان مخرج ابن عقيل بالكوفة لثماني ليال مضين من ذي الحجة سنة ستين وقيل‏:‏ لتسع مضين منه ) . أى حدث هذا فى الشهر الحرام . وهو موضوعنا ، عن الانتهاك فى الأشهر الحرم . ننقل الأحداث التاريخية برواياتها بالترتيب مع تلخيص لها :
1 ـ بعض شيعة الكوفة يراسلون الحسين ليأتى اليهم ، ويقولون إنهم يقاطعون الأمير الأموى ، وأنه لو جاءهم فسيطردون ذلك الأمير . تقول الرواية :( ولما بلغ أهل الكوفة موت معاوية وامتناع الحسين وابن عمر وابن الزبير عن البيعة أرجفوا بيزيد واجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي فذكروا مسير الحسين إلى مكة وكتبوا إليه عن نفر منهم‏:‏ سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وحبيب بن مظاهر وغيرهم‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم سلامٌ عليك فإننا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها وغصبها فيئها وتأمر عليها بغير رضىً منها ثم قتل خيارها واستبقى شرارها وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها فبعدت له كما بعدت ثمود وأنه ليس علينا إمام فاقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. والنعمان بن بشير في قصر الإمارة ، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد . ولو بلغنا إقبالك إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام " ) ( وسيروا الكتاب مع عبد الله بن سبع الهمداني وعبد الله بن والٍ . ثم كتبوا إليه كتابًا آخر وسيروه بعد ليلتين . فكتب الناس معه نحوًا من مائة وخمسين صحيفة . ثم أرسلوا إليه رسولًا ثالثًا يحثونه على المسير إليهم . ثم كتب إليه شبث بن ربعي وحجار بن أبجر ويزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد ابن عمير التميمي بذلك‏.‏ )
2 ـ الحسين يردّ عليهم بأنه سيبعث اليهم ابن عمه مسلم بن عقيل ليستكشف الأمر بنفسه، تقول الرواية :( فكتب إليهم الحسين عند اجتماع الكتب عنده‏:‏ أما بعد فقد فهمت كل الذي اقتصصتم . وقد بعثت إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم . فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملإكم وذوي الحجى منكم على مثل ما قدمت به رسلكم أقدم إليكم وشيكًا إن شاء الله. ‏.‏ ) .
3 ـ ثم أرسل الحسين إبن عمه مسلم الى الكوفة ، فدخلها مسلم واجتمع به شيعة الكوفة ووعدوه بالنصرة ، تقول الرواية :(‏ ثم دعا الحسين مسلم بن عقيل فسيره نحو الكوفة ، وأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين له عجل إليه بذلك‏.‏ ).. ( فسار مسلم حتى أتى الكوفة ، ونزل في دار المختار وقيل غيرها ، وأقبلت الشيعة تختلف إليه( أى تزوره )، فكلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ عليهم كتاب الحسين فيبكون ويعدونه من أنفسهم القتال والنصرة . واختلفت إليه الشيعة حتى علم بمكانه .) .
4 ـ أمير الكوفة الأموى يعظهم ويحذّرهم رافضا أن يواجههم بالسلاح ، وأنصار الأمويين عارضوه ثم طلبوا من الخليفة يزيد عزله يتهمونه بالضعف ، تقول الرواية : ( وبلغ ذلك النعمان بن بشير وهو أمير الكوفة، فصعد المنبر فقال‏:‏ " أما بعد فلا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة ، فإن فيهما تهلك الرجال وتسفك الدماء وتُغصب الأموال‏.‏ ". وكان حليمًا ناسكًا يحب العافية ثم قال‏:‏ " إني لا أقاتل من لم يقاتلني ، ولا أثب على من لا يثب علي . ولا أنبه نائمكم ، ولا أتحرش بكم ، ولا آخذ بالقرف ولا الظنة ولا التهمة ، ولكنكم إن أبديتم صفحتكم ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم فوالله الذي لا إله غيره لأضربنكم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ولو لم يكن لي منكم ناصر ولا معين . أما إني أرجو أن يكون من يعرف الحق منكم أكثر ممن يرديه الباطل‏.‏" فقام إليه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي حليف بني أمية فقال‏:‏ إنه لا يصلح ما ترى إلا الغشم . إن هذا الذي أنت عليه رأي المستضعفين‏.‏ " . فقال‏:‏ " أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إلي من أن أكون من الأعزين في معصية الله‏.‏ " . ونزل‏.‏ فكتب عبد الله بن مسلم إلى يزيد يخبره بقدوم مسلم بن عقيل الكوفة، ومبايعة الناس له. ويقول له‏:‏ " إن كان لك في الكوفة حاجة فابعث إليها رجلًا قويًا ، ينفّذ أمرك ويعمل مثل عملك في عدوك ، فإن النعمان رجل ضعيف أو هو يتضعف‏.‏ ". وكان هو أول من كتب إليه ، ثم كتب إليه عمارة بن الوليد بن عقبة وعمرو بن سعد بن أبي وقاص بنحو ذلك‏.‏ )
5 ـ يزيد يعزله ويعيّن عبيد الله بن زياد ابن أبيه والي البصرة واليا على الكوفة أيضا، ويأمره بقتل مسلم بن عقيل ، تقول الرواية : ( فلما اجتمعت الكتب عند يزيد دعا سرجون مولى معاوية ، فأقرأه الكتب، واستشاره فيمن يوليه الكوفة .) فأشار عليه بتولية عبيد الله بن زياد بن أبيه . ( فأخذ برأيه ، وجمع الكوفة والبصرة لعبيد الله ، وكتب إليه بعهده ، وسيّره إليه مع مسلم بن عمرو الباهلي والد قتيبة ،فأمره بطلب مسلم بن عقيل وبقتله أو نفيه‏.‏ فلما وصل كتابه إلى عبيد الله أمر بالتجهز ليبرز من الغد‏.‏ )
6 ـ وكان الحسين قد بعث برسالة الى زعماء أهل البصرة يدعوهم الى نُصرته ، فخافوا الرد عليه ، وأحدهم بعث بالرسالة الى الوالى عبيد الله بن زياد ، فقتل ابن زياد رسول الحسين وهدّد أهل البصرة بأشد العقاب لو تحركوا ضده وهو غائب عنهم فى الكوفة ، تقول الرواية : ( وكان الحسين قد كتب إلى أهل البصرة نسخةً واحدة إلى الأشراف، فكتب إلى مالك بن مسمع البكري والأحنف بن قيس والمنذر بن الجارود ومسعود بن عمرو وقيس بن الهيثم وعمر بن عبيد الله بن معمر يدعوهم إلى كتاب الله وسنة رسوله وأن السنة قد ماتت والبدعة قد أحييت، فكلهم كتموا كتابه إلا المنذر بن الجارود ، فإنه خاف أن يكون دسيسًا من ابن زياد. فأتاه بالرسول والكتاب ، فضرب ( ابن زياد ) عنق الرسول وخطب الناس وقال‏:‏ " أما بعد، فوالله ما بي تقرن الصعبة وما يقعقع لي بالشنان ، وإني لنكلٌ لمن عاداني وسلمٌ لمن حاربني ..يا أهل البصرة إن أمير المؤمنين قد ولاني الكوفة ، وأنا غادٍ إليها بالغداة ، وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد ، فإياكم والخلاف والإرجاف . فوالله لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنه وعريفه ووليه ، ولآخذن الأدنى بالأقصى ، حتى تستقيموا ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق . وإني أنا ابن زياد أشبهته من بين من وطىء الحصى فلم ينتزعني شبه خال ولا ابن عم‏.‏ ". )
7 ـ وسافر عبيد الله بن زياد للكوفة ومعه 500 من أتباعه ، فتفرقوا عنه فى الطريق يحاولون تعطيله حتى يصل الحسين للكوفة قبله ، ولكنه سبق ، ودخل الكوفة وحيدا ، متنكرا ، وكان أهل الكوفة يظنونه الحسين ، ودخل دار الامارة وقابل الأمير المعزول ، والذى كان يظن أيضا أنه الحسين ، فكشف له ابن زياد عن شخصيته ، وتولى مكانه واليا ، تقول الرواية : ( ثم خرج من البصرة .. وقيل‏:‏ كان معه خمسمائة فتساقطوا عنه .... ورجوا أن ..يسبقه الحسين إلى الكوفة ، فلم يقف على أحد منهم حتى دخل الكوفة وحده ، فجعل يمر بالمجالس فلا يشكّون أنه الحسين ، فيقولون‏:‏ مرحبًا بك يا ابن رسول الله‏!‏ وهو لا يكلمهم . وخرج إليه الناس من دورهم فساءه ما رأى منهم . وسمع النعمان ، فأغلق عليه الباب، وهو لا يشك أنه الحسين . وانتهى إليه عبيد الله ومعه الخلق يصيحون فقال له النعمان‏:‏ أنشدك الله ألا تنحيت عني‏!‏ فوالله ما أنا بمسلم إليك أمانتي وما لي في قتالك من حاجة‏!‏ فدنا منه عبيد الله وقال له‏:‏ افتح لا فتحت - فسمعها إنسان خلفه فرجع إلى الناس وقال لهم‏:‏ إنه ابن مرجانة‏.‏ ففتح له النعمان فدخل ، وأغلقوا الباب . وتفرق الناس . ) ..
8 ـ ابن زياد يعلن سياسته لأهل الكوفة بالاحسان للمطيع منهم والقسوة مع المعارضة ، تقول الرواية :( وأصبح ، ..فجلس على المنبر ..وخطبهم .. فقال‏:‏ " أما بعد ، فإن أمير المؤمنين ولّاني مصركم وثغركم وفيئكم ، وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم ، وبالشدة على مريبكم وعاصيكم .وأنا متبع فيكم أمره ومنفذٌ فيكم عهده ، فأنا لمحسنكم كالوالد البر ولمطيعكم كالأخ الشقيق، وسيفي وسوطي على من ترك أمري وخالف عهدي . فليبق امرؤ على نفسه‏.‏ ". ).
9 ـ ابن زياد يأمر أعوانه بتسجيل أى غريب قدم للكوفة ، وأى مشبوه وأى متهم بأنه من الخوارج ( الحرورية ) وأن يضمن كل منهم المنطقة التى هو مسئول عنها ، ويهدد بصلب من يتوانى منهم فى أداء مهمته ، تقول الرواية : ( ثم نزل فأخذ العرفاء والناس أخذًا شديدًا . وقال‏:‏ اكتبوا إلي الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ، ومن فيكم من الحرورية وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق ، فمن كتبهم إلي فبرئ ومن لم يكتب لنا أحدًا فليضمن لنا ما في عرافته أن لا يخالفنا فيهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغٍ فمن لم يفعل فبرئت منه الذمة وحلال لنا دمه وماله . وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحدٌ لم يرفعه إلينا صلب على باب داره..".. .‏ ثم نزل‏.‏ ).
10 ـ مسلم بن عقيل يستجير بهانىء بن عروة شيخ عشيرة بنى مراد ، فيُجيره هانىء مُضطرا ، وتصبح دار هانىء ملتقى الشيعة الراغبين فى مقابلة مسلم ، تقول الرواية : ( وسمع مسلم بمقالة عبيد الله فخرج من دار المختار ، وأتى دار هانئ ابن عروة المرادي، فدخل بابه ، واستدعى هانئًا فخرج إليه، فلما رآه كره مكانه . فقال له مسلم‏:‏ " أتيتك لتجيرني وتضيفني‏.‏ "!. فقال له هانئ ‏:‏ لقد كلفتني شططًا ولولا دخولك داري لأحببت أن تنصرف عني ،غير أنه يأخذني من ذلك ذمام ادخل‏.‏ " فآواه ، فاختلفت الشيعة إليه في دار هانئ ‏.‏ ).
11 ـ ابن زياد يرسل جاسوسا ويزرعه فى دار هانىء ليعرف أخبار مسلم وأنصاره ، تقول الرواية : ( ودعا ابن زياد مولى له ، وأعطاه ثلاثة آلاف درهم ، وقال له‏:‏ "اطلب مسلم ابن عقيل وأصحابه ، والقهم ، وأعطهم هذا المال ، وأعلمههم أنك منهم واعلم أخبارهم‏.‏ ". ففعل ذلك . وأتى مسلم بن عوسجة الأسدي بالمسجد فسمع الناس يقولون‏:‏ هذا يبايع للحسين وهو يصلي فلما فرغ من صلاته قال له‏:‏ " يا عبد الله إني امرؤ من أهل الشام أنعم الله علي بحب أهل هذا البيت وهذه ثلاثة آلاف درهم أردت بها لقاء رجل منهم بلغني أنه قدم الكوفة يبايع لابن بنت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد سمعت نفرًا يقولون إنك تعلم أمر هذا البيت وإني أتيتك لتقبض المال وتدخلني على صاحبك أبايعه وإن شئت أخذت بيعتي له قبل لقائي إياه‏." ‏ فقال‏:‏ " لقد سرني لقاؤك إياي لتنال الذي تحب وينصر الله بك أهل بيت نبيه، وقد ساءني معرفة الناس هذا الأمر مني قبل أن يتم مخافة هذا الطاغية وسطوته‏".‏ فأخذ بيعته والمواثيق المعظمة ليناصحن وليكتمن واختلف إليه أيامًا( أى قابله ) ليدخله على مسلم بن عقيل‏.. .. ثم إن مولى ابن زياد الذي دسه بالمال اختلف إلى مسلم بن عوسجة .. فأدخله على مسلم بن عقيل ، فأخذ بيعته وقبض ماله ، وجعل يختلف إليهم ( اى يزورهم ) ويعلم أسرارهم وينقلها إلى ابن زياد‏.‏ ).
12 ـ ابن زياد يستدعى هانىء بن عروة ، تقول الرواية : ( وكان هانئ قد انقطع عن عبيد الله بعذر المرض ، فدعا عبيد الله محمد بن الأشعث واسماء بن خارجة .. فسألهم عن هانئ وانقطاعه فقالوا‏:‏ إنه مريض‏.‏فقال‏:‏ بلغني أنه يجلس على باب داره ، وقد برأ ، فالقوه فمروه أن لا يدع ما عليه في ذلك‏.‏ فأتوه فقالوا له‏:‏ إن الأمير قد سأل عنك وقال‏:‏ لو أعلم أنه شاك لعدته ، وقد بلغه أنك تجلس على باب دارك وقد استبطأك . والجفاء لا يحتمله السلطان. أقسمنا عليك لو ركبت معنا‏.‏ ". فلبس ثيابه وركب معهم‏.‏ فلما دنا من القصر أحست نفسه بالشر ، فقال لحسان بن أسماء بن خارجة‏:‏" يا ابن أخي إني لهذا الرجل لخائفٌ فما ترى ؟ " فقال‏:‏ " ما أتخوف عليك شيئًا ، فلا تجعل على نفسك سبيلًا .")‏.‏
13 ـ ابن زياد يحقّق مع هانىء ويواجهه بالجاسوس ويثبت أن مسلم بن عقيل فى داره ، ويأمره ابن زياد بتسليم مسلم بن عقيل فيرفض هانىء فيقوم ابن زياد بضربه وتعذيبه ، وتقلق قبيلة مذحج على حياة هانىء ، فيأتى بعضهم الى خارج القصر ليطمئن على هانىء ، فيأمر عبيد الله بن زياد القاضى شريح فيخرج اليهم ويطمئنهم بأن هانىء بخير ، فانصرفوا وتركوا هانىء فريسة فى يد عبيد الله بن زياد ، تقول الرواية : ( فدخل القوم على ابن زياد وهانئ معهم، فلما رآه ابن زياد .. قال ..‏:‏ "أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد"... فقال هانئ ‏:‏ "وما ذاك ؟ "فقال‏:‏ " يا هانئ ما هذه الأمور التي تربص في دارك لأمير المؤمنين والمسلمين؟ ‏!‏ جئت بمسلم فأدخلته دارك وجمعت له السلاح والرجال وظننت أن ذلك يخفى علي‏!‏ ". قال‏:‏ "ما فعلت‏.‏".قال‏:‏ "بلى‏.‏ ". وطال بينهما النزاع فدعا ابن زياد مولاه ، ذاك العين ، فجاء حتى وقف بين يديه . فقال‏:‏ أتعرف هذا ؟ قال‏:‏ نعم .وعلم هانئ أنه كان عينًا عليهم فسقط في يده ساعة . ثم راجعته نفسه قال‏:‏ " اسمع مني وصدقني ، فوالله لا أكذبك. والله ما دعوته ولا علمت بشيء من أمره حتى رأيته جالسًا على بابي يسألني النزول علي، فاستحييت من رده ولزمني من ذلك ذمام فأدخلته داري وضُفته وقد كان من أمره الذي بلغك ، فإن شئت أعطيتك الآن موثقًا تطمئن به ورهينةً تكون في يدك حتى أنطلق وأخرجه من داري وأعود إليك‏.‏ ".فقال‏:‏ لا والله‏.‏ لا تفارقني أبدًا حتى تأتيني به‏.‏" قال‏:‏ "لا آتيك بضيفي تقتله أبدًا‏.‏ ". فلما كثر الكلام قام مسلم بن عمرو الباهلي وليس بالكوفة شامي ولا بصري غيره فقال‏( لابن زياد ):‏ " خلني وإياه حتى أكلمه لما رأى من لجاجه." وأخذ هانئًا ، وخلا به ناحية من ابن زياد ، بحيث يراهما فقال له‏:‏ " يا هانئ أنشدك الله أن تقتل نفسك وتدخل البلاء على قومك‏!‏ إن هذا الرجل ( مسلم بن عقيل ) ابن عم القوم ( يعنى بنى أمية ) وليسوا بقاتليه ولا ضائريه ، فادفعه إليه فليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة إنما تدفعه إلى السلطان‏!‏ " ) قال( هانىء ) ‏:‏ " بلى ، والله إن علي في ذلك خزيًا وعارًا . لا أدفع ضيفي وأنا صحيح شديد الساعد كثير الأعوان . والله لو كنت واحدًا ليس لي ناصر لم أدفعه حتى أموت دونه‏.‏ ". فسمع ابن زياد ذلك فقال‏:‏ "أدنوه مني‏.‏ ". فأدنوه منه‏.‏ فقال‏:‏" والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك‏!‏ " قال‏:‏ "إذن والله تكثر البارقة حول دارك‏!‏ ". وهو يرى أن عشيرته ستمنعه‏.‏ فقال‏:‏ "أبالبارقة تخوفني‏.؟"‏. وقيل إن هانئًا لما رأى ذلك الرجل الذي كان عينًا لعبيد الله علم أنه قد أخبره الخبر فقال‏:‏ " أيها الأمير قد كان الذي بلغك ولن أضيع يدك عندي وأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت‏.‏" . فأطرق عبيد الله عند ذلك ، ومهران قائم على رأسه وفي يده معكزة فقال ( مهران يخاطب الأمير يحرضه على هانىء )‏:‏ " واذلاه‏!‏ هذا الحائك يؤمّنك في سلطانك‏!‏ " فقال (ابن زياد لمهران )‏:‏ "خذه." ، فأخذ مهران ضفيرتي هانئ ، وأخذ عبيد الله القضيب، ولم يزل يضرب أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسيل الدماء على ثيابه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته حتى كسر القضيب ، وضرب هانئ يده إلى قائم سيف شرطي وجبذه فمنع منه ، فقال له عبيد الله‏:‏ "أحروري؟ أحللت بنفسك وحل لنا قتلك‏!‏ ". ثم أمر به فألقي في بيت وأغلق عليه‏.‏ فقام إليه أسماء بن خارجة فقال‏:‏" أرسله يا غادر‏!‏ أمرتنا أن نجيئك بالرجل فلما أتيناك به هشمت وجهه وسيلت دماءه وزعمت أنك تقتله‏.‏ ". فأمر به عبيد الله فلهز وتعتع ، ثم تُرك . ( أى ضربوه ضربا شديدا ثم تركوه ) وبلغ عمرو بن الحجاج أن هانئًا قد قتل ، فأقبل في مذحج ( قبيلة مذحج ) حتى أحاطوا بالقصر ونادى‏:‏ "أنا عمرو بن الحجاج ، هذه فرسان مذحج ووجوهها ، لم نخلع طاعة ولم نفارق جماعةً‏.‏ ". فقال عبيد الله لشريح القاضي وكان حاضرًا‏:‏ " ادخل على صاحبهم ( أى هانىء ) فانظر إليه ثم اخرج إليهم فأعلمهم أنه حي‏.‏". ففعل شريح ، فلما دخل عليه ، قال له هانئ ‏:‏ " يا للمسلمين‏!‏ أهلكت عشيرتي.! أين أهل الدين؟ أين أهل النصر؟ أيخلونني وعدوهم وابن عدوهم‏!‏ "وسمع ( هانىء ) الضجة فقال‏:‏ يا شريح إني لأظنها أصوات مذحج وشيعتي من المسلمين ، إنه إن دخل علي عشرة نفر أنقذوني‏.‏" فخرج شريح ومعه عين ( جاسوس ) أرسله ابن زياد، قال شريح‏:‏ " لولا مكان العين لأبلغتهم قول هانئ ‏" .‏فلما خرج شريح إليهم قال‏:‏ "قد نظرت إلى صاحبكم وإنه حي لم يقتل‏." ‏ فقال عمرو وأصحابه‏:‏ " فأما إذ لم يقتل فالحمد لله‏!‏ " ثم انصرفوا‏.‏ )
14 ـ وبلغ مسلم ما حدث لهانىء ، فنادى أصحابه للحرب لانقاذ هانىء ، واعدّ جيشا لقتال عبيد الله بن زياد ، وحاصر بهم قصر الإمارة الذى تحصّن فيه ابن زياد، واتصل ابن زياد برءوس القبائل المتحالفين معه ، وأمرهم بالتحريض ضد مسلم بن عقيل، كما دعا من معه فى القصر من رءوس القبائل بأن يعلنوا من شرفات القصر بالترهيب والترغيب حتى ينفض عن مسلم أنصاره . وفعلا ما لبث أن تفرّق عن مسلم أنصاره ،وصار وحيدا !!. تقول الرواية : (وأتى الخبر مسلم بن عقيل فنادى في أصحابه‏:‏ يا منصور أمت‏!‏ وكان شعارهم وكان قد بايعه ثمانية عشر ألفًا وحوله في الدور أربعة آلاف فاجتمع إليه ناس كثير فعقد مسلم لعبد الله بن عزير الكندي على ربع كندة وقال‏:‏ سر أمامي وعقد لمسلم بن عوسجة الأسدي على ربع مذحج وأسد وعقد لأبي ثمامة الصائدي على ربع تميم وهمدان وعقد لعباس بن جعدة الجدلي على ربع المدينة وأقبل نحو القصر‏.‏ فلما بلغ ابن زياد إقباله تحرز في القصر وأغلق الباب وأحاط مسلم بالقصر وامتلأ المسجد والسوق من الناس وما زالوا يجتمعون حتى المساء وضاق بعبيد الله أمره وليس معه في القصر إلا ثلاثون رجلًا من الشرط وعشرون رجلًا من الأشراف وأهل بيته ومواليه وأقبل أشراف الناس يأتون ابن زياد من قبل الباب الذي يلي دار الروميين والناس يسبون ابن زياد وأباه‏.‏ فدعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج فيسير ويخذل الناس عن ابن عقيل ويخوفهم وأمر محمد بن الأشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاءه من الناس وقال مثل ذلك للقعقاع بن شور الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر العجلي وشمر بن ذي الجوشن الضبابي وترك وجوه الناس عنده استئناسًا بهم لقلة من معه‏.‏ وخرج أولئك النفر يخذلون الناس وأمر عبيد الله من عنده من الأشراف أن يشرفوا على الناس من القصر فيمنوا أهل الطاعة ويخوفوا أهل المعصية ففعلوا فلما سمع الناس مقالة أشرافهم أخذوا يتفرقون حتى إن المرأة تأتي ابنها وأخاها وتقول‏:‏ انصرف الناس يكفونك ويفعل الرجل مثل ذلك فما زالوا يتفرقون حتى بقي ابن عقيل في المسجد في ثلاثين رجلًا‏.‏ )
15 ـ واصبح مسلم بن عقيل يسير فى شوارع الكوفة خائفا يترقّب .!! ، وذهب الى مساكن قبيلة كنده ، يظن أنهم سينصرونه لأن زعيمهم محمد بن أشعث بن قيس من كبار الشيعة ، ولم يكن يعرف أنه أصبح عميلا لابن زياد ، فاستجار مسلم بامرأة من كندة، فأجارته وآوته ، ، تقول الرواية عن حال مسلم بن عقيل : ( فلما رأى ذلك خرج متوجهًا نحو أبواب كندة ، فلما خرج إلى الباب لم يبق معه أحد ، فمضى في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب ، فانتهى إلى باب امرأة من كندة يقال لها طوعة ، أم ولد كانت للأشعث وأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالًا . وكان بلال قد خرج مع الناس، وهي تنتظره ، فسلم عليها ابن عقيل وطلب الماء فسقته ، فجلس، فقالت له‏:‏ " يا عبد الله ألم تشرب ؟ "قال‏:‏ " بلى" ‏.‏قالت‏:‏ "فاذهب إلى أهلك . " فسكت . فقالت له ثلاثًا فلم يبرح . فقالت‏:‏ " سبحان الله‏!‏ إني لا أحل لك الجلوس على بابي‏.‏ " ، فقال لها‏:‏ " ليس لي في هذا المصر منزل ولا عشيرة ، فهل لك إلى أجر ومعروف ، ولعلي أكافئك به بعد اليوم ؟ " قالت‏:‏" وما ذاك ؟" قال‏:‏" أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغرّوني‏.‏"!. قالت‏:‏" ادخل".‏ فأدخلته بيتًا في دارها وعرضت عليه العشاء فلم يتعش‏.‏ وجاء ابنها ، فرآها تكثر الدخول في ذلك البيت فقال لها‏:‏ "إن لك لشأنًا في ذلك البيت‏.‏"، وسألها فلم تخبره ، فألحّ عليها فأخبرته ،واستكتمته ،وأخذت عليه الأيمان بذلك فسكت‏.‏ ).
16 ـ بعد أن تأكّد ابن زياد من تفرّق أنصار مسلم بن عقيل عنه جمع قادة شرطته وجنده فى المسجد ونادى فى الناس بالحضور فيه ، وأمرهم بالطاعة وهددهم إن عصوا ، وأمر الشرطة بتفتيش بيوت الكوفة وجعل جائزة لمن يأتيه بمسلم بن عقيل ، وخاف ابن السيدة التى أوت مسلم بن عقيل ، فأفشى السّر لعبد الرحمن ابن محمد بن الأشعث فأوصل الخبر الى ابيه محمد بن الأشعث فأوصله الى ابن زياد . فجعل ابن زياد محمد بن الأشعث ( الكندى ممثلا لقبائل قحطان اليمنية ) قائد الحملة المكلفة باعتقال مسلم بن عقيل وجعل معه أحد زعماء قبيلة قيس المُضرية فى الكوفة ليكون هناك توازن بين قبائل (مُضر ) وقبائل ( قحطان ). تقول الرواية : ( وأما ابن زياد فلما لم يسمع الأصوات قال لأصحابه‏:‏ انظروا هل ترون منهم أحدًا فنظروا فلم يروا أحدًا فنزل إلى المسجد قبيل العتمة وأجلس أصحابه حول المنبر وأمر فنودي‏:‏ ألا برئت الذمة من رجل من الشرط والعرفاء والمناكب والمقاتلة صلى العتمة إلا في المسجد‏.‏ فامتلأ المسجد فصلى بالناس ثم قام فحمد الله ثم قال‏:‏ أما بعد فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق فبرئت الذمة من رجل وجدناه في داره ومن أتانا به فله ديته‏.‏ وأمرهم بالطاعة ولزومها وأمر الحصين بن تميم أن يمسك أبواب السكك ثم يفتش الدور ..ودخل ابن زياد وعقد لعمرو بن حريث وجعله على الناس ، فلما أصبح جلس للناس‏.‏ ولما أصبح بلال ابن تلك العجوز التي آوت مسلم بن عقيل أتى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأخبره بمكان ابن عقيل ، فأتى عبد الرحمن أباه وهو عند ابن زياد فأسر إليه بذلك ، فأخبر به محمدٌ ابن زياد، فقال له ابن زياد‏:‏ " قم فأتني به الساعة . " وبعث معه عمرو بن عبيد الله بن عباس السلمي في سبعين من قيس حتى أتوا الدار التي فيها ابن عقيل‏.‏ )
17 ـ ودافع مسلم بن عقيل عن نفسه بما استطاع ، وفى النهاية إنخدع بوعد محمد بن اسحاق فسلّم نفسه جريحا ، بينما رفض القائد الآخر إعطاءه الأمان بل نزع سلاحه ، فأيقن مسلم بالغدر، تقول الرواية عن مسلم عندما أحسّ بمجىء الحملة لاعتقاله : ( فلما سمع الأصوات عرف أنه قد أتي فخرج إليهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عاودا إليه فحمل عليهم فأخرجهم مرارًا وضرب بكير بن حمران الأحمري فم مسلم فقطع شفته العليا وسقطت ثنيتاه وضربه مسلم على رأسه وثنى بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع على جوفه فلما رأوا ذلك أشرفوا على سطح البيت وجعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في القصب ويلقونها عليه‏.‏ فلما رأى ذلك خرج عليهم بسيفه فقاتلهم في السكة فقال له محمد بن الأشعث‏:‏ لك الأمان فلا تقتل نفسك‏!‏ فأقبل يقاتلهم وهو يقول‏( شعرا ) :‏
أقسمت لا أقتل إلا حرًا وإن رأيت الموت شيئًا نكرا
أو يخلط البارد سخنًا مرًا رد شعاع الشمس فاستقرا
كل امرىءٍ يومًا يلاقي شرًا أخاف أن أكذب أو أغرا
فقال له محمد‏( ابن الأشعث ):‏ "إنك لا تُكذب ولا تُخدع .القوم ( يعنى بنو أمية ) بنو عمك وليسوا بقاتليك ولا ضاربيك‏.‏". وكان قد أثخن بالحجارة وعجز عن القتال ، فأسند ظهره إلى حائط تلك الدار ، فآمنه ابن الأشعث والناس ، غير عمرو بن عبيد الله السلمي، فإنه قال‏:‏ " لا ناقة لي في هذا ولا جمل " ، وأتي ببغلة فحُمل عليها ، وانتزعوا سيفه ، فكأنه أيس من نفسه ، فدمعت عيناه ، ثم قال‏:‏ "هذا أول الغدر‏.‏!". قال محمد‏( ابن الشعث ):‏" أرجو أن لا يكون عليك بأس‏.‏ ". قال‏:‏ " وما هو إلا الرجاء؟ أين أمانكم ؟! "ثم بكى‏.‏ فقال له عمرو بن عبيد الله بن عباس السلمي‏:‏ " من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل بك لم يبك‏!‏ " فقال‏:‏ " ما أبكي لنفسي ، ولكني أبكي لأهلي المنقلبين إليكم .! أبكي للحسين وآل الحسين‏.‏.!! ثم قال لمحمد بن الأشعث‏:‏ " إني أراك ستعجز عن أماني ، فهل تستطيع أن تبعث من عندك رجلًا يخبر الحسين بحالي ويقول له عني ليرجع بأهل بيته ولا يغره أهل الكوفة، فإنهم أصحاب أبيك الذين كان يتمنى فراقهم بالموت أو القتل؟ " فقال له ابن الأشعث‏:‏ " والله لأفعلن‏!‏ " ثم كتب بما قال مسلم إلى الحسين ، فلقيه الرسول بزبالة ( مكان اسمه زبالة ) فأخبره ، ( أى أخبر الحسين ) فقال‏( الحسين ) :‏ " كلما قدر نازلٌ عند الله نحتسب أنفسنا وفساد أمتنا‏.‏ ".! وكان سبب مسيره من مكة كتاب مسلم إليه يخبره أنه بايعه ثمانية عشر ألفًا ويستحثه للقدوم‏.‏.
18 ـ وجىء بمسلم الى قصر عبيد الله بن زياد ، وطلب محمد بن الأشعث من ابن زياد بأن يفى بعهد الأمان الذى قطعه بن الأشعث لمسلم ، فرفض ابن زياد . ، تقول الرواية : ( وأما مسلم فإن محمدًا قدم به القصر ودخل محمد على عبيد الله فأخبره الخبر وأمانه له فقال له عبيد الله‏:‏ " ما أنت والأمان‏!‏ ما أرسلناك لتؤمنه إنما أرسلناك لتأتينا به‏!‏ " ، فسكت محمد. ولما جلس مسلم على باب القصر رأى جرةً فيها ماء بارد فقال‏:‏ " اسقوني من هذا الماء‏." ‏ فقال له مسلم بن عمرو الباهلي‏:‏ " أتراها ما أبردها‏!‏ والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم‏!‏" فقال لهم ابن عقيل‏:‏ " من أنت قال‏:‏ أنا من عرف الحق إذ تركته ونصح الأمة والإمام إذ غششته وسمع وأطاع إذ عصيته أنا مسلم بن عمرو‏.‏ " . فقال له ابن عقيل‏:‏ " لأمك الثكل ، ما أجفاك وأفظك وأقسى قلبك وأغلظك‏!‏ أنت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني‏!‏ " ..‏ فدعا عمارة بن عقبة بماء بارد فصب له في قدح فأخذ ليشرب فامتلأ القدح دمًا ، ففعل ذلك ثلاثًا فقال‏:‏ " لو كان من الرزق المقسوم شربته‏.‏". وأُدخل على ابن زياد فلم يسلم عليه بالإمارة، فقال له الحرسي‏:‏ " ألا تسلم على الأمير ؟ " فقال‏:‏ " إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه ؟ وإن كان لا يريد قتلي فليكثرن تسليمي عليه‏.‏ " . فقال له ابن زياد‏:‏ "لعمري لتقتلن‏!‏ " فقال‏:‏ " كذلك ؟ "قال‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ فدعني أوصي إلى بعض قومي‏.‏ قال‏:‏ افعل‏. ‏فقال لعمر بن سعد‏ ( ابن أبى وقّاص ) :‏" إن بيني وبينك قرابة ولي إليك حاجة وهي سر " ، فلم يمكّنه من ذكرها ، فقال له ابن زياد‏:‏ " لا تمتنع من حاجة ابن عمك‏.‏" ، فقام معه ، فقال‏:‏ " إن عليّ بالكوفة دينًا استدنته منذ قدمت الكوفة ، سبعمائة درهم فاقضها عني ، وانظر جثتي فاستوهبها فوارها." فقال عمر لابن زياد‏:‏ إنه قال كذا وكذا‏.‏ فقال ابن زياد‏:‏ " لا يخونك الأمين ، ولكن قد يؤتمن الخائن ، أما مالك فهو لك تصنع به ما شئت ، وأما الحسين فإن لم يردنا لم نرده وإن أرادنا لم نكف عنه. وأما جثته فإنا لن نشفعك فيها".‏.‏ ثم قال ( ابن زياد ) لمسلم‏:‏ " يا ابن عقيل ، أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتت بينهم وتفرق كلمتهم‏!‏ " فقال‏ ( مسلم ) :‏ " كلا ، ولكن أهل هذا المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم وسفك دماءهم وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب والسنة‏.‏ "فقال‏ ( ابن زياد ) :‏ " وما أنت وذاك يا فاسق ؟ ألم يكن يعمل بذلك فيهم إذ أنت تشرب الخمر بالمدينة ؟ " قال‏:‏ " أنا أشرب الخمر‏!‏ والله إن الله يعلم أنك تعلم أنك غير صادق ، وأني لست كما ذكرت ، وإن أحق الناس بشرب الخمر مني من يلغ في دماء المسلمين فيقتل النفس التي حرم الله قتلها على الغضب والعداوة وهو يلهو ويلعب كأنه لم يصنع شيئًا‏.‏ " ، فقال له ابن زياد‏:‏ " قتلني الله إن لم أقتلك قتلةً لم يقتلها أحدٌ في الإسلام‏!‏ " قال‏:‏ " أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما ليس فيه ، أما إنك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السيرة ولؤم الغلبة ، ولا أحد من الناس أحق بها منك‏.‏ " . فشتمه ابن زياد وشتم الحسين وعليًا وعقيلًا ، فلم يكلمه مسلم . ثم أمر( ابن زياد ) به فأصعد فوق القصر لتضرب رقبته ويتبعوا رأسه جسده . فقال مسلم لابن الأشعث‏:‏ " والله لولا أمانك ما استسلمت قم بسيفك دوني قد أخفرت ذمتك‏.‏". فأصعد مسلم فوق القصر، وهو يستغفر ويسبح ،وأُشرف به على موضع الحدائين فضربت عنقه ، وكان الذي قتله بكير بن حمران الذي ضربه مسلم . ثم أتبع رأسه جسده‏.‏ فلما نزل بكير قال له ابن زياد‏:‏ " ما كان يقول وأنتم تصعدون به ؟ " قال‏:‏ " كان يسبح ويستغفر فلما أدنيته لأقتله قلت له‏:‏ ادن مني ، الحمد لله الذي أمكن منك وأقادني منك‏!‏ . فضربته ضربة لم تغن شيئًا فقال‏:‏ أما ترى في خدش تخدشينه وفاء من دمك أيها العبد ؟ فقال ابن زياد‏:‏ وفخرًا عند الموت‏!‏ قال‏:‏ ثم ضربته الثانية فقتلته‏.‏ "
19 ـ وحاول ابن الأشعث مع ابن زياد أن يعفو عن هانىء ، فلم ينجح ، ، تقول الرواية : ( وقام محمد بن الأشعث فكلم ابن زياد في هانئ وقال له‏:‏ قد عرفت منزلته في المصر وبيته وقد علم قومه أني أنا وصاحبي سقناه إليك فأنشدك الله لما وهبته لي فإني أكره عداوة قومه‏.‏ فوعده أن يفعل‏.‏ ) وحنث اين زياد بوعده بعد قتل مسلم ( فأمر بهانئ حين قتل مسلم فأخرج إلى السوق فضربت عنقه . ) ( وبعث ابن زياد برأسيهما إلى يزيد ، فكتب إليه يزيد يشكره ويقول له‏:‏" وقد بلغني أن الحسين قد توجه نحو العراق ، فضع المراصد والمسالح ، واحترس ، واحبس على التهمة ، وخذ على الظنة ، غير أن لا تقتل إلا من قاتلك‏.‏).



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار عن ( الأكراد ) لم يتم نشره فى الصحف الكردية
- تابع الرد على تعليقات على مقال ( هل كان من حق الحسين الثورة ...
- ردا على تعليقات على مقال ( هل كان من حق الحسين الثورة على يز ...
- ( وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 3 ) هل كان من حق الحسين الثورة على ( يزيد ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 2 ) قبل مذبحة كربلاء : العهد ليزيد بن معاو ...
- درب العوالم : ردا على خصومنا فى الدين :
- نقاش محتدم حول ( على ) والصحابة :
- ردا على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات(2 ) (تِلْكَ ...
- ردا على الإعتراضات علينا فى تاريخ صحابة الفتوحات (1 )
- وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّ ...
- ( كتاب الحج ب 6 ف 1 ) قبل مذبحة كربلاء ( معاوية والحسن والما ...
- تعليقات وردود على مقال ( على : خليفة فاشل ، قهره عصره )
- صفحة من كتاب ( أنباء الدهور وأنباء العصور: للشيخ أحمد صبحى ب ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 22 ) (على : خليفة فاشل ، قهره عصره )
- ( كتاب الحج ب 4 ف 21 ) إنتهاك الأشهر الحرم فى معركة صفين فى ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 20 ) ( خلافة على والانتقام الالهى فى موقعة ...
- ( كتاب الحج ب 4 ف 19 ) الانتقام الالهى من عثمان
- ( كتاب الحج ب 4 ف 18 ) انتهاك الأشهر الحّرم فى خلافة عثمان
- كتاب الحج ب 4 ف 17 : ) انتهاك الأشهر الحّرم فى خلافة عمر


المزيد.....




- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...
- الأرجنتين تطلب توقيف وزير الداخلية الإيراني بتهمة ضلوعه بتفج ...
- هل أصبحت أميركا أكثر علمانية؟
- اتفرج الآن على حزورة مع الأمورة…استقبل تردد قناة طيور الجنة ...
- خلال اتصال مع نائبة بايدن.. الرئيس الإسرائيلي يشدد على معارض ...
- تونس.. وزير الشؤون الدينية يقرر إطلاق اسم -غزة- على جامع بكل ...
- “toyor al janah” استقبل الآن التردد الجديد لقناة طيور الجنة ...
- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - (كتاب الحج ب 6 ف 4)قبيل مذبحة كربلاء:مراسلة الكوفيين الحسين وقتل مسلم بن عقيل